مسرح التفكير فى كمبوديا

مسرح التفكير فى كمبوديا

العدد 800 صدر بتاريخ 26ديسمبر2022

عادة ما يتصدى المسرح للتعامل مع مشاكل المجتمع. ولا تخرج كمبوديا تلك الدولة الواقعة فى جنوب أسيا عن هذه القاعدة.
تقول الإحصائيات أن واحدة على الأقل من كل خمس سيدات فى كمبوديا تتعرض للعنف المنزلى. ويمكن أن يكون ذلك من جانب شريك حياتها أو من جانب الاب أو الأخ أوالابن أحيانا. وأمام  تفاقم  المشكلة قررت فرقة مسرحية فى مدينة “باتامبانج” كبرى مدن الشمال الغربى  انتاج عدد من المسرحيات التى تناقش المشكلة. وهذه الفرقة اسمها “لاخون كومنيت” أو “مسرح التفكير”. وأسسها مجموعة من الفنانين الخمير المحترفين والهواة وانصاف الهواة الذين مروا فى حياتهم بهذه التجربة أو اطلعوا على تجارب من هذا القبيل.
والمشكلة ليست بالجديدة بل هى مشكلة أصيلة فى كمبوديا أو كمبوتشيا كما يقول اسمها  الرسمى باللغة الكمبودية والتى حولتها فرنسا فى سنوات الاحتلال إلى كمبوديا.
 الجديد أنها المرة الأولى التى تناقش فيها القضية عبر المسرح أو أي قناة درامية أخرى. بل أنها كانت تناقش على استحياء فى الصحف والبرامج التليفزيونية والإذاعية.
 ولا تكتفى الفرقة بعمل واحد فى العام  بل تقدم عدة أعمال. وهذا ما حدث على مدى 2022 عدة مسرحيات تناقش المشكلة من رؤى وزوايا مختلفة. وتعتمد المسرحيات على تجارب وحالات معاناة حقيقية. وتكون المسرحية قصيرة يتراوح زمنها بين نصف ساعة إلى ساعة.  

للنساء فقط
وحتى يصبح العمل المسرحى مقنعا فانه يتم اختيار طاقم التمثيل من النساء صاحبات المشاكل لتجسيد الشخصيات النسائية والرجالية على حد سواء.  
مثال ذلك “شيندا” تلك السيدة البسيطة التى تقضى نهارها فى قريتها الواقعة فى ضواحى  المدينة حيث تعمل فى جمع خردة المعادن والعناية بأطفالها السبعة نهارا.
وليلا تضع شيندا (42 سنة) شاربا مستعارا وترتدى ملابس رجالية وتتوجه إلى مسرح مؤقت قريب منها – اقرب إلى الخيمة الكبيرة ويحتوى على كراسى بلاستيك - تابعا للفرقة لتلعب دور زوج سكير ينهر زوجته دائما ويسيئ معاملتها إلى حد أن يهددها بالقتل لأنها تطالبه بالتوقف عن شرب الخمر.
وهذه الشخصية التى تجسدها شيندا تعكس تجربتها الشخصية حيث عانت على أيدي زوجها من العنف الجسدى والنفسى على مدى عدة أعوام حتى انتهى به الأمر إلى سجن  لعلاج الإدمان حسب قوانين كمبوديا ولا يعرف  متى سيخرج.
وحسبما يظهر فى المسرحية فان المشكلة لا تتوقف عند العنف البدنى والنفسى بل يمتد إلى شائعات مسيئة تنتشر بين الجيران والسلبية الكاملة من جانب السلطات. وهى فى الحقيقة قصة مألوفة  تتكرر كثيرا فى كمبوديا.

