التراث الشعبي في المسرح المصري للدكتور محمد أمين عبد الصمد

التراث الشعبي في المسرح المصري  للدكتور محمد أمين عبد الصمد

العدد 832 صدر بتاريخ 7أغسطس2023

في  كتابه التراث الشعبي في المسرح المصري عن سلسلة الفائزون الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة .قام الدكتور محمد أمين عبد الصمد بدراسة تطبيقية على نصوص مختارة لأربعة كتّاب هم: توفيق الحكيم وألفريد فرج وسامح مهران وإبراهيم الحسيني .في البداية يذكر أن  تعامل الكاتب مع التراث يختلف باختلاف درجة  وعيه ورؤيته للتراث وقيمه ،وقد حدد الدكتور عز الدين إسماعيل مستويات عدة للتعامل مع التراث وهي :
الاستغراق في التراث وهو الاتصال كاملا شكلا ومضمونا 
استعادة التراث مع بعض الإضافة 
الاتسعادة مع التفجير أي طرح رؤية وخطاب خاص بالمبدع 
الاستلهام الموضوعي عن بعد 
الاستلهام الجمالي شكلا ومضمونا 
مواجهة التراث وهو انفصال يلي اتصال واع وقراءة نقدية للتراث
السلطان الحائر والثقافة الشعبية 
هي مسرحية توفيق الحكيم التي لا تزال تقدم بقضيتها وخطابها حتى الآن منتصرة للديمقراطية والقانون وترتكزالمسرحية على حادثة فريدة في التاريخ المصري إبان دولة المماليك عندما زاد جور الأمراء المماليك على الأهالي وقف قاضي القضاة العز بن عبد السلام وقتها أمام السلطان وأفتى بشجاعة أن المماليك لم يثبت تحريرهم من الرق وبما أن الملك اشتراهم بمال من بيت مال المصريين إذن هم ملك الدولة وما زالوا رقيقا فلا يجوز شرعا أن يتولوا أمر المصريين أو يحكموهم ويجب بيعهم في مزاد علني ،فغضب المماليك وفي النهاية انصاع أمراء المماليك لفتوى العز فباعهم بالفعل في مزاد علني لأعلى سعر ثم أعتق رقابهم جميعهم ممن اشتروهم !
وكتب الكثيرون عن  هذه الحادثة منهم مصطفى صادق الرافعي في كتابه ( من وحي القلم )تحت عنوان (أمراء للبيع ) ، واستعاد توفيق الحكيم هذا الحادث التاريخي وجعله محور مسرحيته فجعل الفتوى البيع ضد السلطان نفسه ، فكتب مسرحيته مستلهمة من التاريخ ،ويعتبر حادث الأذان في غير أوانه لغايات شخصية  ، أو أمنية حادث متكرر في أكثر من حكاية شعبية مدونة في التراث القصصي العربي  روى الحكيم للدكتور رجب النجار إنه استلهم حادثة التلاعب بالأذان من واقعة حقيقية حدثت في عصر المعتضد بالله العباسي التي وردت في ( الفرج بعد الشدة ) للقاضي التنوخي ،فالأذان نص ثقافي شرعي له معنى محدد ووظيفة محددة لكن أيضا يمكن التلاعب به تقديما أوتأخيرا وعندئذ يفقد شرعيته ومضمونه أو وظيفته في الحالتين .
 الكاتب سامح مهران وتفجير التراث 
   الكاتب سامح مهران يتعامل مع التراث الشعبي التاريخي – الفكري برؤية ناقدة تواجهه وتفجره وعلى المتفرج أن يكون ملما بكل الإحالات الخارجية التي ترتبط بالنص . وظف الكاتب في مسرحيته ( دوديتللو)التي كتبها وأخرجها حدثين شديدي الأهيمة في هذا التوقيت وهما علاقة عماد الفايد ( دودي)والأميرة البريطانية ديانا الزوجة السابقة لولي عهد بريطانيا وما أثير وقتها عن علاقتهما الحميمة واقتراب زواجهما. والحدث الثاني هو نجاح العلماء في أولى تجارب الاستنتساخ بتجربة استنتساخ النعجة دوللي وهو استنساخ كائن حي من خلية كائن حي آخر ، وهذا الإنجاز العلمي فتح الباب لمتسع من التساؤلات عن إمكانية استساخ البشر أنفسهم ، واختيار الكاتب للحدثين كان شديد التوفيق فالحدثان في ذهن المتلقي نشطان في عقله .
