«الترجمة ودورها في نقل الثقافات والتواصل بين دول العالم»

«الترجمة ودورها في نقل الثقافات والتواصل بين دول العالم»

العدد 792 صدر بتاريخ 31أكتوبر2022

أقام مهرجان القاهرة التجريبي في دورته التاسعة والعشرين برئاسة الدكتور جمال ياقوت يوم الثلاثاء الموافق 6 سبتمبر بالقاعة الشرقية مركز التحرير الثقافي بالجامعة الأميريكية ندوة فكرية مكونة من جلستين لعرض فكرة أهمية الترجمة ودورها في الإرتقاء بالفن والتواصل بين اللغات والثقافات المختلفة. وقد انقسمت الندوة إلي جلستين فكانت الجلسة الأولي تحت عنوان الدراسات المترجمة حيث ناقشت الدراسات المترجمة _والتي قام بنشرها المهرجان_ لكلٍ من: دكتور سعيد كريمي من المغرب، المخرج الدكتور قاسم البياتلي من العراق، دكتور محمد سيف من العراق، الأستاذ أحمد عبد الفتاح من مصر، ويدير الجلسة دكتور خالد سالم من مصر.
أما الجلسة الثانية فاختصت بالنصوص المترجمة لكلٍ من: دكتور خالد سالم، دكتوره دعاء عامر من مصر، دكتوره أسماء يحيي الطاهر من مصر، ودكتور هايل علي المذابي من اليمن، وأدار الجلسة دكتور جمال ياقوت رئيس المهرجان.
وافتتح الحديث مدير الجلسة الدكتور خالد سالم: أود أن اهنئ إدارة المهرجان وأهنئ الفريق الكبير الذي أطلع علي هذه المهمة الشاقة وتلك تهنئة خاصة لأنني عاصرت المهرجان في فتراته الأولي فترات أوج النجاح والانتشار العربي والمحلي والعالمي. حيث كنت همزة وصل بين المهرجان وإسبانيا والبرتغال. وحققنا جزءاً كبيراً من المنشورات والإصدارات المهمة التي لا تزال تعني الكثير لدارسي المسرح في العالم العربي. فالترجمة كما تعلمون هي قاطرة التقدم قاطرة الإطلاع علي الآخر قاطرة معرفة ما لديه وما يمكن أن ننقل عنه وننقل ما لدينا. 
وبدأ المتحدثون من خلال الدكتور قاسم البياتلي حيث تحدث عن حياته وعلاقته بباربا قائلاً: أقدم كتاب مترجم عن اللغة الإيطالية لأستاذي أوجينيو باربا والذي  تعرفت عليه أثناء دراستي بالكلية حيث كنت أدرس في قسم الموسيقي والفن. فأثاء دراستي تعرضت لكتاب عندما قرأته لم اكتفي بقراءته لعشرات المرات وكان هذا الكتاب لباربا لذلك عندما تعرفت عليه قلت لما لا أترجم كتاب باربا الذي سحرني في الكلية إلي لغتنا العربية. والكتاب الذي ترجمته يحمل إسم «دراماتورجيا العرض في أصل مخرج»  والعنوان لم يكن هكذا بل كان «حرق الدار» وفي هذا الكتاب أقف محاوراً مع معلمي باربا وهو يجمع ما بين الشرق والغرب وبين التراث الجمعي العربي الإسلامي وهذا الجمع هو جوهر الترجمة فهي اللقاء بين ثقافتين.
وانتقل الحوار بعد ذلك إلي الدكتور سعيد كريمي من المغرب والذي تحدث عن ترجمته لكتاب المؤلف يوجين يونسكو «المسرح المضاد ملاحظات وملاحظات مضادة» قائلاً: الكتاب لصاحبه يونسكو وهو من أشهر الكتاب الفرنسيين الذين حوسبوا علي ما عرف بمسرح العبث. وهذه التمسية يرفضها يونسكو نفسه ويسميه المسرح المضاد. والذي دفعني للاشتغال علي يونسكو هو أن أرفع اللبس الذي بات منتشراً بشكل كبير بين المهتمين بالمسرح. فقد ظهرت هذه التسمية «العبث» جائت من الصحافة ومن بعض النقاد الذين عاصروا تلك الفترة في الستينيات من القرن الماضي بما معناه أن كتاب مسرح العبث نفسهم لم يسمي أحداً منهم هذا المسرح بالعبث سمي باللا معقول ومسميات عديدة جداً لكن يونسكو ركز علي مصطلح المسرح المضاد لا لشئ وإنما لأنه اعتبره مضاداً للشعرية الأرسطية.
وقام بشرح بعض معانِ ومصطلحات المسرح المضاد وخصائصه ليعرفها أكثر للحضور إلي أن يقرأو أطروحته في المهرجان.
