أثر المتغيرات الاجتماعية في الخطاب المسرحي العراقي في الفترة(من 2003 إلى 2013)

أثر المتغيرات الاجتماعية في الخطاب المسرحي العراقي في الفترة(من 2003 إلى 2013)

العدد 802 صدر بتاريخ 9يناير2023

في مناقشة علنية بقاعة ثروت عكاشة بالمعهد العالي للنقد الفني في نهاية سنة 2022م وتحديدا يوم الخميس الموافق 29 ديسمبر تم مناقشة  الباحث عدنان حسين علي للحصول على درجة الدكتوراه في فلسفة الفنون قسم النقد الأدبي وموضوعها (أثر المتغيرات الاجتماعية في الخطاب المسرحي العراقي للفترة من 2003 إلى 2013) وتكونت لجنة المناقشة والحكم من أستاذ الأساتذة الاستاذ الدكتور حمدي الجابري أستاذ الدراما والنقد بالمعهد العالي للفنون المسرحية مناقشا من الخارج ومقراً والأستاذ الدكتور أحمد بدوي عميد المعهد العالي للنقد الفني الأسبق مناقشا من الداخل وأستاذ النقد الأدبي والأستاذ الدكتور محمد زعيمة أستاذ الدراما والنقد المسرحي بالمعهد العالي للنقد الفني مشرفا ومناقشا، وافتتح الدكتور زعيمة الجلسة بصفة مشرفا على رسالة الباحث وقال إنها أسعد لحظة منحني إياها أستاذي ووالدي الاستاذ الدكتور حمدي الجابري لمناقشة رسالة الدكتوراه التي أُشرفْ عليها للباحث عدنان وهي لحظة مجاورة التلميذ للأستاذ، وشرفت أيضاً بمجاورة صديقي الدكتور أحمد بدوي، وانتقل الحديث الدكتور حمدي الجابري بصفة مقراً للجنة الحكم والمناقشة وقال: أُرحب بالأستاذ الدكتور أحمد بدوي بوجوده في لجنة المناقشة، كم أرحب بالأستاذ الدكتور محمد زعيمة وأنا فخور به لإنه كان من تلاميذي النابغين وبالفعل كانت له منزلة الأبن، ولذلك أُقرر أنه يقوم بإدارة الجلسة، وبالفعل قال الاستاذ الدكتور زعيمة هذا شرف كبير لي من أستاذي الفاضل.
 وأعطى الكلمة للباحث عدنان ليقدم أُطروحته
 فقال الباحث:
إن الحروب التي عصفت بالعراق منذ مطلع عقد الثمانينات الحرب العراقية الايرانية وحرب الكويت والحصار الاقتصادي وحرب الاحتلال الأمريكي ، أدت إلى نحر بنية المجتمع مما جعل من هذه المتغيرات ارض خصبة ينتشل منها الكاتب المسرحي العراقي ما يشاء من القصص متخذا تارة خطابا غير مباشر خوفا من بطش السلطة الحاكمة قبل الاحتلال كما في مسرحية  (الجنة تفتح ابوابها متأخرة) للكاتب فلاح شاكر التي اقتبس قصتها من حالات الاسر في ايران  ، ومسرحية ( كاروك) للكاتب عبدالكريم العامري والتي اقتبس قصتها من حرب الكويت والحصار الاقتصادي ، فأدى ذلك إلى إنتاج خطابا مسرحيا يتسابق مرة مع تلك الحرب وبالضد مرة أخرى من تلك الحرب، والامثلة عديدة على هذه الحال وما ظهور (الغضب والاحتجاج المكتوم) في العراق وكذلك ظهور العبث واللامعقول ومن ثم الإضراب الشعباني والحصار التي أنتجت مفاهيم خطيرة قلبت الفهم العام للعالم وموجوداته.
وأضاف الباحث: لقد شهد المسرح العراقي بعد 2003 تحولاً فكرياً على مستوى الشكل والمضمون أدى إلى انفتاح الفن المسرحي العراقي على العديد من المدارس الفنية والفكرية في اختيار الموضوعات والنصوص التي كانت محرمة قبل هذا التحول السياسي، وهذا الانفتاح الفكري قد منح الكاتب المسرحي العراقي حرية التناول والتقديم للأساليب والمدارس المسرحية المتنوعة، فاصبح لديه فضاء من الحرية مكنه من أن يقدم رؤاه الفنية دون الخوف من مقص الرقيب، وقد تميز الفن المسرحي العراقي في هذه المرحلة بالعديد من السمات ولعل السمة الابرز كانت سمة التجريب والانفتاح على الأساليب والمدارس المسرحية، الذي يزامن معطيات مسرح ما بعد الحداثة.
