أحتفظ ببضع أوراق فى ملف رقم «232» خاص بفرقة ثلاثى أضواء المسرح منذ عام 1974، حول مسرحية بعنوان «كيف تعاملين الكلب زوجك»! أعلم أنه عنوان شاذ وغريب! ولكن الأغرب أن النص ليس مسرحية بل مجرد فكرة مسرحية مكتوبة، تقدمت بها الفرقة إلى الرقابة من أجل التصريح بها، ومن ثم يقوم المؤلف بكتابة المسرحية! ولأنها فكرة غريبة، وطريقة أغرب فى تعامل الفرقة مع الرقابة، ولأنها أيضًا أول تجربة تمر على الرقابة، فكان لا بد من تناولها من أجل توثيقها للتاريخ، ومن أجل حث الباحثين حول استكشاف هذه الفكرة: هل تمت بالفعل وكُتبت حولها مسرحية؟! هذه خلاصة الموضوع والآن نأتى إلى تفاصيله: مكتوب على الصفحة الأولى من صفحات الملف: فرقة ثلاثى أضواء المسرح تقدم ملخص موضوع مسرحى «كيف تعاملين الوحش زوجك»، تأليف «حسين عبدالنبى»، إخراج «نور الدمرداش». وتم تقديمه إلى الرقابة للتصريح به يوم 21/4/1974. والملاحظ أن كلمة «الوحش» مكتوبة بقلم جاف أحمر فوق كلمة مشطوبة مكتوبة بالآلة الكاتبة، والكلمة المشطوبة هى «الكلب»! مما يعنى أن اسم النص المسرحى هو «كيف تعاملين الكلب زوجك»! وهناك إضافة اسم «محمد» بالقلم الجاف الأزرق قبل اسم المؤلف، بمعنى أن اسمه كاملًا «محمد حسين عبدالنبي».كتبت الرقيبة «لواحظ عبدالمقصود» تقريرًا قالت فيه: «ملخص هذه المسرحية يدور حول الزوج خالد الذى يقنع زوجته ليلى بأن الزواج السعيد هو أن يعيش الزوج بنفس الطريقة التى كان يعيش عليها قبل الزواج. تتعرف ليلى بجارتها هند التى تقدم لها كتاب بعنوان «كيف تعاملين كلبك» وتطلب منها الاستعانة به فى معاملة زوجها. وبدأت تتبع ما جاء فيه من تعليمات وقد ظهرت أثر هذه المعاملة بأن أصبح خالد يقيم فى المنزل فترة طويلة ويهتم بزوجته، ولكنه يكتشف ما وراء هذا التغيير ويتفق مع جاره سعيد زوج هند ويتظاهرا بالخيانة وفى النهاية تقتنع الزوجتان بخطئهما وأن الحنان يجب توافره بين الزوجين ليصبح الزواج سعيدًا. «الرأي» تعتمد المسرحية على تشبيه الزوج بالكلب مما يجعل هذا التشبيه غير لائق، وأقترح تغيير هذا التشبيه حتى تصبح المسرحية مناسبة للعرض”.وقالت الرقيبة «ثريا الجندى» فى تقريرها: «ليست هذه مسرحية وإنما هى ملخص أو فكرة لمسرحية تدور حول زوجة شاءت لها الظروف أن تلتقى زوجة أخرى رأت فى معاملتها لزوجها وعلاقته بها ما جعلها تسألها عن كيفية معاملة الزوج الذى يجعله مطيعًا لها إلى هذا الحد فأعطتها كتابًا عن كيفية معاملة الكلاب وأخبرتها أن عليها أن تعرف من صفات أنواع الكلاب أقرب نوع إلى زوجها وعلى هذا الأساس تعامله كما جاء فى الكتاب.. ونفذت الزوجة تعليمات الكتاب بدقة وبدأت تطبق معاملة الكتاب على معاملة الزوج ورأى الزوج فى اهتمام زوجته به وعطفها عليه ما جعله يتغير فعلًا فى معاملتها هو الآخر وجاءت النتيجة طيبة فى البداية إلى أن التقى الزوجان زوج الأولى والثانية وبدأ الأخير يشكو من زوجته وسيطرتها الشديدة عليه وأنه يفكر فى طلاقها وتفاجأ ليلى التى أطاعتها فى تنفيذ تعليمات الكتاب التى جاءت عن الكلاب ولكن هند تقنعها بأن