تشــــارلى .. الصعلوك المحترم عندما ينتصر الصمت للضعفاء

تشــــارلى .. الصعلوك المحترم عندما ينتصر الصمت للضعفاء

العدد 831 صدر بتاريخ 31يوليو2023

«الديكتاتوريون يحررون أنفسهم، ولكنهم يستعبدون الناس»
بتلك الجملة المأثورة لتشارلى شابلن والتى تتكون من بضع كلمات، استطاع شابلن أن يلخص من خلالها قصة كفاحه السياسى الطويل من خلال فنه الصامت ضد المكارثية واتهاماتها له بالشيوعية، نتيجة انحيازه كفنان ذو تأثير عالمى مع طبقة الفقراء والمهمشين، لم يكن شابلن مجرد فنان كوميديان عادى الذى لطالما أضحك الناس فى العالم أجمع، ولكنه كان يخفى ورائه قصة ألم ومعاناة طويلة عاشها منذ الطفولة حتى أوج نجوميته، رحلة طويلة من الصمت وقوة التحمل، حتى عندما صار نجما جعل من ذاك الصمت سلاحا له قاوم به ظلم الرأسمالية والديكتاتورية من خلال ما يقدمه من فن صامت هادف . 
تناولت مسرحية « تشارلى» والتى تعد أول عرض ميوزيكال احترافي من نوعه بالشرق الأوسط، حياة تشارلى شابلن ذاك البائس الذى أضحك الملايين على وجه الكرة الأرضية، دون أن ينطق بكلمة واحدة فى أغلب أفلامه طوال مسيرته مع السينما الصامتة، وانحيازه للضعفاء فى وجه الطغاة والمستعمرين، وتأثيره القوى فى تاريخ صناعة السينما العالمية . 
تشارلى شابلن هو «الأب الروحي للسينما العالمية» الذي سيظل فنه ملهما للعديد من المبدعين والفنانين حول العالم، حيث ينفرد عن غيره من الكوميديانات بأنه أول من صنع الضحكات في صالة السينما من وراء المآسي والمواقف البائسة، على الرغم من صمته، وقتما كانت السينما الناطقة غير منتشرة في فترة ظهوره، في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي .
ولد الطفل تشارلز سبنسر شابلن في أبريل عام 1889، لأب لا يعلم عنه شيء، والذي تركه وهو فى عمر صغير مع شقيقه الأكبر «سيدني»، لتتولى والدتهما رعايتهما لوقت قصير، قبل أن تصاب بمرض عقلي، وتودع على إثره إلى مستشفى الأمراض العقلية، بينما يذهب شابلن وسيدني إلى الإصلاحية .
ولكن قبل هذه المرحلة، لاحظ الجميع موهبة الطفل الموهوب شابلن، على خشبة المسرح، عندما كان يؤدي مع والدته بعض العروض المسرحية، ويلتقط المال من الجمهور لإعالة والدته، التي هجرها والده .
حيث كان والداه يعملان فنانين بقاعة الموسيقى، وكانت أمه «هانا» ابنة الإسكافى، ذات حياة مهنية قصيرة وفاشلة، واسمها المسرحي «ليلى هارلي»، بينما الأب «تشارلز» كان ابن جزار، ومغنيا شعبيا.
من أكثر الشخصيات التي التصقت في ذاكرة المشاهدين عن شارلي شابلن، هو شخصية «المتشرد»، التي كانت تتضمن بذلة سوداء مهترئة، وشارب ضئيل الحجم، وعصا، وأحذية ضخمة بالية .
ويؤكد شابلن في مذكراته الشخصية، التي طرحها في عام 1964، أنه ابتدع شخصية «المتشرد» بالصدفة البحتة، عندما طلب منه رئيس الاستوديو، ماك سينيت، أن يبحث سريعا عن زي مضحك، لكي يظهر به في عرض مختار لقاعة الموسيقى البريطانية، فلم يجد أمامه سوى السراويل الفضفاضة، والأحذية الكبيرة، والعصا والقبعة الديربى، ولم يكن لديه أي فكرة عن الشخصية ، وبعدما أرتدى تلك الملابس ووضع المكياج الخاص بها، شعر بشخصية «المتشرد»، وعلى الفور بدأت تتزاحم الأفكار الكوميدية في رأسه من أجل تقديمها للجمهور، ومن هنا بدأ ميلاد كاركتر «المتشرد» الذى لازمه طوال مسيرته الفنية فيما بعد، وأشتهر به فى كل أنحاء العالم . 
