«آنــســـتــــونـــا».. وإعادة صياغة لمسرح القطاع الخاص

«آنــســـتــــونـــا»..  وإعادة صياغة لمسرح القطاع الخاص

العدد 801 صدر بتاريخ 2يناير2023

الكثير منا نحن المسرحيون يتجه إلى تقسيم المسرح إلى عدة تصنيفات تنحصر فيما بين مسرح القطاع الخاص، ومسرح الدولة، ومسرح الثقافة الجماهيرية، والمسرح المستقل .. الخ من التصنيفات التى لا حصر لها ولا عدد، بينما غالبية جمهور المتلقى عندما يذهب إلى المسرح لا تعنيه مثل كل تلك التصنيفات، ولا يسعى ورائها، فقط هو لا يبغى سوى مشاهدة مسرح يقدم له المتعة والرسالة فى آن واحد، ويحترم ثقافته وعقله وعادات وتقاليد مجتمعه، أما كل تلك التصنيفات المسرحية فلا تجدها سوى لدى المسرحيون فقط، فالمسرح هو المسرح من وجهة نظرى بدون أدني تصنيفات، نص مسرحى، موسيقى تصويرية، استعراضات، أغاني، ديكور، أزياء، تعبير حركى، اضاءة، إخراج، ممثلين، جمهور، فجميع عناصر المسرح واحدة لا تتغير فى كل نواحيه ومناهجه ومدارسه وأنواعه وعلى مر العصور، فقط يبقى شئ واحد فقط هو دائم التغيير بصفته ألا هو النص المسرحى، فلا يوجد نص ثابت لجميع المسرحيات ولكن تجد كل مسرحية لها نص مسرحى يقدم موضوعا مختلفا عن سابقيها وبرؤى مختلفة .
إذن مما سبق نستطيع أن نستنتج أن لا فرق هنا بين مسرح القطاع الخاص ومسرح الدولة، سوى فى ميزانية العرض وتكلفته فقط لا غير، فالمعروف أن مسرح القطاع الخاص اكثر سخاءا فى ميزانيته المادية بمراحل عن مسرح القطاع العام، أما غير ذلك فلا أجد أية فروق تذكر بينهما فى المواضيع التى يقدمونها للمتلقى من أجل متعته وتقديم رسالة له، ولكن التفرقة بينهما حقيقة امتدت لسنوات طويلة نتيجة فكرة جمهور المتلقى السلبية عن مسرح القطاع الخاص بأنه مسرح أكثر حرية وجرأة فيما يقدمه عن مسرح القطاع العام الملتزم، وحقيقة تلك فكرة خاطئة عانى منها المسرحيون طويلا ومسرح القطاع الخاص وأهدافه بريئة منها تماما، ولكن ترسبت تلك الفكرة لدى الجمهور نتيجة اتجاه بعض المنتجين فى حقبة زمنية معينة إلى الحرص على أن تقوم بعض عروضهم على الارتجال والإيحاءت والألفاظ البذيئة والاستعراضات الجريئة اعتقادا منهم أن هذا ما يجذب الجمهور نحوهم ونحو شباك التذاكر، حتى بدأ فكر المنتجين يتغير رويدا رويدا مع ظهور ما يدعى بمركز الإبداع الفنى بأرض الأوبرا منذ حوالى عشرون عاما والذى يشرف عليه المخرج خالد جلال ويتخرج منه بشكل شبه سنوى من ورشته الإبداعية العديد من المواهب الفذة والمنتقاة بعناية فائقة والتى مع الوقت صارت نجوما تتلالأ جميعها فى سماء الوسط الفنى، ومن المعروف أن مركز الإبداع الفنى هو إحدى المراكز التابعة للدولة