«معاوية الثاني» لـ هانى أبورطيبة.. حينما يصبح التنازل عن الحكم بطولة مسرحية!

«معاوية الثاني» لـ هانى أبورطيبة..   حينما يصبح التنازل عن الحكم بطولة مسرحية!

العدد 955 صدر بتاريخ 15ديسمبر2025

فى زمنٍ يتعالى فيه الصراع على العروش، وتُروى فيه الدماء باسم المُلك، تأتى مسرحية «معاوية الثاني» للكاتب والناقد هانى إسماعيل أبورطيبة،  لتُعيدنا إلى لحظة فريدة فى التاريخ، لحظة قرر فيها شاب أن يتنازل عن العرش لا عن الوعى، أن يختار طريق الانسحاب لا الانهزام، أن يقول «لا» لشهوة الحكم، فى وجه دولة لم تعترف إلا بمن يعتليها على جثة الحقيقة.
والكاتب هنا يفتح نافذة مسرحية على شخصية يكاد يمحوها التاريخ الرسمى، معاوية بن يزيد بن معاوية،  وهو الخليفة الثالث من الدولة الأموية، الذى تولى الحكم لفترة قصيرة، وعُرف بشخصيته الصالحة ورفضه لتوريث الخلافة، فكان هو الحاكم الذى لم يرضَ أن يكون تابعًا فى قصر الحكم، ولا أداة فى يد الطامحين، فاختار أن يُغادر المشهد، تاركًا خلفه سؤالًا لم يُجب عنه أحد: هل كان ضعفًا أم قمة الوعي؟
وبقى مع مرور الأزمنة «معاوية بن يزيد» شخصية فريدة فى التاريخ الإسلامى، والذى عُرف برفضه للسلطة رغم كونه خليفة، مما جعله يُعتبر رمزًا للعدل والاعتدال فى فترة كانت مليئة بالصراعات السياسية.

مواجهة درامية بين الضمير والتاريخ
ومسرحية «معاوية الثاني».. ليست فقط استعادة لشخصية منسية، لكنها مواجهة درامية بين الضمير والتاريخ، بين جيلين، بين الجد والحفيد، بين سؤال الحكم وسؤال الإنسان، وهى مسرحية صادمة، إنسانية، متسائلة، تُعيد بناء الأربعين يومًا التى تسنّم فيها معاوية الثانى الخلافة، قبل أن يتنازل عنها طواعية، فى لحظة مسرحية فارقة، تقلب الرواية الرسمية، وتفتح بابًا نحو تأملات عميقة فى طبيعة الحكم، وسلطة التاريخ، وشرعية الدم.
وصدرت مسرحية «معاوية الثاني»، هذا العام عن دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع، فى القاهرة وطبعت فى 102 صفحة من القطع الصغير.
وعنها يقول المؤلف: «لماذا معاوية الثانى؟!
منذ دراستى الجامعية وأنا أسأل نفسى من معاوية الثانى الذى لا يتوقف أمامه أحد؟ من ذلك الشاب الذى ترك ملك جده هكذا بمنتهى السهولة؟
كان الأمر غريبًا عليّ كبرت، وظل معاوية الثانى يراود أفكارى، فالحكم شهوة طاغية، والسلطة شهوات لا تضاهيها أى شهوة، فكيف لرجل أن يتخلى عنها بمثل هذه السهولة، ولو كان كما أشاعوا عنه ضعيفًا فلماذا لم يستغل أحد من بنى أمية ضعفه، ويثبته فى الحكم ويحكم من خلاله حتى تسنح الفرصة ويستولى هو على العرش.
ويتابع: «بحثت فى كتب التاريخ عنه، كانت المعلومات عنه يسيرة ومتضاربة، فمن المؤرخين من يذكره بالضعف، ويسميه «أبو ليلى» كناية عن ضعفه ومنهم من يقول إنه تخلى عن الحكم رغبة منه فى الخلاص من الدم الذى يحيط به، لكن ما لفت نظرى المقولة المنسوبة له، التى لا يقولها إلا من يعى حقيقة ما يفعل، فلقد نسب له أنه قال تمنيت لو كنت أبا بكر واخترت لك مثل عمر، لكننى لست بأبى بكر، ولم أر فيك مثل عمر، ثم ترك الحكم واعتزل حتى مات بعد 40 يومًا تقريبًا.
لم أصدق كلام المؤرخين عنه، وفهمت أن تاريخ الرجل كتبه غيره، كتبه المنتصرون، والمنتصرون هنا هم الفرع المروانى من الأسرة الأموية، وكان من الطبيعى أن يطمسوا سيرة معاوية الثانى تمامًا؛ لأن وجود ذكراه ستتسبب فى كثير من المشاكل لهم، فوجوده سيرته يعنى المناداة برؤيته أو فكره فى أن الحكم هذا غير شرعى، وأنه حكم جاء بالدم ».
ويشير الكاتب: «فتشت كثيرًا فى كتب القدماء والمحدثين، لكننى كنت وصلت لحقيقة مهمة أن التاريخ لا يحمل كل الروايات الصادقة، وأنه موجه فى كثير من أخباره، فقررت أن أكون تلك الصورة عن معاوية الثانى رضى الله عنه».
«وفى عام 2017م عدت للبحث عن معاوية الثانى مرة أخرى، واهتديت إلى أن أكتب سيرة الأربعين يومًا التى قضاها من وصوله للحكم ثم تنازله ثم موته، وبدأت فى كتابة المسرحية، التى انتهيت منها عام 2019م، وتركتها حبيسة دفاتري.