هذا مجرد نباح لأن هذه هى عادة الكلاب.. ويكتشف خالد زوج ليلى الكتاب فيثور ويغضب ويخبر سعد زوج هند ويفكرا فى طريقة لعقاب الزوجتين فيقررا أن يتظاهرا ببعض صفات الكلاب كعدم وفاء الكلب لانثى معينة.. وتقع بسبب ذلك خلافات كثيرة تنتهى بمصارحة الجميع لبعض وتقتنع هند وليلى أنه لا علاقة بين الكلب والزوج وبذلك تنتهى المسرحية فقد انصلح حال هند وليلى مع زوجيهما. «الرأي» أولًا: هذه كما قلت فى البداية ليست مسرحية وإنما مجرد فكرة ولم يسبق لنا أن أبدينا رأينا فى فكرة أو ملخص وإنما يجب أن تقدم المسرحية ذاتها حتى نتمكن من إبداء الرأى. ثانيًا: بالنسبة للفكرة فى حد ذاتها بهذه الصورة لم أستطع الاقتناع بها ولا أقبل هذه العلاقة التى أنشأتها هاتين الزوجتين بين الزوج والكلب فالإنسان إنسان قبل كل شيء.. والعلاقة الزوجية أسمى من ذلك، فالواقع أننى أرفض هذه الفكرة تمامًا وأرى عدم الترخيص بمسرحية تحمل هذه الفكرة».التقرير الثالث جاء فيه الآتي: بشأن ملخص مسرحية «كيف تعاملين الوحش زوجك» تدور الفكرة حول العلاقة بين الزوج وزوجته وكيف أن الزوجة تقتدى بإحدى صديقاتها فى قراءة كتاب فى معاملة الكلاب لكى تعامل زوجها مثل الكلب.. وعندما يلحظ الزوج ذلك يتفق مع زوج صديقتها على السلوك مثل ما تفعل الكلاب فى أن يلوف بأى امرأة يراها. «الرأي» هذه أول سابقة يتقدم فيها المؤلف طالبًا الترخيص بالفكرة قبل إتمام المسرحية. هذا والفكرة التى يقترح المؤلف فيها تشبيه الزوج بالكلب لا يمكن الموافقة عليها للأسباب الآتية: أولًا: بالنظر إلى أن لفظ كلب يعدّ بالمعنى العام سبًا. ثانيًا: حتى لو أننا نظرنا إلى أن الوفاء والأمانة من طبع الكلاب إلا أنه لا يمكن وصف الإنسان بذلك، لما يحمل فى طياته من مدح فى صورة ذم. ثالثًا: يسلك الكلاب سلوكًا غير سليم عند رؤية الانثى غير زوجته. لذا أرى عدم الموافقة على هذا التشبيه واستبدال هذه الفكرة بأن الصديقة قد أعطت الزوجة كتابًا حول ترويض الوحوش وبهذا تتلافى كل الاعتراضات عن وصف الكلب للزوج. ولهذا أرى عدم صلاحية هذا الموضوع بحالته الراهنة، وهذا للعرض برجاء التفضل بالنظر. [تم تأشيرة مدير مراقبة المسرحيات] «أوافق على رأى السادة الرقباء فى أن الموضوع بحالته الراهنة لا يصلح لأن يكون أساسًا لمسرحية، فلا يجوز تشبيه العلاقة الزوجية والنزول بها إلى هذا المستوى. وقد قرأ المسرحية كل من: السيدة ثريا الجندى ورأت عدم الترخيص بالفكرة، والسيدة لواحظ عبدالمقصود ورأت تغيير الفكرة، والسيد فاروق البهائى ورأى عدم الترخيص بالفكرة بحالتها الراهنة. [تأشيرة أخرى من المدير العام اعتدال ممتاز] «يعتمد الرأى ويعرض على اللجنة الاستشارية».وأخيرًا وجدت - على ورق رسمى من الفرقة - خطابًا رسميًا مكتوبًا فى ترويسته: «فرقة ثلاثى أضواء المسرح» مسرح الهوسابير ت: 42233.. “السيد مدير الرقابة على المصنفات الفنية، تحية طيبة وبعد.. بالإشارة إلى ملخص مسرحية «كيف تعاملين الوحش زوجك» تأليف الأستاذ حسين مصطفى عبدالنبى نرجو التكرم بصرف النظر عن طلبنا لترخيص الملخص حيث إننا سنوافيكم بالمسرحية نفسها فى مدى أسبوع من تاريخه. