خالد حسونة: «رقصة كابول الأخيرة» بدأ بصورة على مواقع التواصل الاجتماعي

خالد حسونة: «رقصة كابول الأخيرة» بدأ بصورة على مواقع التواصل الاجتماعي

العدد 863 صدر بتاريخ 11مارس2024

المبدع عادة ما يضع نصب عينيه حين يشارك في جائزة ما، أن الجوائز مجرد نافذة للإبداع قد يتحقق لها النجاح؛ اعتمادا على جودة العمل وتحقيقه لشروط الإبداع، وقدرته على تبني أفكار المبدع وتوصيل جمالياته، وحمل رسائله للجان والجمهور على السواء، ليتحقق له حلمه في الخلود، كما أن الأمر مرهون أيضا بقدرة لجان التحكيم على استنباط أفكاره وتوافق ذوقه معها، والجوائز عادة تعطي ثقة للمبدع في مشوار كتابته، وتدفعه إلى مصادقة نصه الإبداعي، لكنها أيضا تضعه تحت مجهر القلق والضغط النفسي، وكلما كان النص قويا وثريا ربما يضعه ذلك في المقدمة والقبول النقدي والشعبي حين يقدم على خشبة المسرح وهو الهدف الأسمى لكل مبدعي النصوص المسرحية .وقد حصل مؤخراً الكاتب والمخرج خالد حسونة على المركز الثاني في مسابقة النص المسرحي لجائزة ساويرس الثقافية  في دورتها التاسعة عشرة  بنص “رقصة كابول الأخيرة» ولأنه مبدع من طراز رفيع كان علينا أن نحاوره ونتعرف على أجواء النص الفائز وطموحاته وكيف يرى التأليف المسرحي الفترة الحالية. خالد حسونه مؤلف ومخرج مسرحي حصل على بكالوريوس الفنون المسرحية قسم الدراما والنقد عام 2003 وكذلك حصل على ليسانس الحقوق عام 1996 وهو عضو نقابة المهن التمثيلية شعبة الدراما ونقد، ومخرج بمسرح الشباب التابع للبيت الفني للمسرح. قدم العديد من الأعمال المميزة مؤلفاً ومخرجاً وناقداً، ففي مجال التأليف المسرحي قدم العديد من المسرحيات منها على سبيل المثال وليس الحصر  “رقصة كابول الأخيرة”، “هلا رعب”، “وداعاً نوتردام”، “عشان احنا واحد “، “حلوة الحدوتة” كما قدم العديد من الأفلام الروائية القصيرة والطويلة والمسلسلات. في مجال الإخراج قدم مسرحية “البخيل” لموليير، مسرحية “عشان إحنا واحد”، “رجل القلعة» تأليف الكاتب الكبير محمد أبو العلا السلاموني، مسرحية “حلوة الحدوتة” تأليفه وإخراجه، مسرحية “سهرة ملوكي”، مسرحية “أوبرا الشحاتين”، مسرحية “مؤتمر غسيل الأدمغة”، “النسر الأحمر”، “الحلم يدخل القربة”، مسرحية “سهرة مع أبي خليل القباني”، “حلم ليلة صيف”، “قبل أن يموت الملك”، والعديد من المسرحيات التي نالت العديد من الجوائز ومنها على سبيل المثال جائزة الكتابة لمسابقة مؤسسة ربع قرن عن مسرحية “سفراء السعادة”، جائزة النص في العرض الفائز بالمركزالثالث في مسابقة مسرح الفرجان 2024 مؤسسة ربع قرن عن مسرحية “هلا رعب”، جائزة الهيئة العربية للمسرح في مجال التأليف عن مسرحية “رحلة في مجرة الخيال”، المركز الثاني عالمياً في مهرجان أولادنا تأليفاً وإخراجاً عن مسرحية “عشان احنا واحد» والعديد من الجوائز الهامة. سألناه:                                                                                                                          
ماذا يُمثل لك حصولك على جائزة ساويرس وهل كنت تتوقع الحصول عليها؟
الحصول على الجوائز شيء ممتع؛ ولا سيما أن تكون الجهة المانحة للجائزة مؤسسة ثقافية كبيرة مثل مؤسسة ساويرس ذات التاريخ الطويل في دعم وتشجيع الأدباء والمثقفين في مصر خلال التسعة عشر دورة السابقة، والتي أفرزت العديد من الموهوبين، ورسخت لكبار مبدعينا.
أما عن توقع الحصول على الجائزة؛ فلطالما كانت أمنيتي، ولا سيما أنني كنتُ منذ ثلاثة أو أربعة دورات سابقة أتقدم إلى الجائزة بمسرحيات مختلفة، وفي كل مرة كنت أصل إلى القائمة القصيرة، ولذا شعرت أنها تقترب. وقد حصلت عليها هذه الدورة بحمد الله لأكون صاحب النص المسرحي الوحيد الذي يفوز هذا العام.
