العدد 940 صدر بتاريخ 1سبتمبر2025
مع ظهور جيل جديد نشأ على ثقافة الإنترنت والفيديوهات القصيرة والتفاعل اللحظى عبر منصات مثل «تيك توك» و«إنستجرام»، يجد المسرح نفسه أمام تحدٍ مختلف: كيف يخاطب جمهورًا اعتاد السرعة والاختصار والصورة المكثفة؟
هل لا يزال قادرًا على الحفاظ على سحره المرتكز على الكلمة والتجربة الحية، أم أنه مضطر لتحديث لغته لتتلاءم مع ذائقة الجيل الرقمى؟
بين خشبة المسرح وشاشة الهاتف مسافة قد تبدو بعيدة، لكنها قابلة للاختزال إذا امتلك المبدعون الجرأة على التجديد دون أن يفقدوا جوهر الفن. فجيل السوشيال ميديا يبحث عن الإيقاع السريع والمؤثر البصرى، لكنه لا يزال متعطشًا للتجربة الحية التى تمنحها الخشبة.
ويبقى السؤال مطروحًا: هل سينجح المسرح فى تطوير لغته لاستيعاب هذا الجيل الرقمى مع الحفاظ على عمقه الفنى أم سيظل ملتزمًا بالخطاب التقليدى منتظرًا أن يلحق به الجمهور؟
هذا التحقيق يستعرض كيفية استجابة المسرح لتغير ذوق الجمهور الشاب، من خلال حوارات مع الممثلين والمخرجين والنقاد والكتاب ومصممى الديكور، لفهم انعكاس هذه التغيرات على الأداء والإخراج، وهل لا يزال النص الطويل قادرًا على جذب الانتباه، وهل أصبح المسرح بحاجة إلى وسائط رقمية ليظل جذابًا.
محمد سعد: إيقاع العرض يحدد شكل الديكور.. لا ذائقة السوشيال ميديا
يرى مهندس الديكور الدكتور محمد سعد أن انشغاله الأول كمصمم يظل مرتبطًا بالدراما ذاتها؛ بالنص، والرؤية الإخراجية، وما يريد المخرج أن يقوله من خلال العمل المسرحى. فكل ما يتبعه من تصميمات للمنظر ينبع من داخل العرض نفسه، لا من توقعات الجمهور ولا من إيقاع السوشيال ميديا السريعة. ويؤكد أن فكرة «التصميمات السريعة» لا وجود لها فى المسرح، فالإيقاع الذى قد يتطلب سرعة إنما هو إيقاع العرض نفسه، لا مجرد انعكاس لذائقة متفرج اعتاد الفيديوهات القصيرة.
ويشير إلى أن الصورة المسرحية لا تُختزل فى بساطة أو تسطيح من أجل إرضاء عين المتلقى الرقمى، بل على العكس، فالجمهور اليوم صار أكثر وعيًا بالتفاصيل، وأكثر قدرة على التقاط المعانى العميقة والرموز غير المباشرة. لذلك يحرص على أن تكون الصورة جميلة، ممتلئة بالتفاصيل الدقيقة والإشارات التى تتحدث بنفسها بعيدًا عن المباشرة التقليدية.
ويعترف سعد بأن الثقافة البصرية الجديدة، التى اعتادها جيل الألعاب الإلكترونية والفيديوهات ثلاثية الأبعاد، تؤثر بشكل أو بآخر على التلقى المسرحى. فالمشاهد الشاب صار معتادًا على الصور المجسمة المليئة بالتفاصيل، وهو ما يدفع المصمم إلى إدخال عناصر مجسمة تمنح المشهد عمقًا بصريًا. أما اللجوء إلى الشاشات والإسقاطات الضوئية، فيراه سلاحًا ذا حدين؛ فهو يمنح سرعة فى التغيير وتنويعًا فى الأداء، لكنه يفضل استخدامه بحذر شديد نظرًا للإفراط فى توظيفه من قبل كثير من العروض حتى أصبح مكررًا ومستهلكًا.
ويستشهد د. محمد سعد بتجارب واقعية من عروض على مسرح البالون أو القومى، حيث تُستخدم الشاشة كجزء مكمل يعمّق المنظر المسرحى، لا كعنصر بديل عن التجسيم. فالهدف فى النهاية هو خلق مشهد ممتد فى العمق، يمنح المتلقى إحساسًا بالحياة والتفاصيل، لا مجرد صورة عابرة تصلح للالتقاط والمشاركة.