أصيب شارلي شابلن بصدمة بالغة في حياته، عندما علم في عام 1921 بوفاة حبه الأول هيتي كيلي بمرض إنفلونزا اجتاح أوروبا، وبكى تأثرا برحيلها، وهي كانت راقصة أيرلندية تعرف عليها في بداياته الفنية، وقتما كانا يؤدي كلاهما عروضا للفنان فريد كارنو، وقد كان لها تأثيرا كبيرا عليه ولفترة طويلة بالرغم من أن له عدة زيجات بعدها أنجب منهم العديد من الأبناء .
ومن أهم الأسباب التي صنعت عبقرية شارلي شابلن، هى تنبؤه بالعديد من الأمور التي ما زلنا نعيشها حتى اليوم، ومنها سيطرة التكنولوجيا على العالم، من خلال رائعته السينمائية «مودرن تايمز» (1936)، والتي تطرقت إلى «بشاعة الرأسمالية، وانتشار البطالة بين البشر، بسبب استحواذ الآلات على المصانع والشركات»، وبخلاف حثه للعمال على عمل إضرابات لنيل حقوقهم، فإن شابلن كان جريئا أيضا في اختيار موضوعات أفلامه، ومنها فيلم «الديكتاتور العظيم» (1940)، والذي كان يحمل إسقاطا مباشرا على شخصية الزعيم النازي «أدولف هتلر»، وقد تسبب الفيلم في خلاف بين شابلن وشقيقه الأكبر سيدني، لكون الأخير يهودي الديانة. 
وبسبب الأفكار التي دائما ما روج لها في أفلامه السينمائية، بمناصرته للفقراء، ومنها فيلم «سيتي لايتس» (1931)، تعرض شارلي شابلن لمضايقات من قبل رئيس المباحث الفيدرالية إدغار هووفر، ومنها اتهامه بالشيوعية، ليتعرض للطرد من أمريكا في عام 1952.
غادر شابلن إلى سويسرا، حيث قضى عشرون عاما هناك، وفي عام 1972 عاد إلى الولايات المتحدة حيث أقامت جمعية الأفلام حفلها السنوي للمرة الأولى لتكريمه على سبيل تعويضه وكان مترددا فى العودة حيث سبق له أن قال حين طرد منها : «لا يوجد لدي أي حاجة في أمريكا بعد الآن، لن أعود لأمريكا ولو ظهر فيها يسوع المسيح»، ولكنه فى النهاية عاد إليها وبكى هناك في الحفل أثناء مشاهدته لمشاهد من أشهر أفلامه .
تلقي «تشارلى شابلن» العديد من الجوائز والتكريمات من صناعة السينما وخاصة فى أواخر سنوات عمره بداية من عام 1972 الذى تم منحه فيه نجمة في ممر الشهرة في هوليوود، كانت قد استبعدت منه من قبل بسبب معتقداته وأفكاره السياسية حتى عام 1976، باستثناء جائزة الأوسكار الفخرية التى تم منحها له عام 1929 لبراعته فى تمثيل وكتابة وإخراج وإنتاج فيلم السيرك، كما حصل على جائزة الأوسكار الفخرية ثانية أيضا عام 1972 وذلك للتأثير البالغ لديه فى صنع الصور المتحركة فى هذا القرن، وكان عام 1973 هو آخر عهده بالحصول على جوائز الأوسكار من خلال منحها له بالمشاركة لأفضل موسيقى تصويرية عن فيلم «أضواء المسرح»، كما ترشح للجائزة نفسها كأفضل ممثل وسيناريست ومنتج عن فيلم «الديكتاتور العظيم» بل أصبح له جوائز تقدم باسمه سنويا إلى صانعى الأفلام بوصفها جائزة شابلن .
