« خـطـــــة كـيـوبــيـــد» خطة لتصحيح مسار الكوميديا

« خـطـــــة كـيـوبــيـــد» خطة لتصحيح مسار الكوميديا

العدد 793 صدر بتاريخ 7نوفمبر2022

الكوميديا هى نوع من أنواع التشخيص، بتجسيد شخوص معينة في صور و قوالب مرحة من صنع المفارقات، والمسرحية الكوميدية عموما تبنى على تلك المفارقة بهدف إحداث الشعور بالبهجة أو بالسعادة لدى المتلقى . والكوميديا في السينما أو التليفزيون، تكون بها أحداث مضحكة أو نهاية سعيدة  من خلال حبكة درامية أو النكات التى يقولها الناس لبعضهم البعض أو القصص المضحكة، ويسمى الأشخاص الذين يمثلون الكوميديا بالكوميديين، ويعد وليم شكسبير وموليير من بين المشاهير الذين كتبوا عروضاً كوميدية، أما فى مصر فقد بدأت الكوميديا على يد يعقوب صنوع عام 1870 من خلال تقديمه ما يسمى بالكوميديا الشعبية، و التى تبنت معالجة القضايا الاجتماعية من خلال كاركترات نمطية، حتى ظهور مسرح كلا من نجيب الريحانى وعلى الكسار واختيار كل منهم لكاركتر يميزه «كشكش بيه» للأول و«عثمان عبد الباسط « للثانى من خلال منافسة محتدة بينهما امتدت لعدة سنوات، إلى أن تطورت بعد ذلك شكل الكوميديا حتى وصلنا إلى «مسرح الستينات» حيث العصر الذهبى للكوميديا، وتأسيس «فرقة المسرح الكوميدى» عام 1962 و افراز جيل جديد من الكوميديين أمثال فؤاد المهندس، شويكار، عبد المنعم مدبولى، أمين الهنيدى، محمد عوض، عادل امام، سعيد صالح، ثلاثى اضواء المسرح سمير غانم، جورج سيدهم، الضيف احمد، و غيرهم من رواد الكوميديا فى تلك الحقبة الزمنية الهامة التى ختمت مسيرتها قبل الألفية الجديدة بمسرح محمد صبحى و لينين الرملى ( ستوديو 80 ) و عادل امام ( الفنانين المتحدين )  و قدمت طوال تاريخها مسرحيات كوميدية جماهيرية ناجحة تقوم على الإضحاك من خلال الموقف غير معتمدة على كاركترات مسرحية معينة، و من ثم بنهاية تلك الحقبة و مع تلك الألفية الجديدة وبدأت الكوميديا تمرض رويدا رويدا حتى وصل بها الحال إلى اندثار مسرح القطاع الخاص تماما اللهم الا من بعض العروض على فترات زمنية متباعدة لسمير غانم ومحمد نجم و فى المقابل كان تقديم مسارح الدولة لبعض العروض الكوميدية على استحياء، وذلك مع ظهور الفضائيات المتعددة وانصراف الناس عن المسرح، إلى أن بدأ المسرح يتعافى مع ظهور فرقة مسرح مصر التى أسسها أشرف عبد الباقى وتعاون فيها مع المخرج و المؤلف المسرحى نادر صلاح الدين وقدما سويا مئات من المسرحيات الكوميدية القصيرة المصورة و تم عرضها على احدى القنوات الفضائية بمجموعه من الشباب أختارهم أشرف عبد الباقى بنفسه من خلال مشاهدته لعدة عروض مسرحية على مسارح الدولة المختلفة، و صار العديد منهم نجوم للسينما و التليفزيون الآن، و سواء اختلفت أو اتفقت مع محتوى ما قدمته تلك الفرقة، لكن لا احد يستطيع الإنكار بإنها استطاعت أن تحدث حراك مسرحى و انتعاشة لكوميديا الارتجال مستغلة فى ذلك احد اهم ادوات العصر الا و هى الفضائيات من خلال تصويرها و عرضها بها مما كان له اكبر الأثر فى انتشارها و نجاحها، و لكن بالرغم من النجاح الكبير الذى حققته تلك الفرقة الا انها أثارت جدلا واسعا بين المسرحيين و لم ترضى طموحاتهم و لا احلامهم فى عودة الجمهور الحقيقى للمسرح كما كان فى