د. السيد فهيم: المسرح يتطور مع روح العصر دون أن يفقد رقيه
يؤكد الكاتب والباحث الدكتور السيد فهيم أن الفنون، بطبيعتها، تعكس روح زمانها وطباعه، والدراما تحديدًا لا يمكن أن تنفصل عن الواقع الثقافى والاقتصادى والأيديولوجى، بل وحتى الجغرافى المحيط بها. ومن هنا، فإن التطور السريع فى الأوساط البديلة ومواقع التواصل الاجتماعى ترك أثرًا واضحًا على الفنون المرئية كافة، وكان من الطبيعى أن يتأثر المسرح أيضًا. ولو لم يحدث هذا التفاعل لوقع صدع بينه وبين جمهوره، لكن ما جرى كان العكس؛ إذ ساهمت سوشيال ميديا فى تعزيز الحركة المسرحية، وفتحت فضاءات جديدة للشباب كى يعرضوا إبداعاتهم ويتواصلوا مع جمهور أوسع.
وعن لغة النص المسرحى، يرى فهيم أنها تظل مرتبطة بروح العصر ولسان حاله. فالمسرح يعتمد على الكلمة المفهومة، سواء جاءت بشكل مباشر أو عبر إسقاطات. صحيح أن هناك تراكيب وتعابير لغوية مستحدثة، لكنها تبقى مقروءة ومفهومة للجمهور. ويشدد على أن هذه اللغة ليست فرضًا على الكاتب، بل إن المبدع الحقيقى لا ينفصل عن بيئته وثقافته، وإلا فشل فى التعبير عن أفكاره وموهبته.
ويشير فهيم إلى أن النصوص الكلاسيكية نفسها تُعاد قراءتها اليوم بإيقاعات أسرع ومشاهد أقصر أشبه بالسينما، مع جُمل حوارية رشيقة بديلة عن المونولوجات الطويلة، وذلك استجابة لذائقة الجمهور الحالى الذى لم يعد يحتمل عروضًا تتجاوز الساعتين. وهو ما لاقى بالفعل قبولًا واسعًا بين جمهور الشباب من أبناء جيل السوشيال ميديا.
أما النصوص المكتوبة حديثًا، فيعتبر فهيم أنه من الطبيعى أن تتحدث بلغة المرحلة وتعكس قضاياها ومشكلاتها، لكن دون الإخلال برقى الفكرة أو البناء الدرامى للشخصيات وتطورها. ويؤكد أن التجديد لا يعنى استنساخ تغريدات «تويتر» أو محاكاة منشورات «فيسبوك» وفيديوهات «تيك توك»، لأن المسرح أعمق من ذلك.
ويختم الدكتور السيد فهيم بالتأكيد على أن الفنون تتطور وتسمو مع تعاقب الأجيال وتحديات العلم، والتجربة أثبتت أن الرقى والجمال لا يتعارضان مع مواكبة العصر. بل على العكس، يظل الفن الراقى هو البوصلة الحقيقية لضبط إيقاع الحياة، والجذوة التى تنير السبل وتهدى العقول أمام تحديات الواقع.
هايدى عبدالخالق: المسرح فى زمن سوشيال ميديا يعيش حالة تحول
ترى الفنانة هايدى عبدالخالق أن علاقتها بالجمهور تغيّرت بوضوح فى السنوات الأخيرة مع صعود جيل «تيك توك» و«إنستجرام». فبينما كان اللقاء مع المتفرجين يقتصر قديمًا على الكواليس بعد انتهاء العرض، أصبح اليوم يحدث مباشرة فوق خشبة المسرح، حيث يلتقط الجمهور الصور ويسجل مقاطع الفيديو ويشارك آراءه على مواقع التواصل الاجتماعى. وتؤكد هايدى أن هذا التفاعل اللحظى صار جزءًا أساسيًا من صناعة الدعاية للعمل الفنى، سواء كانت الآراء إيجابية أم سلبية، لأن المسرح فى النهاية يُقدَّم للجمهور، وهو الهدف الذى يسعى إليه كل المبدعين.
وتشير إلى أن الجمهور الشاب أقل صبرًا من ذى قبل، وهو انعكاس طبيعى لإيقاع الحياة السريع. هذا ما دفع المسرحيين إلى إعادة النظر فى إيقاع العروض والكتابة وأسلوب الأداء، بحثًا عن طرق جديدة لشد انتباه المتلقى دون أن يشعر أنه يتلقى درسًا مباشرًا أو خطابًا توجيهيًا. وتعتبر أن التحدى يكمن فى إعادة «ترويض» المتفرج على الصبر والاستماع، لكن بلغة تناسب العصر.
