العدد 897 صدر بتاريخ 4نوفمبر2024
المعجم المسرحي، والمعجم عموما، مشروع مفتوح على الدوام وليس مشروعا نهائيا. سبب هذا، هو أن التطور التاريخي للثقافة، والمعارف، والعلوم، والآداب، والفنون يحمل معه دائما الجديد على صعيد المصطلحات/ المفاهيم. تؤكد هذا، إن كان الأمر في حاجة إلى تأكيد، المقارنة بين «لسان العرب» لابن منظور وعدد من الكلمات المتداولة اليوم على الصعيد العربي غير الموجودة في ذلك اللسان والتي أقرها مجمع اللغة العربية، وكذلك عدد من المصطلحات المستعملة اليوم في الثقافة العربية المعاصرة التي لم تكن موجودة في الثقافة العربية القديمة.
تؤكد هذا التطور أيضا المقارنة بين طبعة سابقة ل»معجم المسرح» لباتريس بافيس والطبعة الرابعة التي صدرت سنة 2019. فعلى سبيل المثال، لم يكن مصطلح « Stand-up » (الستاند آب)، ومصطلح « Théâtre Autobiographique » (مسرح السيرة الذاتية) موجودين في طبعة 1987 ( Editions Sociales, Paris )، ولكنهما موجودان في الطبعة الرابعة المشار إليها. بالنسبة لهذا المصطلح الأخير كنت في الطبعة الثانية لإعدادي ل»معجم المصطلحات المسرحية» قد ذكرت في التقديم (2006) أن مصطلح «السيرة الذاتية الدرامية» من مصطلحات أضفتُها غير موجودة في طبعة 1987 لمعجم باتريس بافيس التي كان الاعتماد عليها في إعدادي ل»معجم المصطلحات المسرحية». في هذه الطبعة الثالثة استبدلت «السيرة الذاتية الدرامية» ب «مسرح السيرة» لأنه يشمل السيرة المسرحية الذاتية والسييرة المسرحية الغيرية.
هذا، وقد تم التنصيص في الطبعتين السابقتين معا على أن «معجم المصطلحات المسرحية» هو إعداد وليس تأليفا. ففي تقديم الطبعة الثانية يوجد ما يلي:»ولست في حاجة إلى التذكير بأن مصدر كل ما يتعلق بالثقافة المسرحية الغربية في هذا المعجم وكل المصطلحات المسرحية الموجودة فيه هو «معجم المسرح» لباتريس بافيس. أما ما يتعلق بالثقافة المسرحية العربية فيه فهو من اجتهادي. وهناك ثلاثة مصطلحات أقترحها شخصيا غير موجودة في معجم بافيس ولا في غيره من المعاجم الفرنسية التي تمكنت من الاطلاع عليها. كما أنها غير موجودة في «معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية» لابراهيم حمادة، ولا في «المعجم المسرحي» لماري إلياس وحنان قصاب حسن. هذه المصطلحات هي:»الدراما البحرية» و»السيرة الذاتية الدرامية»، و»الشخصية الجحوية». إن المادة النصية الدرامية الموجودة اقتضت اقتراح مصطلحات مناسبة» (ص 8). في هذه الطبعة الثالثة أضفتُ مصطلحات هي «المسرحية الزجلية»، و»المسرح الذهني»، و»مسرح المهاجرين»، و»التناسج»، و»مسرح الطفل»، و»الرقابة المسرحية»، و»المسرح التربوي»، و»المسرح الصحراوي»، و»الاستنبات»، و»المسرح الكوانتي»، و»الثياتروقراطيا»، و»الهجنة»، و»المونودراما التعاقبية»، و»الإثنوسينولوجيا».
في طبعة 1987 ل»معجم المسرح» لباتريس بافيس كذلك، كانت المادة الخاصة بمصطلح « Théâtre de L’environnement » (مسرح البيئة) مكونة من فقرة واحدة، ولكنها تتكون من فقرتين في طبعة 2019. بناء على هذه الملاحظة، يمكن تتبع الإضافات التي تضمنتها طبعة 2019 بالمقارنة مع طبعة 1987. هذه الإضافات طبيعية نظرا لتطور المعارف والعلوم والفنون ومنها الفن المسرحي كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
من الملاحظات الخاصة بمعجم باتريس بافيس أن هذا الأخير لم يشر إلى واضع مصطلح الكوميديا الدامعة الناقد الإنجليزي بلير Blair ، بل قال إن هذا النوع المسرحي يعادل الدراما البورجوازية في القرن الثامن عشر )ديدرو Diderot ، لسنغ Lessing)، إذ اعتبر الكوميديا الدامعة هي الدراما البورجوازية. وبطبيعة الحال، فهو لم يشاهد الجمهور المسرحي في القرن الثامن عشر. إن الدموع تتعلق بالجمهور المسرحي التي يكون سببا فيها هذا النوع الكوميدي.
