عمرو دوارة.. حارس ذاكرة المسرح ومؤسس الوعى التوثيقى فى مصر

عمرو دوارة.. حارس ذاكرة المسرح ومؤسس الوعى التوثيقى فى مصر

العدد 947 صدر بتاريخ 20أكتوبر2025

فى ذاكرة المسرح المصرى أسماء كثيرة، لكنها نادرًا ما تجتمع فى شخص واحد أدوار: الفنان، والباحث، والمؤرخ، والمنظّم، والمحبّ. فى قلب هذه الندرة يقف الدكتور عمرو دوارة، أحد أكثر الشخصيات حضورًا وتأثيرًا فى المشهد المسرحى المصرى والعربى خلال العقود الأربعة الأخيرة.
لم يكن د. عمرو دوارة ناقدًا بالمعنى الأكاديمى الجاف، ولا مخرجًا يسعى إلى النجومية، بل كان مشروعًا ثقافيًا فى ذاته، نذر حياته لبناء ذاكرة للمسرح المصرى، وجعل من التوثيق فعلًا مسرحيًا مضادًا للنسيان، ومن الأرشيف ساحة إبداع موازية.
كان يدرك أن المسرح فنٌّ زائل بطبيعته، وأن العرض ينتهى بمجرد إسدال الستار، لكن الذاكرة وحدها قادرة على منحه حياة ثانية. لذلك لم يكتفِ بأن يكون متفرجًا على ما يُنتج، بل قرّر أن يكون الحارس الذى يحفظ، ويعيد الصياغة، ويكتب التاريخ من جديد، بدقّة المحقق، ووجدان العاشق.
البدايات والمسيرة العلمية والفنية
ولد د. عمرو دوارة فى حى محرم بك فى الإسكندرية فى العاشر من مايو عام 1955م، فى زمن كان المسرح فيه ما يزال ركنًا من أركان الوعى العام، وتربّى فى بيئة فنية جعلته قريبًا من الخشبة، ومتورطًا فى سحرها منذ صغره. حصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة عام 1978، ثم دبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها عام 1984، ودبلوم المعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون عام 1984، ثم نال درجة الماجستير فى فلسفة الفنون عام 1994 من أكاديمية الفنون بعنوان «مسرح الهواة بين الشكل والمضمون» بتقدير امتياز، أعقبها بدرجة الدكتوراه فى فلسفة الفنون عام 2002 من الأكاديمية نفسها بعنوان «الإخراج المسرحى بين مسارح الدولة والمحترفين» بتقدير عام امتياز، كما عمل أستاذًا لمادة المسرح العربى ودراما الأطفال بجامعة جنوب الوادى خلال الفترة من 1998 إلى 2010.
لم يكن دوارة يومًا منغلقًا داخل أسوار الأكاديمية، بل انفتح على الواقع المسرحى بكل تناقضاته؛ كتب، أخرج، نظّم مهرجانات، أسّس جمعيات، وشارك فى مئات الفعاليات داخل مصر وخارجها.
وقد اتسمت مسيرته بالجمع بين الوعى النقدى والعمل الميداني؛ فكان فى آن واحد: مخرجًا يُجرّب، وناقدًا يُحلّل، ومؤرخًا يُوثّق، ومديرًا يسعى لتوحيد الجهود المسرحية فى كيان مؤسسى مستقل. كان يؤمن أن الفن لا يزدهر إلا بالحرية، وأن الإبداع الفردى يحتاج إلى مؤسسات تُحيطه وتدعمه وتمنحه صوتًا. ومن هنا وُلدت فكرته الكبرى التى ستغيّر وجه المسرح الأهلى فى مصر: تأسيس الجمعية المصرية لهواة المسرح عام 1982.
الجمعية المصرية لهواة المسرح
حين أطلق د. عمرو دوارة فكرته بتأسيس الجمعية المصرية لهواة المسرح، كانت الثمانينيات فترة تشهد سيطرة الدولة على معظم الفرق وغياب الدعم عن الهواة، فجاءت الجمعية لتكسر هذا الاحتكار، وتفتح فضاءً جديدًا للفن الشعبى المستقل.