معاوية الثانى هو الحل الأمثل للخلاص من فتنة الدم
ويؤكد الكاتب: «معاوية الثانى (رضى الله عنه) بالنسبة لى هو فكرة إنسانية طموح، لو كانت تحققت لنجى العالم الإسلامى من تلك الانقسامات المريرة والحروب والمذهبية القميئة، فكل مشاكلنا حتى يومنا هذه كانت بسبب معاوية بن أبى سفيان، وكان معاوية الثانى هو الحل الأمثل للخلاص من فتنة الدم التى تطاردنا لعنتها حتى يومنا هذا، لكن النبيل الصادق لا مكان له فى هذا العالم، فالكل عاند معاوية الثانى، الطامعون فى الحكم من أهله نعتوه بأبى ليلى، المأبون، والمأفون) وقللوا من شأنه، والمعارضون لبنى أمية لم يلتفتوا له أصلًا ولم يعيروا فكرى تخليه عن الحكم ونظرته أى اهتمام، وكان هذا ناتجًا عن رغبته فى الوثوب على كرسى الحكم، فلم يكن هناك من يفكر فى مصلحة الرعية أو المسلمين أو الناس، الكل كان يريد الحكم، ومعاوية الثانى كان عدوًا لهم؛ لأن دعوته للتخلى عن الحكم والبحث عن شبيه أبى بكر وعمر ستقتل أطماعهم؛ لذلك تغافلوا عنه. والعوام خضعوا لاستعمار الوعى من خلال أبواق الأمويين، وانشغلوا بالصراع الدموى المحتدم بين الأمويين والزبيريين، وبعد استتباب الحكم لمروان ثم عبد الملك تم محو معاوية الثانى تماما من الوجود، وكأنه الرجل لم يمر من هذا الكون».
وهنا يحضر تساؤل الكاتب مجددا: « لماذا الفن المسرحى وليس الرواية؟  
ويجيب: «من وجهة نظرى المسرحية هى أفضل الفنون تعبيرًا عن القضايا الفكرية وتصوير الأحداث بكل ما تحمل من مضامين كثيفة، كما أنها حية، تقوم على الحوار المتبادل، الذى يتمكن من التعبير عن الرؤى، وكذلك يحمل العديد من المضامين الكثيفة التى يعجز السرد عن أدائها، كما أن الرواية الآن أصبحت مستهلكة، وجذبت من يملك الفكر والموهبة ومن لا يملك حتى إجادة القراءة والكتابة، فالمسرحية هى الأقدر من وجهة نظرى على التعبير الدرامي».

لماذا معاوية الثانى الآن؟
ويلفت الكاتب إلى أن المسرحية ظلت حبيسة دفاتره، فيقول: «لكن فى ظل الأوضاع الآن، والأحداث المتلاحقة، والتغيرات العنيفة قررت أن أنشرها، ربما لأنها تعبر عن وضعنا الحالى من زاوية ما، وشجعتنى دار أم الدنيا والكاتبة الصحفية ولاء أبوستيت، على نشرها، وكانت تلح على فى هذا الأمر، وعندما أرسلتها لها، قابلتها استقبالًا طيبًا للغاية مما حفزنى وغامرت بنشرها».

مشهد من أجواء المسرحية
ومن أجواء المسرحية: «الصاخب أثناء نومه، رأى جده فى المنام، جاءه بوجه جاد.
معاوية الكبير: قم يا معاوية أهذا وقت نوم بعد أن أشعلت النيران فى بنى أمية؟!
معاوية الثاني: من أنت؟ أرانى أعرفك؟
معاوية الكبير: أنا الذى تسعى لقتل حلمه، الذى سعى لتأسيسه منذ دخل الإسلام، ووطأت قدماه بلاد الشام.
معاوية الثاني: جدى معاوية رضى الله عنك يا جدى فى مرقدك.
معاوية الكبير: تُؤرق مضجعى يا معاوية، تسعى لتخريب ملكى وطموحى، الذى غامرت بالكثير كى أصنعه.
معاوية الثاني: إنى يا جدى أصحح المسار، مسار الدولة التى لا بد أن تسود، ويسود معها العدل والمساواة.
معاوية الكبير: ما هذا العبث، الذى تنطق به، أية مساواة وأى عدل تقصد؟!
معاوية الثاني: الذى جاء به الإسلام، وطبّقه الخلفاء الأُول يا جدي.
معاوية الكبير: أترانى ظالمًا؟!
معاوية الثاني: يا جدى الثورة مشتعلة فى كل مكان».


همت مصطفى