نود أن نتعرف على أجواء نص رقصة كابول الأخيرة وما هي ظروف كتابته؟
«رقصة كابول الأخيرة” بدأ بفكرة عابرة من خلال صورة على مواقع التواصل الاجتماعي لمجموعة من الفارين من جحيم طالبان، وهم يتعلقون بجناح طائرة عملاقة وكأنها طائر الخلاص، ثم تُقلع الطائرة بينما يبدأون في التساقط تباعاً ليلقوا حتفهم. إن هذه الصورة لم تغب عن ذهني، وظللت أحلم بها كثيرا لأجدني في رحلة قراءة وبحث طويلة، وآلاف من الأوراق والأحداث تتراءى أمامي وأنا أستعيد تاريخ أفغانستان وتاريخ حركة طالبان؛ ليفرز هذا العصف الذهني المُرعب هذا النص المسرحي
ما أبرز التحديات التي واجهتها لخروج النص إلى النور وما هي الرؤية التي أردت إبرازها من خلاله؟
كانت التحديات عديدة للغاية؛ ولا سيما أن كثيراً من الشخصيات التي تتناولها الأحداث هي مزيج من شخصيات واقعية، وأخرى من بنات أفكاري، وكذا الأحداث التي ما زلنا نعيشها. فأن تكتب في تاريخ أمة ما، أو عن حدث ما تحتاج إلى زمن يمر حتى تتضح كل الحقائق، ولأنني لا أملك رفاهية الوقت - حيث إن الأحداث والشخصيات المسرحية أخذت تلاحقني، وتتصارع بداخلي راغبة في الخروج إلى النور- فقد كان لزاماً أن أتحرر من كل القيود، وأنطلق في كتابة المسرحية لأدع الشخوص تتحدث، والأحداث تتفاعل، وليكن ما يكون. وقد خرجت المسرحية في صيغتها النهائية كنتاج فعلي للقضية المطروحة، وهي إجابة عن السؤال الذي طالما دار بذهني كثيراً، وهو عن دورنا كفنانين، وعن دور الفن بشكل عام في القضايا الهامة والمصيرية التي تمر بها أوطاننا
كيف ترى جائزة ساويرس للتأليف المسرحي وما تقييمك لها مؤخرا؟
وُلدت جائزة ساويرس كبيرة، ولكنها تنامت في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ وناضج، وأصبحت أهم الجوائز الثقافية والأدبية التي تُقام في مصر وفي الوطن العربي كافة، وذاع صيتها وشرع الكتاب والمبدعون في التنافس فيما بينهم للاشتراك فيها - بصرف النظر عن حصولهم عليها أم لا. فالمسابقة تُجسد قيمة فعلية لما يجب أن تكون عليه مؤسسات المجتمع المدني من مشاركات فاعلة ودور بارز في مُساندة الدولة في زيادة الوعي وتنشئة الإنسان. والدولة على وعي تام بدور هذه المؤسسة الفاعل؛ والدليل على ذلك حضور وزيرة الثقافة الدكتورة “نيفين الكيلاني” مراسم الدورة التاسعة عشرة للاحتفاء بالفائزين كنوع من التحفيز الداعم لدور المؤسسة الثقافي، وكذلك مشاركة العديد من الوزراء، والمسؤولين، والفنانين، والإعلاميين في دعم المسابقة على نطاق واسع
في رأيك هل من الضروري أن تكون هناك طريقة لربط مسابقات التأليف المتنوعة بجهات الإنتاج حتى تقدم الأعمال الفائزة على خشبات المسارح؟
يجب أن يحدث ذلك؛ فمؤسسة ساويرس قد انتهى دورها حين أتت بكبار الكُتاب والنقاد ليختاروا أعمالاً أدبية شديدة التميز، وخاصة أن الأعمال الفائزة قد خاضت بالفعل غمار التسابق مع مئات الأعمال الأخرى، وأن تفوز بعض هذه الأعمال، أو تصل إلى المراحل النهائية، فهذا يعني بنسبة كبيرة تميزها. وقد ألقت المؤسسة بذلك الضوء على المُبدعين، مما يستوجب على الدولة، والقائمين على الفنون والمسارح دوراً فاعلاً في استكمال الخطوات التالية؛ من خلال تناول هذه النصوص والأعمال الأدبية الفائزة، وتقديمها للجمهور، بدلاً من عناء رحلة البحث عن نصوص جيدة كل عام
ما  الشروط الواجب توافرها ليكون النص المسرحي قابلا  للتنفيذ على خشبة المسرح.