ممثلة فى وزارة الثقافة، فبدأ هذا النجاح يستفز منتجى القطاع الخاص ويثير فضولهم، ليتجهوا لمشاهدته من اجل الكشف عن سر نجاحه، وهناك وجدوا الإقبال الجماهيرى مع الكوميديا الراقية مع الرسالة الهادفة، ومنها أدركوا سر انصراف الجمهور عنهم وأن المجتمع لا زال يتمسك بعاداته وتقاليده وينصرف عن كل ما هو قبيح وشاذ عن فكره، فبدأ بعضهم فى محاولة تقليد هذه الخلطة السحرية للنجاح ولكن لم يحالفهم الحظ فى تحقيق المعادلة الصعبة ألا وهى تحقيق الإيرادات مع تقديم الكوميديا الهادفة والراقية، إلى أن أدرك احدهم بما يمتلك من ذكاء وخبرات عريضة فى مجال الإنتاج ألا وهو محمد السبكى أن السر يكمن فى المخرج خالد جلال نفسه وحرفيته فى صناعة كوميديا الموقف التى تثير ضحك جمهور المتلقى من القلب دون ابتذال أو مبالغة مع التسويق الاحترافى والإقبال الجماهيرى فى ذات الوقت، فاتجه السبكى إلى التعاقد مع المخرج خالد جلال من أجل إنتاج عرض مسرحى كوميدى غنائى استعراضى يحقق له أعلى الإيرادات مع الجودة الفنية، فأثمر هذا التعاون الفنى عن العرض المسرحى الغنائى الاستعراضي «آنستونا» الذى نجح خالد جلال من خلاله بالعودة إلى مسرح القطاع الخاص حيث زمن العمالقة عبر الأجيال الذين كانت معهم بدايات المسرح الخاص أمثال مسرح الريحانى والكسار وغيرهم، إلى أن تأسست فرقة المسرح الكوميدى التابعة للدولة عام 1962، فصار المسرح الخاص يسير جنبا إلى جنب مع مسرح القطاع العام كل منهما مكملا للآخر لا منافسا له، فرأينا جيل آخر من رواد الكوميديا على مسرح القطاع العام أمثال فؤاد المهندس وعبد المنعم مدبولى وغيرهم، وفى المقابل على المسارح الخاصة وجدنا عادل إمام وسمير غانم وسعيد صالح وغيرهم، وكل هذه الدلالات كانت تشير حينها إلى أن كلا ألا وهى راية المسرح المصرى بكل قطاعاته، وبدون أدني تصنيفات ومن أجل رفعته ككل فى النهاية . 
 ليس بالضرورة أن يتخذ مسرح القطاع الخاص الطابع الكوميدى فى عروضه ورأينا مؤخرا عدة عروض للمسرح العالمى ومن إنتاج القطاع الخاص فى خطوة شجاعة تحسب لمنتجيها، ولكن بما أن القطاع الخاص ارتبط لدى أذهان معظم جماهيره بأنه مسرح ترفيهى، فدوما تتجه ميول أغلب المنتجين إلى البحث عن النصوص الكوميدية لإنتاجها من أجل ضمان الإيرادات، ولكن مع خالد جلال الموضوع مختلف حيث يراعى فى اختياراته لما يقدمه من نصوص مسرحية أن تحتوى على عنصر الإضحاك المصحوب بقضية ورسالة هادفة تخدم المجتمع وتهذب سلوكياته ولا غنى لأحدهما عن الآخر، وتلك هى المعادلة الصعبة التى ينجح دوما فيها خالد جلال حيث لا مجال لديه فى مسرحه لمنهج الضحك من اجل الضحك وبلا هدف أو موضوع .