دعوى للتفكير
ويقول أحد مؤسسى الفرقة انهم يقدمون هذه الأعمال كدعوة للتفكير واثارة المناقشات من اجل الوصول إلى حل مجتمعى للمشكلة خاصة أن المشكلة تبدأ من البيت وتنتهى إليه. وهى لاتقتصر على كمبوديا وحدها بل تمتد إلى دول أسيوية أخرى مجاورة وغير مجاورة منها تايلند المجاورة.
وتقول شيندا أنها عانت كثيرا من العنف فى أسرتها ولم تكن الحالة الوحيدة فيها ولم تكن تتحدث عنه. وجاءت المبادرة من فرقة «لاخون كومنيت» لتتيح لها أن تطلع الآخرين على معاناتها وتقول لهم أن هناك مشكلة ليفكروا معها فى البحث عن حل.  
وتؤمن على قولها الممثلة «نوف سيريليب» إحدى الفنانات المؤسسات للفرقة وهى منتجة ومخرجة العرض الذى تقدمه شيندا أنها أيضا عانت من العنف ضد المرأة فى أسرتها حتى  تبلدت مشاعرها وأصبحت «مغلقة» عاطفيا إلى أن وصلت إلى مرحلة الشباب واشتغلت بالتمثيل. وعندما تزوجت عانت من العنف البدنى على أيدى زوجها رغم إنجابها ثلاثة أطفال. وهى تهدف من وراء هذه التجربة إلى دعوة المرأة الكمبودية للاستفادة من المسرح للتفكير  فى أوضاعها وأحوالها وأن تفهم الحياة بشكل افضل. وتقول أنها لن تقصر اهتمامها على العنف ضد المرأة بل سوف تمد نشاطها إلى الفئات المظلومة مثل المعاقين. وسوف تسند اليها ادوارا رئيسية فى عروضها مستقبلا.
بالفطرة
والمعروف أن كمبوديا كانت تضم صناعة مسرح مزدهرة بفضل اهتمام ملكها السابق سيهانوك (1922- 2012 )الذى كان يكتب ويخرج ويمثل بعض الاعمال الدرامية بنفسه. وهناك من يقول أن ابناء كمبوديا ممثلون بالفطرة . ودمر الخمير الحمر هذه الصناعة عندما استولوا على الحكم فى سبعينيات القرن الماضى. واقتصر النشاط المسرحى على  بعض الأشكال البسيطة مثل مسرح العرائس وخيال الظل والرقصات المحلية.
وحتى الأن لا يزال المسرح فى حاجة إلى دفعة قوية كما تقول سيرليب. فهى لا تعتمد على المسرح وحده فى اعالة ابنائها الثلاثة  بعد انفصالها عن زوجها بل تعمل نهارا بائعة فى محل. وهى لا تجد عيبا فى دعوة ابنائها لمشاهدة مسرحياتها سواء كانت من اخراجها أو تشارك بالتمثيل فيها. وفى ذلك تقول ...لا أريد أن تكون حياتى كما كانت من قبل ....أريد أن تتغير حياتى. والمسرح يمنحنى قوة كافية لأفتح فمى وأقول ما أريد.
وتتذكر وهى تضحك أنها فى معظم ليالى العرض كان المتفرجون يصفقون بحرارة فى نهاية العرض ويطالبون باعادته. وفى معظم الاحوال كان الممثلون يلبون طلبهم.
وكان بعضهم يطالب بان يقوم بتشخيص بعض الشخصيات فى العرض ليتصرف على نحو أخر .وفى بعض الاحيان كان يسمح لهم بذلك. واحيانا كانوا يكتفون بالمطالبة  بان يتصرف الممثل الذى يجسد الشخصية على نحو اخر.  وربما كانوا يفعلون ذلك أثناء العرض الأصلي. وحدث مرة أن طلبت سيدة عجوز تجسيد شخصية الجارة الفضولية  فى المسرحية بعد انتهاء العرض. وفى الإعادة حولت الجارة التى يبدو أنها صاحبة موهبة مسرحية الشخصية إلى جارة قامت بدور إيجابي فى مواجهة مشكلة جارتها.

المسرح وسيلة إسرائيلية لصرف الأنظار
مهزلة ادولفو مجرد مثال
تسعى اسرائيل دائما إلى اتباع سياسة الإلهاء لصرف النظر عن جرائمها المستمرة فى حق الشعب  الفلسطينى. ولايخرج المسرح عن هذه القاعدة.
وهذا ما اتضح من الأزمة التى اثارتها الصحف البريطانية الخاضعة للنفوذ اليهودى فى الأيام الأخيرة بعد أن بدأت الأصوات ترتفع فى بريطانيا وتوجه النقد إلى إسرائيل بسبب جرائمها فى حق شعب فلسطين.
تتحدث الصحف عن مسرحية “ادولفو” وهى مسرحية تعليمية من مسرحيات الشخص الواحد  عرضت فى مدرسة ميلفيلد وهى واحدة من ارقى واغلى المدارس فى بريطانيا تصل الرسوم فيها إلى 45 ألف جنيه سنويا. وكانت المسرحية تعرض مجاملة لتلاميذها من اليهود بمناسبة عيد كيبور –الذى مر عليه اكثر من ثلاثة اشهر  – وكانت تهدف إلى تحذير التلاميذ من أخطار النازية من خلال استعراض سيرة حياة  هتلر !!!!.
وحسبما تقول أحداها وهى الديلى ميل كانت المسرحية من بطولة الممثل والكاتب المسرحى البريطانى بيب اتون (71 سنة) وهو   ممن احترفوا ركوب الموجة من أجل ارضاء اليهود للوصول إلى  الانتشار. ويجسد اتون شخصية هتلر خاصة انه باستخدام بعض الماكياج يشبهه إلى حد كبير.

سيج هيل
وكانت المأساة كما تقول الصحف البريطانية أن فوجئ الحاضرون ببعض تلاميذ المدرسة يؤدون التحية النازية الشهيرة المعروفة باسم «سيج هيل» أو «هاى هتلر» لهذا الممثل لدى دخوله المسرح وهو يرتدى بدلة بنية مرسوما عليها صليب نازى كبير.
  قامت الدنيا ولم تقعد خاصة بعد أن تمكن مصورون من التقاط صورة لهذا المشهد رغم أن احدى الصحف وهى الديلى اكسبريس كتبت تقول أن هؤلاء التلاميذ كانوا فى حوالى السادسة من العمر أو اكثر قليلا وكانوا يضحكون. ولكن الدعاية اليهودية كان لها رأى أخر.
وافسحت الصحف صفحاتها لأولياء الأمور خاصة من اليهود - للتعبير عن استيائهم من تلك «الجريمة». وها هو أحدهم يقول أنه أصيب بصدمة لان ذلك حدث عشية يوم كيبور. واتهم ادارة المدرسة بالاهمال!!!.
ولاضافة مزيد من التوابل هاجم ولى امر غير يهودى المدرسة لانها قدمت هذا العرض عشية واحد من اقدس الاعياد اليهودية !!!. ودعا زملاء ابنه إلى حذف اى لقطات يمكن أن يكونوا قد التقطوها لهذا المشهد بهواتفهم المحمولة. ودعا مسئولى المدرسة إلى تقديم اعتذار رسمى!!!.


ترجمة هشام عبد الرءوف