مرحلة جديدة في صالة سينما راديوم!!

مرحلة جديدة في صالة سينما راديوم!!

العدد 846 صدر بتاريخ 13نوفمبر2023

عاش الريحاني ظروفاً صعباً بعد عودته من أمريكا الجنوبية، حيث ارتضى أن يكون ممثلاً في فرقة أمين صدقي، ثم تركه ليعيد أمجاده في مسرح برنتانيا فخذله الحاج مصطفى حفني وأعطى المسرح لمنيرة المهدية، فاضطر الريحاني إلى التقاط أيام الفراغ لبعض المسارح، ليعرض عليها عروضه القديمة. ووسط كل هذا ينفصل عن زوجته وبطلة فرقته بديعة مصابني!! كل هذا كان كفيلاً بإحباط الريحاني، ولكنه تماسك وقاوم وقرر أن يبدأ بداية جديدة!!
هذا البداية أعلنت عنها مجلة «روز اليوسف» قائلة: استأجر نجيب الريحاني صالة «سينما راديوم» سابقاً الملاصقة لتياترو رمسيس، وقد وقع فعلاً عقد الإيجار منذ أول إبريل الجاري، وسوف يبدأ العمل في منتصف سبتمبر، وقد اتفق مع إبراهيم رمزي على أن يكتب له الروايات التي سيفتتح بها مسرحه. ويقال إن الريحاني ينوي إخراج بعض الروايات الدرامية. ونحن لا نشك في قدرته كممثل درامتيك كما يشهد بذلك دوره الذي مثله في رواية «ريا وسكينة»، ولكن الذي نشك فيه هو استطاعة الريحاني أن يخطو على خشبة المسرح دون أن يضحك الجمهور!! لقد تعود الجمهور أن يحيي كش كش بك بالضحك والتصفيق حتى أصبح يعتقد أنه لا يصلح لشيء سوى الضحك. فهل في وسع الريحاني أن يزيل هذا الاعتقاد من نفوس المتفرجين، وأن يحملهم على الترحيب به في شخصيته الجديدة؟ هذا ما نتركه للأيام المقبلة!
أما مجلة «ألف صنف وصنف» فقالت: إنه بمناسبة افتتاح تياترو الريحاني في بنائه الجديد الكائن خلف تياترو رمسيس تجاه الكوزموجراف بشارع عماد الدين. ونظراً لرغبة الأستاذ النابغة صاحب التياترو ومدير الجوق نجيب الريحاني في إنشاء جوق جديد بكل معنى الكلمة، تُعلن إدارة «ألف صنف وصنف» بناء على رغبته عن احتياج حضرته إلى أوانس أو سيدات مصريات ممن لم يسبق لهن احتراف التمثيل من قبل. فعلى من ترغب في ذلك الحضور لإدارة الجريدة بشارع جزيرة بدران رقم 77 في يومي الثلاثاء والخميس من كل أسبوع من الساعة الرابعة إلى السابعة مساء.
مرّت عدة شهور ولم يسمع «محمود طاهر العربي» - ناقد مجلة ألف صنف وصنف ورئيس تحريرها - جديداً بشأن المسرح أو الفرقة أو الافتتاح، فقرر مقابلة الريحاني وعمل حوار معه بهذا الخصوص، وهذا ما نشره الناقد في المجلة: قابلت الريحاني وسألته: قيل إنكم استأجرتم البناء الكائن بجوار مسرح رمسيس وإنكم ستعدونه مسرحاً لكم ولكنى ما زلت أرى ورقة كبيرة معلقة على بابه لإعلان إيجاره. فتبسم وقال: إن وجود هذه الورقة لا يتنافى مع استئجارنا له، وقد شرعت فعلاً وبكل نشاط في إعداده للعمل، وقد كلفت كلاً من مسيو «بيرجوليزي» المهندس الإخصائي الشهير، ومسيو «دير جانيرو» المقاول بمباشرة إصلاحه وإعداده. كذلك استحضرت خصيصاً من إيطاليا «البرتو دللامانا» أبرع مصور في تصوير المناظر المسرحية، وقد بدأ أيضاً في إعداد المناظر الآن. قلت له: وهل تظن أنه من الممكن إنهاء كافة الأعمال مع بدء الموسم المقبل. قال: بل أؤكد أنه لغاية أول سبتمبر سنكون على أهبة عمل البروفات وفي أول أكتوبر نبدأ العمل العام. قلت: وهل تسمح أن تذكر لي على من اعتمدت من المؤلفين؟ قال: أولهم الأستاذ بديع خيري لعمل الروايات الأوبريت والفودفيل والدراما المصرية والريفيو، وكذلك اتفقت مع الدكتور إبراهيم شدودي على ترجمة بعض الروايات الفرنسية من نوع الدراما، وكذلك منتظر بعض الروايات المصرية من إبراهيم رمزي. قلت: وكيف يكون نوع عملك وشكله؟ قال: كنت أحب أن أبدأ بالدراما والكوميدي الاجتماعي ولكني نظرت من وجهة أخرى إلى جمهوري لم يكن يأنس مني ذلك من قبل، ولذلك عولت على أن أخرج كل شهر ثلاث روايات: واحدة أوبريت تستمر خمسة عشر يوماً، واثنتان فودفيل ودراما في كل أسبوع واحدة. قلت: وهل تأنس في نفسك استعداداً للدراما؟ وهنا ضحك عالياً وقال: كل استعدادي التمثيلي إنما هو للدراماتيك الحقيقي أو الكوميدي، أما إذا كنت اشتغلت في أنواع أخرى فإنما كان ذلك لاستدراج الجمهور المصري إلى الإقبال على التياترات وتمشياً مع رغبته التي كانت في ذلك الحين. ولقد أقبل الجمهور على التياترات إقبالاً يدل على تفهمه معنى التمثيل وتقديره. فقد رأيت بعد ذلك أن من واجبي أن أخرج عن هذا التصنع إلى غريزتي الأصلية وميلي الطبيعي إلى التمثيل. قلت: ولكني ما زلت في شك مريب من ذلك ولا أكاد أصدق هذا القول فإن مجرد رؤية الجمهور لك على خشبة المسرح حتى في أشد مواقف الأسى في الروايات الدرامية سيكون مدعاة للضحك الشديد منك. قال: عندك حق ولكني كفيل بتغيير هذه النزعة. قلت: كيف؟ قال: برهاني على ذلك رواية «ريا وسكينة»، فإن موقفي في دور «مرزوق» كان يملأ المسرح رعباً وينشر عليه سحابة من الحزن حتى أن الكثيرين كانوا لا يحتملون مشاهدتي في هذا الدور. قلت: وهل فكرت في مشكلة إيجاد الممثلين الأكفاء وأن هذا المجهود الذي تعتزمه يفرض عليك انتقاء أحسن الممثلين وأقدرهم. فقال: نعم لقد درست هذا الموضوع جيداً واسمح لي أن لا أصرح لك بكل شيء في هذه النقطة ولكني أؤكد لك أنى ضحيت وسأضحي كثيراً جداً في هذا السبيل، وأن فرقتي ستبهر الناس. قلت: والممثلات. قال: إن لي فكرة خاصة في انتقاء الممثلات أرجو أن أوفق إلى تنفيذها، أريد تأليف فرقة من الممثلات ذوات الكفاءة والاستعداد للنبوغ في الفن واللاتى لم يسبق لهن احتراف التمثيل. وقد رأيت من إقدام وجرأة بعض آنساتنا وسيداتنا المصريات والمسلمات منهن أيضاً ما يبشر بنجاح فكرتي. قلت: بقي سؤال واحد: أذكر أني شاهدت هذا المكان الذي استأجرته أيام كان سينما وأظن أنه ضيق لا يتسع لجمهورك الكبير. قال: المحل ليس صغيراً فهو يسع ثلاثمائة كرسي غير البناوير والألواج، وقد أعددت هذه الكراسي من القطيفة وعلى أحدث طراز شاهدته في باريس، وضحيت تضحية كبيرة في اقتناء الأثاثات والرياش، جهزت بعضها من محلات الشنتناوي بمصر. على أنني أذكر لمناسبة ملاحظتك عدم سعة المكان، أن أشهر تياترات باريس وأمريكا وأكثرها فخامة ليست أكبر سعة من هذا، والعبرة ليست بسعة التياترو ولا بعدد من يؤمونه وإنما بمكانتهم واستعدادهم لتكييف الفن.