لذا لجأ خالد جلال إلى مواهب طلاب ورشته الإبداعية فى الكتابة والتمثيل من اجل إفراز عرض مسرحى متكامل للقطاع الخاص يجمع ما بين جودة النص ورسالته إضافة إلى خفة ظل الممثلين الذين يجسدون شخصيات هذا النص بما يتفق مع مدرسته الإخراجية، فكان التعاون الأول له مع كلا من كريم سامى وأحمد عبد الوهاب من قاما بكتابة النص المسرحى «آنستونا»، والذين جسدا فى المسرحية فى ذات الوقت شخصية معلم اللغة العربية ومعلم الموسيقى على الترتيب، وأجادوا فى تقمصها ببراعة بخفة ظلهم وحضورهم القوى على المسرح، مما ينفى معه أي دهشة من تمكنهم من كتابة مثل هذا النص المسرحى المنضبط فى الكوميديا الهادفة له، حيث انهم يمتلكون خفة الظل فى الكتابة أيضا مثلما يمتلكونها فى التمثيل، وهى موهبة إضافية تميزهم عن الآخرين، وبجانب نجوم العرض استعان خالد جلال بمواهب تمثيلية مميزة من ورشته الإبداعية .
تدور فكرة العرض المسرحى «آنستونا» حول ما يقدمه مطربى المهرجانات من إسفاف فى الكلمة أو فى الموسيقى أو حتى المظهر العام، وان الجمهور بطبيعته يرفض مثل هذا النوع من الفن الهابط ولكنه يسمعه مضطرا حيث لا يوجد فى المقابل الفن الجيد الذى يفرض نفسه عليه ويرتقى بذوقه الفنى، وبالتالى يوجه العرض المسرحى هنا رسالة إلى الوسط الغنائى بأن محاربة ذاك النوع من أغاني المهرجانات لن يتأتى إلا من خلال سلاح وحيد فقط لا غير ألا وهو مجابهته فى المقابل بالفن الجيد والاهتمام بجودته وانتشاره وفرضه عليهم وعلى المجتمع، ومن هنا سينجذب الجمهور بطبيعته إليه ويلتف حوله داعما له حتى تنتهى ظاهرة المهرجانات وتختفى إلى الأبد حيث فى النهاية لا يصح إلا الصحيح، وتتبلور فكرة العرض جليا هنا من خلال وصية لروح مطربة استعراضية كبيرة من الزمن الماضى تدعى «كاميليا» لموسيقار يبحث عن مواهب جديدة، بأن يتبنى حفيدتها الموهوبة بأحد الأحياء الشعبية وتدعى «زلابية»، والتى لا تجد من ينتشلها مما وصلت إليه من فن بذئ لا يتناسب مع موهبتها وإمكانياتها وتطلب منه أن يوجهها للطريق الصحيح للفن الراقى والشهرة والمجد، فهل سينجح المايسترو فى مهمته وفى تنفيذ تلك الوصية؟ وهل سيواجه صعوبات فى تحقيقها؟ هذا ما يكشف عنه العرض من أسرار ومفاجآت حين مشاهدتك له عزيزى القارئ . 
أجادت دنيا سمير غانم المعجونة بالموهبة تجسيد شخصيتى كلا من روح الجدة والحفيدة أيضا فى ذات الوقت، بل واستطاعت بذكائها أن تشعرك بفرق شاسع ما بين الشخصيتين لدرجة قد تظن معها بأن من يقوم بتجسيدهم هما ممثلتين مختلفتين وليست ممثلة واحدة، والفضل فى ذلك يعود بالطبع بجانب موهبتها إلى مخرج العرض وتوجيهاته وتدريباته خاصة عندما يكون ذاك المخرج هو مدرب تمثيل أيضا هنا يأتى النجاح أضعافا، استطاع أيضا خالد جلال أن يقدم دنيا سمير غانم للجمهور فى شكل ولون جديد يبرز من خلاله كل قدراتها الكوميدية والاستعراضية مستغلا طاقتها الإبداعية، مما سيكون له أبرز الأثر فى المستقبل القريب عندما يكون هذا العرض المسرحى سببا فى وضع أقدامها فى مصاف نجمات مصر الأولى الغنائية والاستعراضية .