ثم تحدث الأستاذ أحمد عبدالفتاح عن رأيه في الترجمه والتي كانت هي مدخله للمسرح فقال: لقد دخلت إلي المسرح من باب الترجمة، وكرست عملي إلي الترجمة لأنها أثارتني جداً لكونها تجعلني أقرأ دائماً شيئاً جديداً، والتحم مع النص وكأنني أبارزه هل اتمكن من غلبه وترجمته أم أنه سيغلبني. وقد عملت في الترجمة لأكثر من 40 سنة. وأخر ما ترجمته هو كتاب «مسرح السايبورغ» ولقد جذبني لأني وجدت به عدد من الدراسات التي تحدثت عن الدمج بين الممثل الحي والتكنولوجيا وصورته علي الشاشة وتحليل عروض كثيرة استخدمت ذلك التكنيك. وهذا الموضوع من الموضوعات الهامة المطروحة مؤخراً في عالم المسرح والمسرحيين لذا كانت ترجمته بالنسبة لي مهمة شيقة كما أنها تمثل أهمية كبيرة لكل من سيقرأه ممن يهتم بالمسرح الحديث.
ومن ثم جاء الدور إلي الدكتور أحمد سيف الذي تحدث عن عمله بالمسرح قائلاً: أنا في الأصل ممثل ومخرج مسرحي ومجيئي إلي الكتابة كان عن طريق خطأ ارتكبته ذات يوم ولكنه خطأ جميل. لهذا عزمت علي ارتكاب كل ما أجد نفسي عاطلاً علي ممارسته المسرح أو الخشبة لهذا تجد أن حتي النصوص التي قمت بترجمتها كانت متنوعه وتنتمي إلي فن المسرح والممارسة أكثر من أن تنتمي إلي النظرية المسرحية. أما عن كتابي فهو بلا عنوان لأنه عبارة عن عدة دراسات من عدة دول لعدة كتاب يرصدون تجارب مسرحية لعدة عروض تتحدث عن المسرح والوسائطية ولكن دون أن تنسي أن العنصر الأساسي هو الممثل وإن كان المسرح يتجه إلي الرقمنه.
وبدأ الجلسة الثانية دكتور جمال ياقوت رئيس الهرجان والذي أدار الجلسة حيث تحدث عن الترجمة وأهميتها قائلاً: أريد فقط أن أتحدث عن أهمية الترجمة وكيف كانت وكيف أصبحت الآن والتغيرات التي تطرأ عليها لتمكننا من الإطلاع علي ما يحدث بالخارج في مختلف البلدان. فقد بدأت الترجمة منذ رفاعه الطهطاوي وبعثاته التي جعلتنا ننفتح علي الثقافات الآخري. ولكن الآن أصبحت حركة الترجمة تتراجع وأصبحت أقل لذلك يجب أن ندرس أسباب تلك الظاهرة.
ومن ثم انتقل الحديث إلي دكتوره أسماء يحيي عضو لجنة العروض القصيرة ودكتورة النقد والدراما بكلية الآداب: في رأيي أن جزء كبير من تواصلنا مع العالم متعلق بفكرة ترجمة النصوص؛ وأقول ذلك لأنه خاص جداً بكتابي «مسرحيات افريقيه معاصره”. فنحن نعرف بعض الترجمات لوويل سوينكا لأنه حصل علي جائزة نوبل في الآداب. ولكن ذلك يتعلق بالأجيال القديمة التي عاصرت الاستعمار فكانت تحاول أن تتصدي للاستعمار من خلال إبداع نصوص تحارب الفكر الإستعماري وكانت تعتمد علي إحياء الثقافة الإفريقية التقليدية كنوع من المقاومة. ولكن في وقتنا الحالي بعد أن تحررت كل البلاد تباعاً فيوجد أجيال جديدة لا تعبر عنها النصوص التي كُتبت قديماً عن الاستعمار ومقاومته ومن هنا حاولت التفكير في تقديم أجيال شابه تكتب عن المسرح بالحس الإفريقي ولكن بشكل يتحدث عن مشاكلنا الحاليه ويعبر عنا وعن الحس الإنساني العالمي بشكل عام فنتواصل جميعاً دون الحاجة إلي الرجوع لمراجع لفهم المشكلات الأفريقية. وكان الطريق إلي ذلك هو ترجمة النصوص الأفريقية الحديثة من الإنجليزية إلي العربية. فيحمل كتابي ترجمة ثلاثة نصوص تناقش مشكلات أفريقيه ولكنها تعبر عنا جميعاً وتشبهنا فلا نشعر بالاغتراب مع النصوص وشخصياتها الأفريقية ولا نجد صعوبة في التواصل.
وقامت أسماء يحيي بتقديم الكاتبة الاثيوبيه مازا ووركو لتتحدث عن أهمية فكرة الترجمة بالنسبة لها ككاتبه وكيف تؤثر في تواصلها مع العالم. سواء من خلال ترجمة النصوص العالمية إلي لغتها الاثيوبيه أو ترجمة نصها إلي العربية لتتواصل بشكل أكبر وتعرض مشكلاتهم علي نطاق أوسع من خلال ترجمة النص.