في مسرحيته (دوديتللو) تواجه الملكة فضيحة دياناا /دودي بأن تقترح استنساخ شكسبير ليجد لها حلا فهو خبير في مؤمرات القتل الدرامية وخفايا القصور وصراعاتها ، فينتج شكسبير عن عملية استنساخ من ذات الأنبوبة لاستنساخ  النعجة دوللي فيأتي نصف شكسبير من أعلى ومن أسفل تكوين نعجبة بحوافرها !!
  ولا يفوت الكاتب الإشارة لتراث آخر استقر في ذهن المتلقي وهو تراث المقولات السينمائية التي أصبحت جزءا ذا دلالة في العقلية الجمعية فيأتي بالمقولة الشهيرة في فيلم (شيء من الخوف) (جواز عتريس من فؤادة باطل)ويحوره إلى (جواز دودي من فؤادة باطل)، ويصل الكاتب إلى المشهد الكلاسيكي في مسرحية عطيل وهو مشهد قتل عطيل لديدمونة أما في مسرحية سامح مهران تتخلص ديدمونة /ديانا من القتل وتؤجله لغد عن طريق رشوة عطيل وإغرائه بوجبة عشاء من الحمام المحشي  ،وما تحمله الوجبة من ايحاءات في المجتمع الشرقي الذي ينتمي إليه عطيل ودودي .وينهي الكاتب المسرحية بمشهد كلاسيكي آخر لشكسبير وهو مشهد الشبح ووصيته في مسرحية  (هاملت)  وتأتي هذه الوصية في (دودي تيللو) شديدة الإيلام والسخرية فدودي  يوصي والده المليادير بالجنسية البريطانية .
ألفريد فرج 
ناقش الباحث مسرحيات ألفريد فرج وقسمها لقسمين :
الأول المسرحية المستلهمة من التراث الشعبي في الشكل والمضمون 
الثاني: كتابة مسرحية مستلهمة من حوادث تاريخية أو تراث تاريخي فقدم ألفريد فرج (سليمان الحلبي) و(النار والزيتون) عن المقاومة الفلسطينية .
يقول ألفريد فرج (في جيلنا ساهمت ألف ليلة وليلة في تعريب المسرح وفي دخوله الوجدان العربي وفي تأكيد وصدق الأطروحات الاجتماعية والسياسية في مضمون المسرحيات المستلهمة من ألف ليلة كما ساهمت في توسيع قاعدة المشاهدين للمسرح والمحبين والمتذوقين له )
كتب ألفريد فرج مسرحيته( سقوط فرعون) باحثا عن فكرة العدالة وهل من الممكن تحقيقها دون قوة تحميها وترسخها ، فبطل مسرحيته اخناتون الذي يتبنى الدعوة للمحبة المطلقة مع الجميع ويرفض كل ممارسات القوة من حروب وصراعات وإخضاع مسلح ، ومن أولى مسرحيات ألفريد فرج التي استلهمها من ألف ليلة وليلة مسرحية (حلاق بغداد) التي قدمت على المسرح عام 1962 بعد خروجه من المعتقل ، ثم قدم لنا (على جناح التبريزي وتابعه قفه) يعرض فيها قضية الخيال وقدرته على أن يكون بديلاللواقع ويؤكد ألفريد فرج أن التبريزي حالم كبير ومصدق لأحلامه ، خرج هذا العمل للنور عام 1968.
     ثم قدم عام 2003 مسرحيته الأميرة والصعلوك  وشخصيتها الأساسية حسن الناسخ شخصية حالمة ولكن حلمه للجماعة من أبناء القاهرة في منتصف القرن الثامن عشر . أحب حسن الأميرة في خياله أولا وعندما تتجسد أمامه في الواقع يختلط الحلم بالواقع ويكتشف أنه بات ليلة عرسه مع أميرة ماتت محترقة منذ مائتين وخمسين عاما !! ويعلق ألفريد فرج «إلى أى حد الواقع واقع والخيال خيال؟»
    وعاد مرة أخرى للتراث التاريخي مناقشا فكرة العدالة مسترجعا أحداث اغتيال الجنرال كليبر قائد الحملة الفرنسية في مصر بعد نابليون بونابرت واعتقاد سليمان الحلبي( المجاور الأزهري مرتكب فعل الاغتيال)أن ما يقوم به من فعل يؤكد إمكانية انتصار صاحب الحق الضعيف على القوي المعتدي الظالم . ويدخل ألفريد فرج عالم السير الشعبية العربية بعد هزيمة 1967 ويقع اختياره على شخصية الزير سالم الشاعر الذي يعيش حياته باحثا عن العدالة المستحيلة عند قتلة أخيه كليب فيطلب كليب حيا !! ويؤجج هذا الثأر ابنة أخيه الفقيد اليمامة التي لا تتوقف عن مطالبة عمها بالثأر ولا ترتضي حلولا سوى عودة أبيها حيا.