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام. [توقيع] مدير الفرقة 15/6/1974”. وللأسف لم تتقدم الفرقة بأية مسرحية تحمل اسم «كيف تعاملين الوحش زوجك» أو أية مسرحية حول الفكرة المقدمة، وهذا حسب اجتهادى المتواضع، ولكن الأمر متروك للباحثين مستقبلًا، ربما يجدون ما لم أجده! وحتى أوفر لهم كل ما لدى، سأنقل هنا الفكرة كاملة كما قدمتها الفرقة إلى الرقابة، وهذا نصها:«مقدمة»: لو أن كل زوجة اهتمت بزوجها مجرد اهتمامها بحيوان أليف تربيه فى منزلها.. وليكن كلبها.. لعاشت كل أسرة فى سلام.. وسعادة. «ملخص الموضوع»: كانت ليلى زوجة محبة ومطيعة لزوجها خالد.. وقد أقنعها منذ أن تزوجا.. أن الزوجة الناجحة هى التى تحاول أن تغير من طريقة استمتاع زوجها بحياته.. وإنما تلك التى تحاول أن تجعله يستمتع بها أكثر.. على طريقته.. فليس معنى الزواج أن يغير الزوج من طريقة حياته.. أو عاداته.. وكانت والدتها فرحانة كثيرًا ما تحاول أن تلفت نظرها إلى أن طبيعة الزواج غير ذلك.. وأن كلًا من الزوجين بعد الزواج ينبغى أن يغير من طريقة حياته بحيث تتمشى مع مصلحة الطرف الآخر.. فلا يحق أن تترك الزوجة زوجها يمارس حياته كما كان يمارسها قبل الزواج.. كثيرًا ما يتناول طعام الغذاء فى الخارج بحجة العمل.. ودائمًا يقضى سهراته مع أصدقائه بالنادى.. تاركًا إياها وحيدة بالمنزل.. غير أن ليلى.. كانت لحبها لزوجها خالد.. تبعد دائمًا عن رأسها أفكار والدتها فرحانة.. إلى أن انتقل الزوجان ليلى وخالد إلى شقة جديدة بعمارة حديثة.. حيث التقت ليلى هناك بزوجين على النقيض من حياتهما.. فالزوج سعيد دائمًا مع زوجته هند.. لا يفارقها أبدًا إلا أوقات عمله.. أما فى الأوقات الأخرى فهو معها سواء كان عليهم أن يبقيا فى المنزل أو يخرجا لقضاء أوقاتهما بالخارج.. وكان سعد مطيعًا لزوجته لدرجة أنه كان يترك لها حرية إبداء الآراء بدلًا عنه.. وقد أفهمت هند ليلى أن حياتها هى الحياة الزوجية كما ينبغى أن تكون. وبدأت ليلى تفكر وتقارن بين حياتها وحياة هند.. بدأت تقتنع أنها يجب أن تغير من طريقة حياتها مع زوجها.. وعندما سألت هند عن الطريقة التى استطاعت بها أن تجعل زوجها سعد.. ذلك الزوج المطيع.. قدمت إليها هند كتابًا.. هو «كيف تعاملين كلبك» كتبه مؤلفه للسيدة المصرية ليعلمها كيف تهامل الكلب.. ذلك الحيوان الأليف الذى دائمًا ما يختار سيده بالمنزل.. أما رب الأسرة.. أو أحد الأبناء.. مع أن سيدة الدار هى أكثر الناس أحقية بأن يختارها سيدته لأنها تمضى معه أطول فترة.. والسبب أن السيدة دائمًا وإن كانت أكثر عطفًا إلا أنها لا تحسن معاملة الكلب.. وفقًا للأصول العلمية.. وقد قسم صاحب الكتاب.. مؤلفه على عدة أجزاء.. لكل صنف من أصناف الكلاب جزء تختلف طريقة معاملته عن الصنف الآخر.. قدمت هند الكتاب إلى ليلى مدعية أنها تتبع طريقة معاملة الكلاب البزرميط مع زوجها سعد.. وهذه الطريقة تأخذ الكلب دائمًا بالعنف والسيطرة حتى تستقيم حياته.. وأن على ليلى أن تكتشف