ورغم أنها لم تكن نشطة بما يكفى على وسائل التواصل الاجتماعى فى فترات سابقة، تعترف هايدى بأنها باتت ترى أهميتها القصوى اليوم، خاصة بعدما أعادت الحركة المسرحية جذب الجمهور مرة أخرى. فالسوشيال ميديا أصبحت جسرًا بين الفنان والمتلقى، إذ تقدم شهادات حيّة من أشخاص عاديين حول تجربتهم داخل المسرح، وتجذب دوائر جديدة للحضور. كما أن المنصات الرقمية تكشف للفنانين كيف يمكن تبسيط لغتهم الفنية لتصل بشكل أوضح إلى الجمهور، وهو ما تعتبره دورًا لا غنى عنه فى الوقت الراهن.
وعن تأثير التفاعل الرقمى وسرعة الإيقاع على الأداء الجسدى، توضح أن الأمر يختلف من عرض إلى آخر، وأن الرؤية الإخراجية هى التى تحدد طبيعة الحركة والإيقاع. فهناك أعمال تعود إلى البساطة والطبيعية، وأخرى توظّف التكنولوجيا الحديثة لتعكس إيقاع الحياة المعاصرة. فى الحالتين، يبقى المخرج هو صاحب القرار فى كيفية توظيف الجسد والإيقاع بما يخدم الرؤية الفنية.
أما عن تفضيل الشباب بين الكلمة أو الصورة البصرية، فترى هايدى أن الصورة أصبحت عنصر جذب رئيسيًا بفضل تأثير السينما والثقافة البصرية الطاغية، وهو ما دفع كثيرًا من المسرحيين للاعتماد على لغة الجسد والمشاهد الحركية. لكنها فى الوقت نفسه تتحيز للكلمة والصوت، مشيرة إلى أن بعض الممثلين أهملوا مخارج الألفاظ والتلوين الصوتى بحثًا عن طبيعية مفرطة، ما أدى إلى ضعف وضوح المعنى. وتدعو إلى العودة للاهتمام بالصوت كأداة أساسية، حتى لا يفقد المسرح مكانته كفن الكلمة، مهما تطورت الصورة البصرية.
تؤمن هايدى عبد الخالق أن المسرح فى زمن السوشيال ميديا يعيش حالة تحول، حيث يتكيف مع إيقاع العصر ويستفيد من أدواته، لكنه فى النهاية يجب أن يحافظ على جوهره: الكلمة الحيّة التى تصل مباشرة إلى وعى ووجدان المتفرج.
محمد النجار: التكنولوجيا ليست مغازلة للشباب بل حتمية حضارية للمسرح
يرى المخرج والناقد محمد النجار أن تأثير السوشيال ميديا على الحياة الثقافية والمسرحية تجاوز فكرة تصنيف الأجيال أو اختزالها فى صراع بين الشباب والكبار، إذ أصبح الأمر أشبه بفرضية حضارية فرضت نفسها على المبدع والمتلقى على السواء. فالتغير الذى أحدثته التكنولوجيا فى إيقاع الحياة انعكس بالضرورة على الخطاب الثقافى والفنى، كما انعكس من قبل فى القرن العشرين، حين كان الجمهور يحتمل عروضًا تمتد لثلاث أو خمس ساعات، أو يستمع لسهرات غنائية طويلة. أما اليوم، فإن الإيقاع السريع للحياة يجعل المتلقى أقل صبرًا، إذ يتسرب الملل بعد ساعة أو أكثر قليلًا، وهو ما يرتبط بطبيعة العصر أكثر من ارتباطه المباشر بسيطرة الفيديوهات القصيرة على الأذهان.
ويؤكد النجار أن المسرح، كفن حى، لطالما تفاعل مع مكتسبات الحضارة الحديثة، مستشهدًا بدخول الكهرباء والإضاءة المسرحية التى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الرؤية الإخراجية. وعلى المنوال نفسه، يضيف أن تقنيات الفيديو بروجيكتور والفيديو مابينج أصبحت اليوم أدوات ضرورية تثرى العرض المسرحى، إذا احتملها البناء الدرامى وفرضتها الضرورة الفنية.
ويكشف النجار عن تجربته فى مسرحية «فلوماستر» بكلية التربية النوعية بجامعة الزقازيق، حيث لجأ لاستخدام تقنية الفيديو مابينج بشكل جوهرى، لأن الأحداث دارت فى عام 2125، ما استدعى طرح تساؤلات جذرية حول صورة العالم والإنسان بعد مائة عام. بالنسبة له، لم يكن ذلك مجاملة للجيل الجديد أو محاولة لمغازلته، بل استجابة حتمية للتطور التاريخى والتكنولوجى الذى يفرض قوانينه على الفنون.
ويختتم النجار رؤيته بالتأكيد أن الاستفادة من التطور التكنولوجى، بدءًا من الإضاءة مرورًا بالفيديو بروجكتور، وصولًا إلى تقنيات الفيديو مابينج والذكاء الاصطناعى، ليست خيارًا ترفيهيًا، بل هى ضرورة حضارية؛ فرفضها يعنى رفض الحياة نفسها.