الستينات حيث الكوميديا القائمة على الموقف لا على الارتجال أو الإفيهات و الكاركترات، و ما بين عدة محاولات للمسرحيين من اجل استعادة ذاك العصر الذهبى للكوميديا بزغ  من وسطهم مخرج شاب يدعى احمد فؤاد، استطاع أن يقترب بعروضه  إلى حد كبير من شكل مسرح الستينات و مبادئه و قوانينه و افكاره، و كانت البداية له مع العرض المسرحى«ديجافو«من إخراجه على مسرح الهناجر، ذاك العرض الذى افرز عن اكتشاف فنانة كوميدية شابة من الطراز الفريد تنتمى عمرا إلى عصرنا الحالى و لكنها تنتمى فنا إلى ذاك الجيل الذهبي الستينى لتذكرنا بشويكار حينما كانت نجمة الكوميديا النسائية  فى ذاك العصر الا و هى الفنانه رحمة احمد التى قامت بدور مربوحة بمسلسل ( الكبير اوى ) بعدما شاهدها نجم و مخرج العمل فى تلك المسرحية لتنال فيما بعد جائزة احسن ممثلة كوميدية بمهرجان الدراما المصرية الأول هذا العام، و من ثم بعد ذلك جاءت تجربة احمد فؤاد الثانية مع الكوميديا من خلال العرض المسرحى موضوع النقد هنا  الا و هو « خطة كيوبيد «، ذاك العرض الذى قام بتأليفه و كتابة الأشعار له عبد الله الشاعر و الذى يتناول فكرة الحب و المخاوف التى تنتاب الحبيبين منه ما قبل وبعد الزواج، فى قالب فانتازى كوميدى من خلال فكرة «كيوبيد» اله الحب و زوجته « هيرا « الذى يقرر أن يعود لممارسة مهامه فى إطلاق سهام العشق بعد أن كان قد قرر اعتزالها بعدما طال به العمر ليعمل مذيعا لبرنامج يتفرغ من خلاله للنصح وحل المشاكل العاطفية، وذلك من اجل مساعدة ابنته بعد اختيارها لشريك حياتها و المشاكل التى دبت بينهما، فيقرر أن يعقد خطة عبارة عن مجموعة اختبارات يمر بها الحبيبين فى قالب فكاهى و يستطيع من خلالها«كيوبيد الأب«الإطمئنان على مستقبل ابنته مع الحب و الزواج و تحملها مع حبيبها للمسئولية مستقبلا بعد أن يتعلما أن الحب مشاركة و مسئولية و ليس مجرد عاطفة فقط، و هى فكرة عصرية و مبتكرة و غير تقليديه تحسب  للكاتب و تحمل رسالة مجتمعية يدور حولها الجدل حاليا فى البرامج و السوشيال ميديا، واستطاع  من خلالها كلا من المخرج و المؤلف توظيفها لخدمة كوميديا الموقف، تلك المدرسة الكوميدية التى ازدهرت فى الستينات و نجح المخرج بالتعاون مع المؤلف فى استحضار روحها، و التى من اهم شروطها الاعتماد على ممثلين لديهم قبول عالى و قدرات خاصة يجيدون من خلالها التمثيل الكوميدى بنفس الدرجة التى يجيدون بها التمثيل التراجيدى، اضافة إلى القدرة على الغناء و الاستعراض، لذا هنا فإن مدرسة كوميديا الموقف نادرا ما تعتمد على الكاركترات، و هذا ما وجدناه بالفعل فى العرض المسرحى«خطة كيوبيد “، حيث احسن المخرج أحمد فؤاد اختيار ابطال العرض الأربعة دون الاعتماد على خفة ظلهم أو حتى مواصفات شكلية معينة لهم كشروط مطلوبة، فقط كان كل تركيزه على جودة تمثيلهم لا غير موقنا أن الكوميديا سوف تتولد وحدها تلقائيا من درجة اتقانهم وصدقهم للموقف التمثيلى، بل أن الكوميديا من الممكن بعثها من خلال  التمثيل بمنتهى الجدية بعيدا عن الآداء الهزلي أو اطلاق النكات، تماما مثلما وجدنا ابطال العرض الأربعة و هم يثيرون ضحك الجمهور بدون أدنى افيهات مبتذلة أو ارتجال لفظى، و لكن كان فقط الموقف الكوميدى الذين يقومون بمعايشته و المكتوب