 وسرد الباحث وقال: إن تاريخ المسرح العراقي حافل بالتجارب والرؤى الابداعية، وقد تعددت القيم الجمالية لهذه التجربة ووجدت صداها المؤثر في التجارب الفنية لجيل الشباب المسرحي مثل مهند هادي الذي كتب مسرحية (حظر تجوال) 2007 عقيل مهدي في مسرحية (علي الوردي وغريمه) 2008 وحامد المالكي في مسرحية (العربانة) 2011، وعلي عبدالنبي الزيدي في مسرحية (مطر صيف) 2013، وهذه النصوص المسرحية  هي عينة الدراسة ومن أهم ما كتب في الخطاب (التثويري والتحريضي والتنويري) في تاريخ المسرح العراقي حيث أصبح المسرح العراقي فضاءً من الحرية التي تنفتح على الجميع وحاضنة لكل ما هو مبدع وحداثي، حيث وجد هذا الجيل المسرحي فضاءً من الحرية التي مكنته من تجسيد رؤاه الفنية ، من أجل النهوض بالواقع المجتمعي .
مشكلة البحث
وأوضح الباحث بأن مشكلة الدراسة تتلخص في التساؤل الرئيسي التالي:
ما هو أثر المتغيرات الاجتماعية على الخطاب المسرحي العراقي
ومن هذا التساؤل الرئيسي تتفرع التساؤلات التالية:
1-ماهي أهم التحولات الاجتماعية في العراق  قبل الاحتلال وأثناء الاحتلال وبعد الاحتلال؟
2-ماهو تأثير التحولات الاجتماعية على إشكالية الخطاب المسرحي العراقي ؟
3-ماهي إشكالات الخطاب المسرحي العراقي ؟
4-ماهي أبرز إشكالات الخطاب المسرحي العراقي المتأثرة بالتغيرات الاجتماعية؟
وأضاف بأن أهمية البحث تكمن في محاولة اكتشاف مدى تأثير الواقع الاجتماعي بمتغيراته العديدة على الخطاب المسرحي، وكذلك تعد هذه الدراسة مرجعا للباحثين في مجال المسرح العراقي وأثر الحروب عليه.
وعن الهدف من البحث قال الباحث: إن الهدف
 من البحث هو
1 ـ الكشف عن واقع المسرح العراقي قبل وبعد 2003 .
 2 ـ الكشف عن تأثير الحروب على المسرح والدراما العراقية .
منهج البحث
استكمل الباحث حديثة قائلاُ: يعتمد الباحث على المنهج السوسيولوجي والمنهج التحليلي في دراسة وتحليل النماذج المختارة من النصوص المسرحية عينة الدراسة  وذلك من خلال دراسة الواقع الاجتماعي والسياسي  والقيم السائدة في الفترة الزمنية المختارة لعينة الدراسة . فالتحليل السوسيولوجي  يكشف  علاقة الواقع المجتمعي وتداخلاته مع الخطاب المسرحي.
محتويات الرسالة
ورسالة الباحث تتألف من:
الاطار النظري والذي يشمل على فصلين :
الفصل الاول : التغير الاجتماعي والسياسي العراقي منذ مرحلة الحرب العراقية الايرانية
الفصل الثاني : أثر المتغير الاجتماعي على الخطاب المسرحي العراقي
أما الاطار الاجرائي  يتكون من ثلاثة فصول هي :
الفصل الاول : الخطاب المسرحي في فترة ما قبل الاحتلال الأمريكي ويشتمل على ( مسرحية الجنة تفتح ابوابها متأخرة / فلاح شاكر،1997  ومسرحية كاروك / عبدالكريم العامري )
الفصل الثاني: الخطاب المسرحي في فترة الاحتلال الأمريكي ( مسرحية حظر تجوال / مهند هادي ، ومسرحية علي الوردي وغريمه / عقيل مهدي يوسف )
الفصل الثالث : الخطاب المسرحي في فترة خروج المحتل الأمريكي ( مسرحية العربانة / حامد المالكي  ، ومسرحية مطر صيف / علي عبدالنبي الزيدي )
حيث اعتمد الباحث في تحليل الخطاب المسرحي في النصوص  المختارة بشكل قصدي .
