مسرح الحجرة.. في العالم العربي (1-2)

مسرح الحجرة.. في العالم العربي (1-2)

العدد 859 صدر بتاريخ 12فبراير2024

مسرح الحجرة أحد الأشكال التجريبية في المسرح المعاصر، هو مسرح في مكان صغير مغلق للمشاهدة، مكثف في العرض، يتسع لعد قليل للغاية من الكراسي، ولا يتطلب فخامة في الديكور، فهو ينتمي إلى «المسرح الفقير» وفق تعبير» جرتوفسكي».
 ووفق الرؤية الجديدة للمسرح فإنه «لم تعد خشبة المسرح التقليدية هي المكان الوحيد لعرض مسرحية، وكشفت عروض التجريبيين في كل العالم منذ الستينيات أن رحبة المسرح أو منطقة العرض لا تقتضي أن تكون مجرد خشبة مسرح محددة، فهذا مخزن إيواء السيارات( الجراج) الذي اتخذه للعرض المخرج الأمريكي المعاصر ريتشارد شكنر ليس فيه افتراضا خشبة مسرح محددة.. والكثير من المسارح البيئية تذهب إلى حد أن الحدث يقع في أي مكان في البناء وعلى الأرض ومع انتشار الممثلين في أرجاء المسرح عبر صفوف المشاهدين وجلوسهم في المقاعد الخالية – إن وجدت - .. وكل هذا بالطبع لم يكن جديدا ولكنه أوجد سلوكا مسرحيا كهربيا في مثل هذا الإنتاج المسرحي..»(1).
كل هذه الأشكال المسرحية جاءت كرد فعل إبداعي ضد الجمود الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بعد تحول المجتمع العربي في السنوات الأربعين الأخيرة إلى مجتمع رأسمالي استهلاكي.
لذا كان من الضروري البحث عن أطر فنية يكون من مهمتها إيجاد نوع من التوازن في الوعي –الذي للأسف – تتعدد المحاولات لتغييبه، لذا تكون مهمة الفعل الثقافي صعبة، لكنها بكل تأكيد ضرورية.
وتتعدد أشكال «مسرح الحجرة»، ومنها «المايكرو تياترو»، والذي تعتمد فلسفة العرض فيه على، توظيف جدران غرفة العرض للتأثير على الجمهور، ومحاولة دمجهم في العرض، وهو عرض لا تتعدى مدته الزمنية 15 دقيقة، ويقدم في غرفة لا تزيد عن 15 مترا.
وهذا النوع من المسرح نشأ وتطور في إسبانيا على يد المخرج المسرحي ميجيل إلكونتود.
ويعد هذا الشكل تطويرا لمسرح الغرفة الذي بدأ في الظهور في أوروبا عام 1914م، في موسكو، على يد المخرج «ألكسندر تاييروف»، وتطور هذا المسرح في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، مع مسرحية «في غرفة المعيشة» عام  1953م، والتي كتبها  «جرهام جراين»، وتتكون المسرحية من عملين، يضم كل منهما مشهدين فقط، وتدور أحداثهما في غؤرفة جلوس روز بيمبرتون وخالتيها المسنتين، ولديهن خوف شديد من الموت في المنزل.
ومسرح الغرفة – بشكل عام - يتم فيه التداخل ما بين النص المكتوب والارتجال، وتحاول عروضه خلق حالة من التعاطف ما بين الممثلين والجمهور.
وفي العالم العربي بدأت منذ ستينيات القرن الماضي حركة مسرحية تنادي بالخروج عن الأطر الشكلية للمسرح والعودة إلى الموروث الشعبي كقناع فني للتعبير عن الواقع , وظهرت مجموعة من الكتابات النقدية التي تدعو لذلك مثلما فعل توفيق الحكيم في كتابه «قالبنا المسرحي» والذي حاول أن يطبق رؤيته في جماليات المسرح الجديد على نصوص عالمية، لكن هذه الطريقة – من وجهة نظري – لم تحقق ما كان يهدف إليه الحكيم نفسه فظلت هذه النصوص على كلاسيكيتها وجمودها، وتوقفها عند لحظتها التاريخية، لأنها لا تصلح للتعبير عن الواقع الذي أعيدت فيه صياغتها.
وقد عرفت مصر هذه التجربة أول مرة مع المخرج الراحل سعد أردش، عندما أسس «مسرح الجيب» عام  1962م، وسمي بمسرح الجيب لصغر مساحة صالة العرض، والتي تتسع لعدد قليل يتراوح ما بين 50 إلى 100 كرسي، وكانت أول مسرحية تقدم من خلاله «لعبة النهاية» لصمويل بيكت وترجمة علاء الديب وإخراج سعد أردش، وقد استقر هذا المسرح في عام  1973، بالعتبة، ليطلق عليه بعد ذلك «مسرح الطليعة».
وقد دعا د. علي الراعي عام 1965 «إلى أن يوجه مسرح الجيب نشاطه التجريب إلى البحث عن صيغة مصرية للمسرح»(2)