د. عمر فرج: المسرح العربى يعيد صياغة هويته فى زمن الإنترنت والسوشيال ميديا
أكد الفنان د. عمر فرج الفنان «أستاذ الدراما والنقد ورئيس قسم المسرح والدراما بكلية الآداب جامعة بنى سويف» أن المسرح بطبيعته كفن حى يتأثر دائمًا بالواقع ويعكسه، كما أن الواقع نفسه قد يتأثر بالمسرح. ورغم أن المسرح ليس وسيلة إعلامية جماهيرية بالدرجة التى تتمتع بها الدراما التليفزيونية أو السينمائية، إلا أنه ما إن يُعرض عبر الشاشات حتى يصبح أكثر تأثيرًا وانتشارًا. ومن هنا فإن ثقافة الإنترنت والسوشيال ميديا لا بد أن تترك أثرها على المسرح، لأنه فى جوهره مرآة المجتمع، وما دام المجتمع قد تغيرت ثقافته وقيمه وعاداته تحت وطأة التكنولوجيا والسرعة، فمن الطبيعى أن ينعكس ذلك على هوية المسرح العربى. وبرأيه، فإن الهوية المسرحية العربية جزء من الهوية الثقافية العربية نفسها، المتغيرة من جيل إلى جيل، مثلما اختلفت الستينيات عن السبعينيات أو الثمانينيات، وهى اليوم تختلف أكثر مع الطفرة التكنولوجية.
ويرى أن العمق الدرامى لن يظل بمعزل عن السعى وراء الإبهار، فالمسرح سيواكب التطور الحتمى فى أدوات وتقنيات العرض. ومع بروز الدراما الرقمية وتوظيف تقنيات الأبعاد الثلاثية والعالم الافتراضى، أصبح من الصعب أن يظل المسرح بمنأى عن هذا التحول. فالتكنولوجيا باتت جزءًا من تفاصيل العمل المسرحى، بدءًا من الديكور والملابس وصولًا إلى الأداء التمثيلى نفسه، وبالتالى فإن الإبهار البصرى والتقنى أصبح عنصرًا أساسيًا فى التجربة المسرحية المعاصرة.
ويشير فرج إلى أن العروض التقليدية أيضًا فى طريقها إلى التحول، إذ سيظل المسرح محتفظًا بميزة كبرى تميّزه عن السينما والدراما التليفزيونية، وهى كونه فنًا تفاعليًا مباشرًا بين الممثل والجمهور. فالمشاهد على الخشبة يواجه المتفرج وجهًا لوجه، والجمهور يقرر لحظيًا مدى تفاعله مع العرض. ومع ذلك، فإن سرعة إيقاع العصر فرضت تغييرات واضحة، فبعد أن كانت المسرحيات تمتد أربع أو خمس ساعات، أصبحت تُختزل إلى ساعة أو أقل استجابة لتغير طبيعة المتلقى الجديد الذى لم يعد يتحمل طول الوقت. ولهذا يرى أن المسرح سيبقى تفاعليًا لكنه سيشهد ظهور مدارس جديدة ومسرحًا جديدًا أكثر التصاقًا بالتكنولوجيا.
وفيما يخص استقطاب الجمهور الشاب، يؤكد فرج أن المسرح يحتاج بالفعل إلى إعادة صياغة محدودة فى مفاهيمه وأساليبه. فالنصوص يجب أن تُكتب بروح هذا العصر وقضاياه، والإخراج عليه أن يوظف تقنيات حديثة، فى حين يبقى دور الممثل قائمًا على تجسيد ما يكتبه المؤلف. وإذا لجأ الكاتب إلى شخصيات كلاسيكية أو أجواء زمنية ماضية، فذلك قد يروق للبعض، لكنه قد لا يجذب الجيل الجديد الباحث عن تعبيرات قريبة منه.
ويضرب مثالًا بالتجربة السعودية الحديثة التى تشهد تطورًا كبيرًا فى توظيف التكنولوجيا داخل المسرح، ويشير إلى أن مصر بدورها بدأت تخطو خطوات فى هذا الاتجاه. ويكشف عن مبادرة له بإنشاء قسم جديد للدراما الرقمية أو «الدراما التكنولوجية» فى الجامعة التكنولوجية ببنى سويف، حيث أُعدّت لائحة دراسية متكاملة تقوم على إدماج أحدث التقنيات مع النصوص الحديثة، بما يسمح بخلق عروض قابلة للعرض على منصات التواصل أو حتى على الهاتف المحمول، بإيقاع أسرع ومدة زمنية أقصر تتناسب مع طبيعة المشاهدة الرقمية. ويختم بالتأكيد على أن هذه التجارب ما تزال فى بدايتها، لكنها تمثل ملامح مسرح المستقبل فى العالم العربى.