فى أكتوبر 1982، تمّ إشهار الجمعية رسميًا بعد مجهود شخصى ضخم بذله دوارة مع مجموعة من الزملاء والفنانين المؤمنين بالمسرح كقوة اجتماعية. وسرعان ما أصبحت الجمعية الممثل الشرعى الوحيد لحركة الهواة فى مصر، ثم انضمت إلى الاتحاد العالمى لجمعيات الهواة بالمسرح فى الدنمارك تحت رقم 37، وإلى المركز الدولى للمسرح بباريس (I.T.I)، لتتحول إلى كيان معترف به محليًا ودوليًا.
الرسالة والرؤية
كانت رؤية عمرو دوارة واضحة: أن يتحول المسرح من نشاط نخبوى إلى مشروع مجتمعى، يشارك فيه الشباب من مختلف المحافظات، بعيدًا عن التبعية للمؤسسات الرسمية أو المنطق التجارى للقطاع الخاص.
وقد وضعت الجمعية أهدافها فى ثلاثة محاور رئيسة:
•  نشر الوعى المسرحى وتدريب الهواة فنيًا وفكريًا.
•  خلق حركة مسرحية حرة تتجاوز مركزية العاصمة.
• تنسيق العلاقات بين الفرق وتبادل الخبرات والإمكانيات.
وهكذا تحوّلت الجمعية من فكرة إلى شبكة وطنية حقيقية تضم أكثر من 170 فرقة، وتمتد فروعها فى المحافظات، حتى غدت مظلة للفنانين الشباب، ومختبرًا دائمًا للتجريب والتعبير الحر.
فرسان المسرح: 
لم تتوقف الجمعية عند دعم الفرق، بل أسست فرقة مركزية نموذجية باسم «فرسان المسرح»، شاركت فى مهرجانات دولية فى اليابان وإيطاليا وتونس وسوريا والمغرب والأردن، ونالت جوائز عديدة عن عروض مثل العصا السوداء والليلة الكبيرة.
كانت هذه التجارب برهانًا على أن الهواية ليست مرحلة مؤقتة، بل صيغة فنية بديلة تمتلك طاقتها وجمهورها وكرامتها، وأن المسرح يمكن أن يخرج من القاعة الصغيرة إلى العالم دون أن يفقد روحه.
المهرجانات والمشروعات الكبرى
لم يكن د. عمرو دوارة يؤمن بالمهرجان كحدث موسمى يملأ الصحف لأيام ثم يخفت، بل رآه منهجًا للتدريب والتنوير.
فمنذ الثمانينيات، نظمت الجمعية المصرية لهواة المسرح عشرات المهرجانات المتخصصة، بلغ عددها أكثر من سبعة وعشرين مهرجانًا، كل منها يتمحور حول فكرة أو نوع مسرحى محدد، مثل:
مهرجان المونودراما (أول مهرجان من نوعه فى الوطن العربى عام 1984) - مهرجان الفصل الواحد – مهرجان المسرح الضاحك – مهرجان المسرح الاستعراضى - مهرجان المسرح الشعبى - مهرجان مسرح الطفل - مهرجان المسرح الصوفى والدينى - مهرجان المسرح العربى. 
لم تكن هذه المهرجانات احتفالات شكلية، بل مختبرات حية لإعادة التفكير فى أشكال العرض، حيث تتحول الندوات والحوارات إلى مساحة للتعلم النقدى التفاعلى.
كان دوارة يصرّ على أن تُعقد بعد كل عرض ندوة تحليلية، يتحدث فيها الجمهور والمخرجون والنقاد معًا، فى محاولة لخلق بيئة حوارية تُنتج معرفة جديدة بالمسرح، لا تكرّرها الجامعات فقط، بل تُختبر على الخشبة مباشرة.
وفى تلك المهرجانات وُلدت أصوات نقدية شابة كثيرة، وتكوّنت صداقات فنية شكلت لاحقًا ملامح الجيل المسرحى الجديد.
إنجاز دوارة الحقيقى لم يكن فى عدد المهرجانات، بل فى إرساء فكرة الاستمرارية؛ أن يبقى المسرح فعلًا دائمًا، لا مناسبة موسمية، وأن تصبح الندوة النقدية جزءًا من العرض نفسه، لا مجرد ملحقٍ به.