ثم ذهب الحديث إلي الدكتور خالد سالم متحدثاً: إن النهضة العربية والنهضة الأوروبية بدأت من خلال الترجمة. أما موضوعي فخاص بال «ميكروتياترو» وهو فن أو فرع من فروع المسرح الذي اتبعته أسبانيا. وكان سبب ظهوره هو تحول الكثير من الممثلين إلي البطاله وغلق المسارح فقاموا بالتفكير في لماذا لا نلجأ إلي مجال آخر للتمثيل بعيداً عن مسرح الدولة ومؤسساتها. فأقاموا مسرح بمدريد في حي معروف بالسهرات وقضاء العطل وبه عدد من المواخير والأماكن المهجورة. فاستغلوا تلك الأماكن في إقامة مسرح في ذلك المكان. ووضعوا لهذا النوع من المسرح شروطاً وتم تسميتها ب 15 في 15 في 15 أي أن تكون مساحة المكان 15 متراً ولا يتعدي العرض ال 15 دقيقة وعدد الجمهور لا يزيد عن 15 فرد والممثلون لا يزيدون عن ثلاث، وكان هذا النوع يكسر الجدار الرابع. وسرعاً ما انتشر في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وهي مسرحيات خفيفة الظل وتدور في فضاء مسرحي مختلف وبه تداخل بين الجمهور والممثلين.
وانتقل بعد ذلك الحديث إلي الدكتوره دعاء عامر رئيس قسم المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان: أتحدث عن الكتاب الذي نحن بصدد مناقشته الآن وهو «من الميكرودراما إلي المسرح المضاد». وذلك الكتاب هو قراءة مترجمة في أعمال الكاتب النمساوي “فولفجانج باور” تُرجمت أعماله إلي 24 لغة إلا اللغة العربية وذلك لأنه يكتب بلهجه ألمانيه عاميه. فكان هناك صعوبه كبيرة للمترجمين في ترجمة تلك النصوص. وقد حالفني الحظ أنني أثناء دراستي في النمسا كان هو مشروع الدكتوراه وقمت بالتطبيق عليه وأخذت كورسات في لهجة جراس وتمكنت من ترجمة تلك النصوص. والميكرودراما عنده مختلفه عما قاله الزملاء منذ قليل فهو لم يتبع 15 في 15 في 15 لكنه كتب 19 مسرحية وكتب عليهم عنوان فرعي «مسرحيات غير قابله للعرض» وكان ذلك اتباعاً للمسرح المضاد الألماني الذي قالوا متبعيه أنهم يكتبون لأن الكتابه تحقق لهم سعادة شخصية وليس لإرضاء الجمهور وكانت ناتجه عن فكر احتجاجي انفعالي تأثراً بالحركة الطلابيه في ألمانيا. إذاً فهي مسرحيات غير قابله للعرض لأنها لم تكن تتعدي مدتها الزمنية الدقيقة ونصف وقد تقتصر علي أن يمشي الممثل من أقصي اليمين لأقصي اليسار وتنتهي. فاللغة في المسرح المضاد لا تهدف للتواصل بين الجمهور والعرض أو بين الممثلين.
أما دكتور هايل علي المذابي فتحدث عن كتابه المترجم «عندما يكتب الروبوت مسرحية» قائلاً: نحن الآن لولا أننا في القرن 21 لكنا سنتهم بالروبوتيه فقد أصبح الروبوت متدخل بشكل كبير في حياتنا. ويدور الكتاب حول أول نص يؤلفه روبوت ذكاء اصطناعي. وهو من نوع Gpt-2. ربما كان النص الذي كتبه الروبوت نص مسطح ولكن تجربة تطبيقات الذكاء الاصطناعي نظام Gpt-2  سيكون لها شأن كبير في الفترة القادمة، ولذلك يري بعض النقاد والمفكرين أن أغلب المهام المسرحية قد تندثر مستقبلاً بسبب قيام الروبوتات بها بدلاً عن الإنسان. ولكن عبقرية الذكاء الاصطناعي ليست سوي تجسيد لعبقرية العقل البشري الذي أجاد صياغة تفاصيل التكنولوجيا بما يمكن أن يرقي بحاضر البشرية ومستقبلها لدرجة أن يتمكن روبوت من كتابة نص كاملاً وحده. وقد قال أحد النقاد سلفاً “كتب رجل مسرحية عن الريبورتات، هل بعد مائة عام الريبوت سيكتب مسرحية عن الرجال؟» وها نحن الآن نري ذلك يتحقق بالفعل. وقريباً سيتم طرح إصدار مطور من الروبوت وهو Gpt-3. 
وفي نهاية الجلستين تم تسليم شهادات مشاركة لأعضاء الندوة من قبل المهرجان سلمها دكتور مصطفي سليم رئيس لجنة الندوات بالمهرجان.
 


مي سيد