المخرج محمد الحضري: التقليد الأعمى للمناهج الغربية يخلق عروضا لا تشبه الواقع المصري

المخرج محمد الحضري: التقليد الأعمى للمناهج الغربية يخلق عروضا لا تشبه الواقع المصري

العدد 791 صدر بتاريخ 24أكتوبر2022

تحدث عنه بعض النقاد مبشرين بمولد مخرج كبير. هو «محمد أسامة الحضري» طالب في كلية الآداب قسم المسرح - جامعة حلوان، أخرج ومَثل في أكثر من عمل مسرحي بداية من مسرح الجامعة إلى قصور الثقافة والقطاع الخاص، وأخيرا كون فرقته (جروتيسك). أهم أعماله عرض (الضيف) وحصل فيه على جائزة أفضل ممثل ضمن فعاليات مهرجان مواسم نجوم المسرح ( خالد جلال) كما حصل العرض نفسه مؤخرا على جائزة المركز الثالث، وجائزة أفضل ممثل لصلاح محمد ضمن إحدى مسابقات المهرجان التجريبي.
رشح لجائزة أفضل ممثل دور ثان عن عرض (التجربة الدنماركية) بالمهرجان القومي للمسرح الدورة قبل الماضية، إضافة إلى حصوله على العديد من الجوائز في جامعة عين شمس على مدار 6 سنوات. قدم تجربة أشاد بها النقاد وهي تجربة الجروتيسك، وحولها وأشياء أخرى كان لمسرحنا معه هذا اللقاء.  