موسوعة المسرح المصرى المصوّرة
إذا كانت الجمعية والمهرجانات تمثل الجانب التطبيقى فى حياة د. عمرو دوارة، فإن موسوعة المسرح المصرى المصوّرة هى تتويج الجانب المعرفى والبحثى.
تُعدّ هذه الموسوعة، التى استغرق إعدادها ما يزيد على خمسة عشر عامًا، أضخم مشروع توثيقى فى تاريخ المسرح المصرى والعربى، إذ ضمّت بيانات وصورًا لأكثر من 6700 عرض مسرحى احترافى منذ عام 1870 حتى 2015.
عمل دوارة على المشروع بمجهود فردى شبه تام، دون دعم مؤسسى دائم، متحملًا أعباء البحث والتمويل والتدقيق بنفسه.
لم يكتفِ بتجميع العناوين أو الأسماء، بل عاد إلى الأرشيفات المنسية، وبرامج العروض الأصلية، والملصقات، والمذكرات، والصحف القديمة، ليعيد بناء خريطة المسرح المصرى منذ يعقوب صنوع وحتى عروض الدولة الحديثة.
واجه خلال عمله عشرات العقبات، منها: فقدان الأرشيفات الصحفية والمسرحية - تضارب التواريخ والأسماء بين المصادر - غياب المؤسسات البحثية المتخصصة.
ومع ذلك، خرج المشروع إلى النور فى 18 مجلدًا ضخمًا، كل منها وثيقة متكاملة تضم البيانات والصور والمراجع، مرتبة زمنيًا ومنهجيًا. لم تكن الموسوعة مجرد فهرس تاريخى، بل فعل مقاومة للنسيان.
كان دوارة يقول إن العرض المسرحى «لا يموت بانتهاء الليلة، بل حين لا يُكتب عنه»، ولذلك سعى إلى تحويل المسرح إلى أرشيف حى، تتكلم فيه الصورة كما تتكلم الكلمة.
لقد حفظت الموسوعة أسماء مئات الفنانين المجهولين الذين لم تذكرهم كتب التاريخ، وأعادت الاعتبار لعروض طواها الزمن، وجعلت من التوثيق نفسه عملًا مسرحيًا ذا بعد إنسانى ومعرفى.
يمكن القول إن «موسوعة المسرح المصرى المصوّرة» أعادت تعريف معنى المؤرخ المسرحى، فلم يعد شاهدًا على ما جرى، بل صانعًا لذاكرة الجماعة الفنية.
مبادرة عام المسرح المصرى 2020
من بين كل معارك د. عمرو دوارة الفكرية، تظل مبادرته لإعلان عام 2020 عامًا للاحتفال بمرور 150 عامًا على انطلاق المسرح المصرى الحديث، واحدة من أكثر المعارك دلالة على شخصيته. فحين خرج بعض الأصوات لتقول إن المسرح المصرى بدأ عام 1905، انتفض دوارة بصفته مؤرخًا مسؤولًا، ودافع بالوثائق والصور عن تاريخ يعقوب صنوع عام 1870 كبداية حقيقية للمسرح المصرى.
لم يكتفِ بالجدل النظرى، بل حوّل دفاعه إلى مبادرة وطنية شاملة. كتب مقالاته فى الصحف والمجلات، وناشد وزارة الثقافة، حتى صدر القرار الرسمى رقم 83 لسنة 2020 باعتماد المبادرة، لتصبح مصر كلها تحتفل بمرور قرن ونصف على ميلاد المسرح المصرى.
تُوجت المبادرة بإصدار كتابه المرجعى «المسرح المصرى.. 150 عامًا من الإبداع»، وبتنظيم سلسلة مؤتمرات وندوات واحتفالات فى المجلس الأعلى للثقافة وهيئة الكتاب وقصور الثقافة. كانت تلك اللحظة تتويجًا لدوره كمثقف لا يكتفى بالتأريخ، بل يشارك فى صناعة السياسات الثقافية نفسها.
