«العادلون».. من عالم «كامو» إلى المشهد الأخير الأليم بفلسطين لثقافة عين حلوان

«العادلون»..  من عالم «كامو» إلى المشهد الأخير الأليم بفلسطين لثقافة عين حلوان

العدد 864 صدر بتاريخ 18مارس2024

من عالم الفيلسوف الفرنسي العبثي والمؤلف العالمي ألبير كامو، ينقلنا المخرج محمد فاضل في أول تجاربه مع مسرح الثقافة الجماهيرية، بعد عدة تجارب خارجها، إلى المشاهد العصيبة الأخيرة في أرض فلسطين حيث المقاومة المستمرة، ضد المحتل الصهيوني «العدو الإسرائيلي»، فيقدم تجربته «العادلون» برؤية مغايرة ومختلفة للجمهور، مع فرقة قصر ثقافة عين حلوان، بالقاهرة.
وقدمت المسرحية في الأيام الأخيرة الماضية بشهر مارس الجاري، بمسرح الطليعة، والتقت مسرحنا بالمخرج وبصناع العرض، لنحاول أن تتعرف على ملامح هذه التجربة المسرحية.

الفدائيون الفلسطينيون
وقال المخرج محمد فاضل: «تدور أحداث العرض في إطار فلسفي، حول مجموعة من الفدائيين الفلسطنيين، الذين يخططون لاغتيال أحد قادة الكيان الصهيوني، ويؤكد العرض على صورة المناضل العادل الذي يعطي الأولوية للمواقف الإنسانية دون أن يفقد روح الانتفاضة التي يؤمن بها، حيث يمكن تحقيق العدالة بشرف وحرية وليس عن طريق القتل أو العدائية فقط، وقررت تقديم العرض في هذا الإطار تضامنًا مع الأحداث الأخيرة بفلسطين، وخاصة ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي، وما تلاه من أحداث مع أهل غزة الأبطال والذين صاروا وحدهم بالعالم رمزًا للصمود والمقاومة وما يشهدوه من إبادة جماعية وما يتعرضون له من أحداث مأساوية وصعيبة».

مفاهيم العدالة والحرية
وأوضح معد العرض الكاتب الصحفي محمد عبد الرحمن: «في البداية، أود التأكيد على أن نصوص الأديب الفرنسي الكبير ألبير كامو، واحدة من أكثر النصوص العالمية الصالحة للمعالجة في أي وقت، لما تحمله من أفكار فلسفية وفكرية مهمة، وتناقش العديد من القضايا الكبرى التي تمس البشر خاصة في ظل الصراعات التي يعيشون فيها، ومن هنا كان اختيار المخرج محمد فاضل القباني لنص «العادلون» باعتباره واحدا من أكثر النصوص التي تحمل أفكارًا فلسفية عن مفاهيم العدالة والحرية».

محمد عبد الرحمن: استرداد الحق بالقوة يُشفي من أعياه الظلم والقهر.
مقاومة عدو دموي
وتابع «عبد الرحمن»: «وفي معالجتي لنص «العادلون»، حاولت أن تكون الأحداث متوافقة مع قضايا عصرية؛ تمس المشاهد والجمهور في مصر، لذلك لجأنا إلى الحديث عن القضية الفلسطينية، ودور المقاومة التي تدافع عن وطنها بكل بسالة وشرف، في مقابل عدو دموي لا يُفرق في قتله بين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ وبين من يقاومه بالسلاح، وكذلك حاولنا تسليط الضوء على دور المقاومة في ظل قلة المعالجات التي قدمت على خشبة المسرح عن المقاومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة، وخلال إعدادي لنص «كامو»، فأنا اعتمدت فقط من فكرة النص الأساسية سواء على صعيد بناء الشخصيات أو الرؤية التي انطلق منها، لكنني تناولت أحداثا بعيدة عن التي يدور حولها النص الأصلي، وتأكيدًا على أن استرداد الحق بالقوة من عوامل شفاء من أعياه الظلم والقهر».
«عمار ويافا» في حصار تساؤل.. هل للحب وقت في الحروب؟
 الشاعر عمار
فيما قال رامي نادر: «قدمت شخصية «عمار»، الذي يمثل المعادل لشخصية «يانك» في نص ألبير كامو، وهو ذاك الشاعر الذي يؤمن بقوة الكلمة، فيرى أن الشعر والفن وسيلتان للنضال.. والمقاومة وفي الإعداد الجديد للنص يرتكز على تناول المشهد الأخير المؤلم في الوطن العربي فـ «العادلون» هم الفدائيون لاسترداد أرضهم رغم آلامهم هم يتسمون بالرحمة والرأفة للإنسانية جمعاء».

