ليس بالضرورة أن يكون المدير فنانا ولكن الوعي بالعملية الفنية ضروري

ليس بالضرورة أن يكون المدير فنانا ولكن الوعي بالعملية الفنية ضروري

العدد 798 صدر بتاريخ 12ديسمبر2022

الإدارة بشكل عام لها دور أساسي في إنضاج عملية الإنتاج وجودتها، والمسرح والعمل الفني عامًة يحتاج إلى إدارة خاصة تستطيع أن تتعامل مع عناصره الفنية، وهنا علينا أن نطرح العديد من الأسئلة، ما الكيفية التي يجب أن تدار بها المؤسسات المسرحية والفنية؟، هل من يديرها لابد أن يكون إداريا  أم فنانا أم الاثنين معًا؟ ما هي الصفات التي يجب أن تتوفر فيه.. «مسرحنا» طرحت هذه الأسئلة على عدد من مديري المسارح والمؤسسات المسرحية والفنية، ليُجيبونا على ما سبق.

قال د. عادل عبده رئيس الإدارة المركزية للبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية: نحن حققنا أعلى إيرادات على مستوى قطاعات الوزارة، والحمد الله حققنا طفرة على مستوى الأطفال و على مستوى الغنائي والاستعراضي، والبيت الفني للفنون الشعبية يُحيي ذكرى رموزنا وقد قدمنا  عرض سيرة حب عن بليغ حمدي، وسيد درويش وألمظ وسي عبده وزقاق المدق، والآن نستعد لتقديم شفيقة المصرية وسلامة حجازى، وقدمنا أيضًا عرض «أليس في بلاد العجائب»، الذي حقق أعلى إيرادات في تاريخ المسرح المصري، والسندباد، وعلى بابا والأربعين حرامي، الذي مثّل مصر في أكثر من دولة عربية، بالإضافة إلى فرقة رضا والقومية الناجحتين جدًا، وهما تحققان أعلى إيرادات مسرح البالون، إلى جانب السرك القومي الذي يقدم حفلات صباحية ومسائية، وهناك سيرك جمصة وفرقة محمد عبد الوهاب وأنغام الشباب، ولدينا عرض عاشق ومداح الذي يتحدث عن إنجازات سيادة الرئيس خلال السنوات السابقة، وعرض اشهد يا زمان تأليف وأشعار مصطفى الضمراني وألحان على سعد وبطولة أحمد الكحلاوي وطارق الدسوقي وحنان شوقي وسيكون أيضًا عن الإنجازات التي حدثت في مصر خلال الثمان سنوات الماضية بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، الحمد الله البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية حقق طفرة كبيرة، بالإضافة لسيرك العجوزة الذي افتتحته د. نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة، وقدمنا فيه تطويرا لم يحدث من الستينيّات، وقمنا بتغييرات كثيرة تفيد أمن السيرك وراحة العاملين.
وأضاف «عبده»: نحن القوة الناعمة الحقيقية، وقريبًا سيتم افتتاح مسرح وسيرك مايو، أهم مركز ثقافي فني على مستوى الثقافة المصرية، وافتتاح مسرح وسينما وسيرك ومدرسة سيرك للموهوبين لتنمية السيرك والقومي، وتغذيته ببراعم جديدة، وسوف نخدم ما يقرب من 20 مليون نسمة، ليس لديهم في منطقة حلوان والتبين وما حولهم، أي متنفس ثقافي وفني، ونحن دائمًا نحاول أن نطور من إيراداتنا، ونسير على توجيهات معالي وزيرة الثقافة.
وتابع «عبده»: إدارة المؤسسات الفنية، لا تعتمد فقط على الإدارة ، وإنما الإدارة والفن معًا، يجب أن يكون لديه حنكة وخبرة في التعامل مع الفنانين ومع الإداريين، وأن يعمل بروح الجماعة، واختيار العروض المتميزة التي تواكب الفرقة أو الجهة أو المؤسسة الفنية المسؤول عن إدارتها، ولا يقدم أشياء بعيدة عن الطبيعة الفنية للمؤسسة التي يديرها، فعلى سبيل المثال البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، يقدم عروضا فنية واستعراضية، وهذا يتناسب مع هويته.
 