قرأت هذا الحوار إحدى السيدات فأرسلت إلى المجلة رسالة موجهة إلى الريحاني – نشرتها المجلة – قالت فيها: إلى الأستاذ الريحاني: سيدي .. لا شك أنك ستقدم على عمل خطير يسلبك مالك ويفقدك راحتك، ولكني أوقن أنه سيريح ضميرك ويخلد ذكرك وأنت الرجل الذي يعرف الجمهور خدماته. عفواً يا سيدي إن قلت لك إنني دُهشت كما دهش الأستاذ طاهر العربي مُكاتب المجلة الفني ورئيس تحريرها حينما علمت بأنك تنوي إخراج روايات من نوع الدراما. ولكن الدهشة لم تطل بي وسرعان ما هززت رأسي معجبة وقلت إن ذلك ليس بعيداً على مثل الأستاذ الريحاني، وإن الذي يضحك حتى البكاء، لا يصعب عليه أن يبكي بدون ضحك. وقلت ما دام الأستاذ بديع خيري والدكتور إبراهيم شدودي قد تعهدا بتقديم روايات، وكذلك ينوي الأستاذ إبراهيم رمزي وكلهم كُتّاب معرفون إذن ستكون الروايات قوية وسيكون الموسم المقبل موسم العمل الجدي. وإني إزاء رغبة الأستاذ في تكوين فرقة جديدة من سيدات لم يسبق لهن الاحتراف بالتمثيل أتقدم إليه وكلي أمل ورجاء في مستقبل فكرته. ولطالما نادينا ببتر الداعيات اللواتي يحتككن بالفن ويستترن وراء ستارة، وإبعادهن عن ميدانه حتى يفسحن المجال لمدرسة جديدة راقية تعرف أن عليها للفن واجبات تؤديها بعيداً عن الأغراض. وأرجو ألا يحدث إقدامي هذا في نفوس الرجعيين ثورة .. فهم يريدوننا دُمى لا تتحرك إلا إذا حركونا ويكفي لإقناعهم أن لي أسرة ترضى لي حرية رأيي ومذهبي، وأن تربيتي وإرادتي ستكونان لي خير كفيل لأن أستمر في جهادي، وأنني إذا ما أقدمت على هذا فليس لحاجة أو عوز، وإنما لحبي للفن ولرغبتي الأكيدة في خدمته. [توقيع] «ف.أ».
وتابعت المجلة أخبار الريحاني واستعداداته فنشرت خبراً مهما بخصوص ما يُعرف الآن بالملكية الفكرية، جاء فيه تحت عنوان «حقوق المؤلفين المسرحيين»: اقترح الأستاذ نجيب الريحاني على زميلنا بديع خيري اقتراحاً جعلاه شرطاً من شروط العقد الذي تحرر بينهما للعمل بموجبه في الموسم المقبل. وللمؤلفين جميعهم أن يغتبطوا بهذه السُنّة الجديدة التي سنّها لخيرهم ولخير أحفادهم الأستاذ الريحاني، والتي لم يسبقه إليها أحد في مصر. وتتلخص هذه الفكرة في حفظ حق المؤلف الروائي وتسجيله وأن يتقاضى جزءًا في المئة من إيراد تمثيل الرواية التي يؤلفها في أي مسرح وفي أي بلد. وبديهي أن المؤلف بقدر إجادته في روايته يكون الإقبال على تمثيلها، ثم يكون بالتالي إيراده منها. وهذه فكرة حسنة جداً فإن بضع روايات من الروايات الخالدة يؤلفها المؤلف تكفي لتجعله من ذوي الأملاك، ويستطيع إذا حال حائل دون موالاة عمله في الـتأليف أن يلزم بيته ثم تتدفق عليه الأموال ما دامت رواياته تمثل في المسارح سواء ذلك في مصر أو في أمريكا أو أوروبا مثلاً.
وذهب ناقد مجلة «ألف صنف» إلى المسرح بنفسه، ونقل ما شاهده قائلاً: مررت بباب المسرح في شارع عماد الدين فلفت نظري نشاط الحركة القائمة على إعداده فدخلت إليه أنظر ما تم من بنائه فإذا بالأستاذ نجيب الريحاني يشرف على البنائين والنجارين ومعه المهندس والمقاول. وإذا بالمصور في ناحية أخرى منكب على إعداد المناظر وقد سرني اختراع شاهدته لم يسبق مثله في مسارح مصر يمكن بواسطته توزيع الصوت إلى كافة أنحاء المسرح، بحيث يتسنى للجالس في أقصى ناحية منه أن يستمع لصوت الممثل بكل جلاء كما يسمعه الجالس في المقدمة. وذلك بواسطة أسلاك نحاسية موضوعة في قنوات جوفاء تحت أرض الصالة ترتبط هذه الأسلاك بمفتاح في المسرح ثم تتصل بآخر اتجاه الصالة، ويمكن تحريك المفتاح مما يوزع الصوت إلى الجميع على السواء.
