العدد 793 صدر بتاريخ 7نوفمبر2022
دومنيك شامبين هو مخرج ومؤلف ومنتج مسرح، ولد في كندا عام 1963،أخرج العديد من العروض المسرحية باللغتين الإنجليزية والفرنسية، كما أخرج العديد من عروض سيرك الشمس بكندا والعديد من مسارح لاس فيجاس، وهو يُحاضر في معهد الدراما في كندا والكونسير فيتوار، كما حصل على العديد من الجوائز العالمية في الإخراج والكتابة.
وهو أحد مكرمين الدورة التاسعة والعشرين من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، والتي تحمل اسم المسرحي العالمي الراحل «بيتر بروك»، كان زيارة مصر هو حلم من أحلام المخرج الكندي دومنيك شامبين، والذي تحقق عند تكريمه في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، عن التكريم والـ(ماستر كلاس) الذي قدمه «شامبين» في المهرجان على مدار يومين، واسئلة أخرى، كان لنا معه هذا الحوار.
-حدثنا عن إحساسك عن زيارتك الأولى لمصر، وتكريمك في المهرجان التجريبي؟
سعيد جدًا بهذا التكريم، على الرغم أنني دائمًا اشعر أنني لا استحق هذا التكريم والترحاب الشديد، يراني الناس والمسرحيون مبدعًا ومتميزًا، ولكنني دائمًا أخاف واشعر بالحذر من أن أقع في الغرور، إنه شرف كبير يمنحه لي كل من يُكرمني، وهذا التكريم من البلد التي حلمت أن أزورها، له مكانه خاصة، لقد وعت والدي المهندس المعماري، أننا سنذهب سويًا للتفكير في حل لغز الأهرامات، لقد مات أبي منذ ربع قرن، دون أن يعرف نجاح ابنه، واعتقد أنه كان سيفتخر بي، منذ أن كنت صغيرًا كنت أحلم بزيارة مصر جدًا، والحمد الله هذا الحلم تحقق، شكرًا على كل هذا التقدير والاحترام.
وسط المشغولات والحياة اليومية، كنت أنسى مؤقتًا هذا الحلم، ولكنني قابلت في حياتي أكثر من مصري، وكنت كلما قابلت مصريًّا اتذكر هذا الحلم، ولكن اليوم وأنا أسير في شوارع القاهرة، وجدت الفوضى السحرية الجميلة في شوارعها، هذا الشعب المركب بشكل كبير، الاختلاف بين المصريين واضح جدًا، ولكنهم جميعًا يجتمعون في جمال طباعهم وروحهم الطيبة، وانبهرت بسحر النحت والحضارة الفرعونية.
لقد طلبت أن أُقابل ممثلين وفانين من مصر، لعمل ورشة عمل، أنا سعيد جدًا بهذه التجربة، وهذه التجربة بالتأكيد نتيجتها حصيلة ضخمة من الأفكار، طوال الوقت وأنا في مصر أشعر أنني في حلم ومستمر فيه، وسعدت بشده برفيق الرحلة في مصر د. محمد الشافعي مدير المهرجان التجريبي، والذي كان سببًا لتحقيق حلمي، عندما استطاع أن يتواصل معي ويدعوني للتكريم، الشعب المصري شعب عريق جدًا، وربما الأعرق في العالم على الأرض، ولم أدرك ذلك إلا عندما قمت بزيارة مصر وتعاملت مع شعبها، ولقد تعلمت درسًا هامًا من الحضارة المصرية، الابتسامات الساحرة المتواجدة على وجوه التماثيل، على الرغم من أن الوجه يبدو عابث أو «جد» ولكنني رأيت ابتسامة ساحرة، إلى جانب الابتسامات الساحرة على وجوه الشعب المصري، على الرغم من كل ما مروا به، وهذا درس في كيفية ومدى الهدوء والتحمل والتقبل والاحتواء.
شاهدت عروضًا كثيرة في المهرجان، ربما نسبة كبيرة منها، شاهدتها في البروفات، وأرى أن ذلك تواصل صحي جدًا، هام جدًا أن نرى كيف يُفكر الآخر، ونتعرف على أفكار وطباع جديدة، ولقد حضرت ندوات وقراءات في المهرجان، وأدركت مدى بعدي عن الواقع المسرحي العربي، ولكنني أحببت أن تكون هناك مساحة للمشاركة في ذلك، حتى ولو لوقت قصير.
-هل شاهدت العروض المصرية في المهرجان؟ وما رأيك في ما شاهدته وفي المسرح المصري بشكل عام؟
للأسف لم أشاهد إلا جزءًا من عرض مصري واحد، وللأسف لا اذكر اسمه، وشاهدت أيضًا عرضًا في السرك، للأسف لا استطيع أن أُقيّم المسرح المصري من ما شاهدت، لأن بالتأكيد هناك الكثير لم أراه، لقد تعاملت مع فنانين مصريين ووجدت منهم ترحاب شديد وإبداع، ولكن حتى هذا الاحتكاك كان في مجال ضيق، في ورشة عمل محدودة، وعندما تعاملت معهم بالفعل أدركت أن هناك الكثير من الأشياء المشتركة بين المصريين والكنديين فنيًّا، وكنت اتمنى أن اتواجد في مصر أكثر من ذلك، وأنا مؤمن جدًا بان الفنان له دور هام وفعال في العالم، يجب أن يعطي الفنانين حلولًا وإيجابات عن ما يعيشوه، وجدت في شوارع القاهرة فنًّا وأسلوبًا مختلفًا للحياه، وروح من الأخوه والصدق والحب الخفي داخل قلوب المصريين.
