العدد 885 صدر بتاريخ 12أغسطس2024
هل كل الجرائم يحاسب عليها القانون ام ان هناك جرائم لا يملك القانون عليها سلطان؟
ان الجريمة حتي تكون تحت سلطة القضاء ويلقى اثرها المجرم حكما رادعاً لابد وان تتوافر فيها الأدلة والبراهين علي ان من يقع عليه الاتهام هو المجروم وفي هذه الحال يكون المجرم شخص يحاول الفرار من السجن ليس اكثر، لكن هناك نوعا اخر من الجرائم يحاول مرتكبها الفرار من نفسه التي تلومه علي فعلته مع انه لن يقع تح طائلة القانون فهو لم يرتكب هذه الجريمة بشكل مباشر فجريمة القتل الذي يقوم فيها شخص بقتل اخر دون سلاح لا يعاقب عليها القانون لكن يعاقب عليها الانسان ذاته وقد يكون هذا العقاب سببا في انهيار الشخص ودمار حياته.
ان النص الذي تدور احداثه حول محاكمة “ألفريدو ترابس» في بلدة نائية قد تعطلت فيها سيارته واجبرته الظروف علي قضاء ليلته في منزل القاضي “ فيرجينان» يكون جزءا من لعبة المحاكمة التي يديرها القاضي المتقاعد رفقة وكيل النيابة والمحامي المتقاعدين وهي محاكمة دون اجراء تنفيذي هي فقط محاكمة للنفس البشرية علي ما تقترفه من أفعال مشنة لا طائلة للقانون عليها.
بداية العرض كانت بمثابة فترة عرض لطبيعة شخصية “ألفريدو ترابس» المتغطرسة فهو شخص يتباهى طيلة الوقت بنفوذة وماله ولا مكان في نفسه لكلمات زوجته التي ترجوه أن يبقي لجوارها هي واطفاله ويقابل كلامها بسخرية فهو ينظر للحياة بنظرة مادية ويقيم الاحتياجات علي انها مادية لا اكثر فكيف لها ان تشكو غيابه وهو يسكنها اغلي المنازل وينفق عليها الأموال ببزخ. ونجد أن هذه الشخصية المادية التي لا تجد للقيم الإنسانية مكانا في نفسه تندهش أن ميكانيكا بسيطا يريد أن يؤدي عملة بإخلاص علي الرخم من أن «ألفريدو ترابس» غريب عن البلدة ولن يجمعه به لقاء اخر.
وخلال المحاكمة نجد أن وكيل النيابة يملك معلومات وفيرة عن حياة ترابس والمحامي يحاول ان يضع المبررات لكل الاتهامات التي وجهت اليه من وكيل النيابة وكان الاحداث جميعا تدور داخل راس ترابس الذي استرجع مشهد خيانته لزوجته التي اقر حبه لها امام المحامي قبل بداية المحاكمة واشترك الحاضرون في رؤية هذه المشاهد التي من المفترض ان ترابس يسترجعها داخل عقلة إضافة الي التصاق زجاجة الخمر بيد ترابس طيلة فترة المحاكمة علاوة الي ان المعلومات الدقيقة للغاية التي يلقيها وكيل النيابة عن حيات ترابس والتي يتهمه خلالها بقتله لمديرة السابق ويقر ترابس انه قد تعمد الدخول في علاقة غير شرعية مع زوجة مديره السابق وتعمده لإفشاء سر العلاقة له حتي يلقى حتفة طمعا منه في الحصول علي منصبة كمسؤول عن توريد الاقمشة في أوروبا.
وقد اقر ترابس بخطئة وكان هضة المحاكمة هي محاكمة ترابس لنفسه فالقاضي ينتظر وكيل النيابة الذي يحاصر ترابس بجرائمه في حق نفسه ومن حوله والمحامي يحاول ان يخلق المبررات له لكن ترابس قد ضاقت نفسه ذرعا بما اقترف واقر واعترف بخطأة ليحكم عليه القاضي بان يعيش انسانا لا يقترف الأخطاء محاصرا بذنب افعاله حتي يموت.
