عمرو دوارة: تكريمي في بلدي له مذاق خاص

عمرو دوارة: تكريمي في بلدي له مذاق خاص

العدد 852 صدر بتاريخ 25ديسمبر2023

الدكتور عمرو دوارة شخصية مسرحية استثنائية، فهو مسرحي متعدد المواهب، مخرج متميز غزير الإنتاج أخرج خمسة وستين عرضا نصفهم تقريبا بفرق مسارح الدولة المختلفة (المسرح الحديث، الغد، الطليعة، الشباب، الغنائية الاستعراضية، أنغام الشياب، تحت 18)  بإلإضافة إلى عمله كمخرج منفذ مع أستاذه كرم مطاوع بفرقة المسرح القومي، أما النصف الثاني من العروض التي أخرجها فقد قدمها مع مختلف تجمعات الهواة (المسرح الإقليمي، المسرح المدرسي، الجامعي، العمالي، المراكز الثقافية الأجنبية). وهو أيضا ناقد متميز كتب أكثر من ألف مقال ودراسة نقدية نشرت بكبرى الصحف والمجلات المحلية والعربية، كما صدر له أكثر من خمسة وثلاثين كتابا (بعضهم طبع ثلاث طبعات)، كما نشرت بعض كتبه بكل من لبنان، والإمارات المتحدة (إمارة الشارقة) والمملكة الأردنية، والجزائر.
ويضاف إلى رصيده أيضا تأسيسه لبعض الفرق المسرحية المهمة (مجانين المسرح 1978، المسرح الارتجالي 1982، فرسان المسرح 1996)، وأيضا تأسيسه لرابطة الدفاع عن المسرح المصري، وللجمعية «المصرية لهواة المسرح» عام 1982، وهي الجمعية التي أسس من خلالها ثلاثين مهرجانا تحمل مسؤولية رئاستها، من أهمها «مهرجان المسرح العربي» بدوراته الخمسة عشر (2001 - 2017)، مما دفع بعض المسرحيين إلى وصفه بأنه يمثل مؤسسة مسرحية متكاملة، وخلال السنوات الأخيرة اتخذ عدة مبادرات في منتهى الأهمية ومن بينها الدعوة إلى ضرورة الاحتفال بذكرى مرور مئة وخمسين عاما على تأسيس المسرح المصري الحديث بفضل ريادة يعقوب صنوع عام 1870 وهي الدعوة التي تبنتها وزارة الثقافة بعد ذلك، ثم إصدار «موسوعة المسرح المصري المصورة» التي تضم البيانات والمعلومات والصور الخاصة بأكثر من 7500 عرض مسرحي وكذلك أكثر من 2200 صوة نادرة للعروض والرواد المسرحيين منذ بدايات المسرح المصري الحديث
وخلال  السنوات الأخيرة طالب كثير من المسرحيين بضرورة تكريم د. عمرو دوارة، وهي الدعوة التي وجدت صدى رائعا من التأييد من عدد كبير من المسرحيين بمختلف الدول العربية الشقيقة، وفي الدورة الثامنة من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي تم تكريم الدكتور عمرو دوارة، ومنحه درع سميحة أيوب التقديري، عن التكريم وأسئلة أخرى كان لنا معه هذا الحوار.
-ماذا يمثل لك تكريمك من مهرجان شبابي؟ وهل تأخر هذا التكريم بشكل عام؟
التكريم للفنان ليس فقط اعترافا بتميزه ومكانته الفنية، وتقديرا لإسهاماته المتعددة، ولكنه أيضا الدافع له للاستمرارية ولتحمل المشقة والصعوبات التي تواجهه، والحقيقة أن تكريمي بصفة عامة لم يتأخر، حيث سبق تكريمي من خلال جميع مهرجانات الهواة ومن بعض الهيئات والمؤسسات المهمة كجامعة القاهرة، ووزارة الشباب والرياضة، ووزارة الثقافة (الهيئة العامة لقصور الثقافة)، وكذلك كرمت ببعض المهرجانات العربية المهمة، حيث كرمت من سمو الشيخ/ سلطان القاسمي حاكم الشارقة، ومن كل من: الأستاذة/ خليدة تومي (وزيرة الثقافة الجزائرية الأسبق)، والفنانة/ ثريا جبران (وزيرة الثقافة المغربية)، وكذلك من وزراء الثقافة بدولتي العراق والمملكة الأردنية، وأيضا من نقيب الفنانين بسوريا، كما أنني أعتبر حصولي على الجوائز بمثابة تكريم خاص، سواء من مهرجان «توياما العالمي لمسارح الأطفال باليابان»، أو بمهرجان المسرح الأمازيغي بالمغرب، أو جائزة الدولة للتفوق في الآداب عام 2022. ولكن بمنتهى الصدق تكريمي بمهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» قد تأخر بالفعل لمدة خمس سنوات على الأقل، حيث كنت من الداعمين للمهرجان منذ دورته الأولى عام 2017، وبالفعل شاركت منذ الدروة الأولى في بعض أنشطته (الندوات، ومناظرة المسرحية وإصدار أكثر من كتاب) وطرح اسمي للتكريم من قبل اللجنة العليا للمهرجان وحظي بتأييد كل من الفنانين/ سميحة أيوب، ومحمد صبحي، وبالطبع التكريم في بلدي له مذاق خاص، خاصة من مهرجان شبابي دولي نجح في إثبات مكانته ويهتم بمسارح الشباب والهواة الذين ارتبطت بهم وبتجاربهم لسنوات طويلة.