محمد جابر: حينما يكون فنانا فإن ذلك  يكون أفضل
وقال مصمم الديكور محمد جابر مدير عام إدارة المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة: عندما يكون المسؤول عن المؤسسات الفنية والمسرحية فنانا، هذا يكون افضل بكثير، حيث يلمس عناصر العمل الفني، و سيكون لديه تصور مختلف، لأنه داخل النسيج الفني والعملية الفنية، فهو ليس إداريا فقط، إنما يلمس العناصر الفنية في العمل المسرحي، واحتياجاته الحقيقية على أرض الواقع، وليس من خلال تعامل إداري بحت، فعندما يتعامل بمنطق أنه فنان يدير، هذا ينعكس على الإدارة ورؤيته وفهمه لما يديره، والدليل على ذلك عندما اتعامل مع الإدارة المركزية للشؤون الفنية، بقيادة الفنان أحمد الشافعي، أو مع رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لقصور الثقافة المخرج الفنان هشام عطوة، أشعر بإلمامهما بالموضوع ، لأن لديهما رؤية فنية، ويدركان عناصر العمل الفني، فعند مناقشتهما يكون التعامل معهما أكثر سهولة وراحة، لأنهما على وعي بما يُديرونه فنيًّا وإداريًّا.
وأضاف «جابر»: إدارة المؤسسات تحتاج إلى الوعي بماهية المؤسسة الفنية ومعرفة أهدافها،  فمسرح الثقافة الجماهيرية يهدف إلى نشر الوعي والثقافة وتحقيق مبدأ العدالة الثقافية، من خلال إنتاج أعمال مسرحية في أنحاء الجمهورية، من نوادي مسرح وتجارب وفرق أقاليم، بالإضافة إلى الورش الفنية، من أجل تفريغ طاقات الشباب واستيعاب موهبتهم، وأيضًا تعزيز روح الانتماء لديهم، ويجب على من يدير أن يكون على علم بالإجراءات الخاصة بالإنتاج الفني (آليات الإنتاج).
وتابع «جابر»: لا اعترف أن هناك ما يسمى بالسلبيات من وجهة نظري، أراها تحديات طبيعية، فالحياة مليئة بالتحديات، وليست مرتبطة بالإنتاج الفني فقط، وعلينا أن نتغلب على هذه التحديات، وتعزيز الإيجابيات، الاستسلام للسلبيات هو في حد ذاته سلبية، كما يجب على من يقرر أن يعمل في العمل العام، أن يعلم أنه لن يعمل لصالح نفسه ولكنه سيعمل أولًا لصالح إنجاح المؤسسة التابع لها وأيضًا لصالح المتعاملين معها من فنانين بمختلف عناصرهم، فهم شركاء في إسعاد الجمهور، وهذا هو الهدف الأعلى، من أجل تحقيق مبدأ العدالة الثقافية، ويجب أن يكون المسئول صبورًا ومستمعا جيدا ومتطورا دائمًا ومطلعا على أساليب التدريب والمهارات الحديثة في الفن والإدارة.

سامح مجاهد : الفنان يدرك كل ما يتعلق بالعملية الفنية
فيما قال المخرج والفنان سامح مجاهد مدير فرقة مسرح الغد: من يدير فرقة أو مؤسسة مسرحية يجب أن يكون فنانا في المقام الأول، لأنه يتعامل مع جميع عناصر العرض المسرحي من ديكور وموسيقى ونص وممثلين ومخرج ومساعدي إخراج إلى آخره،  وأن يكون لديه قدر كبير من الثقافة والمعرفة، ويجب أن يكون مُلما بقدر كبير من الأمور الإدارية والمالية واللوائح المنظمة للعملية الإنتاجية بشكل عام، حيث  يُعرض عليه ميزانيات إنتاجية، فيجب أن يكون لدية رؤية ومعرفة بكيفية تيسير هذه الأعمال، ويجب أن يكون متواصلا جدًا وعلى وعي بالأمور والمشكلات المجتمعية والسياسية، لأن هذا بالتأكيد يؤثر على اختياراته فيما بعد للأعمال، فيجب أن تكون اختياراته مناسبة للفترة الزمنية والسياسية والاجتماعية، لأننا لا نعمل بشكل منفصل، وهذا ينعكس على إقبال الجمهور، وجذب المتلقي بشكل أفضل، ويجب أن يكون من يدير مطلعا على كل ما هو جديد في العملية المسرحية، هناك الإنترنت، وهناك أبحاث منشورة أو مسرحيات مترجمة، وتجارب وأشكال مسرحية جديدة تؤثر على اختيارات مدير المسرح أو المؤسسة المسرحية.
وتابع «مجاهد»: يجب أن يكون مدركا لهوية المسرح الذي يديره، فهوية المسرح الكوميدي لها طبيعة خاصة غير القومي والحديث والطليعة والغد والشباب والعرائس والقومي للطفل، ذلك  حتى لا يحدث تضارب بينه وبين فرق أخرى، يجب أن يعمل على هوية مسرحه، وأن لا يكون هناك خلط بين مسرح و آخر، وفي حالة وجود فرقة مسرحية، يجب أن يجلس معها دائمًا ويتعرف على قدراتها الفنية، حتى يقوم باستغلالها بشكل جيد في الأعمال المسرحية، وكذلك يكون على وعي بالموهوبين والمبدعين خارج الفرقة، لأنه من الممكن أن يستقطب أحدا يفيده في تجربة محددة، ليس بالضرورة الاعتماد على أعضاء الفرقة المسرحية فقط.
وأضاف «مجاهد»: كذلك  أن يكون مطلعا على القوانين واللوائح في العمل المالي والإداري، أن يطلع على تاريخ الفرقة  وفترات ازدهارها، وسبب هذا الازدهار؟ ليضع أفكارا تصلح للتنفيذ.