لا توجد شروط مُلزمة، كما أنه ليس هناك نص مسرحي - بمعنى نص مسرحي له مقومات المسرحية - كُتب للقراءة فقط كما ادعى البعض على مسرحيات توفيق الحكيم من قبل، وإذا بنا نرى كل أعماله وقد تم تجسيدها على خشبات المسارح. فالمسرحية، أو النص المسرحي هو فعل تحدٍ تنتهي مرحلة إبداعه من مؤلفه لتتسلمه أيادٍ إبداعية أخرى متمثلةً في مخرج واعٍ، ومن يساعدونه في عناصر العرض الأخرى، وحين يتحقق ذلك، فإننا سوف نرى مسرحاً جديداً، وصورةً جديدةً، ومشاهد كانت تبدو غير قابلة للتحقق على خشبة المسرح فإذا بنا نراها مُتحققة بأساليب وحلول إبداعية على خشبة المسرح، ولعل خير مثال على ذلك ما شهدناه في مسرحية “شبح الأوبرا” أكبر دليل على أن خيال الكاتب والمخرج حين يمتزجان معاً، فإنه يُخرج لنا فناً وإبداعاً يملأ مسارحنا بالجمهور الذي يرغب في مشاهدة تلك الأحجيات الإبداعية وهي تُحل على خشبة المسرح
تعمل بدأب في أكثر من اتجاه على مستوى الإخراج والتأليف والتمثيل والنقد. فعلى أي هذه الاتجاهات تركز الآن؟
ما أنا إلا نتاج زمني، والظروف المُحيطة هي التي قد تدفع بالفنان لخوض غمار أكثر من تجربة، ولكنها كلها في النهاية تدور داخل إطار اللعبة الفنية التي نعشقها جميعاً. ولا أحتاج لأن أذكر القارئ بعشرات النجوم - سواء في مصر أو على المستوى العالمي - قد لعبوا أدواراً عديدةً في العملية الفنية، وبرعوا فيها أيما براعةً. وأنا بحمد الله كلما خضت غمار تجربة سواء على مستوى الكتابة، أو الإخراج، أو التمثيل ازددت خبرةً وسعةً في الأفق، وشعرتُ بكثيرٍ من المتعة
ولكن تشجيع الجمهور والقراء يظل أمتع ما في الرحلة، وأروع ما في التجربة. وفي النهاية تظل الكتابة هي أقرب الأشياء إلى قلبي؛ حيث أعيش مع شخوصي المسرحية، وصراعاتهم، وقضاياهم أروع تجارب الحياة
هل هناك اتجاه الفترة المقبلة أن تقدم نص «رقصة كابول الأخيرة» على خشبة المسرح؟
يتوقف ذلك على رغبة المسئولين عن العملية الإنتاجية والمسرحية في مصر، ورغبتهم في رعاية المواهب الحقيقية، وتناول الأعمال القيمة - سواء لي أو لغيري من المواهب التي تمتلئ بها مصر وتحتاج إلى من ينفض الغبار عنها. وبشكلٍ عام فإننا نحتاجُ في مسارحنا إلى ما يُشبه (الكشاف) في عالم الرياضة الذي يبحث عن اللاعب الموهوب في القرى والنجوع، ليبحث كشافنا المسرحي بين جنبات النصوص المختلفة، ليكشف عن أجملها، ويدعمه، ويقدمه في أبهى صورة؛ فنحن جميعا في دائرةٍ واحدةٍ نُكمل بعضناً البعض
هناك مقولة شائعة أن هناك أزمة في التأليف المسرحي، البعض يؤكد تلك المقولة والبعض ينفيها فما رأيك، وهل بالفعل نُعاني من أزمة في التأليف المسرحي؟
قولا واحداً... ليست هناك أزمة في الإبداع في مصر، وإنما الأزمة الحقيقية تكمن في كيفية إدارة هذه المواهب الإبداعية بشكل مُثمر ومستمر؛ فلقد رأيتُ في رحلتي كناقد العديد من المواهب تأليفاً، وإخراجاً، وتمثيلاً تتعرض للإحباط، ولاهتزاز ثقتهم بأنفسهم، وبإبداعاتهم نتيجة رؤيتهم لأنصاف وأشباه الموهوبين، يتم تكريمهم وتقديم أعمالهم المهترئة والمفعمة بالخفة والسذاجة - والتي لا ترقى لمكانة مصر مسرحياً -على خشبات المسارح. وللإنصاف فلقد كانت هناك بعض المحاولات الإصلاحية التي حاولت إظهار بعض المبدعين للنور، ولكنها محاولات تُعد على أصابع اليد الواحدة.


رنا رأفت