أعاد دوارة من خلال هذه المبادرة الاعتبار للرواد المنسيين، وأثبت أن التوثيق ليس مجرد عمل مكتبى، بل معركة وعى وهوية، وأن الدفاع عن التاريخ هو دفاع عن وجودنا الفنى فى الحاضر.
دوارة الناقد، المخرج، المؤرخ، والإنسان
دوارة المخرج
على الرغم من انشغاله الهائل بالبحث والتوثيق، لم يتخلّ د. عمرو دوارة عن ممارسة الإخراج المسرحى، بل اعتبرها وسيلته المباشرة لاختبار أفكاره النظرية فى الميدان.
أخرج أكثر من 67 عرضًا مسرحيًا تنوعت بين فرق الهواة والمسرح المحترف، بين الكلاسيكى والمعاصر، بين الجاد والتجريبى. كانت عروضه دائمًا تحمل توقيعه المميز: احترام النص دون أن يخضع له، وإعلاء الممثل بوصفه مركز التجربة.
تميّزت أعماله بالوعى البصرى والاقتصاد فى الديكور، وبالرهان على طاقة الأداء الجسدى والتعبير الجماعى. وقدّم من خلالها عشرات الممثلين الشباب الذين صاروا فيما بعد رموزًا فى المسرح والدراما، لأنه كان يرى فى كل مشروع إخراجى مختبرًا تربويًا لا مجرد عرض عابر.
تعاونه مع كبار المخرجين أمثال كرم مطاوع وأحمد زكى فى مراحل مبكرة من حياته منحه عمقًا فنيًا وخبرةً تنظيمية جعلته يجمع بين الحس الأكاديمى وجرأة التجريب.
إنه من القلائل الذين يمكن القول إنهم مارسوا المسرح من جميع زواياه: تأليفًا، وإخراجًا، وتنظيمًا، ونقدًا، وتوثيقًا، فكان المخرج عنده امتدادًا للناقد، والناقد امتدادًا للمؤرخ.
دوارة الناقد
لم يكن د. عمرو دوارة ناقدًا تقليديًا يبحث عن الثغرات أو يوزّع الأحكام، بل كان مؤمنًا بأن النقد فعل بناء يهدف إلى الارتقاء بالوعى المسرحى، لا إلى إدانة المبدعين.
كتب مئات المقالات فى الصحف والمجلات، من بينها «الكواكب»، و«مسرحنا»، و«الهلال»، و«روز اليوسف»، و«أخبار الأدب»، وترك أثرًا واضحًا فى أسلوب تناول العرض المسرحى. امتاز نقده بثلاث سمات رئيسية:
•  الرؤية التطبيقية: كان يربط النص بالعرض، والفكرة بالتنفيذ، فيحاكم التجربة من داخلها لا من فوقها.
•  اللغة الواضحة: لا يتعالى بالمصطلحات الأكاديمية، بل يكتب بلغة قريبة من الفنان والجمهور.
• الإيمان بالتجريب والاختلاف: كان يرى أن المسرح الذى لا يغامر، لا يضيف، وأن دور الناقد هو حماية التجربة لا تقييدها.
فى نقده نلمح شخصية المربى أكثر من القاضى، فهو لا يبحث عن الأخطاء ليُدين، بل عن البذور ليُنمّيها. وقد ساهمت مقالاته التطبيقية وندواته الحيّة فى تخريج جيل من النقاد الشباب الذين تربّوا على فكرٍ يرى أن التحليل الفنى مسؤولية ثقافية لا مهنة معزولة.
دوارة المؤرخ.. حارس الذاكرة
يُعتبر د. عمرو دوارة بحق المؤرخ الأبرز للمسرح المصرى الحديث، ليس لأنه كتب موسوعة ضخمة فحسب، بل لأنه غيّر طريقة التفكير فى التوثيق نفسه.
كان يرى أن التاريخ المسرحى لا يُكتب فقط من أعلى، عبر المؤسسات الرسمية، بل يجب أن يشمل الهواة، والمستقلين، والمغمورين، والعروض المنسية، لأنهم يشكلون نسيج الحياة المسرحية الحقيقى.