استطاع بيومى فؤاد بخفة ظله المعتادة أن يرسم البسمة على وجوه الجمهور فى دور المايسترو طوال مدة العرض من خلال مدرسة السهل الممتنع التى ينتمى إليها واشتهر بها حيث أن لديه المقدرة على تجسيد جميع الأدوار والكاركترات المتنوعة بكل تلقائية ومصداقية وبنفس الإتقان، مما جعله ممثل جوكر بعيدا عن التصنيفات التى ينحصر فيها العديد من الفنانين، وتجعل منهم راكورات مكررة فى جميع أدوارهم التى تتشابه مع بعضها البعض . 
نجح سامى مغاورى فى دور والد زلابيا، فى إقناع المتلقى بشخصية الأب المتصابي الذى ينظر لنزواته فقط ويتعايش مع من حوله كما لو كان شابا يافعا صغيرا فى قالب كوميدى استطاع من خلاله أن ينتزع ضحكات الجمهور من القلب بما يمتلكه من قبول عالى ورصيد كبير من حب الجمهور له على مدار تاريخه .
كريم عفيفي احد نجوم مسرح مصر، قام بدور «الخطيب الاستغلالي» فى العرض المسرحى بحرفية عالية حيث انه يمتلك خبرات وأدوات صوتية جيدة تناسب المسرح أكثر منها فى الفيديو، كما أن المخرج أحسن توظيفه فى الدور المناسب له من ناحية فيزيكال الشكل والأداء، إضافة إلى خفة ظله المعهودة على المسرح .
يمتلك عمرو عبد العزيز حضور كوميدى كبير على المسرح يجعلك تبتسم بمجرد رؤيته دون أن يبذل أدني مجهود، فهو كوميديان من الطراز الفريد، صلاح الدالى فنان متمكن من أدواته يجيد مهارة الارتجال، ولديه من الذكاء ما يؤهله أن يصل بعيدا ليتربع على عرش الكوميديا يوما ما، مريم السكرى فى دور «زوجة الأب» كاركتر كوميدى مميز تضفى نوع من البهجة على من حولها بطريقة أدائها الخاصة والمتفردة بها وحدها، بسنت صيام «مديرة منزل المايسترو» استطاعت معايشة الشخصية بصدق من الداخل فشعرنا معها جميعا بأنها بالفعل تلك الشخصية الدقيقة والأنيقة التى تهتم بالنظام وبمظهرها ومظهر كل شئ حولها فى شكل لايت كوميدى خفيف، وأخيرا خالد إبراهيم وعبد العزيز التونى فى أدوار البلطجى وبائع الفول على الترتيب، فبرغم صغر مساحة أدوارهم إلا أنهم استطاعا أن يتركا بصمة بالعرض المسرحى من خلال اجتهادهم فى اضفاء خفة الظل على الشخصية التى يلعبها كل منهم. 
نخلص مما سبق أن خالد جلال لديه ملكة حسن توظيف كل ممثل فى مكانه الصحيح، كما أن لديه القدرة على تلميع واظهار مواهب وقدرات جميع الممثلين بالعرض المسرحى مهما كانت حجم ومساحة ادوارهم المتفاوتة ما بين الطول والقصر من خلال توجيهاته الحرفية لطريقة آدائهم للشخصية التى يلعبها كل منهم فهم جميعا من خريجى ورشته التى تعتمد على الإبداع الجماعى لا على الممثل الأوحد .