وكان الديكور واقعيا علي الرغم من ان العرض احداثه اقرب للتعبيرية فكل ما يحيط بترابس معبرا عما مر به بداية من الشخصيات التي تدور داخل راسه مرورا بالتماثيل التي تم وضعها في الفتارين داخل منزل القاضي والتي كانت لممثلين حقيقين وأشار القاضي الي انهم حقيقين في جمله واضحة مشيرا الي ان ترابس محاصر داخل جريمته البيضاء فهو لعبة في الحياة التي رسمها لنفسه ورغب بها، وان كنت افضل ان يكون عرضا يناقش هذه الأفكار الهامة ان يعطي مساحة للديكور التعبيري الذي سوف يخدم فكرة العرض في رأي اكثر من كتل الديكور التي استخدمه لمحاكات الأماكن بشكل تفصيلي وهذا في الجزء الثاني في العرض مع بداية المحاكمة حتي يكون وقع المحاكمة علي نفس المتلقي اكثر قوة.
وفيما يخص الملابس والاضاءة فقد كانتا ملائمتان لحالة العرض وجاء التنفيذ دقيقا للغاية في كافة جوانب العرض من دخول وخروج لقطع الديكور وتنفيذ الإضاءة
وقد ابدع ممثلون العمل في التحضير للشخصيات حيث قدم لنا محي الدين يحيي الذي جسد شخصية ترابس مراحل تطور الصراع الداخلي للشخصية بشكل جيد فقد درس الشخصية بشكل جيد وقدم ابعادها مستخدما ادواته بشكل جيد، وقد قدم دور وكيل النيابة سامح بسيوني والذي تمكن من تقديم وكيل النيابة بشكل متناغم مع فكرة العرض والاحداث وتمكن خالد محمود من اداخل الكوميديا علي العرض دون الاخلال بإيقاع العرض او الدراما مع الاخذ في الاعتبار ان العرض تراجيديا ويقدم باللغة العربية الفصحى وجاءت شخصية القاضي متزنة مما اكمل جوانب لعبة المحاكمة بشكل دقيق. إضافة الي باقي ممثلون العرض الذين اجتهدوا في تقديم ادوارهم بشكل جيد منه بكر والتي جسدت دور زوجت ترابس وكيف قدمت شخصية المحبة المعترضة علي سلوكيات الزوج التي تهدم البيت لفكرة العملي الذي يطغى علي الاسرة ، ونورهان صالح التي جسدت دور زوجة مدير ترابس السابق والتي عرضت لنا المرأة اللعوب معتمدة علي قدراتها التمثيلية دون اللجوء الي أي إشارة خارجة. وشخصية الجلاد والميكانيكي قد اتسمى كل منهما بالانضباط والفهم الجيد لبيعة شخصيته التي يقدمها، وكان ظهور الخادمة مميزا فعلي الرغم من كلامها القليل خلال العرض الا ان تعبيرات وجهها وحركات جسدها كان متقنه للغاية ولا ننسى ان نذكر انباط الممثلين الذين جسدوا التماثيل الحية فلم يلفتوا النظر طيلة فترة تواجدهم علي خشبة المسرح في وضع ثبات لتكتمل بهم الصورة الاخراجية المراد تنفيذها من المخرج.
وجدير بالذكر ان اللغة العربية خلال النص كانت منضبطة بشكل كبير. وهكذا نجد انفسنا اما عرضا يعرض مشكل البشر ويكشف الانسان امام نفسه فيما يرتكبه من جرائم بيضاء لا يملك القانون سلطة عليها. وهكذا يحرك العرض المتلقي الي التفكير بنفسه في ما يقترفة من أفعال ويحاكم نفسه بنفسه
العرض بطولة: خالد محمود سامح بسيوني محي الدين يحيي منه بكر نورهان صالح وعدد من الشباب ، ديكور حازم شبل و إضاءة إبراهيم الفرن وموسيقى محمد علام ومن تأليف يسري حسان» قصة العطل لفريدريش دورينمات» إخراج سامح بسيوني إنتاج القطاع الخاص “اروى قدورة « مسرح الهوسابير .