-حدثنا عن الورشة التي كانت بعنوان «من هناك؟ تأملات في هاملت» والتي قدمتها ضمن فاعليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي؟
سوف أحكي لكم قصة صغيرة، تُلخص هذه الورشة، كل مره ندخل المسرح نختبر الظلام، في البداية يكون نور ثم يختفي ويظهر الظلام، ونبدأ كمتفرجين نستعد لكي يُحكى لنا قصة، ونرى سحر المسرح، ونجتمع مع النور، وخلال مدة عرض العرض المسرحي «القصة المُحكاه»، هي من تعطينا معنى للحظة المتواجدين فيها، ونستعد لكي نتشارك، معًا كمتفرجين، وهذه هي الخبرات التي كنت أحاول في الورشة أن نختبرها معًا، نختبر الظلام الذي منه نذهب إلى النور، وهذا هو هدف الـ (ماستر كلاس).
للأسف عامل الوقت مهم جدًا، مدة الورشة قليلة جدًا على ما كنت أرغب في تقديمه، ولكنني حاولت على قدر المستطاع أن أقدم هيكل بسيط، للإجابة على أول جملة في مسرحية هاملت «من هناك؟» وهذا السؤال ينقسم إلى شقين، من أنا؟ ومن أنتم؟ أيها الفنانين المصريين اليوم؟، وهذا ما كنا نطبقه داخل الورشة، فيما يتعلق بالظلام، يجب أن نبحث عن الظلام بداخلنا، المسرح انعكاس لحياتنا، هو حي كحياتنا، مليء بالتفاعل والاسئلة، وأنت كفنان كيف تحلم أن تخرج من الظلام وتذهب إلى النور، ما هو الحلم والإيهام لكي تخرج من هذا الظلام إلى النور، لأنني أرى أن عندما نحكي قصص عن أنفسنا، تكون شبيهة بالمرآة، ويجب أن ندرك أن ما يحدث في المسرح من الممكن أن يحدث في الحقيقة، وهذا واجبنا كفنانين، أن نحكي هذه القصص، ونطور من وعي وتفكير الناس، ونحكي لهم لحظات حقيقية ومؤثرة، على الرغم أن المسرح لعبة تحكي عن حقائق.
لدي ثلاثة أبناء وقريبًا سأكون جد، وهذا ما يقلقني طوال الوقت، لأنني طوال الوقت مهتم ومهموم بمستقبل هذا الكوكب الذي نعيش فيه، وأحاول أن أقدم ما في وسعي بالفن في تطويره وإصلاحه على قدر المستطاع.
لقد طلبت من المشاركين، حتى من لم يكن لهم سابقة أعمال، أن يقوموا بكتابة ما يتم ارتجاله داخل الورشة، وما يتم التدريب عليه، وهذا نوعًا من التجريب، لكي يكون لهم أفضلية أنهم يكتبون ما يقولونه، ولقد طلبت من المشاركين في الورشة أن يكتبون ويتحدثون في الورشة باللغة العربية، على الرغم من أنني عندما أكون متذوق بالشكل الحقيقي والعمق الذي يحدث للكتابة ونحن داخل الورشة، هذا سيكون أصدق، وأنا أراهم مجموعة من الشباب المتحمسين المختلفين (فنانين جدًا) ومنتقين بعناية، وكل المجموعة كانت متميزة، سواء الرجال والنساء منهم، وشعرت في نهاية الورشة أنهم بالفعل فرقة مسرحية، ونستطيع أن نقدم معًا عرض مسرحي بالفعل، وشعرت بتوافق عام مع هذه المجموعة، ولديهم حماس شديد بفكرة أنهم في انتظار أن يجدوا ناتج لما نقدمه داخل الورشة، لديهم حماس الفريق الواحد، لديهم رغبة وشغف طوال الوقت.
ماذا لو كل فرد في هذه المجموعة باختلافاتهم استطاع أن يضيف شيء جديد في هذه التجربة؟، ولقد طلبت منهم بالفعل أن يقوموا بعمل عرض مدته 90 دقيقة، وأخبرتهم أننا بإمكاننا الحفاظ على ذلك وتطويره وأننا من الممكن أن نتقابل بعد ثلاثة أشهر من خلال إحدى المنصات (zoom) ونطور ذلك معًا ونحن نتحدث خلال هذا اللقاء، ونتقابل بعدها بثلاثة أشهر أخرين ونتطور أكثر، وينتج عن ذلك محتوى أفضل.