تضمنت المسرحية خمسة اغنيات من كلمات ايمن بهجت قمر الشاعر صاحب الإبداعات الشعرية والدرامية، ابرزها « سيكى ميكى « و« اتنقلنا نقلة «، واغنية الختام « آنستونا «، وكلها أغانى جاءت معبرة بصدق واحساس كبير عن الموقف المسرحى الذى كتبت من اجله وتميل إلى الشكل الاستعراضي فى السجع والوزن، وهذا دوما ما يتميز به قمر عن غيره من شعراء جيله، واستطاع عمرو مصطفى أن يبث الروح فى تلك الأشعار بألحانه البديعة والمبهجة ليترجمها إلى شكل غنائى استعراضي مبهر من تصميم خديجة العركان التى أجادت التعبير عن كل حالة مسرحية من خلال الحركات الراقصة التى جاءت متوافقة ومتماشية تماما مع اللحن الموسيقى، لتتألق من خلالها دنيا سمير غانم وتفاجئ جمهورها بمدى ما تمتلكه من مواهب إضافية بجانب التمثيل من صوت غنائى عذب وأذن موسيقية ومرونة وذكاء حركى بالغ فى الاستجابة لتعليمات وتدريبات عمرو مصطفى والعركان اللذان اضفوا بألحانهم واستعراضاتهم متعة سمعية وبصرية وشكل جمالى للعرض المسرحى الغنائى الاستعراضي .. «آنستونا» .
لم يكن للشكل الجمالى أن يكتمل بدون أناقة الأزياء فى الاستعراضات بألوانها المبهرة والتى لم يكن اختيار مروة عودة لها مصادفة، انما جاءت الوان كل مشهد استعراضي لتعبر عن الحالة الخاصة به والموقف المسرحى، خاصة أزياء وأكسسوارت كل من شخصيتى « كاميليا» و«زلابيا» والتى تلعبهم ممثلة واحدة، فكان يجب هنا أن يتضح الفارق الكبير بينهما فى كل شئ بدءا من الطبقة الاجتماعية لكلا منهم نهاية إلى ثقافتهم ومستوى تعليمهم، كل هذه أمور لم تغفلها مروة عودة فى تصميماتها لملابس كل شخصية، فوجدنا فساتين كاميليا اغلبها باللون الأبيض وتتصف بالطابع الكلاسيكى القديم، الذى يرمز إلى الفن الراقى، وعلى النقيض وجدنا ملابس زلابيا عبارة عن ملابس عصرية تتصف بالعشوائية ومكونة من خليط من الألوان غير المتناسقة مع بعضها البعض دلالة على الذوق الهابط الذى يعانى منه الفن هذه الأيام، وحقيقة قد تفوقت عودة على نفسها فى هذا العرض المسرحى وكانت على قدر المسئولية نظرا لما تتطلبه هذه النوعية من العروض الغنائية الاستعراضية من صعوبة ودقة لا متناهية، ليحسب لها كمصممة أزياء شابة مواصلة مسيرتها الناجحة فى القطاع الخاص كما نجحت من قبل فى مسرح الدولة . 
الديكور لعمرو عبد الله جاء واقعيا باستثناء بعض المشاهد الخاصة التى تطلبت بعض الموتيفات الخاصة بالخدع المسرحية والاستعراضية، فوجدنا المسرح القديم المتهالك الذى تسكنه روح كاميليا معبرا بصدق عما وصل له اليوم حال المسرح والفن عموما من إهمال وتراجع فنى، بالمقارنة بالزمن الماضى الذى ندعوه دوما بالزمن الجميل، وعلى النقيض وجدنا فيلا المايسترو الأنيقة الفاخرة والمرتبة والمنظمة والتى قام بإستضافة زلابيا واهل منطقتها بها لتدريبها على اصول الفن الحقيقى القائم على الدراسة مع الموهبة بعد أن قام بانتشالها من بيئتها غير المناسبة لأى ابداع، والفيلا هنا بكل مكوناتها ترمز إلى عالم الفن الراقى الذى ينبغى أن ترعى فيه كل المواهب وإعادة تأهيلها من جديد، من اجل أن يسود الفن الجيد كل مجتمعنا حتى يقضى فى المقابل على اى فن ردئ، وحقيقة ابدع عمرو عبد الله فى تصميمه لديكور العرض المسرحى فى لغة الرموز لتناسب فكر ورسالة مخرج العرض المسرحى، وهو من قام بنفسه أيضا بتصميم الإضاءة الخاصة بالعرض والتى اعتمدت على الألوان الساطعة والمبهجة والمصدرة لتفاؤل المتلقى كناية عن ما يجب أن يكون عليه من ذوق فنى عالى، وحتى تلائم أيضا طابع العرض بصفته مسرح غنائى استعراضى قائم على المتعة والإبهار . 