ومن خلال الدراسة خرج الباحث بالنتائج التالية:
مع رصد الخطاب المسرحي بالعراق فترة الدراسة وجد الباحث أن الخطاب يقع في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: هي مرحلة ما قبل الاحتلال الأمريكي حيث غلب على الخطاب المسرحي الشكل الاغترابي والقهر الداخلي والمنفى الخارجي وارتفاع نبرة الموت خاصة في نصوص (الجنة تفتح أبوابها متأخرة – الكاروك)
المرحلة الثانية: وهي مرحلة الاحتلال حيث علت نبرة الخطاب التثويري الاحتلال وأشكاله المتنوعة ففي (على الوردي وغريمه) نحن أمام شخصية عراقية أصيلة تعشق الوطن مقابل شخصية عراقية أخرى (عليوي) وهو يمثل الصورة المشوهة للعملاء الذين  تعاونوا مع المحتل لنهب ثروات الوطن.
أما المرحلة الثالثة: بعد الاحتلال غلب عليها لعبة الانتحار والحلم والأمل المفقود الذي يسعى إليه كل عراقي وسط سلطة حاكمة غاشمة لا تهتم بالمواطن ولا الوطن بل بمصالحها الخاصة، وكل مرحلة من هذه المراحل تأثرت بشكل كبير بالأوضاع الحربية والسياسية وهو ما أثر على بنية المجتمع وبالتالي أثر على طبيعة الخطاب المسرحي .
إن الكلام أفضل من الصمت الذي اختاره بعض أبناء هذه الشريحة وأن أفضل الوسائل للتلاؤم مع أزمة الطبقة الاجتماعية في هذا الحراك الاجتماعي الرهيب هو أن تقف بجوار النظام تدعمه وتقترب منه علها تستطيع أن تفهمه عن قرب وتكشف عن مساوئ النظم الأخرى كما في علي الوردي و حظر تجوال .
المسرح يعكس بأسلوب واقعي مدى تأثر الحياة السياسية، وما تركته من تأثير كبير في المجتمع العراقي الذي وجد نفسه أمام تغيير سياسي حاد ومتطرف. كما في حظر تجوال والعربانه
شكل الواقع السياسي دوراً في تنشيط ذاكرة المسرح في العراق، ودفعه وتحريكه باتجاه القضايا المصيرية التي تواجه الأمة. إذ أسهمت الثورات التقدمية والتحررية سواء في العراق، أو في غيره من الدول العربية وفي العالم، في بلورة الوعي الفكري والثقافي للمثقف في المنطقة العربية، بما حملته من مبادئ وأفكار وبما حققته من مكاسب. كما في مطر صيف
لقد طبع التجريد الكتابة المسرحية بميزات خاصة، كان من أبرزها «خلخلة مفهوم الكتابة في حد ذاته، فأغلب المسرحيين اقتنعوا بأن المؤلفين المسرحيين العرب دخلوا زمناً جديداً، هو زمن التساؤل والتشكيك واعادة النظر في ما تكرس من أفكار ومواصفات، في مجالات الفكر والسياسة والثقافة وعليه تحول النص المسرحي  أيضا  إلى مختبر لتجريب صيغ فنية جديدة تلائم طبيعة التحول الذي طبع المرحلة» من التغيرات الاجتماعية والسياسية. كما في الكاروك
الخطاب النقيض يستهدف ويستنهض الفكر المستنير ولاسيما المجتمع العراقي لإعادة النظر في السياسات أهدافها ونتائجها، وذلك من أجل اتخاذ موقف مؤثر من هذه الممارسات في المناطق المختلفة. في كل نصوص العينة
 تحتل قضايا المجتمع المرتبة الأولى في سلم الموضوعات عند غالبية كتاب المسرح واهتماماتهم على اختلاف مواقعهم وأساليبهم،. «احتلت موضوعة الحروب الوطنية والقومية مكانة خاصة منذ نشأة المسرح العراقي أصبحت العراق بعد الحرب مدينة مسرحية كبيرة، ومركز أدب اللامعقول دون منازع. كما في علي الوردي
أن الجوهر في هذه القضية متشابه متمثلا في ثنائية (السيد / العبد، المنتصر/ المنهزم، المحتل / المالك الشرعي، المستعمر / المستعمر) إلا أن الأهداف والظروف المحيطة والآليات المستخدمة مختلفة تماما باختلاف العصور والأبطال والجماعات المتصارعة، وتبدو التجليات المتشابهة في النص المسرحي العراقي مابعد الاحتلال. في النصوص عينه الدراسة
إن ما بعد الاحتلال تمثل دورة تتحرك بين شاهديها (المحتل / المالك الشرعي)، أو (الأنا / الآخر)، تحولات وتبادلات في المصطلحات السياسية والاقتصادية والثقافية لتعيد العجلة من حيث ما بدأت فلا غرابة أن نرى الاستعمارية والإمبريالية عادة ما توظف بشكل تبادلي فاضح لأثره الاجتماعي بالعراق. إذ تتجه حركة ما بعد الاستعمار إلى الاشتباك وتفكيك الخطاب المسرحي العراقي وإبراز البنى التوسعية والاستعمارية التي تختبئ وراء المشروع الحضاري والإنساني الذي يدعيه المستعمر، لذا فإننا نستطيع الدخول إلى عالم النص المسرحي ، وفق الأدوات والمناهج النقدية المعاصرة ذلك أن ما بعد الاستعمار، تمثل استراتيجية قراءة واضحة لتأويل وتفكيك الممارسات الاستعمارية سواء للسلطة الحاكمة داخلياً وظلمها للمواطن أو لممارسات الاحتلال وقمعها للجميع.