د. وجيه جرجس: شبكات التواصل الاجتماعى تلعب دورًا مهمًا فى الترويج للمسرح العربى
أكد أ.د. وجيه جرجس، رئيس قسم المسرح بكلية التربية النوعية - جامعة بنها، أن شبكات التواصل الاجتماعى أصبحت تلعب دورًا مهمًا فى الترويج للمسرح العربى ونشر الوعى به، عبر المنصات الرقمية التى تعرض العروض المسرحية وتفتح المجال أمام جمهور أوسع للتفاعل مع القضايا المطروحة. ومن خلالها بات الجمهور قادرًا بسهولة على الوصول إلى أسماء المسرحيات، والممثلين، والمخرجين، وتذاكر العروض إلكترونيًا، وهو ما يسهم فى تشجيع الحضور والمشاركة المسرحية.
ويرى جرجس أن الإبهار البصرى والسمعى وحده لا يكفى لإنتاج عرض مسرحى متميز، إذ تبقى الكتابة الدرامية والعمق الفنى شرطًا أساسيًا لإقناع الجمهور والتأثير فيه، دون إطالة مملة أو اختصار مخل. فالمحتوى الدرامى، على حد تعبيره، هو ما يهم المشاهد، بينما العناصر البصرية والسمعية ليست سوى قشرة خارجية. ومن دون تكامل النص مع السينوغرافيا سيظل العرض هشًا ومبتورًا، بينما السينوغرافى الحقيقى هو من يمنح للصورة المسرحية بعدًا دراميًا وجماليًا، عبر المزج الذكى بين الصوت والصورة والحركة والإضاءة، بما يخلق إبهارًا تقنيًا منظمًا يختلف عن العشوائية التى تسود منصات التواصل.
وأضاف أن المسرح عبر المنصات الرقمية أتاح الوصول إلى جماهير جديدة ومتنوعة، بما فى ذلك شباب التكنولوجيا، متجاوزًا قيود الزمان والمكان والحجز التقليدى. لكنه يظل معرضًا لمشكلات مثل ارتفاع تكاليف البث، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وتشتيت انتباه الجمهور أثناء المشاهدة المباشرة بسبب الإشعارات.
وأشار جرجس إلى أن المسرح اليوم يحتاج لإعادة صياغة مفاهيمه ليستجيب لتوقعات الجمهور الشاب، وذلك عبر توظيف التقنيات الحديثة مثل الهولوجرام، الواقع الافتراضى والمعزز، والمؤثرات الخاصة، لتقديم عروض قصيرة مبتكرة تحمل قيمًا تربوية واجتماعية، وتُعزز الهوية والانتماء وقبول الآخر. كما أصبح التسويق الرقمى أداة فعالة للترويج للعروض والورش المسرحية، ما يجعل العملية المسرحية قضية تقنية إلى جانب كونها فنية.
ويؤكد جرجس أن هذا التحول أعاد طرح أسئلة جوهرية حول دور المخرج والممثل والسينوغرافيا، بعدما تراجع دور الممثل من محور أساسى فى المسرح التقليدى إلى مجرد أداة ضمن منظومة بصرية وسمعية متطورة. ولفت إلى تجارب عالمية وعربية فى هذا الاتجاه، مثل عرض بلوسوم عام 1966 الذى جمع بين الزمن المسرحى والزمن المسجل، وتجارب جورج كوتش فى علاء الدين، إلى جانب أعمال عربية لربيع مروه، حازم كمال الدين، ويوسف رجائى، التى رصدها الناقد سعيد الناجى فى كتابه البهلوان الأخير.
ويختم جرجس بالإشارة إلى أن الوسائطية ليست غريبة عن المسرح، لكنها اليوم أكثر حضورًا وتأثيرًا، فيما يظل التحدى فى المصداقية والبعد الفنى. وقد ظهر ذلك فى عروض طلاب قسم المسرح بجامعة بنها، مثل افتح لايف، الذى استلهم «لايفات» تطبيق تيك توك، مقدّمًا لوحات قصيرة ساخرة جمعت بين الإبداع الفنى والتحايل التجارى، لتجسد الإشكالية الجديدة للمسرح فى زمن السوشيال ميديا.