إذن يبقى هنا السؤال أخيرا ؟ هل بالفعل قدم خالد جلال اى جديد لمسرح القطاع الخاص عن سابقيه ؟
حتما ولابد ستكون الإجابة هنا نعم بشكل قاطع قدم خالد جلال كل جديد وإضافة لمسرح القطاع الخاص، فها نحن نشاهد لأول مرة بعد عقود طويلة مسرح قطاع خاص لا ينتمى إلى مسرح النجم الأوحد الذى يخدم عليه الجميع، بل وجدنا النقيض فى العرض المسرحى «آنستونا» عندما وجدنا دنيا سمير غانم هى من تقوم بالتخديم على كل من حولها من ممثلين من اجل منحهم الفرص وإظهار مواهبهم، فكان كل من بالعرض نجوم بداية من اصغر لأكبر دور، وكلهم نجحوا فى رسم البسمة على جمهور المتلقى، لدرجة أنك لن تستطيع أن تزكى احدهم عن الآخر، وذاك هو المسرح الجماعى الذى يعتمد على الفعل ورد الفعل، كما استطاع خالد جلال أن يعيد أمجاد نيللى وشيريهان ويقدم امتدادا جديدا لهما فى عالم الاستعراضات من خلال شخص دنيا سمير غانم التى برع فى إعادة اكتشافها من جديد وقدمها فى لون استعراضى غنائى مختلف عما يعرفه الجمهور عنها من قبل، لينجح المخرج فى خدمة الفن الغنائى الاستعراضي بتقديمه لهم نجمة جديدة فى مجال الاستعراضات لا تقل موهبة عن سابقيها ولكن بشخصيتها وروحها وبصمتها المتفردة والمختلفة، كما رأينا بالعرض المسرحى مجموعة من الخدع المسرحية المبهرة ابتكرها خالد جلال لتضيف متعة للمتلقى، كانت اشهرها تلك الخدعة التى رأينا فيها صورة الجدة الراحلة «كاميليا» المعلقة ببهو الفيلا، وهى تشارك حفيدتها «زلابية» الاستعراض الغنائى وتحثها فيه على النجاح والإصرار والجدية من اجل أن تخلف مسيرتها وتصبح اشهر نجمة استعراضية وامتدادا لها، لتحافظ على قيم هذا الفن الراقى وتحمل على عاتقها مسئولية الحفاظ عليه وحمايته من الفساد والاندثار فى لوحة غنائية استعراضية بديعة للغاية، كما نجح خالد جلال أيضا فى تحقيق المعادلة الصعبة من خلال تقديم مسرح قطاع خاص بروح القطاع العام، يوازن فيه ما بين رغبة المنتج فى تحقيق أعلي الإيرادات مع تحقيق المخرج لذاته الإبداعية فى تقديم عرض كوميدى راقى يقدم رسالة سامية للجمهور، فكانت نتيجة تلك الخلطة أن وجدنا عرض «آنستونا» الذى قدم لجمهوره الضحك المتواصل من خلال كوميديا الموقف الراقية لا كوميديا الإفيهات الخارجة عن قضية العرض، مع الأغانى والاستعراضات البديعة مع الرسالة السامية التى يطهر بها العرض المسرحى جمهوره بعد نهايته، ليجعلهم خارجين منه وهم محملين بطاقة ايجابية ابداعية كبيرة، رافضين من خلالها اى فن ردئ مبتذل أو مسئ يقدم لهم إسفافا يضر بمجتمعنا المصرى، وعازمين على تشجيع والإقبال على أي فن راقى حقيقي يقدم لهم قيم ومبادئ ورسالات سامية لكل من يشاهده، وأصحاب الرسالات يعيشون ويخلدون .


أشرف فؤاد