بيتر بروك ومسرحية مؤتمر الطيور

بيتر بروك ومسرحية مؤتمر الطيور

العدد 794 صدر بتاريخ 14نوفمبر2022

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن مطبوعات مهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى فى دورته الأخيرة (التاسعة والعشرون) صدرت ترجمة لمسرحية «مؤتمر الطيور» التى أعدها الكاتب والمخرج الإنجليزى / العالمى الأشهر «بيتر بروك» الذى غادر عالمنا فى شهر يونيو الماضى 2022 وقد شاركه الإعداد الفرنسى «جان كلود كاريير» والتى  ترجمها الكاتب المسرحى والناقد الكبير «عبدالغنى داوود» عن النسخة الإنجليزية الأولى المنشورة فى العشرين من يناير عام1980 والمسرحية مأخوذة عن كتاب «منطق الطير» الذى كتبه الشاعر الفارسى الصوفى «فريد الدين العطار النيسابورى» الذى عاش مائة وأربعة عشر سنة ما بين 513 إلى 627 هجرية، وكان الرجل يعمل بالعطارة والطب ولكنه هجرهما إلى صومهة الصوفية للمجاهدة والرياضة الروحية، وقد كتب العطار ـ كما جاء بمقدمة الترجمة العربية التى أوردها عبدالغنى داوود ـ تسعة كتب منظومة شعرا كان آخرها «منطق الطير» التى يراها المستشرقون أنها أفضل ما جادت بها قريحته. وفى هذه المنظومة التى ترجمها عن الفارسية إلى الفرنسية «جارسا ندى تاس»، وفى هذه المنظومة يتناول «العطار» قصة إجتماع الطيور، وهى طيور جقيقية لها وجود فى عالمنا الأرضى، أما إله الطير فهو يرمز له باسم «سيمرغ» وهو طائر وهمى لا وجود له على الأرض، إلا أن «العطار» يشير إلى أنه ينتسب لبلاد الصين، ويفسر المستشرق الإيطالى «أنطونيو» بأنه من أصل فارسى خالص، ومعناه فى اللغة البهلوية مرتبط بشجرة الحياة التى تنمو فى مياه بحر «فاركاش» وقيل أيضا أن عش هذا الطائر يوجد على شجرة طيبة وهى تعطى بذورا كثيرة، وأغصانها تنثر بذورا تحيل الأرض خصبة إذا ما وقعت عليها، وأن العطار أراد فى آخر المنظومة أن يسقط شعوره ومعتقداته على هذه الطيور على أن يخص كل طائر بما يوافقه من خصائص وطباع، ويصل أبيات المنظومة إلى 4647 بيت كتبت عام 583 هجرية وتم ترجمتها إلى الفرنسية عام 857 ميلادية، وتبدأ بتجمع الطيور للبحث عن الإله وتنتهى بطريق الطير صوب «السيمرغ» ومثولها فى حضرته ويشير إلى الأودية الست التى مرت بها الطيور فى رحلة بحثها، وهى أودية (العشق، المعرفة، اإستغناء، التوحيد، الحيرة، ثم الفقر والفناء) ونلمح فى نص العطار ملامح المرشد والمريد، والصلة بين الله والإنسان والعالم، وفكرة الشمس والظل، وأن (العالم كنز عليه طلسم  فالكنز فى القاع وما الدنيا إلا طلسم وفى نهاية الطلسم سيتحطم قيد الجسد، وستجد الكنز عندما ينتهى الطلسم أولا، وستظهر الروح عندما ينتهى الجسد أولا، وما الغيب إلا الله سبحانه وتعالى.، وقد أطال «العطار» الحديث فى «منطق الطير» عن العشق، إذ أن العشق هو القوة الخفية التى تدفع السالك على المضى قدما فى الطريق رغبة فى لقاء المحبوب الأزلى، وهو الله سبحانه وتعالى، وقد اعتبر «العطار» وغيره من الصوفية العشق أعلى مكانة من الإيمان، وأن طريق الصوفى غايته الإدراك والإتحاد وأن الطيور فى نهاية المطاف قد أدركت أنها هى «السيمرغ» وأن السيمرغ هو هى فالعطار كان من الداعين إلى (وحدة الشهود) وقد قام كل من «بيتر بروك، جان كلود كاربى» بتناول هذا الكتاب وحولاه إلى قالب درامى ومسرحى متميز، وهذا يجعل عملهما ـ من وجهة نظرنا ـ يقع فى مرتبة الإعداد المسرحى وليس التأليف، وهذا لا يقلل من شأن ما قاما به من عمل... نجد فيه الهدهد يقود مجموعة الطيور (التى تتألف من الصقر والحمامة، الطائر الغريب الأول، الطائر الغريب الثانى، العصفور، مالك الحزين، الفراشة، والحدأة) فى تلك الرحلة ويحاول إقناعهم بها ويشجع من يتقاعس منهم عليها، ويمرون فى رحلتهم تلك على الوديان الست التى فى كل واد منها يتعلمون درسا وكأنهم فى رحلة صوفية شاقة كصوفى فى رحلة الوصول إلى الله والإتحاد به حينما يصلون إليه. ولكن الأهم فى تلك الترجمة ـ بالإضافة إلى الترجمة ذاتها وهى جهد كبير ـ ما أورده المترجم من مقدمة رائعة عن الشاعر الفارسى «فريد الدين العطار النيسابورى» وعن المخرج التجريبى الكبير «بينر بروك، وكذلك الخاتمة وهى تتضمن معلومات