هل للحب وقت في الحروب
وأوضح «رامي»: «وبأحداث العرض تجمع «عمار»، و«يافا» قصة حب لنطرح ونناقش من خلالها التساؤل المهم والمؤلم.. هل للحب وقت في غمار الحروب والنضال والمقاومة؟ مع إنسان يعيش فقط من أجل الحق والدفاع عن الوطن! وذلك مع التعايش في حياة قاتمة ومستقبل مجهول وبلا ملامح وقد يكون غير آمن، و«عمار» شخص يحبه الجميع، ويختلف فقط مع «عدنان» في نظرته للحياة وفلسفة المقاومة وسبل تنفذيها».

الفدائية الوحيدة «يافا»
وقالت هدير طارق: مشاركتي مع المخرج محمد فاضل هي الأولى معه بالمسرح، وسعدت باختياره لتقديم شخصية «يافا»، وهي المناضلة الوحيدة مع مجموعة من الفدائيين الرجال، من بينهم أخي الأكبر «طلال»، قائد المجموعة، و«صهيب» الفدائي الأصغر، و«عدنان» أقدم الفدائيين، والذي يملأه الحماس والشجاعة نحو الإقدام لتنفيذ العمليات الفدائية لاسترداد الأرض والوطن.
وأوضحت «هدير»: «من مهام «يافا»الموكلة إليها تصنيع القنابل مع مجموعتها الفدائية، ولا يشغل بالها غير القضاء على الاحتلال الإسرائيلي، غير أنها لا تقبل أبدًا القتل بعيدًا عن المقاومة، وتأبى إيذاء النساء والأطفال، وإن كانوا من أعدائها». 

ما بين القتل والحب
وتابعت «هدير»: «وتدور أحداث العرض في غرفة تحت الأرض في أحد الأنفاق بفلسطين للتدريبات على المقاومة والاستعداد لها، وتجمعني قصة حب، بالشاعر «عمار»، أحد الفدائيين، الذي يحمل قلبا يتمنى سلامًا للعالم كله، وبتصاعد الأحداث أعيش في حصار داخلي ما بين مشاعر الحب، وبين الثأر والانتقام وقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي وخاصة عندما يذهب «عمار»، للقيام بتنفيذ العملية الفدائية، ليقتل أحد قادة الاحتلال الصهيوني ويتراجع ويرفض القيام بالعملية لأن الموكب يصاحبه أطفالًا فأبقى ما بين موقفه هذا حائرة وفي صراع بين الثأر والرحمة والرأفة بالضعفاء من الأطفال».

شعب أعزل يواجه إبادة جماعية
فيما قال عبد الرحمن كمال: «سعيد جدًا بالتجربة مع كل الفريق وأشكر الفنان مروان عثمان، الذي رشحني لدور «صُهيب» الذي أحببته كثيرًا فهو شخصية درامية خلقت من واقعنا وواقع القضية الفلسطينية الأليم، ونحن نتعايش مع أشخاص كثيرة تجمعهم سمات «صهيب»،. فهو مؤمن ومشارك بصفوف المقاومة لكنه في الوقت نفسه، يضعف أمام مسئولية الموت وإراقة الدماء من الأعداء، أو من فرقته بالمقاومة، فرغمًا عنه ينسحب مع أول عملية تكون تحت مسئوليته عنها، ويقرر أن يكمل دوره في نقل المعلومات دون أن تتلطخ يده بالدماء ولكن عندما يقوم عمار بتنفيذ عملية الاغتيال لرئيس الوزراء الاسرائيلي والقبض عليه بعدها مباشرة، يترك ذلك بداخله له شجاعة أكبر وشعورا بمسؤليته أكبر نحو استكمال ما بدأه أصدقاؤه فيقرر الرجوع للمقاومة وأن يحل محل صديقه الأقرب «عمار».

شعب المقاومة
وأضاف «عبد الرحمن»: «أتمنى أن نكون قدمنا عرضًا ينقل رسائل مهمة وخاصة جدًا للجمهور من واقع وطن وشعب المقاومة العظيم، والمدنيين العزل، الذي يستكملون رحلتهم رغم ما يعيشونه وما يواجهونه من إبادة جماعية في هذه الأيام بقوة وصمود وعزة».