جمال مهران: المسرح يواجه شاشة الموبايل بالإيقاع البصرى والتكثيف الدرامى
أكد المخرج جمال مهران أن استراتيجيات الإخراج المسرحى شهدت تحولات جذرية مع ظهور جيل السوشيال ميديا، حيث بات الإيقاع السريع، والصورة الجذابة، واللقطة اللافتة عناصر أساسية فى تشكيل العرض. وأوضح أن المخرج أصبح يولى اهتمامًا أكبر بالتكثيف البصرى واختصار المشاهد المطوّلة، ليجعل العرض أكثر حيوية وتفاعلية، قادرًا على منافسة شاشة الهاتف التى أصبحت شريكًا حاضرًا فى كل لحظة من حياة الجمهور.
وأشار مهران إلى أن كثيرًا من المخرجين يتعاملون مع المشهد المسرحى بوصفه لحظة بصرية مميزة تصلح لأن تُلتقط بعدسة الهاتف وتُشارك على «إنستغرام» أو «تيك توك». لكنه شدد فى الوقت ذاته على أن هذا التوجه لا يعنى اختزال المسرح فى محتوى عابر، بل هو محاولة لتقديم مشاهد تحمل جمالية بصرية وإضاءة وحركة تُخلّد فى ذاكرة المتفرج وتلبى حاجته إلى «اللقطة» المؤثرة.
وفى حديثه عن التوازن بين العمق الدرامى ومتطلبات الإيقاع السريع، أوضح مهران أن الأمر ليس سهلًا، لكنه ممكن من خلال الاعتماد على لغة مكثفة تختصر الحوار الطويل فى جمل قصيرة وفاعلة، واستخدام الرموز البصرية القادرة على التعبير عن مواقف كاملة دون إطالة، إضافة إلى تنويع الإيقاع بين لحظات سريعة تشد الانتباه وأخرى أبطأ تمنح النص عمقه الدرامى.
كما لفت إلى أن اللجوء إلى الوسائط المتعددة والمؤثرات الرقمية أصبح ضرورة فى العروض الجديدة، لا مجرد رفاهية. فقد دخلت تقنية «البروجيكتور» و»الفيديو مابينغ» إلى خشبات المسرح، إلى جانب المؤثرات الصوتية وال?يديوهات التى تقرّب العرض من لغة الجيل المولع بمحتوى «يوتيوب» و»تيك توك». وأحيانًا تُدمج الشاشات أو الهواتف الذكية فى نسيج السرد المسرحى نفسه لتعزيز التفاعل مع المتلقى.
وختم مهران بالتأكيد على أن هذه التغييرات كلها لا تنفى جوهر المسرح كفن حى، بل تُعد أدوات جديدة للتواصل مع جيل اعتاد على السرعة والصورة، دون أن يُفقد العرض رسالته وعمقه الفنى.
د. محمود سعيد: السوشيال ميديا تفرض تحولًا مستمرًا فى لغة العرض المسرحي
قال الكاتب المسرحى الدكتور محمود سعيد إن لغة العرض المسرحى قد تغيّرت بشكل ملحوظ بفعل الحضور المذهل والمرعب للسوشيال ميديا داخل العرض المسرحى فى شتى جوانبه؛ من النص إلى السينوغرافيا إلى الإخراج وحتى التلقى. فقد أصبح حضورها أمرًا طبيعيًا بعدما اخترقت السوشيال ميديا كل مناحى الحياة.
وتابع: فى المسرح نحن أمام إضافات جديدة؛ إذ تتسع المساحة فى كل لحظة، مساحة تأتى لتُخفى أخرى. ومع السوشيال ميديا نواجه حقيقة أساسية، وهى صعوبة القول إن هذا حدث «قبل» أو «بعد»، فالتتابع هنا متشابه، قابل للانعكاس، مبهم، بل ومفروض أيضًا مع تطور الحدث على القواعد المؤسسة للخيال، وعلى التصور الدرامى للخيال. وهنا تحدث حالة من الاندماج ما بين النظام والفوضى، بما يؤدى إلى تغير ملموس فى لغة النصوص، ويفرض بدوره حالة من التحول المستمر.
وأوضح أن المسرح اليوم يقف أمام وضع جديد، حيث تتحول الشخصيات إلى كائنات تُستجوَب وتُمزَّق فى الفضاء، خصوصًا بعد دخول لغات كلامية مغايرة إلى عمق النص. هذه اللغات تتوازى مع اللعبة الرقمية فى إطارها الخاص والعام، بشكل يجذب الشباب فى عصر الشباب، ولغة الشباب، وسرعة الشباب ووعيهم المختلف.
وختم سعيد مشيرا إلى أن فن المسرح يمتلك القدرة على تجاوز الصورة الإنسانية من جديد فوق الخشبة، حتى لو وُجدت مساحتان غير متجانستين، مكونتان من نسيج مختلف ومنسوجتان بطريقة مختلفة، فإن القراءة يجب أن تعبر إلى الخشبة كما يمر الهواء فى الماء. فالمسرح هو المكان الذى يندفع فيه بمادة جديدة ويحيا بهواء آخر عبر لغة السوشيال ميديا، والتى بدورها خلقت متلقيًا مغايرًا.