محمود فؤاد: فكر مختلف
كذلك قال مصمم الديكور د. محمود فؤاد صدقي مدير مسرح نهاد صليحة بأكاديمية الفنون: د. غادة جبارة رئيس أكاديمية الفنون ترى أن مسرح نهاد صليحة لابد أن يعمل بآلية أخرى وفكر مختلف عن باقي المسارح، فيكون متنفسا للطلبة وأنشطتهم، ويكون أيضًا متنفسا للمستقلين، لا يكون مقتصرا على طلاب الأكاديمية، ويكون له دور في خدمة المجتمع الخارجي، نستقبل شباب الجامعة والمستقلين لتقديم عروضهم الفنية، والمسرحية والموسيقية، الفنون بمختلف أنواعها، وبالفعل تم تجهيز المسرح على هذا الأساس، وقمنا بعمل تجارب تشغيلية، ونبدأ في معرفة الصعوبات والعقبات التي من الممكن أن تُقابلنا في جانب التشغيل وهيكلة المسرح، ونضع لوائح تنظيمية للمسرح، وطالما الإدارة ترى ذلك، فسنجد دائمًا دفعات قوية، المسرح بدأ يعمل فعليًّا من يونيو الماضي، وبشهادة النقاد والصحفيين والإقبال الجماهيري، أنه من أكثر المسارح نشاطا في مصر، فقد تم استقبال العديد من الفرق المستقلة ومهرجانات مختلفة، منها مهرجانات قصور الثقافة للفرق والنوادي والختامي، واستقبلنا أيضًا مهرجان الميكروتياترو، من تنظيم الأكاديمية، واستقبلنا ايضًا نادي المسرح التجريبي، وقمنا بتنظيم العديد من المسابقات والعروض المسرحية، الهدف كان كيف نقوم بتشغيل الشباب وتحقيق حلمهم على المسرح، كان من الأسهل أن نقوم بورش فنية، ولكننا اخترنا المسار الأصعب.
وأضاف «صدقي»: من يدير يجب أن يكون إداريا متميزا، وليس بالضرورة فنانا، أن يكون قادرا على الإدارة، من الممكن أن يكون متذوقا للفن و لديه قدرة على الإدارة واحتواء الموظفين، وعلى وعي وإدراك بالقوانين واللوائح الإدارية، ومن الممكن أن يقوم بعمل لجنة فنية تختار الأعمال الفنية وتكون تحت إدارته.

عادل الكومي: يكون على علم باستراتيجية المكان  
قال الفنان القدير عادل الكومي مدير المسرح القومي للأطفال: فن الإدارة مختلف تمامًا عن أن يكون الشخص مثلي ممثلا ومخرجا، هذه قضية أخرى، هناك علماء في فن الإدارة قدموا دراسات ومحاضرات وكُتُب، المسألة باختصار أن يكون الشخص الذي يدير على علم باستراتيجية المكان وهويته، ونحن في المسرح القومي للأطفال نهتم بكل ما يخص الطفل، ويجب أن يحتوي المدير فريق عمله وأن يكون قدوة لهم من حيث الإبداع، لأنه إن لم يكن مبدعًا ولا يرغب في التطوير، فسوف يتأثر كل من تحت إدارته بذلك، هذا هو فن الإدارة الذي استخدمه والذي تعلمته، والمسرح القومي للطفل يقدم كل ما يخص الطفل والأسرة وفي النهاية يذهب إلى الطفل، لأنه هو المستقبل، و مهمتنا أن نوفر له التوعية ونُخاطب وجدانه، وهذا هو دورنا الأساسي مع المدرسة والبيت والشارع والسوشيال ميديا، نحن جزء من هذه المنظومة.
وتابع «الكومي»: الأقرب أن يكون مدير المسرح أو المؤسسة الفنية فنانا، عندما يكون هناك ترشيح لمن يتولى مهام الإدارة، يكون ابن مسرح الطليعة للطليعة وابن مسرح السلام للسلام وهكذا، وهذا ما حدث معي، أنا في هذا المسرح منذ 30 عامًا، وهذا ما حدث مع من قبلي من المدراء الأفاضل.

