العدد 879 صدر بتاريخ 1يوليو2024
كانت برودواى عاصمة المسرح الأمريكي على موعد مع حدث مهم. وهذا الحدث هو مرور عشر سنوات على بدء عرض المسرحية الغنائية “علاء الدين” فى برودواى .
وبهذه المناسبة تداولت الصحافة الأمريكية العديد من القصص عن المسرحية وموضوعها وعدد عروضها وغيرها من الحقائق والملابسات.
وكان من الموضوعات الطريفة ذلك الموضوع الذى نشرته صحيفة “ايداهو ستيت جورنال” الصادرة فى ولاية ايداهو الأمريكية للناقد المسرحى الشهير مارك كنيدى.
اختار كنيدى زاوية لم يتطرق إليها غيره وهى الممثلين الذين جسدوا شخصية جنى المصباح . يقول كنيدى أن المسرحية عرضت قبل ذلك فى كل الولايات الأمريكية وخارج الولايات المتحدة فى أنحاء العالم. وفى كل العروض كان يتم اختيار ممثلين بيض لتجسيد شخصية جنى المصباح.
ومع بدء عرض المسرحية فى برودواى تغيرت هذه القاعدة وبدأ إسناد شخصية الجنى إلى ممثلين من السود. وتغيرت القاعدة بعد ذلك واصبح السود هم من يجسدون تلك الشخصية حتى لو كانت تقدم فى دول أخرى مثل الصين واليابان.
ثلاثة من الجن
وخلال السنوات العشر تعاقب فى برودواى فى تجسيد شخصية الجنى ثلاثة ممثلين كلهم من السود. وهذا ما يتضح من عنوان المقال “القصص السحرية لثلاثة من الجن “.
وكان الأول هو جيمس مونرو ايجلهارت (50 سنة) حاليا الذى كان أول من جسد شخصية الجنى فى برودواى.
ويقول مونرو – وهو أيضا مؤلف كتب مصورة للأطفال - انه عشق هذه الشخصية منذ شاهدها فى السينما بصحبة والدته لأول مرة فى 1992. وكانت والدته اصطحبته لمشاهدة الفيلم مكافأة له على نجاحه فى امتحان المدرسة العليا(الثانوية العامة).
ولم يكن يتخيل انه يوما ما بعد اكثر من عشرين عاما سوف يجسد هذه الشخصية على احد مسارح برودواى حلم كل ممثل مسرحى وسوف يكون أول من يجسدها من السود على المسرح.
ولم يكن يتخيل أيضا أن تجسيده لهذه الشخصية سوف يكون طريقه للحصول على جائزة تونى المسرحية المرموقة عام 2014.
ويضحك حين يتذكر انه عرف باختياره لتجسيد تلك الشخصية فى وقت متأخر قبل أيام قليلة من انطلاق العرض مما استدعى منه اتباع نظام غذائى قاس فضلا عن تناول كميات كبيرة من الملينات لإنقاص وزنه والوصول إلى الوزن المطلوب ليلة العرض ليقوم بالرقصات التى تحتاجها الشخصية. وقد أرهقته تلك الحمية الغذائية كثيرا لكنه تحامل على نفسه وجسد الشخصية وحاز إعجاب المشاهدين منذ الليلة الأولى للعرض.
إنجاز حقيقى
ويرى أن إنجازه الحقيقى هو إثبات قدرة الممثلين السود على تجسيد تلك الشخصية المعقدة على المسرح بحيث توالى على تجسيدها عدة ممثلين كانوا كلهم من السود نجحوا فى إضفاء الطابع المرح على الشخصية وانتزاع ضحكات المشاهدين مثلما حدث مع الفيلم السينمائي والكرتونى عند عرضه. وأصبح اختيار السود لتجسيد شخصية جنى المصباح مبدأ عالمى فى العروض المسرحية الغنائية لعلاء الدين فى الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا واليابان.
ويقول أن ما يضايقه فى هذا الأمر هو أن كثيرين ممن جسدوا الشخصية على المسرح فى العروض الأخرى التى شاهدها فى الولايات المتحدة وخارجها كانوا يحاولون تقليده بينما الأصل أن يجسد الممثل الشخصية من واقع رؤيته الخاصة. فهذا هو الطريق الرئيسى لإقناع المشاهد بالشخصية ودفعه إلى قبولها.
ويرى أن هذه الشخصية كانت بداية لأعمال فنية عديدة انخرط فها بعمق مثل المسلسلات التليفزيونية والتجسيد الصوتى والدوبلاج. وجسد العديد من الشخصيات فى مسرحيات أخرى على برودواى نفسها. فقد جسد شخصيتى لافاييت وجيفرسون فى مسرحية هاملتون. وجسد شخصية الملك ارثر فى مسرحية “سبامالوت “ولويس ارمسترونج فى مسرحية “عالم مدهش”. وبعبارة أخرى ساعد تجسيد شخصية جنى المصباح على أن يصل إلى المكانة التى وصل إليها فى عالم التمثيل والتى يفخر بها. ويقول بعبارة أخرى أن الشخصية غيرت حياته.
معجب أولا
وينتقل كنيدى إلى ممثل أسود أخر قام بتجسيد شخصية الجنى. وهذا الممثل هو ماركوس مارتن الذى قام بتجسيد شخصية الجنى بعد مونرو. ويقول انه منذ نشأ فى ولاية اوهايو كان يشاهد عروضا مختلفة لعلاء الدين يجسد شخصية الجنى فيها ممثلون من البيض إلى حد أنه اعتقد أنه لايصلح لتجسيدها سوى البيض. وعندما جسدها مونرو أكد أن السود هم أفضل من يجسدها.