الكتاب يقدمون ثنائية المحتل / الساكن الأصلي عن طريق بناء عالمين متناقضين، وثمة جدار يعزل بين هذين العالمين، فنرى العالم الاستعماري فاعلاً مرفهاً ومترفاً، والعالم الآخر وهم السكان الأصليون يعيشون ألوان المعاناة، والتي وصلت لدرجة استنساخ الوهم لهم، ليقتاتوا به وسط كومة الوهم وزيف البديل الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.
إن النصوص المسرحية تقدم تساؤلات عدة تشتبك وتقوض الطرح الاستعماري الذي يسعى لإسباغ القضية الإنسانية ومهمة الخلاص على الممارسات التي كانت وما زالت تحدث ضمن السياسات الاستعمارية، لذلك طرحت الشخصيات المحورية تساؤلات عدة تمثل هذا التحول من الانبهار والتبعية المنساقة إلى حالة النقد والتحليل والتساؤلات حول أهميتها ومدى استمرارها، وكم المعاناة وسط لعبة تدوير الحكاية للشعب.
تنتهج ما بعد السقوط والاحتلال في تقديمها للفن المسرحي والدرامي سمات ما بعد الحداثة كمبدأ التشظي والتنافر والاشتباك مع الواقع الاستعماري، ومحاربة التراث المعتمد والمفاهيم المفروضة إلا إنها تسعى بالنهاية لإحداث تأثير أكثر إيلاما وصدى في نفوس المتفرجين نتيجة الصراع بين المستعمر والمستعمر .
يقدم لنا مسرح ما بعد الاحتلال أبطالا مسرحيين ذوي ملامح صارمة حادة الطباع، فإما أن يكون البطل المحوري مستعمرة مستبدة أو أن يكون مستعمرة خاضعا ضحية جهله وواقعه الاجتماعي والإنساني ، فإن ذلك يحدث في المواقف الدرامية وهي التي تبني في الأزمنة ، غير أن العمل المسرحي لا يفقد الفكرة والوحدة أو ما يسمى بوحدة الأضداد حتى يصل المعنى الذي صيغ من أجله النص المسرحي إلى المتفرج.
تكنيك الصدمة: هو تكنيك استخدم في بعض المسرحيات وذلك لأحداث ذلك الأثر المحزن والمؤثر وفي الوقت نفسه يدعو إلى التفكير فيما حدث وما يمكن أن يحدث للمجتمع العراقي، وهي حالة من اليقظة يسعى لإحداثها النص إما في أحداث المسرحية أو في المشهد الختامي، خاصة عندما يستيقظ البطل ويعرف أنه أمام واقع مستنسخ مصنوع ممسوخ لا قيمة له، إذ أن أصل الصورة لا وجود لها، فالحكم أصبح في يد الزيف والاستنساخ.
كما استخدم المؤلف العراقي الشكل الكلاسيكي  في الكتابة المسرحية من بداية ووسط ونهاية  الا انه اختلف عن ارسطو  خاصه في الناتج  فهو لم يسعي لأحداث  التطهير  كما كان يسعي ارسطو وإنما تنوع الخطاب لديه بشكل واضح فانتقل  ما بين الخطاب التحريضي  إلى التنويري إلى التثويري كل ذألك في إطار تضميني  لخطاب سياسي    واجتماعي وديني احيانا ساعيا إلى تحفيز المتلقي للوصول لمرحله الوعي  ومن ثم التغير المرجو
وفي نهاية المناقشة قررت اللجنة منح الباحث درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الثانية
 


جمال الفيشاوي