محمود حسن: يجب ان تكون له صلاحيات حقيقية أولا
  فيما قال المخرج والفنان محمود حسن مدير المسرح القومي للأطفال سابقًا: المسرح يحتاج لأن يتحرر، حرروا الفرق المسرحية، يجب أن يستقل كل مدير فرقة بفرقته ويكون له ميزانية خاصة، ثم يتم محاسبته إن تجاوز، ولكن أن يكون المدير رجلا يُنفذ أوامر إدارية لقيادات تُديره،  ولا يكون له كلمة أو طموح داخل فرقته، كيف يُحاسب المدير وتظهر الإدارة الناجحة من عدمها إن لم يكن للمدير صلاحيات حقيقية؟، رئيس البيت الفني للمسرح يضع استراتيجية للمسارح في بداية السنة، وكل مسرح ماذا سوف يقدم؟، بعد ذلك يجب أن يكون مدير المسرح مسؤولا مسؤولية كاملة عن مسرحه وإدارته، فكرة أن يتعدى موظف اللوائح والقوانين ويتعدى مديره المباشر، فكرة يجب أن تطبق بشكل حاسم وحازم، لأن في حالة الاستهانة بها، سوف تجعل مدير المسرح اسمًا فقط، دون أن يكون قادرًا على التنفيذ الحقيقي.

أحمد العطار : الخلفية الفنية ضرورة
وختامًا قال المخرج المسرحي الفنان أحمد العطار مدير مسرح روابط: إدارة المؤسسات الثقافية مثل أي إدارة، الفرق أن المدير هنا  يجب أن يكون لديه خلفية بالوضع الثقافي وبالوسط الفني، وبطبيعة العمل الفني، يكون لديه علم بنوع الفن الذي يقدمه المسرح أو المؤسسة الفنية التي يديرها، أو بالفنون بشكل عام، ويفضل أن يكون إداريا فقط، حالات نادرة التي نجد فيها  أن فنانا يدير بشكل جيد، أغلب الفنانين لا يديرون بشكل جيد، وعن تجربتي فلقد درست الإخراج المسرحي والإدارة الثقافية في فرنسا، والإدارة لها علاقة بالقابلية وقدرة المدير على التحلي بملكات الإدارة، وأغلب الفنانين لا يديرون بشكل جيد، لأن العقل البشري مُقسّم جزئين : عملي وفني، الفنانون بشكل عام يستخدمون عقولهم في الجزء الفني والخيال وما شابه، ولا يكون لديهم قابلية لتشغيل الجزء العملي.
وأضاف «العطار»: المنتج الفني ليس له مقياس محدد، على عكس المنتج الاستهلاكي الملموس، الاعتماد على الأسماء والتجارب الناجحة للفنانين، ربما لا تحقق النتيجة المتوقعة، بالتأكيد نحاول أن نسلك السبل الأمثل للنجاح، ولكن ليس هناك مقياس مؤكد تستطيع أن تبني عليه حتميّة نجاح التجربة المسرحية أو الفنية.
وتابع «العطار»: تجربة إدارتي لمسرح روابط كانت في سبتمبر 2021، بعد فتحه من جديد، التجربة أعتقد أنها نجحت، لأنها استطاعت أن تستقطب وتستهدف جمهورا مختلفا، فكرة العائد المادي من التذاكر لم تكن في روابط من قبل وكانت بنسبة محدودة جدًا، المكان أصبح يستقبل الجمهور بصورة أفضل، من حيث الإمكانيات التقنية ومن حيث الجمهور، العناصر الإدارية والفنية عندما يكونوا جميعًا على قلب رجل واحد، ويعملون بروح الجماعة، بالتأكيد التجربة سوف تنجح، وتحقق هدفها ورسالتها.


إيناس العيسوي