وجود مسرح في الـ(ماستر كلاس) شيء جيد ودعم حقيقي من القائمين على المهرجان، بالتأكيد كنت احتاج مزيدًا من الوقت، ولكن فكرة الوقت المحدد شيء رائع وفيه إلزام، وإن عكسنا ذلك على العرض المسرحي بالفعل سجد أن هذا ينعكس على الجمهور، والذي يشعر بالسعادة وبطاقة الالتزام النابع من الفريق، وعندما يكون العرض جيدًا مع الالتزام، هذا يجعل الجمهور يتبادل الحديث عن العرض ويخبر الدوائر القريبة منه ثم الأكبر فالأكبر، وهذا ينعكس بالإيجاب بالتأكيد على الإقبال على العرض.
-ما المدة الكافية للـ(ماستر كلاس) حتى تقدم ما كنت ترغب في تقديمه؟.. أو ما المدة الإضافية التي كنت في حاجة إليها في هذه التجربة؟
من وجهة نظري أن الوقت الأفضل أن تزيد مدة الورشة أسبوعًا آخر، وكل يوم زائد يفرق بشكل كبير، ونكتشف خلاله شيء جديد، وقت الورشة الفعلي كان قليل جدًا، ولكنني خلاله استطعت أن اتعرف على الفنانين المشاركين في الورشة، والتحدث عن أساسيات هذه التجربة ولكنني كنت في حاجة لمزيد من الوقت لتقديم المزيد، على سبيل المثال من الممكن أن أُقابل صباحًا شخصان مثلًا ونفكر أن نقدم عرضًا مسرحيًّا مساءً، وبالفعل نقوم بذلك بشكل ارتجالي تام، ومن الممكن أن يكون المنتج جيد، ولكن من البداية بالتأكيد سنكون مدركين أن هناك أفضل، وأن عامل الوقت هو المتحكم في التجربة، لم أكن على علم من البداية أن مدة الورشة يومين فقط، بالتأكيد كنت سأطلب وقتًا أكثر.
-حدثنا عن المسرح في “كندا”؟
حتى لا أكون مُدعي أو مُبالغ، الحقيقة في كندنا لدينا أسرة كبيرة خلّاقة ومبدعة، نحن ما يقرب من 7 مليون شخص يتحدثون الفرنسية داخل كندا، وهناك أخرين يتحدثون الإنجليزية، وحتى يكون هناك استمرارية، يجب أن نظل نبدع ونخلق الجديد، ونرقص ونُغني ونُمثل بشكل مختلف متطور دائمًا، ويجب أن يكون لنا بصمة مميزة، المجتمع المسرحي بشكل عام، أشعر أن هناك اختلافات كثيرة وأفاق مسرحية مختلفة، وحتى الأحجام والأنواع مختلفة، هناك تنوع كبير كمسرح صامت أو جسدي وخلق مسرحيات جديدة بصرية، كل هذه الأفاق المختلفة صنعت حركة مسرحية ضخمة بمشاركة الجمهور.
الكورونا للأسف جعلتنا ندخل في الظلام، المسارح كانت مُظلمة لمدة سنتين، وكان هذا محبط بشدة خاصة للفنانين الشباب، الذين في مقتبل طريقهم، فجأة وجدوا كل الأماكن مغلقة، وبالتالي المسارح، ولا يوجد جمهور.
-ما النصائح التي تقدمها لشباب المسرحيين في بداية طريقهم؟
أهم شيء أن يقولون ما يرغبون أن يقولونه وما يرغبون في فعله، يجب أن يبحثون عن الطريقة المناسبة للتعبير عن ما يرغبون فيه، يجب أن يسمعون إلى أصواتهم الداخلية، ولا يسمعون للأخرين كثيرًا، ويجب أن يصدقون إحساسهم ويتقبلون الخطأ، الأخطاء تُعلّم، والتجارب في حد ذاتها خطوات مهمة لما يحلمون به، ولكن يجب أن لا ينسون خلال هذه التجربة أن الهدف في النهاية أن تحقق نجاح، والجمهور يُشيد بك، فكن حاد وعنيف مع نفسك ولديك انضباط، وكن متواصل ومنفتح على ما حولك.
يجب أن يكون من يرغب في خوض هذه التجربة أو الرحلة الفنية، أن يكون في الأساس لديه الموهبة، هي بالتأكيد وحدها لا تكفي، ولكن بدونها أنصح أن يبحث الشخص عن شيئًا آخر، القراءة والاطلاع عنصران هامان جدًا في تطور فكر الفنان.
نصيحتي للشباب في مصر كونوا أقوى من الهواتف المحمولة، أنتم محبوسون في هذا الكائن المستطيلي، الذي اخترعه شخصًا ما، هو نجح في ما قدمه، ولكن الواقع أن الكل أصبح لا يستطيع أن يستغنى عن تلك الهواتف المحمولة، وحتى في الدول الفقيرة يجب أن يحصل على ذلك، نحن في حاجة لإنقاذ البشرية من هذا، لأن البشرية معناها أن تكون إنسان مازلت حي، لا تموت مع الماكينات، هناك أشياء لا نستطيع أن نختبرها بالهواتف المحمولة، ولكن يمكننا أن نختبرها بعرض حي وخاصة من خلال المسرح.