هامة لكل من يهتم بتقديم  «مؤتمر الطيور» كما تتضمن أيضا معلومات هامة عن «بيتر بروك» وتجربته العريضة فى المركز الدولى للإبداع المسرحى الذى أنشأه مع آخرين فى باريس، وكان بمثابة مختبر تجريبى  لكثير من أعمال «بروك» المختبرية لا سيما على مسرحية «مؤتمر الطيور» وتجاربه عن تقديمها فى أماكن مختلفة، والتى وصل الأمر إلى أنه كان يقدمها لثلاث مرات فى الليلة الواحدة حيث يبدأ العرض الأول فى الثامنة مساء، والعرض الثانى فى منتصف الليل، بينما يكون العرض الثالث مع الفجر،  ويقول «بيتر بروك» عن تلك التجربة: «لقد مثلت مسرحية المؤتمر دائما تحديا، وذلك لأنها تذهب أبعد من قدرة واستيعاب الإنسان لتخترقها وتتغلغل فيها بشكل كامل، لا يمكن لكائن من كان الإمساك بتلابيبها والقبض عليها أمرا لا ينتهى. لقد استخدمنا فى بداياتنا شذرات وشظايا كقواعد للإرتجال، إذ لم نتمكن بجد من ملامسة القطعة الإبداعية بأثرها.لقد قمنا بعمل ثلاثة عروض لنصوص مختلفة من مسرحية المؤتمر: عرض فى الثامنة مساء وأطلق على ذلك العرض المسرح الخشن، هناك أيضا عرض المؤتمر فى منتصف الليل تحت أضواء الشموع تلك الذى يبدو شديد الحساسية وبالغ الروعة وأطلق عليه المسرح المقدس، وأخيرا عرض الفجر الذى كان طقسيا شعائريا بصورة كلية، تحدثنا بعد الثلاثة عروض وقلت لهم إننا ربما نعيد العمل مرة أخرى وحينها سندمج الثلاثة عروض معا فى عرض واحد» وجدير بالذكر أن الفرقة التى ساهمت فى هذا العمل كانت تتكون من مجموعة من الفنانين من دول مختلفة، ومن ثم ثقافات مختلفة، وهى الفرقة التى تم تكوينها بالمركز الدولى للمسرح فى باريس... وعلى ذلك أصبح المركز بمثابة المركبة بالنسبة لفرقة فنانى المسرح الدوليين للمشاركة والمساهمة فى الإستكشاف ـ عبر الفن ـ المعنى بالعلاقات الإنسانية والعلاقة بين الفنانين وبعضهم البعض وبالنص المقدم والجمهور.. حيث كان يشكل الجمهور دائما مجالا مهما فى تجارب «بروك» حيث ركز بروك وشركائه جهودهم منذ البداية على ما كان يعتبره المشكلة الأساسية التى تواجه المسرح المعاصر : كيفية تحقيق علاقة عميقة معبرة بين الممثل والجمهور تلك العلاقة التى تتمدد وتتسع وتثرى جودة وطبيعة التجربة الإنسانية. وقد أدت فرقة بروك مسرحية المؤتمر فى جميع البيئات المختلفة مرتجلين كلما تقدموا وتعمقوا لم يكن هناك نص مسرحى محدد، فى هذا الوقت كانت المقطوعة قد أصبحت رمزا للإلتزام وكذلك رمزا للصعوبات عبر التجول فى أفريقيا حيث تحولت الرحلة لتصبح ليس مجرد تجربة فى المسرح لكن فى الحياة كمشاركة كلية لدرجة جعلت معظم الممثلين وجدوها مستهلكة بصورة كلية.
كما يورد المترجم «عبدالغنى داوود» فى نهاية ترجمته أيضا مقدمة الناقد الكبير :فاروق عبدالقادر» لترجماته لكتب بروك الثلاثة بعنوات «نحو مسرح ضرورى» وهى «المساحة الفارغة، النقطة المتحولة، والباب المفتوح» وعنوانها (فى صحبة بروك المعرفة والخبرة) : ما أطول الرحلات التى قطعها بيتر بروك وفريقه من الممثلين ذى الجنسيات المختلفة والأطوار الثقافية المتباينة، وهم يرتجلون ويقدمون عروضهم فى قلب أفريقيا وعلى أطراف أستراليا، وفى أماكن مختلفة من آسيا وأمريكا، عن هذه التجربة الفنية والثقافية الإنسانية الخصبة تحت عروض تفوق فى أهميتها العروض السابقة «أورجاست ـ من كتاب الزرادشتيين القديم «الأفيستا» 1961، و «الأيك» عن قبيلة أفريقية تعانى الجفاف والمجاعة فى 1975، وإجتماع الطير عن نص الشاعر الفارسى فريد الدين العطار 1999 ثم آخر أعماله ـ ربما أعظمها فى السياق ـالمها بهارتا عن الملحمة الهندية الشهيرة 1987، كما يقول «فاروق عبدالقادر» فى مقدمته لترجمة هذه الكتب الثلاث : «قادنى الإهتمام بالمسرح المصرى إلى بيتر بروك، وأهم ملامح تجربته التى لا تتنازل عن الفن المسرحى من أجل توصيل مضمون معين.. فبيتر بروك فنان مسرح وحين يعبر عن فكرة فمن خلال المسرح، لا أية وسائط أخرى يمكنها أت تنقل الأفكار»
ومهما قلنا عن الكتاب فإن هذا لا يغنى عن ضرورة قراءته لما يحويه ـ بالإضافة لترجمة النص ـ من معلومات هامة عن بيتر بروك، وتجاريبه المسرحية سواء فى مقدمة الترجمة أو ما ألحق بالترجمة من خاتمة لا تقل أهمية عن المقدمة.


أحمد هاشم