بحرفية  مع اتقانهم التمثيلى فى التعبير عنه هو ما يولد الضحك على المسرح، لذا وجدنا هنا عبد المنعم رياض احد ابطال العرض المسرحى و الذى قام بآداء دور«كيوبيد “، ذاك الممثل البعيد كل البعد عن تصنيفه كوميديان أو كاركتر بل انه يتسم بالوسامة و ملامح الجدية، وجدناه  من اكثر الممثلين بالعرض انتزاعا لضحكات الجمهور أكثر من كبار الكوميديانات ذاتهم، و ذلك نتيجة ذكائه الشديد كممثل واعى بما يفعل، اضافة إلى حرفيته الشديدة  فى كيفية استغلال ملامح وجهه مع لغة الجسد فى آن واحد من اجل اثارة الضحك أو البكاء، و قد سبق لعبد المنعم رياض حصد جائزة المركز الأول فى التمثيل من المهرجان القومى للمسرح المصرى عن عرضه المسرحى«افراح القبة«فى احد الأعوام الماضية، و كان دوره  فيها تراجيدى يتصف بالشر و بعيد كل البعد عن الكوميديا، و احب أن يسجل  قلمى هنا شهادة  للمستقبل فى حق هذا الممثل البارع بإنه سيصبح فى مصاف كبار نجوم التمثيل قريبا فى السينما و التليفزيون و تذكروا ذلك الاسم جيدا، أجادت أمنية حسن تجسيد عدة صور لنماذج مختلفة من الفتيات على مستوى التفكير، و لم يشعر المتلقى بأى تشابه بينهم بالرغم من أن من قام بآداء شخصياتهم جميعا هى ممثلة واحدة، نظرا لما تمتلكه أمنية حسن من مخزون وافر من الإنفعالات و التحولات، هذا إلى جانب امتلاكها لحس مرهف فى الغناء، و مرونة حركية فى الآداء، لذا فهى تعد اكتشاف و مكسب كبير للمسرحية، كما رأينا كريم الحسينى فى ثوبه الجديد فى تلك المسرحية بالرغم من انه ممثل له باع طويل فى التمثيل سواء على مستوى الدراما أو المسرح، و لكن مخرج العرض هنا قدمه بشكل جديد لم يسبق لأحد أن رآه به من قبل، حيث أستطاع الإضحاك من خلال آدائه بمنتهى الجدية مستغلا دوره المكتوب بشكل جيد، اضافة إلى تمتعه بحيوية و مرونة حركية على المسرح، كما اجاد الغناء و التمثيل معا، و استطاع أن يجتاح كل قلوب جمهوره بما يمتلكه من قبول و حضور مسرحى، و اخيرا لم تكن نوال سمير برغم خبراتها الطويلة فى المسرح بنفس القدر من خفة الظل التى وجدنا عليها باقى ابطال المسرحية، و ذلك لكونها مصنفة ممثلة تراجيدية من الطراز الأول  و بعيدة كل البعد عن مدرسة الكوميديا، و لكن بذكاء يحسب للمخرج استطاع أن يستغل تلك النقطة لصالح العرض، و ذلك بتسكينها فى دور الأم  المتسلطة كثيرة المشاكل مع ابنتها بسبب كثرة ضغوطها عليها بنية اسعادها بينما هى فى الحقيقة احد أهم اسباب احباطها، و من أجل أن يأتى الضحك  من خلال تلك الشخصية الدرامتيكية  الصعبة و المركبة و التى تجمع ما بين خطى الكوميديا و التراجيديا فى آن واحد، فهى الممثلة الوحيدة التى كان مطلوبا منها أن تضحك  الجمهور من خلال اظهار حدة طباعها، لذا كان يجب هنا أن يكون آدائها مبالغا فيه ومعتمدا على الصراخ  و النحيب و تكرار الكلمات، مع توظيف ظهورها فى مناطق محددة  من العرض حتى لا يمل الجمهور من الشخصية، و بالتالى نجح  المخرج هنا بخبراته و تعليماته التى نفذتها نوال سمير بشكل احترافى أن يثير ضحك الجمهور من خلال توظيف طريقة آدائها بشكل جيد وصحيح يحسب له نظرا لطبيعتها التراجيدية بالفطرة، كما يعد هذا الدور تجربة  مفيدة  و ناجحة  لها كبداية مبشرة  فى المدرسة الكوميدية .

 


أشرف فؤاد