الشخصية المونودرامية الشكسبيرية- مسرحيات قصيرة كتاب جديد لمنير راضي

الشخصية المونودرامية الشكسبيرية- مسرحيات قصيرة كتاب جديد لمنير راضي

العدد 816 صدر بتاريخ 17أبريل2023

أصدرت دار الورشة للنشر والتوزيع برعاية نقابة الفنانين العراقيين، كتاب «الشخصية المونودرامية الشكسبيرية - مسرحيات قصيرة» للكاتب والمخرج والناقد منير راضي. ويضم الكتاب خمسة نصوص مونودراما شكسبيرية وهي «هاملت في المدينة، لير يحاكم القدر، مأساة المنديل ، دزدمونة، زولي الليدي ماكبث».
ويُعد الكتاب مونودراما شكسبيرية، وهي مرآة للعودة إلى روح شكسبيريات المسرح حين ولد طاغيا شعرا، حيث يتناغم الشعري بالدرامي من أجل صوغ قداس الكلمة، هذه النصوص تمنحنا القوة والطاقة للإبحار في عوالم المنطق واللغة، وهي تمثل صورة المسحوقين والمظلومين المقصين جبرا في ذلك العالم حتى يومنا هذا، هذه المسرحيات صرخة في فضاء معجم الإزاحة والظلم، إن بين طيات ومبعثرات بطون هذه النصوص التي تنتمي إلى مجموعة حيوات لا تنتهي، أحداثا غيرت بعض الحقائق والرؤى، الخماسية المونودرامية الشكسبيرية - هي عوالم حالمة ومتمردة تطارد سيف السلطة وحاشيتها، وتفتح خارطة طريق ليس لها اتجاه أو حدود أو بوصلة أو ضوء قمر أو نزر شمس أو انتظار أو أمل، القدريات وتابوت من الخطايا هما من يتحكم بسطح الأرض للبحث عن نقطة الالتقاء والتمرد عليها من جديد، إنها نصوص فيها من الجنون الشيء الكثير.
وعن الكتاب بعض مما قاله الكاتب والمخرج د. حسين علي هارف: «تأتي تجربة الكاتب العراقي منير راضي العبودي لتحاور النص الشكسبيري وتدخل معه في عملية توليد درامي وفكري جديد، ومحاولة استنطاق شخوصه لتبوح من جديد بما يريد العبودي أن يبثه من رسائل فكرية وإنسانية. فلقد أفاد العبودي من الطابع الإنساني الدرامي للشخصية الشكسبيرية (البطلة) وانطلق منه لتأسيس بُعد وجداني إنساني درامي جديد». 
ولقد نحا العبودي في نصوص هذه المجموعة المنحى الشكسبيري في البحث عن معضلات إنسانية (الخلود/ الخيانة/ الانتقام/ شهوة السلطة.. إلخ)، وأدخل شخوصه التي استعارها من النصوص الشكسبيرية في تأملات وبوّح (جمع بوح) لم تخرج عن جوهر ما كانت عليه، لكنها انطلقت في مديات درامية واسعة؛ لتؤسس لنفسها كيانا دراميا جديدا ومستقبلا في عملية إنتاج جديد وتدوير درامي للأحداث ولأبطال شكسبير الذين يتميزون بعمق التفكير وطلاقة الحركة، ويمتلكون حريتهم الكاملة في التفكير والشعور والعمل، وهم لا يتصرفون بوصفهم متحدثين رسميين لمؤلفهم شكسبير؛ بل هم يقومون بما توحي به لهم عقولهم وعواطفهم، وهذا ما استثمره الكاتب منير راضي الذي استنطق شخوص شكسبير بعد أن زودهم بعقول مغايرة ومشاكسة، وزرع في داخلهم عواطف محتدمة ومضطربة تكشف عن أبطال مونودراميين يختلفون نسبيا عن أبطال شكسبير التراجيديين، وإن بدوا يشبهونهم في ظاهر الأمر.
ولقد نجح العبودي في اقتفاء أثر المنحى الشكسبيري والتأكيد على الصفات والخصائص الإنسانية الحقة لأبطاله، وعدم التعويل على صورهم الخارجية، وإنما الغور في نفوسهم واستبطان مخابئ قلوبهم، فنرى الحقد والكراهية والحمق والغدر والخيانة، مثلما نرى فيهم الحب والتعاطف والعدالة.
وشخوص العبودي المستلة من الفضاء الشكسبيري، قد نتعاطف معهم ونشفق عليهم، وإن كنّا ندينهم بفعل تأثرنا بطريقة (البوح) الإنساني المنفرد الناتج عن عملية الاغتراب الاجتماعي أو النفسي.
لقد انتقى الكاتب العبودي شخصيات شكسبيرية (رجالية): هملت/ عطيل/ الملك لير، إلى جانب شخصيات (نسائية): دزدمونة/ الليدي/ مكبث، دونما تمييز أو انحياز درامي، فالنفس الإنسانية الأمّارة بالسوء واحدة ولا علاقة لها بجنس البطل أو الشخصية.
ولتأكيد خصوصية شخوصه الشكسبيرية (المبتدعة والمختلقة) يحرص منير راضي بوصفه كاتبا مونودراميا على إعطاء توصيفات دقيقة لتفاصيل متشعبة للمنظر المونودرامي: مخدع دزدمونة في (مأساة المنديل)، كهف في (لير يحاكم القدر)، مقبرة ملكية في (عطيل في العالم السفلي)، مقبرة ملكية أخرى في (زولي - الليدي مكبث)، مغارة أشبه بمقبرة في (هاملت في المدينة).
ويحاول الكاتب من خلال دقة وصفه لتفاصيل تأثيث المنظر والخشبة الكشف عن العالم الداخلي للشخصية المونودرامية (المغتربة المستوحدة) وانقطاعها عن (الآخر) و(المحيط) وتخندقها حول نفسها. وهذا ما يبرر اللجوء إلى اختيار الأماكن الضيقة والمغلقة كمكان للحدث المونودرامي (مقبرة/ كهف/ غرفة نوم)، فالمكان في نصوص العبودي مكان افتراضي يعبر في جوهره عن (اللامكان) مقترنا بزمان افتراضي يُعبِّر في طبيعته عن (اللازمان).
 


سامية سيد