أحمد سمير: المسرح مسؤولية تجاه الجمهور.. والنص هو بوصلة المجتمع
أكد الكاتب أحمد سمير أن الحديث عن مستقبل المسرح فى ظل التنامى السريع للتكنولوجيا لا يمكن أن يبدأ من فراغ، بل يجب أن يسبقه سؤال جوهري: من هو المستهدف الحقيقى من المسرح؟ موضحًا أن كتابة النصوص أو تقديم العروض من المسرحيين إلى بعضهم البعض لا جدوى منه، لأن الجميع يعرف الأفكار والرؤى والمدارس. أما إذا كان الجمهور هو الهدف، فعلينا أن نراقب أحلامه وأفكاره، وألا نحيد عن واقعه، حتى لا نقدم له أعمالًا جيدة شكلًا لكنها خالية من العنصر الأهم، وهو المتفرج نفسه.
ويرى سمير أن العصر السريع الذى نعيشه لا يفرض نصوصًا قصيرة أو مقتضبة بقدر ما يفرض أفكارًا تشبهه، تعبر عن مشكلاته وسرعة إيقاعه وماهيته. لذلك، على الكاتب أن يضع نفسه دائمًا فى قلب الحدث، ليكتب عن الراهن والآن والجمهور الحى الذى يستهدفه. ويؤكد أنه يتحمل مسؤولية تشكيل وعى هذا الجمهور وفهمه للقضايا، بل ومسؤوليته عن المستوى اللغوى الذى قد يستعمله الناس لاحقًا. ويستشهد بلغة اليوم المتداولة بين الناس، التى تحمل فى طياتها تعابير من أعمال فنية رائجة لمحمد سعد، أحمد حلمى، أحمد السقا وغيرهم، معتبرًا أن النص المسرحى هو بوصلة المجتمع ومؤشر مستقبله.
أما عن علاقة لغة العصر بالنص المكتوب، فيشدد سمير على أن النص يجب أن يستقى لغته من شخصيات هذا العصر، بما يعكس واقعهم ويجعلهم يشعرون أن العمل يشبههم ويعبر عنهم. لكنه فى الوقت ذاته يدعو إلى التعامل مع هذا المخزون اللفظى بانتقاء شديد، بحيث يُعالج النص المسرحى رداءة المصطلحات الشعبية المنتشرة، فيقدم لغة معاصرة دون ابتذال، ويشتبك مع الواقع بطريقة تعكس قضاياه وتفتح أفقًا للتفكير.
وحول فكرة التجريب، يعلن سمير اختلافه مع المصطلح، مؤكدًا أن كل فعل إنسانى فى جوهره قائم على التجريب، وكذلك المسرح الذى لا يخلو أى عمل فيه من التجريب، سواء على مستوى الفكرة أو التكنيك أو تجديد الحوار. وعلى المستوى الشخصى، يشير إلى أنه يسعى فى أعماله الأخيرة لتقديم معالجة متجددة غير مكررة، وشخصيات غير نمطية، وعوالم مسرحية تتسم بالتجديد والحداثة، بما يمنحها القدرة على البقاء أطول فترة ممكنة فى وجدان الجمهور.
عمرو عبدالله: الصورة السريعة أفسدت الذوق العام وأوقعت الفن فى فخ الشكلانية
أكد مهندس الديكور عمرو عبدالله أن حضور السوشيال ميديا لم ينعكس على طريقة تناوله لتصميم المناظر المسرحية أو الإضاءة فوق الخشبة، لكنه أثّر بشكل مباشر على المتلقى الذى اعتاد ذوقًا محدودًا ورؤى بصرية صادمة، بحثًا عن «الترند» وزيادة المشاهدات بأى وسيلة.
ويرى عبدالله أن مفهوم «الصورة القابلة للالتقاط» على إنستجرام أو تيك توك شكّل خطورة كبيرة، إذ أوقع الساحة الفنية فى براثن الدعاية الزائفة وشجع على الشكلانية الفارغة. ويصف هذه الظاهرة بأنها أشبه بـ»الوجبة السريعة» التى يتم استهلاكها بسرعة فتضر أكثر مما تنفع، ليختفى الفن الحقيقى وسط هذا الزيف.