- وماذا عن تكريمك هذا العام من اتحاد الكتاب حدثنا عنه؟
النقابة العامة «لاتحاد كتاب مصر»، هي النقابة التي أشرف وأعتز بالانتماء إليها فهي بيت كل المثقفين والمبدعين بمختلف مجالات الفكر والثقافة والفنون، وهي لسانهم المعبر عنهم وعن مواقفهم الوطنية، وأعتز جدا بحصولي على الجائزة الأولى في النقد المسرحي عام 2005 عن كتاب «المسرح القومي منارة الفكر والإبداع»، ثم ترشيحي بإجماع مجلس الإدارة للحصول على جائزة الدولة للإبداع وهي الجائزة التي حصلت عليها عام 2022، وأخيرا سعدت هذا العام بحصولي على جائزة التميز في النقد المسرحي وهي أعلى جائزة أدبية ومالية لدى الاتحاد.

- هل لدينا أزمة في التأريخ المسرحي والتوثيق؟
للأسف لدينا بالفعل أزمة كبيرة في مجال التأريخ المسرحي والتوثيق، خاصة أن هناك خلطا وتداخلا لبعض المفاهيم والمصطلحات لدى بعض المتخصصين، فالتوثيق والتأريخ للأحداث المسرحية المعاصرة، يختلف تماما عن إعادة قراءة التاريخ، كما أن إعادة قراءة التاريخ يجب أن تعتمد على أكثر من مصدر موثق، كما يجب دراسة جميع وجهات النظر التي قد تكون متباينة أحيانا، مع إيضاح الموقف النقدي بدراسة واستعراض وتوثيق الحقائق من خلال السياق التاريخي والظروف الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بتلك الأحداث المسرحية .
وللأسف نفتقد حاليا لوجود المراكز البحثية المتخصصة، وحتى إن وجدت فإنها تفتقد لمجموعة الباحثين المتخصصين، وكذلك إلى مصادر المعلومات الأساسية، كما تفتقد إلى التنسيق بين تلك المراكز وبعضها البعض، وعلى سبيل المثال «المجلس القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية» لديه عدة دراسات عن المسرح المصري (خلال الفترة من 1950 – 2010)، ومع ذلك لا توجد نسخ من هذه الدراسات المهمة بالمركز «القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية»، وكذلك لا يوجد ضمن مقتنيات المركز «موسوعة المسرح المصري المصورة التي صدر منها 12 جزءا من خلال «الهيئة المصرية العامة للكتاب».  

 - حدثنا عن الورشة التي أقمتها في المركز القومي؟
تم تنظيم ورشة «التوثيق المسرحي» من خلال المركز القومي للمسرح والفنون الشعبية والموسيقى» وذلك بفضل مبادرة الفنان/ ياسر صادق رئيس المركز وقتها، وبرعاية الفنان/ خالد جلال رئيس قطاع الإنتاج الثقافي، لتصبح أول دورة وورشة متخصصة في هذا المجال على مستوى الوطن العربي، وقد انضم إليها عشرون متدربا، واجتازها بنجاح ثمانية عشر متدربا (حصلوا على شهادات معتمدة)، ونجح كل منهم في اجتياز الاختبارين الشفهي والتحريري وأيضا تقديم مشروع التخرج بكتابة السيرة الذاتية لبعض النجوم في الظل (هؤلاء الذين غابت عنهم الشهرة)، ونظرا لتميز تلك الأبحاث تم نشرها كاملة بمجلة المسرح برئاسة الناقد الكبير عبد الرازق حسين، والجدير بالذكر أنني - نظرا لندرة التخصص في هذا المجال - تحملت بمفردي مسؤولية الإشراف على هذه الدورة، بدءًا من وضع المناهج المناسبة والتدريس بها لبعض المواد المتخصصة من بينها: التصنيف والفهرسة، ونظم المعلومات، وكيفية توظيف التقنيات الحديثة كالمصغرات الفيلمية والحاسبات الإلكترونية.