اختيرت سته من أفلام «تشابلن» للحفاظ عليها في السجل الوطني للأفلام من قبل مكتبة الكونغرس في الولايات المتحدة، وهي : «المهاجر» (1917)، «الطفل» (1921)، «حمى الذهب» (1925)، «أضواء المدينة» (1931)، «الأزمنة الحديثة» (1936)، و«الدكتاتور العظيم» (1940) .
ظهر في فيلم وثائقي عن حياته «الصعلوك المحترم» (1975)، بإخراج «ريتشارد باترسون»، وفى نفس العام منحته ملكة المملكة المتحدة إليزابيث الثانية لقب «السير» وسام الفروسية، وبالرغم من ضعفه تلقى الشرف على كرسيه المتحرك، وفي أكتوبر 1977، بدأت صحة «تشابلن» بالتدهور واصبح بحاجة إلى عناية مستمرة، وفي صبيحة يوم 25 ديسمبر 1977، توفي «تشارلى شابلن» في منزله بعد تعرضه لسكتة دماغية خلال نومه، عن عمر يناهز 88 عاماً، وبعد وفاته تم تقديم سيرته الذاتيه فى العديد من الأفلام والمسرحيات لعل أشهرها فيلم «شابلن» الذى قدمه الممثل العالمى «روبرت داونى» عام 1992، وكذا مسرحية «شابلن» التى تم تقديمها فى أوروبا ومسارح «برودواى» منذ سنوات قليلة، وأخيرا العرض المسرحى المصرى الصنع «تشارلى» الذى جسد فيه الممثل الواعد محمد فهيم شخصيته، والذى لا يقل أهمية وقيمة عما تم تقديمه من أعمال عالمية سابقة عن حياته، حيث سبق تقديمها من قبل بموسم الرياض قبل عرضها بمسارح القاهرة حاليا حيث أشاد بها هناك النقاد والعالم العربى أجمع . 
كتب مسرحية «تشارلى» وألف أشعارها الدكتور مدحت العدل، وهو طبيب سابق من مواليد المنصورة وكاتب معروف حاليا بتفرده بمدرسة خاصة فى كتابة الدراما والشعر بنفس الاحترافية لا يشبهه فيها أحد، فوجدناه يكتب لسميرة سعيد وعمرو دياب وآمال ماهر ومحمد فؤاد وغيرهم الكثير، كما أن ذكائه وتفوقه الدراسى ودراسته للطب أضافت كثيرا لشخصيته ككاتب سيناريو وشاعر مخضرم، حيث صار ملم بجميع الآراء عما يدور بالساحة عموما وذو ثقافة واسعة، كما انه يعد صاحب نضال سياسى طويل من خلال فنه وموهبته الفذة ضد التيارات الدينية المتشددة، الذين كانوا يمثلون يوما ما خطرا داهما على مصر، وظهر ذلك جليا فى العديد من كتاباته سواء إن كانت على مستوى الشعر أو الدراما، لذا فقد وافق العدل فور عرض الفكرة عليه وتحمس إلى كتابة عمل مسرحى موسيقى ضخم عن أسطورة السينما الصامتة تشارلى شابلن، لإنه كما صرح من قبل شعر معه بإنه يكتب عن نفسه شخصيا حيث يرى إنه يشبهه كثيرا فى كفاحه الفنى والوطنى مع اختلاف الفارق، لذا انصب تركيز العدل هنا فى كتابته عن «شابلن» عن نضاله السياسى ضد الطغاة بانحيازه الواضح فنيا مع طبقة الفقراء والمهمشين، ومن خلال خمس شخصيات فقط أختارها بعبقرية لتكون هى محور الأحداث التى تدور حولها كل أحداث المسرحية، تفاديا للدخول فى تفاصيل مملة بتعدد الشخصيات وكثرتها تبعده عن أهدافه المرجوة التى ينشدها من وراء هذا العمل، حيث يبعث من خلاله برسالة مفادها، «إنه من الضرورى لكل فنان حقيقى أن يكون صاحب رؤية وموقف، بما يقدمه من فن هادف وألا يكون منفصل عن مشاكل وأزمات مجتمعه ووطنه».