وكانت اللحظة التاريخية فى حياته عندما تخرج من الجامعة وتخصص فى الفنون الاستعراضية. وعندما أعلنت الفرقة المسرحية عن حاجتها لممثل يجسد شخصية الجنى فتقدم مع أخرين وخاض عدة اختبارات ووقع عليه الاختيار ليجسد الشخصية التى طالما حلم بتجسيدها. وجسدها حتى الان فى نحو 50 مدينة أمريكية. ويقول أن سر تألقه فى الأداء هو انه يتعامل مع العرض كمعجب أولا ثم ممثل ثانيا.
ويتحدث كنيدى عن ممثل اسود اخر جسد شخصية الجنى وهو مايكل جيمس سكوت الذى عشق الشخصية بفضل نشاته فى فلوريدا بالقرب من ديزنى لاند. ويعتبر انها اهم شخصية جسدها فى حياته فى الولايات المتحدة وخارجها كما هو الحال فى استراليا وبريطانيا. هذا رغم مشاركته فى عدد من كلاسيكيات المسرح الأمريكي مثل “ماما ميا” و”طرزان” و”شئ ما أصابه العفن”.
ويضيف قائلا أن أهم ما جذبه فى تجسيد شخصية جنى المصباح أنها شخصية إنسانية ترمز إلى الحب والمرح. وهذه قيم إنسانية يمكن أن يجسدها أى شخص يستوعب هذه القيم بصرف النظر عن لونه. وكان يشعر بالحزن لمن يقصرونها على البيض دون سواهم.
متاعب المهنة فى روسيا أيضا
محاكمة المخرجة والكاتبة بتهمة تشجيع الإرهاب
16 ألف شخصية عامة تطالب بالإفراج عنهما
ونلتقى اليوم مع نوع اخر من متاعب مهنة المسرح. ومثال ذلك ما يحدث حاليا فى روسيا. بدأت فى موسكو محاكمة مخرجة مسرحية وكاتبة مسرحية بتهمة تقديم عرض مسرحى يدافع عن الارهاب حسبما تزعم السلطات الروسية.
ويأتى ذلك فى إطار ملاحقات تتعرض لها الأعمال الفنية فى روسيا فى كافة الوسائط منذ بدء الحرب فى أوكرانيا فى 2022.
والمخرجة هى جينيا بيركوفيتش وهى مخرجة مسرحية بارزة تنتمى إلى التيار المستقل. أما الكاتبة المسرحية فهى سيفيتلانا بيتريشوك. والإثنتان تم اعتقالهما قبل أكثر من عام.
أما العرض موضوع الإتهام فهو “الصقر الشجاع “ الذى كتبته بريتشوك وأخرجته بيركوفيتش وتقول السلطات الروسية انه عمل يدافع عن الإرهاب.
ويعد “الدفاع عن الإرهاب “فى الوقت الحالى جريمة يعاقب عليها فى روسيا بالسجن لمدة تصل إلى 7 سنوات.
وخلال التحقيقات وفى المحاكمة نفت الاثنتان الاتهامات الموجهة إليهما. أكدت بركوفيتش أنها أقدمت على اخراج المسرحية بعد أن وجدتها توجه رسالة مهمة حول ضرورة محاربة الارهاب والتصدى له. وأمنت الكاتبة المسرحية بيتريشوك على قولها وقالت أنها كتبت المسرحية لتمنع الأحداث الإرهابية الماساوية التى وردت فيها.
ضحية
واشارت إلى أنها ضحية منافسين لها حقدوا علها بسبب براعتها فى التصوير والنجاح الكبير الذى حققته المسرحية.
والاهم من ذلك كما قال محامو الاثنتين أن وزارة الثقافة الروسية اقرات النص المسرحى ولم تعترض عليه. بل أن المسرحية فازت بعدد من جوائز القناع الذهبى وهى ارفع جوائز المسرح الروسية على غرار جوائز تونى فى الولايات المتحدة ولورانس اوليفييه فى بريطانيا. واقر عدد من من السجون الروسية المسرحية. وكانت ادارات السجون توزع نسخا منها على المساجين او تعقد مجالس تقرأ فيها المسرحية او يقوم بتمثيلها فرق مسرحية صغيرة مكونة من المساجين.
ونشرت صحيفة نوفايا جازيتا الروسية خطابا مفتوحا موقعا من 16 الف شخصية عامة تطالب باطلاق سراحهما مؤكدة انه عمل يغذى المشاعر الرافضة للارهاب بين جمهور المسرح والشعب الروسى بوجه عام.
كما وقع عشرات من الممثلين والصحفيين الروس افادات تطالب المحكمة باطلاق سراحهما دون انتظار للتحقيقات.
وكانت الحكومة الروسية وضعت قيودا عديدة بعد بدء الحرب فى اوكرانيا تعاقب كل من ينتقد هذه الحرب. وصدرت احكام قاسية بالسجن على شخصيات بارزة من المعارضين. وصدرت قرارات بفصل عدد من الممثلين والمخرجين من مسارح الدولة. وتم منع اعداد من الموسيقيين من اقامة عروض خاصة. وغادر عدد كبير من الفنانين روسيا.
وتلقت بركوفيتش التى تربى طفلتين بالتبنى عروضا بالهجرة إلى فرنسا وبريطانيا لكنها رفضتها جميعا وفضلت البقاء فى روسيا والعمل مع فرقة خاصة.