تابعت مجلة «روز اليوسف» أخبار فرقة الريحاني أيضاً، ولكن تتبعها كان من باب الشماتة في يوسف وهبي كون بعض أفراد فرقته انضموا إلى الريحاني، والشماتة سببها العداء الكبير بين روز اليوسف ويوسف وهبي، وهو عداء معروف، وكفى أن أقول: إن روز اليوسف أخرجت مجلتها الشهيرة «روز اليوسف» لسبب واحد ليس له ثان، هو مطاردة يوسف وهبي ومهاجمته والشماتة في كل ما يصيبه من مصائب وويلات، بالإضافة إلى سبه وشتمه في كل عدد يصدر من المجلة!! ولنعد إلى ما نحن فيه، وننقل بعضاً مما نشرته روز اليوسف عن فرقة الريحاني:
قالت المجلة: اليوم نعلن تكوين فرقة الأستاذ نجيب الريحاني التي ستعمل في تياترو الراديوم الملاصق لتياترو رمسيس. وفي يوم الخميس الماضي أمضى كل من حضرات الآتية أسماؤهم بعد عقود الاتفاق مع الريحاني، وهم: زينب صدقي، حسين رياض، أحمد علام، أدمون تويما.. وجميعهم من فرقة رمسيس! وقريباً ربما سينضم إليهم حسن البارودي، ومختار عثمان، وماري منصور، وإستفان روستي. وربما يظن البعض مما كتبناه أو نكتبه عن هذه الفرقة أننا شامتون في الأستاذ يوسف وهبي فرحون لانحلال فرقته وتهدمها بعد خروج أبطالها وانضمامهم إلى الريحاني، ولو ظن القارئ ذلك سنكون منافقين إذ أن هذه الشماتة لا تتفق مع ما ننادي به كل يوم من رغبتنا في تقدم التمثيل وتحسين حال المشتغلين به من نساء ورجال. والحقيقة أننا لم نفرح لانحلال فرقة وإنما فرحنا وهللنا لتكوين فرقة جديدة! أما فرقة رمسيس فلا شك أنها باقية وهذا ما نوده من صميم قلوبنا بل هذا ما يوده الممثلون لأنه في مصلحتهم. إذ إن تعدد الفرق والمسارح هو جل ما يرجونه وقد سبق أن وضحنا الحكمة في ذلك. فالذي يقول إننا نبتغي هدم يوسف وهبي أو قفل رمسيس مخطئ كل الخطأ، لأن قفل مسرح معناه خلو الميدان للمسرح الآخر واستبداد صاحبه بالتمثيل والممثلين! نحن إذن نتمنى نجاح الفرقتين. رمسيس باق، لا حرم الله منه القاهرة ولا حرم جدرانها من صور بطل التمثيل في عالم الشرق! أما الفراغ الذي حدث بخروج من ذكرنا فلا شك أن الأستاذ عزيز عيد سيعمل على سده، وهو القائل قبل سفره إلى سوريا «ليخرج من يشاء أنا الذي خلقتهم وفي وسعي أن أخلق غيرهم»! ونحن الآن أشوق ما نكون لقدوم شهر أكتوبر لنرى المنافسة بين المسرحين وبين أبطال الفرقتين.. بقي علينا أن نذكر أهم مواد الاتفاق بين الريحاني والممثلين، ولا شك أن القارئ سوف يجد فيها حسنة من حسنات المنافسة! فقد ربط الريحاني لكل ممثلة أو ممثل من المذكورين مرتباً شهرياً يزيد خمسة جنيهات عن المرتب الذي كان يدفعه الأستاذ يوسف وهبي. هذه هي القاعدة، ولكنهم استثنوا منها أحمد علام فزاد مرتبه بمقدار ثمانية جنيهات، وأصبح الآن يتقاضى من الريحاني 28 جنيهاً. وعلاوة على هذه الزيادة في المرتبات فقد قبل الريحاني أن تقيم الفرقة حفلة «سواريه» يوم كل أحد يخصص إيرادها للممثلين والممثلات على أن يوضع هذا الإيراد في أحد المصارف وعند انتهاء الموسم توزع جملته على أفراد الفرقة بنسبة مرتب كل واحد منهم. فإذا حسبت أن في موسم التمثيل 35 أسبوعاً فيها 35 حفلة سواريه وأن متوسط إيراد الحفلة هو 60 جنيهاً فقط كان المتجمد في آخر الموسم أكثر من ألفي جنيه، وكان ما يخص الممثل أو الممثلة يتفاوت بين 50 و150 جنيهاً وهو مبلغ يمكن معه للممثل أن يذهب إلى أحد المصايف ليسترد قواه التي أنهكها العمل المتواصل طول موسم التمثيل. هل رأيت الآن حسنات المنافسة وأن من مصلحة التمثيل والممثلين ألا يكون في البلد مسرح واحد يشب صاحبه على قدميه وينادى «أنا دكتاتور التمثيل في مصر»! وهكذا ترى مما تقدم أن معظم أبطال رمسيس قد هجروه، ولا شك أن من أهم الأسباب التي حملتهم على ذلك سوء المعاملة والغطرسة ونكران الجميل التي كثيراً ما اشتكى منها الممثلون. وقد أذن الله أخيراً أن يُلقي الممثلون درساً قاسياً على صاحب رمسيس ليعلم إن لم يكن يعلم أن لا شيء أفعل في النفس وأبقى على الود مثل الكلمة الطيبة والعمل الطيب.. والممثلون للأسف لا يذكرون ليوسف شيئاً من هذا.


سيد علي إسماعيل