إن دراما حياة “ «رلى شابلن» هى دراما تصلح لتمثيل كل فنان فى العالم أيا كان وطنه أو جنسيته، حيث أن المعاناة واحدة والهدف واحد والحلم واحد والكفاح مشترك، لذا فإن مسيرة «شابلن» هنا هى ملحمة فنية تهم كل فنان أن يقتدى بها ويكون على وعى ودراية بأهميتها، ومن هنا حمل كلا من مؤلف ومخرج وأبطال العرض المسرحى على عاتقهم مسئولية تقديم عمل فنى يرقى إلى مستوى العالمية ولكن بصناعة مصرية، عن سيرة ومسيرة ذاك الفنان العظيم وأثره العالمى فى صناعة السينما . 
أتقن أحمد البوهى مخرج عرض «تشارلى» اختيار ممثليه بشكل احترافي كبير ومدروس حيث أن جميع شخصيات العرض هى شخصيات تاريخية حقيقية، سواء على مستوى الأداء التمثيلى والحركى وذاك هو الأهم، أو على مستوى الملامح الشكلية للشخصية على قدر الإمكان، فوجدنا عماد إسماعيل فى دور «سيدنى شابلن» نموذج لذاك التطابق الشكلى بينه وبين الشخصية الحقيقية بنسبة مقبولة، ولكن موهبته وعبقريته هى من أضفت مصداقية لروحها، وذلك وضح من خلال أدائه المتقن للشخصية بتعبيرات وجهه الهادئة مما نجح معه بشكل كبير فى أن يجعلك تشعر بإنه شخص أجنبى بالفعل، وهذا الإتقان ما هو الا نتاج جهده فى استذكار الشخصية ودراستها دراسة وافية بكل أبعادها، أما نور قدرى فى دور «هانا شابلن»، كان التطابق الشكلى بعيدا ولكنها كانت اختيار موفق فى الشخصية حيث ملامحها الأوروبية إضافة إلى مرونتها الحركية والاستعراضية الذى يتطلبه دورها، وكذا أدائها الصادق الذى بدا فيه مدى تعلقها وحبها وتوحدها مع الشخصية، جسد أيمن الشيوى دور إدغار هووفر رئيس المباحث الفيدرالية وما تحمل ملامحه وقلبه من حقد وشر تجاه «شابلن» ونجاحاته التى هى ضد توجهاته وأحلامه فى البقاء فى السلطة ببراعة منقطعة النظير، وساعده فى ذلك ملامحه الأجنبية أيضا وكذا دراسته الأكاديمية حيث انه أستاذ التمثيل والإخراج بالمعهد العالى للفنون المسرحية، وإدغار هنا هو النموذج الأمثل والأوحد الذى أختاره العدل ليرمز من خلاله إلى كل قوى الشر وأعداء الإنسانية ضد القوى الناعمة وأهدافها التى تتعارض مع مصالحهم، هيدا هوبر هى تلك الشخصية التى قامت بأدائها داليا الجندى، وهي واحدة من كتاب أعمدة أخبار المجتمع الأكثر شهرة في أمريكا، وتشتهر بخصومتها الشديدة مع منافستها اللدودة لوويلا بارسونز، عملت لعدة سنوات كممثلة صغيرة على المسرح وفي الشاشة الفضية، وذلك قبل أن يعرض عليها فرصة كتابة عمود « هيدا هوبر في هوليوود» في جريدة لوس أنجلوس تايمز في عام 1938، وهناك ظهرت موهبتها في التشهير الوحشي بالمشاهير، وقامت بتسمية الشيوعيين المشتبه بهم في عصر مكارثي والذى كان من بين ضحاياها «تشارلى شابلن» بعدما تعاونت مع إدغار فى الزج باسمه فى اتهامات ملفقة، كما واصلت هوبر الكتابة عن أخبار المشاهير حتى النهاية، فظهرت كتاباتها في عدد لا يحصى من المجلات والراديو لاحقًا، وقد نجحت داليا الجندى بموهبتها المتفردة فى جعل المتلقى يمقت تلك الشخصية ويكره تصرفاتها .