أولًا الصنف الأقرب إلى طباع زوجها.. وأن تعامله نفس معاملته.. وستجد النتيجة مرضية تمامًا.. وبعد مجهود.. اقتنعت ليلى بأن تجرب.. واستطاعت بعد عدة ملاحظات أن تعين الصنف الأقرب إلى زوجها.. وكان صنف الكلاب الوولف «الشيان لو» وهذا الصنف يعامل بعناية تامة وعطف كبير.. وبدأت تنفذ تعليمات الكتاب فى طريقة معاملته.. الفراش ينبغى أن يكون له فراش خاص.. وغيرت حجرة النوم.. وجعلت لكل منهما فراشًا خاصًا.. وينبغى لكى يتعود فراشه الجديد أن يجدك بجانبه على هذا الفراش.. ويعود الزوج ويفاجأ بغرفة النوم الجديدة.. وبزوجته وهى تلاطفه بطريقة لم يسبق لها أن لاطفته بها.. ويحس على حد قوله بأنه عريس جديد يبدأ شهر العسل.. وفى الصباح كان عليها أن تشرف على حمامه بنفسها.. كما ينصح الكتاب وأن تقوم بتمشيط شعره بيدها.. وكذلك بتقليم أظافره.. ويجد خالد نفسه محاطًا برعاية غير طبيعية من زوجته.. الأمر الذى يشجعه على أن يبقى بالمنزل أطول فترة ممكنه.. وأن يعطى زوجته المزيد من الرعاية والتدليل.. وهكذا تتأكد ليلى من نجاح الكتاب.. الذى سبق أن أثبت نجاحه مع هند. ولم تكن ليلى قد أخبرت والدتها بموضوع الكتاب عندما لاحظت «فرحانة» والدة ليلى التغيير الذى طرأ على حياة خالد زوج ابنتها وعللته بأنه بسبب هند.. التى ربما أعجب بها الزوج.. كطبيعة الأزواج الذين فى نظرها كثيرًا ما تكون أعينهم زايغة، وعندما تجد ليلى والدتها بموضوع الكتاب.. تنكره أولًا ثم تبدأ فى التحمس له عندما ترى بعض التجارب بعينها.. وكان لان لسعد أن يلتقى بخالد.. وأن يكتشف خالد أن سعيد يعيش كاتمًا غبظه من زوجته المسيطرة.. وأنه يفكر فى طلاقها.. على عكس خالد الذى يصف له الجنة التى أصبح يعيش فيها منذ انتقاله إلى مسكنه الجديد.. ويطلب خالد من ليلى أن تنصح هند بالاعتدال فى معاملة زوجها.. وتجزع ليلى.. التى تهتز ثقتها بالكتاب لأول مرة. ولكن عندما تحدث هند.. تضحك هند.. وتقول لها.. أليس من عادة الكلاب النباح عندما يلتقيا.. مجرد نباح.. يجب أن تسقطيه من اعتبارك.. ويكتشف خالد الكتاب.. ويثور بينه وبين نفسه بعد أن اكتشفه.. ويخبر سعد بأنهما فى نظر زوجتهما مجرد كلاب ويفكران فى الطلاق.. ولكن خالد يفكر فى طريقة أخرى لمعاقبتهما – وهى إنهما – ما داما فى نظرهما كلاب.. فليتظاهرا بأنهما يتصفا فعلًا بصفات الكلاب.. ومنها ما يفزع كل امرأة كعدم وفاء الكلب لانثى مصرية بالذات.. وتطلعه إلى أى شيء تلقى به مهما كانت.. ويتظاهرا فعلًا بهذه الصفات.. الأمر الذى يحدث عنه الكثير من الخلافات.. التى تؤدى فى النهاية إلى المصارحة.. وتقتنع الزوجتان بخطئهما.. وأن الموضوع لا يتعدى أن سعد كان صبورًا مع زوجته.. وأن خالد لمس من زوجته حنانًا غير عادى.. فانصلح حاله.. وأنه لا علاقة أبدًا بين الرجال والكلاب.. وأن لمسة الحنان واجبة بين الزوج وزوجته وأن هذا قول الحق.. وجعل بينكما مودة ورحمة.. وبهذا تعود الحياة السعيدة إلى الأسرتين.. وقد انصلح حال هند مع زوجها سعد كما انصلح حال خالد مع زوجته ليلى باستمرارها فى إعطائه الحنان والرعاية.