ويشير إلى أن الجمهور بالفعل صار متأثرًا بلغة الفيديوهات القصيرة والألعاب الإلكترونية، مما انعكس على الذوق العام بشكل سلبى. ويعتبر أن الأمر يتجاوز الجانب الفنى ليأخذ بعدًا اجتماعيًا يرتبط بما يصفه بثقافة الكسل المعتمد على التكنولوجيا الاستهلاكية. ويضيف أن المؤثرات البصرية باتت تُستخدم بشكل مبالغ فيه يكاد يكون مقززًا، لكنه مع ذلك يصرّ على الحفاظ على أسلوبه الخاص فى التشكيل البصرى للفراغ المسرحى، مستعينًا بالتكنولوجيا فقط كخادم للفكرة والصورة الكلية، لا كغاية فى ذاتها.
ولم يغفل عبدالله الإشارة إلى دراسات نفسية تؤكد أن تسارع وتنوع الفيديوهات القصيرة يُصيب عقل الإنسان بالتبلّد الحسى والفكرى، ويجعل المتلقى أكثر عرضة للتوجيه وفقدان العمق فى التلقى.
أما عن إدخال الشاشات والبروجيكتورات داخل الديكور، فيوضح أن هذا الاتجاه بات جزءًا من عملية الإنتاج المسرحى، لكنه يرى أن الاعتماد على الشاشات يفرض ثباتًا على بنية المنظر المسرحى، بعكس المناظر المرسومة القديمة التى كانت أكثر مرونة وجمالًا فى تغيير المشاهد، ويعتبر أن هذا الثبات يفقد المسرح إحدى أهم جمالياته.
ويؤكد عبدالله أن السينوغرافى، كغيره من المبدعين، لا يستطيع الانفصال عن مجتمعه، وبالتالى فقد فرضت لغة العصر إيقاعًا سريعًا على المسرحيات، مما يدفع المصمم إلى تبسيط الرؤية البصرية واللجوء للتكنولوجيا لتقليل التكلفة وتحقيق السرعة. لكنه يفرّق هنا بين المسرح العربى والغربى، موضحًا أن المسرح فى الغرب لا يزال مصرًا على توظيف التكنولوجيا فى خدمة الفكرة والمعنى، بعيدًا عن الإبهار الزائف والشكلانية التى تسيطر على الكثير من عروض المنطقة العربية.
مصطفى إبراهيم: المسرح يظل فنًّا حيًّا لا تغلبه السوشيال ميديا ولا المؤثرات الرقمية
فيما يرى المخرج مصطفى إبراهيم أن تأثير السوشيال ميديا انعكس بالأساس على موضوعات العروض المسرحية أكثر من انعكاسه على استراتيجيات الإخراج نفسها. فجيل الشباب اليوم يتناول قضاياه المهمة على تلك المنصات، والمسرح بطبيعته يظل معاصرًا لهموم المجتمع ومواكبًا لما يطرحه من قضايا. ويؤكد أن هذه الموضوعات قد تستدعى أحيانًا أساليب جديدة فى تقديمها، أو حتى اللجوء إلى بعض المؤثرات الرقمية إذا تطلب البناء الدرامى ذلك، لكن دون أن تتحول إلى بديل عن جوهر الفن المسرحى.
ويشدد إبراهيم على أن المضمون يظل أولوية مطلقة على حساب الشكل، لذلك لا ينظر إلى المشهد المسرحى كصورة جاهزة للنشر على «إنستغرام» أو كمقطع قصير على «تيك توك». ومع ذلك، لا ينكر أهمية هذه المنصات كوسيلة دعائية تساهم فى الترويج للعروض والوصول إلى جمهور أوسع، لكنه يؤكد أن قيمة المسرح الحقيقية تكمن فى حضوره الحى وتواصله المباشر مع المتفرج، وهو ما لا يمكن لأى تسجيل مصور أن يعوضه.
وفى ما يتعلق بالإيقاع المسرحى، يرى أن الجمهور المعاصر لم يعد مستعدًا للجلوس لساعات طويلة كما كان فى الماضى، وهو ما يفرض على المخرجين إيصال عمق الدراما ومغزاها فى وقت مناسب، ولكن دون الإخلال بجوهرها. فالإبداع المسرحى، برأيه، يكمن فى القدرة على تقديم الدراما بأسلوب جمالى متجدد يراعى إيقاع العصر ويظل مخلصًا لفن المسرح.
أما عن المؤثرات الرقمية والوسائط المتعددة، فيوضح إبراهيم أنه لم يلجأ إليها حتى الآن لجذب الجمهور، إذ يعتقد أن المسرح يملك رونقًا خاصًا يجعله قادرًا على أسر جمهوره فى كل العصور بموضوعه وفنه، وليس بالاعتماد على وسائل إضافية. لكنه لا يستبعد أن يستخدم هذه التقنيات مستقبلًا إذا اقتضى النص الدرامى ذلك، مع التشديد على أن الهدف لن يكون استمالة جيل بعينه، بل خدمة العمل الفنى نفسه.