وهناك تجربة «مسرح المائة كرسي في الأردن عام 1968م، وكذلك شهدت سوريا تجارب من هذا النوع، منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، حيث تم عرض «الغرفة» لهارولد بنتر، وقد تكرر مثل مثل هذا العرض في فترات تالية، وحاليا ينتشر مسرح الغرفة في مناطق كثيرة من سوريا، ومنها التظاهرة السنوية التي يقيمها مجموعة من شباب المسرحيين  في دمشق تحت عنوان « مسرح الغرفة»، وقدمت من خلالها عشرات العروض منها «موقف الأزبكية من الأزمة المسرحية» تمثيل حسام جليلاتي، ووئام إسماعيل، والعرض من تأليف سعيد محمود وإخراج حسام جليلاتي ووئام إسماعيل، وعرض  «أنا وحالي لحالي»  تمثيل وإخراج أحمد ملص، وعرض «ألو عطيل ألو ديدمونة» بطولة ريمي عزقول وطارق المسكي، والعرض من تأليف وإخراج: رضوان شبلي، ومنها كذلك عرض «في انتظار جودو» بطولة علاء ديار بكرلي ومحمد أيتوني وإخراج التوأم ملص.
ومعظم هذه العروض تأتي في إطار ما يمكن أن يسمى بالمعارضة المسرحية، من خلال طرح الرؤية المسرحية السابقة من خلال نصوص مؤسسة في المسرح العالمي ومناقشتها على أرض الواقع الآني وفق متطلبات اللحظة الراهنة، وتجريد الشخصيات المسرحية من أنماطها التقليدية لتكون حاضرة على المسرح وفق الرؤية المعاصرة. وقد شارك في التجارب مجموعة من الهواة وخريجي المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، وقدمت معظم هذه العروض في منزل «التوأم ملص».
كذلك اعتمدت هذه العروض على إضاءة فقيرة على  «لمبة « واحدة، وموسيقى من أجهزة الموبايل، وتم تشكيل الفضاء المسرحي وفق معطيات المسرح الفقير، يقول أحمد ملص أحد الفاعلين في هذه التجربة : «قدمنا تجربة جريئة يسميها البعض مجنونة، يقبل بها البعض، ويرفضها آخرون، وفي النهاية شكرا للبعض الذي قبلنا وللبعض الذي رفضنا»
 وقدمت التجارب من خلال إطار ما يسميه نقاد الحداثة : مسرح الدفع المحوري» أو مسرح المنصة، وفي هذا النوع من المسرح «يكون الممثل هو الكائن الأول والأساسي في العرض المسرحي وليس الديكور أو الإضاءة أو غيرهما من الأدوات والزوائد المسرحية»(3)
وفي لبنان وتحديدا في مدينة  «صور»،  يوجد « مسرح الغرفة»  والذي تم إنشاؤه في السبعينيات من القرن الماضي، وفي السنوات الأخيرة تم تأسيس «محترف تيرو للفنون»،  للتدريب المجاني على المسرح، ومن خلاله تم تقديم مجموعة من العروض المسرحية منها  «هوامش « و»حكايات من الحدود»  و»محكمة الشعب»  و»نساء بلا هوية»  و»البيت الأسود « و»نزهة في أرض المعركة»  و»تجربة الجدار»  و»قوم يا بابا « وغيرها.
وقد شاركت الفرقة في عدد من المهرجانات في تونس ومصر وبلجيكا واليونان وجورجيا وغيرها، وحصدت عدة جوائز دولية من إسبانيا وفرنسا والأردن.
وتدور عروض الفرقة في إطار اجتماعي، معتمدة في هذه العروض على فكرة «الورشة المسرحية»، والتي  «تعتمد على التدريب بهدف التجريب المسرحي»، «أما عناصر التجريب في الورشة المسرحية فتكمن في البحث عن أساليب تعبيرية جديدة، على مستوى الأداء التمثيلي، وما يستتبعه من تدريب الممثل وتنمية قدراته الصوتية والحركية، ةأو مستوى التقنية المسرحية ذاتها، مثل البحث في مجال تطوير لا الفراغ المسرحي واستخدامات عناصر الضوء والموسيقى»(4)

الهوامش:
1- د. أحمد زكي: اتجاهات المسرح المعاصر – الهيئة المصرية العامة للكتاب –القاهرة 1996 –ص13.
2- علي الراعي : الكوميديا المرتجلة- منشورات دار الهلال- 1965- ص22.
3- د. أحمد زكي : اتجاهات المسرح المعاصر- فنون العرض- الجزء الأول- الهيئة المسرحية العامة للكتاب - 1996م- ص15.
4- فيصل الطحان: تقنيات إخراج عروض الورش المسرحية في مصر- الهيئة المصرية- ص23.


عيد عبد الحليم