وأخيرا بطل العرض الأسطورة محمد فهيم ذاك الممثل العبقرى من جسد شخصية «تشارلى شابلن»، وهو صاحب فكرة هذا المشروع المسرحى الضخم بالتعاون مع مخرج العرض حتى نجح فى تحويله من حلم إلى واقع، واستطاع « فهيم “ أن يستغل موهبته الفذة فى التوحد مع الشخصيات وكذا وجه الشبه الكبير بينه وبين «شابلن» فى تقمص روحه أيضا، لينجح فى تصدير شعور لجمهور المتلقى بأن ما يراه على خشبة المسرح هو «تشارلى شابلن» بشحمه ولحمه وكإنما تمت إعادة إحيائه من جديد، مما كان له أبلغ الأثر فى إشادة حفيد تشارلى بهذا الشبه والإتقان فى التوحد والأداء التمثيلى والغنائى والحركى والاستعراضي . 
لا يجب ألا ننسى هنا أيضا مواهب البراعم التى جسدت الشقيقين «تشارلى وسيدنى»، وخاصة فاروق محمد فاروق ذاك الطفل من جسد شخصية «تشارلى» صغيرا بكل حرفية وتلقائية تنبئ له بمستقبل كبير . 
تصميم الديكور للمبدع حازم شبل، الحاصل علي جائزة الدولة التشجيعية في الديكور المسرحي عام 2004، كان أحد أصعب عناصر العرض وأكثرها إسهاما فى نجاحه بالتعاون مع العالمى عمرو باتريك مصمم الاستعراضات ومصممة الأزياء الواعدة ريم العدل، حيث طابع العرض الميوزيكال القائم على الإبهار البصرى بتعدد لوحاته وفقراته الاستعراضية الغنائية وتنوع أزيائه، فوجدنا تألق كل منهم فى مجاله، شبل حيث إبهار التصميم متعدد الاستخدامات وبرؤية تناسب عالمية النص والشخصية، حيث الديكور الرئيسى للعرض وأستوديوهات تشارلى شابلن الضخمة والتشابه الكبير بينها وبين استوديوهات هوليود قديما، وبحيلة فنية بارعة جعل من أسطح تلك الأستوديوهات مقرا لتجمع المباحث الفيدرالية ممثلة فى إدغار ومعاونيه من قوى الشر من أجل التخطيط ضد شابلن، كما جعل من أسفل تلك الأستوديوهات وبنفس الحيلة فتحة تفتح حسب الحاجة وبداخلها دخان كثيف حيث تمثل العقل الباطن لتشارلى وتخرج منها كل الشخصيات المؤثرة فى حياته فى مشاهد بديعة التكوين، كما وجدنا عدة تصميمات متنوعة من ديكورات لأفلام شابلن أشهرها الفيلم الذى تنبأ فيه بسيطرة الآلة فى المستقبل وعبر عنه شبل بشكل مبهر من خلال عدة تروس متداخلة لمجموعة من الآلات بأحد البانوهات، وكذا لوحة الحى الذى تربى فيه تشارلى والبيوت القديمة والفقيرة، وكذا البانوهات المتحركة التى تم تجسيد من خلالها عدة لوحات مثل منزل الطفولة البائس لكل من شابلن وسيدنى وأيضا مشهد إدغار وهو يتحكم ببعض فنانات وإعلامى ذاك الجيل من خلال تحريكهم بالحبال من اعلى كما عرائس الماريونت كناية على سيطرته عليهم وفقا لرغباته وأهدافه، حقيقة أبدع شبل فى إبهار جمهور المتلقى بكل تصميماته بالتعاون مع كلا من مخرج المادة الفيلمية الذى برز تألقه تحديدا فى لوحة شابلن وهو يجسد شخصية هتلر النازى وهو يتلاعب بالكرة الأرضية حسب ميوله وأهوائه وكأنه يمارس لعبة كرة القدم فى مشهد بديع، مع براعة واحترافية مصمم الإضاءة الأميركي الجنسية العالمى جون هيوى الذى كانت لإضاءته دور كبير فى إبراز جماليات كلا من الديكور والأزياء إضافة إلى تأكيد فكر المخرج وإسقاطاته فى عدة مناطق بالعرض المسرحى منها على سبيل المثال شبكة خيوط العنكبوت التى عمت بظلالها على كل واجهة الديكور باللون الأصفر لون المكر والخديعة بينما تشارلى يتلوى على الأرض وقوى الشر بالأعلى تنظر له بكل تشفى فى مشهد غاية فى العبقرية يدل على سيطرتهم على تشارلى وإحكام قبضتهم عليه، وكذا مشهد الكابوس لتشارلى والذى دعمت قوته الإكسسوارت التى صممها محمد سعد، فكان للمدرسة الأمريكية لمصمم الإضاءة القائمة على الخيال والرموز دور كبير فى التأكيد على كل أفكار المخرج ورسالة العرض .
