«صيد الفئران».. ولحظات تعري الإنسان المعاصر

«صيد الفئران»..  ولحظات تعري الإنسان المعاصر

العدد 812 صدر بتاريخ 20مارس2023

قدم مسرح د. نهاد صليحة، بإشراف مدير المسرح الدكتور محمود فؤاد صدقي، العرض المسرحي “صيد الفئران”، وذلك يوم الأحد الموافق 5 مارس الجاري، في تمام الساعة السابعة مساءً.
أعقب العرض ندوة نقدية لمناقشة العرض من تنظيم الدكتورة إيمان سمير، شارك فيها كلا من: الناقدة الدكتورة “أميرة كامل”_ أستاذ مساعد بمعهد النقد الفني، الناقد والباحث “رامز عماد”_ سكرتير مجلة الفنون، بينما أدار الندوة “محمد غنيم”_ الطالب بقسم الدراما والنقد بالمعهد العالى للفنون المسرحية.
عرض “صيد الفئران” مأخوذ عن نص من تأليف بيتر توريني الذي ترجمه عن الألمانية محمد عبد المعطي، إعداد طه زغلول، إخراج أسماء إمام، إضاءة وليد درويش، تصوير أبو العزايم الوكيل، ديكور إسلام جمال، ملابس هناء النجدي، تأليف موسيقي عبد الخالق العطار، تنفيذ موسيقى أحمد حامد، تعبير حركي دارين وائل، شارك في بطولة العرض: علاء هلال وأسماء إمام.
تدور أحداث العرض حول تواجد شاب في العشرين من عمره يقف وفتاة في حالة غثيان واشمئزاز بجوار سيارتهما الفارهة، يحيطهما أكوام من النفايات في مدينة يعمها الظلام سوى من بعض الأضواء الخافتة والرائحة الكريهة وعفن يعم المكان.
يدور الحوار بينهما حول القمامة التي ترمز إلى القذارة الداخلية التي تجعل الإنسان كائناً عفناً فاقداً لجوهره؛ يسلط النص الضوء على تأثير المجتمع الرأسمالي والتلوّث الفكري الذي خلّفه وحالة العزلة والتجزُّر وفقدان الثقة بين البشر الذي يعيشون حالة من الزيف، ويرتدون أقنعة يخفون عن بعضهم دواخلهم الحقيقية.
يبدأ الشاب في صيد الفئران التي تنتشر في المكان من حولهما، معبّراً عن رغبته في القتل التي لا يمكنه سوى كبتها أو التسلّي بصيد الفئران، التي تبدو ملامحها متشابهة مع ملامح البشر، وكذلك سلوكهما في اعتياد القذارة والأوساخ.
يستمر الحوار بين البطلين اللذين يتعاملان بإعتبارهما مجرّد فأرين، يسعيان إلى تحويل إحدى الحاويات إلى مدرّعة عسكرية، في إشارة إلى العنف الذي يتفشّى في العالم كلّه، وفي الوقت نفسه يقوم البطل بإغواء البطلة، ليتداخل القتل والجنس بوصفهما أداة تستخدمها السلطة دائماً للتحكّم بالمواطنين، وينتهي العرض برصاصة تصيب الفتاة فتلقى قتيلة على الأرض.
بدأت الندوة النقدية الخاصة بعرض “صيد الفئران” للمخرجة أسماء إمام، بحديث الناقدة أميرة كامل، والتي تناولت سينوغرافيا العرض بالتفصيل، إذ بدأت بأول عناصر العرض وهو النص المأخوذ عن الكاتب بيتر توريني، مشيرة إلى أن فكرة النص مميزة، وقد كتب النص عام 1971، ويعتبر أول نص مسرحي للكاتب بيتر توريني، ثم توالت بعدها كتاباته مثل الموت والشيطان وغيرها.
وتابعت أن هذا النص بالتحديد “صيد الفئران” تم تناوله في أكثر من عمل مسرحي في مصر وفي معاهد الفنون المسرحية، نظرا لأنه يتناسب مع طبيعة العصر الذي نعيشه، فنحن نعيش ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة تجعلنا دائما في ضغط نفسي وصراع، وقد نجحت المخرجة في الغوص في أعماق النفس البشرية.
وجاء اختيارها للممثل الموهوب “علاء هلال” في النطاق الصحيح، فهو ممثل مميز، متصل بالجمهور المتلقي طوال العرض، كما أنه يمسك بزمام الشخصية نفسيا وجسديا وفكريا، فهو قدم الشخصية بنفس الانفعالات والمشاعر المطلوبة، فهو يجعل الجمهور جزء من الحكاية، فنحن أيضا مقهورون مثله، نعاني الاضطهاد، وقد وضحت شخصيته عن شخصية البطلة أمامه.