مسئولية كبيرة
وقال ياسر الوكيل: «سعدت كثيرًا بالمشاركة كمخرج منفذ مع جميع أبطال العرض المتميزين من الممثلين والفنانين خلف الستار، وأحمل لهم جميعًا محبة كبيرة تجمعنا صداقات من خلال فن المسرح العظيم، وتحمست لتحمل مسئولية كبيرة لتنفيذ العرض وخاصة أننا جميعا تكاتفنا معا لتقديم التجربة، وأسعدني مشاركتي بعرض مسرحي يتماس مع القضية الفلسطينية، وخاصة بعد الأحداث والمشاهد الأخيرة المؤلمة التي يشهدها العالم منذ أحداث السابع من أكتوبر الماضي، والتي تؤكد على وحشية الاحتلال الصهيوني الذي يسعى لإبادة شعب وتهجيره طمعًا في أرضه فهو لا كيان ولا حق له».

قضية أصحاب الأرض
وأضاف «الوكيل»: «إن النص الأساسي لـ«كامو» يتناول قضية المقاومة لاستراد الأرض والحق، وهكذا ينقلنا الإعداد الخاص بمحمد عبد الرحمن المتميز لتناول قضية أصحاب الأرض الأشهر والأقدم بالعالم «شعب فلسطين» الصامد، لكن بالنص نشعر أن المقاومة في حقيقتها تحكمها الإنسانية ففي عقيدتنا لابد أن نكون رحماء بالنساء أو الأطفال ولا نهدف أبدًا إلى قتلهم أو إيذائهم».

ممثلا بالليلة الأخيرة
وأوضح «الوكيل»: «قدمت بالليلة الأخيرة دور «صهيب» والذي عليه أن ينفذ أحد خطط الفدائيين، لكنه يتراجع خوفًا من قتل الأطفال الذين لا ذنب لهم، ويعود مرة ثانية لاستكمال دوره بين صفوف الفدائيين؛ ولقد سعدنا كثيرًا بما قدمناه كهدية للشعب المناضل بفلسطين الغالية، في جميع ليالي العرض وأسعدنا الجمهور الذي امتلأت به قاعة مسرح الطليعة طوال أيام العرض».

خنق الثقافة العربية
فيما أوضح المؤلف الموسيقي للعرض محمد خالد: إن الفرق بين النصين جوهريًا ويتماس مع الأحداث التي يعيشها أهل وأصحاب الأرض المقدسة «فلسطين» هذا الوطن الغالي فتناول القضية وخاصة مظاهر النضال والإنسانية بعيدا تمامًا عن النص الأصلى لـ «كامو»، وتم الاتفاق على العمل بالعرض بعد أكثر من مقابلة مع صديقى المخرج والممثل محمد فاضل القباني، والذي تربطي به علاقة صداقة قوية، وكنا نستمع معًا لمحاولات عديدة لأنماط مختلفة من الألحان التي نحاول بها أن ننتقل إلى الأحداث الدرامية بالعرض، واتقفنا بالنهاية على شكل محدد وهو الكلاسيكال الخالي من المشاعر الحزينة المباشرة وهو ما يميل للنزعة الشرقية الخفيفة.. دلالة على خنق الثقافة العربية وخاصة الفلسطينية ومحاولة «صهينة» كل ما هو عربي داخل دولة فلسطين.. والاستيلاء على الأرض والثقافة والهوية لشعب الخيام المقاوم والصامد.

الجانب الفكري
واختتم «خالد»: حاولت بجهد كبير أن ترتكز الموسيقى على مخاطبة الجانب الفكري أكثر من الجانب العاطفي لإعطاء مساحة للكلمة والتي كانت عنصرًا مميزًا بالعرض.

فريق «العادلون»
مسرحية «العادلون» من بطولة وتمثيل خالد رأفت «طلال»، هدير طارق في دور «يافا»، محمد فاضل في دور«عدنان»، عبد الرحمن كمال وياسر الوكيل في دور «صهيب»، رامي نادر في دور«عمار»، السعيد قابيل «بنحاس».

خلف الستار
ديكور وملابس سماح نبيل، إضاءة محمد الطايع، تأليف موسيقي: محمد خالد، مخرج منفذ ياسر الوكيل، مدقق لغوي أحمد سعيد، فوتوغرافيا عادل صبري، فيديو جرجس صبحي، مريم سليمان، وهيئة الإخراج.. مروان عثمان، محمد ياسر، عمر، هدير السيد، مي شاهين.
والعرض عن رائعة الأديب الفرنسي ألبير كامو، من إعداد محمد عبد الرحمن، وإخراج محمد فاضل القباني.
ومن إنتاج قصر ثقافة عين حلوان فرع ثقافة القاهرة، التابع لإقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد، ضمن مشروعات التجارب النوعية للموسم المسرحي 2023/ 2024، بالإدارة العامة للمسرح برئاسة سمرالوزير، بالإدارة المركزية للشئون الفنية، برئاسة الفنان تامر عبد المنعم، بالهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة المخرج عمرو بسيوني.
 


همت مصطفى