كما جاء تصميم الاستعراضات لباتريك على غرار الرقص الأمريكى فى ذاك العصر، وبنفس التطابق الذى لا تستطيع معه إلا أن تشعر بأن روحك قد سلبت منك بواسطة راقصين وراقصات فى منتهى الاحترافية، وانتقلت معهم إلى أمريكا بالفعل حيث فن الرقص الاستعراضي المبهر وبما يرتدونه من ملابس عالمية متنوعة الألوان والتصميمات ابتكرتها الملهمة ريم العدل، منها ما هو متشابه مع نموذج أزياء شابلن وشخصية «المتشرد» الشهيرة بإحدى اللوحات .
أما الألحان لإيهاب عبد الواحد مع الموسيقى التصويرية لنادر حمدى جاءت مصرية الهوى والفكر ولكن عالمية النزعة والتوجه بما يتناسب مع زمن العرض وموطنه وكذا شخصية شابلن المرحة وسريعة الحركة والإيقاع وطابع العرض الاستعراضي الموسيقى الغنائى .
أستطاع أحمد البوهى مخرج العرض وكاتب قصته فى ذات الوقت، ومن خلال معاونيه من إدارة محترفة من مساعدين الإخراج بقيادة المخرج المنفذ أسامة فوزى، أن يصنع عرضا موسيقيا متكامل العناصر مصرى الصنعة عالمى الشكل والصورة بمعناه المعروف أكاديميا وفنيا، ومن خلال إنتاج ضخم وراقى لشركة إنتاج سينمائية «سى سينما برودكشينز» يرأسها إدارة محترمة فى شخص كل من الأساتذة هانى نجيب وأحمد فهمى أدركوا قيمة المسرح ورسالته العظيمة فلم يبخلوا عليه بأى شئ، ليتوج هذا الجهد الكبير فى النهاية بنجاح عربى واسع النطاق قد يتحول مع مرور الوقت حال تجواله بالدول الأوروبية إلى نجاح عالمى يليق بمكانة «تشارلى شابلن»، ذاك الظاهرة الفنية الفريدة ومن لخص معاناته ورسالته وأفصح للعالم أجمع بسر نجاحه فى مقولة موجزة وعبقرية : 
« لابّد للمرء أن يكون واثقاً من نفسه .. هذا هو السّر .. حتى عندما كنت أعيش في ملجأ الأيتام، وحتى عندما كنت أهيم على وجهي في الشوارع والأزقة باحثاً عن لقمة خبز أملأ بها معدتي الجائعة .. حتى في هذه الظروف القاسية كنت أعتبر نفسي أعظم ممثل في العالم، كنت أشعر بالحماس الشديد يملأ صدري لمجرد أنني أثق في نفسي، ولولا هذه الثقة لكنت قد ذهبت إلى النفايات مع بالوعة الفشل .. فأنا لا أزال على حالة واحدة، حالة واحدة فقط، وهي أن أكون كوميدياً، فهذا يجعلني في منصب أكبر من السياسي».


أشرف فؤاد