استطاعت المخرجة أن تبرز حقيقتنا التي نخبأها طوال الوقت، فقد عملت على تعرية النفس البشرية، وتعرضها على حقيقتها، لتؤكد على أننا مزيفون، ومجرد قناعات.
كما عقبت على اختيار الأزياء، عبرت عن سعادتها باختيار الأزياء التي تناسبت مع العرض والوقت الذي نعاصره، لكنها أخذت على المخرجة كونها عندما تجردت من فستانها المبهج الذي كان يعبر عن الزيف والخداع والمظاهر الخداعة، وجدنها ترتدي فستانا أسودا، وهذا يناقض الحالة التي كانت تعبر عنها المخرجة، من كونها وصلت للنقاء والحقيقة والذات الحقيقية التي بداخلها، فكان أولى أن ترتدي فستانا أبيضا دلالة على أنها أصبحت على سجيتها.
أضافت أن الإضاءة معبرة عن الحالة الدرامية، وكذلك الديكور موحي أيضا عن الحالة الدرامية و حالة الانزعاج والكركبة التي يعيشها الإنسان بداخله، لكن الديكور أخذ مساحة كبيرة من المسرح تتعب العين والنفس، والشريط الأصفر مكتوب عليه “احترس منطقة عمل” كانت ذات دلالة قوية، تؤكد أننا جميعا في خطر، ولا بد من محاولة الخروج من هذا المأزق.
 اختتمت حديثها بتشجيع فريق العرض والمخرجة أسماء إمام على إخراج العرض بشكل جيد، مشيرة إلى أن مهمة التمثيل والإخراج معا جعلها مشتتة بعض الشيء، ونصحتها بأن تحاول التركيز في التمثيل فقط أو الإخراج فقط حتى تتمكن وتبدع في عملها.
استكمل الحديث الناقد “رامز عماد” معربا عن سعادته بوجوده على خشبة الدكتورة نهاد صليحة  فهي صاحبة الدور المؤثر في عالم المسرح متمنيا لها الرحمة والمغفرة.
انطلق للحديث حول تجربة عرض “صيد الفئران”، حيث كُتب العرض في مرحلة خرج فيها الإنسان من مرحلة حروب عديدة وخاصة الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية و الغربية، حيث وجد الإنسان نفسه يعيش حالة من العبث والدائرية داخل مجتمع استهلاكي، حيث يعيش في دائرة مفرغة من الاستهلاك،واستطاع الممثل البارع علاء هلال أن يجسد شخصية المحارب الذي يواجه العالم كله والمجتمع الاستهلاكي، شخص يحارب طواحين الهواء، بجسده الهزيل وأفكاره التي يحارب بها العالم، ويصطاد فئران خيالاته، كما ظهرت العلاقة الجدلية بين “هو و هي” وهي علاقة جدلية منذ الأزل، بين الرجل والمرأة، فطرح علينا العرض البطلة طارحا علينا عدد من الاستفسارات حول طبيعتها هل هي عاهرة، أم فتاة تسعى للزواج، فهي تظهر عكس حقيقتها الإنسانية لنسير طوال الرحلة فتكشف لنا المخرجة حالة التعري من خلال فضاء مسرحي مناسب للحالة الدرامية، رغم قطع الديكور الكثيرة ، والتي عبرت عن حالة الغوغائية وتزاحم الأفكار داخل الإنسان المعاصر.
عبرت الإضاءة عن حالة من الإنارة وليست الإضاءة، فكان هناك حالة بسيطة في الجزء الثاني في العرض و في أجزاء الكوميديا، مشيرا إلى أن هناك إسقاط على الوقت المعاصر، خاصة في مشاهد شراء المكياخ باهظ الثمن رغم عدم امتلاكها للأموال، وهذا ما نعاصره في وقتنا الحالي من رسم صورة خارجية خادعة. 
وتابع قائلا أن إيقاع العرض يحتاج إلى تماسك أكثر، كما أشار إلى أنه لا يهمه أن يركز الشخص في التمثيل فقط أو الإخراج فقط، فهي ليست عقبة في طريق النجاح، فيمكن لأي شخص أن يمثل ويخرج في ذات الوقت بشرط أن يخرج بعمل جيد.
 


رانيا زينهم أبو بكر