وفي عام 1970 يدخل ألفريد فرج باب المسرح التسجيلي فيقدم مسرحيته (النار والزيتون)،وظف التراث الشعبي الفلسطيني في سياق فني كما ساتخدم تقنيات المسرح التسجيلي في استدعاء وقائع دخول الجنرال اللنبي إلى القدس واتفاقية سايكس/بيكو وخريطة العالم العربي المحتل، ويستحضر تاريخيا زنوبيا ومقاومتها للرومان المعتدين ،وصلاح الدين وانتصاراته على الفرنجة .
   وفي عام 1975يقدم (رسائل قاضي أشبيلية) ، فالقاضي شخصية تراثية جعلها الكاتب حاملة العديد من الأدوار فهو الحكاء، ومالك المعرفة الذي مر بكثير من التجارب ، وفي عام 1994 يعود ألفريد فرج لعالم ألف ليلة وليلة يقدم مسرحيته الطيب والشرير والجميلة مستلهما حكاية أبي صير المزين وأبي قير الصباغ اللذان يتجاوران في سوق الإسكندرية .وهكذا شكل التراث القصصي العربي جزءا كبيرا من مكون الفكري والإبداعي عند ألفريد فرج ومشاهداته لعلي الكسار وحمام العطار ومحمد المسيري وبطريقة المسرح الشعبي وأفصاله الكوميدية.
إبراهيم الحسيني وحكايته مع سعيد الوزان 
        يخرص إبراهيم الحسيني على الصورة المسرحية ودعم دلالتها وبعض صوره المسرحية تحتاج إلى جهد غير عادي وتتطلب وسائط متعددة لتجسيد ما كتبه .يدخل الكاتب إبراهيم الحسيني إلى منطقة التراث القصصي العقائدي بقصة التائب بين بلدتين والقصة تحكي عن رجل قاتل قتل بلا ذنب 99 نفسا فذهب إلى أحد الفقهاء وسأله هل لي توبة ؟ فأنكر عليه الفقيه ذلك وذكره بالسيء ولا توبة له . فما كان من الباحث عن التبة إلا قتل الفقيه فأكمل به المائة نفسا !
وبعد فترة ألحت على القاتل مرة أخرى فكرة التوبة فذهب لمتعبد آخر وسأله نفس السؤال هل لي توبة ؟فأجابه نعم لك توبة بشرط واحد أن تخرج من بلدتك التي لا ترى فيها إلا جرمك وماضيك مما يدفعك لجرم جديد ، عليك أن تذهب إلى بلدة كذا... فيساعدك صلاح أهلها وتصح توبتك ، وخرج القاتل التائب في طريقه لقرية التوبة فوافته المنية في الطريق فجاءت ملائكة الرحمة وجاءت ملائكة العذاب كل يريد أخذه وتنازعوا الامر ، فأوحى الله تعالي للفريقين أن يحتكما إلى المسافة بين البلدتين .فإن كان أقرب إلى بلدة الضلال تأخذه ملائكة العذاب والعكس . 
ثم أمر الله تعالى رحمة بعبده التائب أن تطول الأرض ناحية بلدة الضلال ، وأن تطوى الأرض ناحية بلدة الصلاح فأخذته ملائكة الرحمة تائبا برحمة الله وغفرانه .
  فكأن الكاتب إبراهيم الحسيني  أراد بعمله الفني هذا الدعوة إلى الحوار وقبول الآخر والاعتراف بأساسيات الحوار ، ويعلي من قيمة وعلاقة الإنسان بربه،وينطلق سعيد الوزان تحت إرشاد شيخه سالكا طريق المريد الباحث عن هداية حاله من الوجد والوصول إلى شاطئ معرفة الله بالله .


شيماء عزت