بفضل دوارة أصبح لدينا أول أرشيف بصرى شامل للعروض المصرية منذ القرن التاسع عشر، وأول محاولة علمية لجمع أسماء المبدعين كافة فى سجل واحد.
لقد جسّد مفهوم «المؤرخ-الفنان» الذى لا يكتفى بالتوثيق البارد، بل يتعامل مع الذاكرة بوصفها كيانًا حيًا يتنفّس من خلال الحكايات والصور. وفى كل ما أنجزه، ظلّ يُردد أن «المسرح لا يعيش بالعرض فقط، بل بالذاكرة التى تحفظه بعد العرض». هكذا تحوّل من مجرد باحث إلى ضمير للمسرح المصرى، يحمل ذاكرته ويدافع عنها حتى آخر أيامه.
دوره العربى والدولى
لم تكن إسهامات د. عمرو دوارة محصورة داخل حدود مصر، بل امتدت إلى العالم العربى بأسره. حيث شارك فى أكثر من مائة مهرجان عربى ودولى، بين محكّم، ومكرّم، ومحاضر، وعضو لجان استشارية، فى دول مثل الجزائر والمغرب وتونس وسوريا والأردن والخليج واليمن.
كان صوتًا مصريًا عربيًا أصيلًا يدافع عن فكرة «المسرح العربى الواحد»، ويؤمن بأن التبادل الثقافى لا يعنى ذوبان الهوية، بل إثراءها.
من خلال حضوره العربى، ساهم فى تعريف العالم بتجارب الفرق المستقلة والهواة المصرية، وأعاد الاعتبار للمسرح المجتمعى كقوة ناعمة، قادرة على بناء الوعى الجمعى فى مواجهة السطحية والتسلية الفارغة.
جهوده فى جمعية هواة المسرح
ارتبط اسم د. عمرو دوارة بالجمعية المصرية لهواة المسرح كما يرتبط القلب بالجسد.
فقد ظلّ يرأسها من عام 1982 حتى 2015، وأشرف على مئات الأنشطة والدورات التدريبية، والورش الفنية، والكرنفالات المسرحية. وتحوّلت الجمعية على يديه من تجمع شبابى محدود إلى مؤسسة ثقافية ذات تأثير وطنى وعربى.
كانت فلسفته بسيطة وعميقة: «إن لم نصنع مؤسسات حرة تحمى الفن، سيبقى المسرح فى يد الصدفة».
وقد نجح بالفعل فى تحويل الحلم الفردى إلى كيان جمعى متماسك، يدرّب الأجيال الجديدة، ويخلق توازنًا بين فن الدولة وفن الشارع، بين الرسمى والمجتمعى، بين المحترف والهواة.
ماذا ترك دوارة للمسرح المصرى والعربى؟ 
رحل الجسد، لكن أثر د. عمرو دوارة باقٍ فى كل زاوية من زوايا المسرح المصرى.
ترك وراءه أرشيفًا نادرًا يضم آلاف الصور والعروض والوثائق التى تمثّل ذاكرة وطنية خالدة. ترك جيلًا من المسرحيين الذين تعلّموا منه أن الفن ليس مهنة فحسب، بل مسئولية أخلاقية وثقافية. ترك مهرجانات قائمة، وموسوعات حيّة، ومقالات تضىء الطريق لكل من يريد أن يكتب عن المسرح بصدق ووعى.
ولعل أعظم ما تركه هو الفكرة: أن يكون للمسرح ذاكرة، وللفنان ضمير، وللنقد هدف، وللتاريخ من يكتبه بحبٍّ لا بحياد ميت.
لقد عاش د. عمرو دوارة كما اسميت كتابى عنه فى عنوان كتابه: «حارس ذاكرة المسرح»، فهو لم يكن مجرد مؤرخ يسجل الماضى، بل حارسًا للمعنى، وضميرًا للمسرح، وصوتًا للصدق الفنى فى زمن يتغير.
رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه عن المسرح وأهله خير الجزاء. سيبقى اسمه محفورًا فى ذاكرة الفن العربى، شاهدًا على أن من يحرس الذاكرة، يحرس الوطن.


أحمد محمد الشريف

ahmadalsharif40@gmail.com‏