- ماذا بعد موسوعة المسرح؟ وهل اكتملت؟
 الموسوعة كإعداد وتجهيز فني اكتملت منذ سنوات وبالتحديد عام 2018 حيث طبقا للتعاقد الأخير تم تسليم الأجزء ال 18 كاملة، ولكن للأسف لم يطبع ويصدر منها سوى 12 جزءا فقط، وذلك بالرغم من أهمية الأجزاء الأخيرة المتضمنة مجموعة الفهارس.
وبعد «موسوعة المسرح المصري المصورة» هناك مفاجأة أخرى سارة، حيث انتهيت من إعداد وتوثيق موسوعة «سيدات المسرح المصري» التي تضم أسماء ألف وخمسمائة سيدة مسرح من بدايات المسرح المصري الحديث عام 1870، كما تتضمن السيرة الذاتية والمسيرة المسرحية لمئة وخمسين سيدة مسرح بمختلف المناهج والاتجاهات الفنية (الكوميدي، الغنائي، والاستعراضي والتراجيدي)، من خلال عشرة أبواب، وهي مزودة بالصور الشخصية وصور العروض المسرحية لكل سيدة مسرح.

لماذا ابتعدت عن الإخراج المسرحي لسنوات؟
الإخراج المسرحي هو هوايتي الأولى ومهنتي الأساسية ومجال خبرتي الأساسية، والتي وفقني الله في إثبات وجودي وتحقيق نجاحات من خلالها، ولذلك لا أستطيع الابتعاد عنه مطلقا، ولذلك برغم أن آخر عروضي بمسارح الدولة كان بعنوان «وهج العشق» عام 2009، اضطررت للتوقف مؤقتا عدة سنوات نظرا لظروف ثورات الربيع العربي ثم جائحة «كورونا»، ومع ذلك قدمت خلال تلك الفترة عدة عروض ببعض المهرجانات المسرحية العربية مثل «عاشقة نجيب محفوظ» بطولة انتصار بالمملك المغربية، وعرض شرف الكلمة بطولة خالد الذهبي وخالد عبد الحميد بالعراق، وأيضا بعض العروض المصورة كعرض «الألوان الطبيعية» بطولة/ فاطمة محمد علي، سيد جبر، سميحة عبد الهادي، خالد محروس.

- حدثنا عن عرضك الجديد «قمر الغجر»؟
عودتي بهذا العرض الغنائي الاستعراضي الكبير «قمر الغجر من خلال كبرى الفرقة الغنائية الاستعراضية يعد تتويجا لمسيرتي الفنية بمجال الإخراج، خاصة أنه يشارك معي بالبطولة نخبة من النجوم من بينهم: ميرنا وليد، آمال رمزي، سيف عبد الرحمن، حسان العرب، فتحي سعد، علاء حسني، نهلة خليل، وفاء السيد، وكتب الأغاني سعيد شحاتة والألحان/ لأحمد الناصر، وصمم الاستعراضات/ محمد زينهم، والديكورات/ د.محمد سعد، والملابس/ د. مروة عودة، والإخراج السينمائي لضياء الدين داوود، وتصميم الإضاءة لأبو بكر الشريف. وأفتخر جدا بأن العرض يتضمن تسعة استعراضات، وذلك بالإضافة إلى أنه أول عرض يتناول الأحداث المؤسفة والانتهاكات اللاإنسانية التي يتعرض لها المدنيون والأطفال والشيوخ بغزة.

-ما النصيحة التي تقدمها للشباب المقبلين على الإخراج المسرحي؟
أقول لهم إن الإخراج المسرحي مسؤولية كبيرة، وأنه علم وفن وليس موهبة أو حرفة وتكنيك فقط، وبالتالي فعليهم بالقراءة وكثرة المشاهدات لمختلف العروص والتجارب الجديدة، وأيضا احترام تجارب الأجيال التي سبقبتهم، مع الحرص والدقة في اختيار النصوص والحرص على  مساعدة بعض كبار المخرجين لاكتساب الخبرات العملية، ذلك مع ضرورة  الاهتمام بالخطاب المسرحي وبالفكر ومسرح الكلمة، فليس المهم فقط إتقان الحرفة، والنجاح في تقديم عرض مسرحي محكم الصنعة وإيقاع مناسب، ويحقق كلا من المتعة السمعية والبصرية للمشاهدين،  ولكن الأهم أن يكون المخرج على وعي كامل بدوره في التنوير ونشر الوعي والتعبير عن وجهة نظره في الحياة والأحداث السياسية والاجتماعية المحيطة به.


إيناس العيسوي