ولا وجود لمصطلح «مسرح المهاجربن» فيه رغم أن هذا المسرح كان موجودا في فرنسا أثناء صدور طبعة 1987. ولا وجود أيضا لمصطلحات «مسرح الطفل»، و»الرقابة المسرحية» (في «معجم المسرح» لأرتور بوجان Arthur Pougin ، وقد صدر في فرنسا سنة 1885، يوجد مصطلح «الرقابة المسرحية» «Censure théâtrale » التي كانت عروض مسرحية لفولتير ضحية لها في عصره) ، و»المسرح الذهني»، ومصطلحات أخرى عديدة موجودة في معاجم مسرحية فرنسية أخرى، لكنها غير موجودة في معجم باتريس بافيس. منها على سبيل المثال مصطلح « Police des théâtres » )لائحة المسارح(، وهو مصطلح يتعلق بنظام موضوع في مكان معيَّن خاص بسلوك الجمهور، والقواعد التي يجب التقيد بها أثناء المشاهدة، والممنوعات داخل المسرح، مثل منع التدخين داخل القاعة، وعدم الشجار، وعدم الصياح، وعدم رمي أي شيء على الخشبة إلخ... حسب ما هو موجود في «معجم لغة المسرح» « Dictionnaire de La Langue Du théâtre » لأنييس بييرون Agnés PIERRON. كل ذلك من أجل ضمان حسن مشاهدة المسرحية. كان هذا النظام في فرنسا انطلاقا من 1790. لكن رغم ذلك، لا يمكن إنكار القيمة المعرفية والعلمية لمعجم باتريس بافيس ذي الصيت العالمي، المواكبِ للتطورات المنهجية، والمعرفية، والمسرحية. زد على هذا أنه توجد فيه مصطلحات مسرحية غير موجودة في معاجم مسرحية فرنسية أخرى.
والجدير بالإشارة هو أن لباتريس بافيس معجما مسرحيا آخر عنوانه « Dictionnaire de la performance et du théâtre contemporain »، وقد صدرت طبعته الثانية سنة 2018 (معجم الأداء والمسرح المعاصر).
ولإبراز أهمية ضبط المصطلحات المسرحية تجدر الإشارة إلى وجود استشهاد في كتابي «المصطلح المسرحي عند العرب» (1999) مأخوذ من «المعجم الفلسفي» لجميل صليبا. الغاية من الإشارة إليه هنا هي التذكير بأهمية ضبط المصطلحات عموما وليس المصطلح الفلسفي فقط. فقد ورد في «مقدمة» «المصطلح المسرحي عند العرب» ما يلي:»وقد فطن أحد المشتغلين بعلم المصطلح الفلسفي خصوصا فقال:»إن مدار الأمر، والغاية التي يجري إليها الكاتب والقارئ، إنما هو الفهم والإفهام. فإذا كانت معاني الألفاظ تختلف باختلاف المتكلم والسامع فكيف تتضح؟ وكيف تفهم؟ إن التفاهم بألفاظ متبدلة المعاني أصعب من التعامل بنقود متبدلة القيم، فلا بد للعلماء إذن من الاتفاق على معاني الألفاظ، ولا بد لهم أيضا من نثبيت الاصطلاحات العلمية، حتى لا تتبدل الحقائق بتبدل الألفاظ التي أفرغت فيها. إن الألفاظ حصون المعاني، وتثبيت الاصطلاحات العلمية هو الحجر الأساسي في بناء العلم»» (المصطلح المسرحي عند العرب» ص 19).
ولست في حاجة إلى التذكير، مرة أخرى، بأن كل ما يتعلق بالمسرح الغربي في هذا المعجم مصدره «معجم المسرح» لباتريس بافيس، أما ما يتعلق بالمسرح العربي فيه فكله من اجتهادي.