كيف عرفت المسرح ؟ وماذا يعني بالنسبة لك؟
عرفت المسرح عن طريق فريق التمثيل بكلية الحقوق سنة 2015 ، و المسرح بالنسبة لي رحلة لمعرفة الذات، فعن طريقه اعرف ذاتي من خلال تجاوز الواقع بمظهره، فالمسرح هو تجاوز كل ما هو ظاهري كى تصل إلى باطن و جوهر الأشياء.
هل يمكن أن تقدم لنا نبذة عن أهم أعمالك ؟
عرض «الضيف»، «التجربة الدنماركية» و«الرجل الذى أكله الورق»
ما سبب تسمية فرقتك بجروتيسك؟ وماذا يعني الاسم؟ وإلى ما يشير؟
الجروتيسك إحدى الركائز التي يستند عليها مسرح ( البايوميكانيك ) مسرح مايرهولد ( مخرج و ممثل و مجرب روسي ) ، والجروتيسك ببساطة هو المبالغة، مبالغة في تسليط الضوء على ظاهرة إنسانية و مجتمعية بعينها، و بالتبعية تتحول الصورة و الأداء و جميع عناصر العرض إلى عناصر مبالغ فيها حتى نرى هذه الظاهرة بوضوح فتكون الصورة أقرب للوحات ( الكاريكاتير) .
ما سبب اختيارك لنص الأرجنتيني أوجستين كوزاني لعمل عرض ( الرجل الذي أكله الورق)؟ ما الذي استفزك فيه لإخراجه؟ وماذا كانت رؤيتك الإخراجية؟
لأنه ينشغل بالإنسان وبقضاياه المعاصرة،  بمعنى أنه إذا شاهد العرض مواطن فى مصر واخر في روسيا سيتأثر الاثنان  لأنها قضية إنسانية، وأنا دائما أبحث عن العمل الذي يشعر من خلاله المتفرج بتماس مع القضية التي تطرح أمامه،  فكما قال مايرهولد :المتلقي هو المبدع الرابع.
الإعداد المسرحي لوسيط غير مسرحي هل سببه قلة النصوص أم هناك أسباب أخرى؟
الاعداد و التمصير و الاقتباس ما هي إلا نتيجة طبيعية لعدم وجود وفرة في النصوص المسرحية المصرية و العربية.
وهل أقمت ورشة تساعد الممثل على أداء هذا النوع من العروض ؟
 بالطبع تم عمل ورشة اعداد مدتها خمسة أشهر على مفاهيم مسرح ( البايوميكانيك) الذى يتطلب جهدا بدنيا شاقا جدا حتى تصل إلى مستوى معين تستطيع بعده ان تؤدى كما يتطلب هذا المنهج .
هل واجهتكم صعوبات أثناء الإعداد لهذا العرض؟
 في البداية بالطبع واجهتنا عدة صعوبات نظرا لغرابة المنهج، ولكنني  ذاكرت جيدا جدا قبل العمل مع الممثلين، حتى استطيع أن أصل بهم للمعلومة الصحيحة والطريقة المثلى، فيجب علي أن أكون مستوعبا ومطلعا وقادرا على الفهم وان أكون مؤمنا بالعمل، ولكن مع الوقت توصلنا جميعا لمنطقة تواصل جيدة جدا .
هل التقاء الكاتب أو المعد المسرحي والمخرج في شخص واحد يخدم العمل المسرحي؟
بالطبع لأنه في النهاية يخدم رؤية واحدة، وابرز مثالين على ذلك هما (بريخت) و(مايرهولد) كانا يتدخلان  في العمل بأكمله «كل صغيرة وكبيرة»، بريخت نفسه كان مخرجا و مؤلفا و ممثلا في بعض الأحيان.
لديك موهبة كبيرة والبعض يتنبأ لك بمستقبل باهر، هل لنشأتك دور في هذه الموهبة؟ وما العوامل التي ساعدت على تنميتها؟ وهل للدراسة الأكاديمية دور في ذلك؟
أرى أن الإبداع مرتبط دائما بالمعاناة، وكلما زادت المعاناة زاد الابداع، و انا شخصيا عانيت كتيرا ،  هذه المعاناة تركت بداخلي هموما كثيرة أردت التعبير عنها، وبالتالي أثرت نشأتي تأثيرا كبيرا جدا علي كفنان، أما بالنسبة للدراسة الأكاديمية فقدمت لي الكثير والكثير واستفدت منها، وليس شرطا بطريقة مباشرة ولكن الاحتكاك الدائم بفنانين ودكاترة وأساتذة وكتب ومراجع وأسماء مخرجين و .....الخ  كله ذلك  يوسع أفق الفنان بالطبع.
أيهما أكثر صعوبة الكتابة أم الإعداد أم الإخراج؟
أرى أن كل منهم له طعمه الخاص، وكل منهم بمفرده يعد صعبا، لا يوجد في المسرح ما يتم عمله بسهولة، فكل شيء اصعب من الأخر.
هل تعتمد تقنية معينة في الإخراج؟ والرسالة التي تريد ايصالها؟
أنا أؤمن بمسرح (الحركة والايقاع)، المسرح غير الواقعي وغير الطبيعي، أي الذى يتجاوز الواقع بظاهره التقليدي، فأنا أميل الى مسرح ( اللعب ) المسرح الذى يبدأ بالجسد و يأخذه ركيزة اساسية تبنى عليها كل العناصر الأخرى.
في رأيك هل يحتاج المؤلفون والمخرجون في مصر لتطوير مهاراتهم؟
للأسف معظم محاولات التجريب في مصر يتم مهاجمتها بشكل لا افهمه حتى الآن، هناك فئه كبيرة جدا فى مصر تميل الى المسرح الآمن التقليدي، الإجابة نعم، يحتاج المخرجون و المؤلفون ان يتحرروا من القولبة و ينطلقوا ناحية التجريب و التطوير والتغيير .
أيهما يستهويك أكثر الكتابة للمسابقات والجوائز أم للعرض جماهيريا؟
أنا أعشق التفاعل المباشر و أعشق التأثير اللحظي للمسرح وبالتالي أميل كل الميل لأن اعرض عروضي جماهيرياً.
هل لديك طموح لتقديم تجربة مسرحية تعتمد فيها على التكنولوجيا بديلا سينوغرافيا أو للممثل؟
أنا ضد هذا الوصف من الأساس، لا يمكن للتكنولوجيا ان تكون بديلا للممثل جسدا وروحا، أنا ضد هذا النوع من العروض وأراه استسهالا يتحول لشيء اخر غير المسرح، الأولوية للممثل جسدا وحضورا ثم تأتى بقية العناصر فيما بعد .
ما طبيعة النصوص المسرحية التي يجب تقديمها في المجتمع من وجهة نظرك كمخرج؟
أنا أميل للكوميديا لأنها تجد طريقها لقلوب المتفرجين بكل سهولة، تستطيع أثناء الضحك أن تعطي  جرعات فلسفية بدون أن يشعر  الجمهور بثقلها عليه.
هل تعتقد أن هناك حاجز بين المسرح والجمهور؟
بالطبع أشعر بحاجز كبير بين المسرح والجمهور  ويرجع ذلك لقلة الترويج للمسرح من الأساس، فالمسرح في مصر حاليا بالنسبة للناس العاديين يتمثل في مسرح مصر فقط، والمهرجانات التي تقيمها الدولة لا يهتم بها إلا المسرحيون فقط وكل من له علاقة بالمسرح وعائلات الممثلين،  والجمهور العادي لا يعلم عنها شيئا لا من قريب أو بعيد .
التقليد والتجديد في الإخراج المسرحي، أين تقف من هذا المسار؟
نقطة مهمة جدا جدا لأنه شتان الفارق بين التقليد و التجريب، التقليد الأعمى للمناهج الغربية يخلق عروضا ممسوخه لا تشبه الواقع المصري، أما التجريب فأمر اخر، صاحب المنهج يصف لنا الطريق فقط و نحن من نسير فيه واثناء سيرنا نزرع و نحصد و نبنى ما نفهمه و نعيه و ما  نحتاجه حقا أن نأخذ من المنهج ما يعيننا و نترك ما لا يعنينا .
ما تقييمك للحركة المسرحية في مصر؟
الحركة المسرحية في مصر مضطربة وغير منظمة و خانقة، فلكي تظهر تجربة مسرحية واحدة تجد نفسك تدخل في دوامة من البيروقراطية و الأوراق و الإمضاءات الكثيرة التي تمتص طاقتك حتى ظهور العرض للنور، يجب أن تكون هناك حرية ومرونة  اكتر مما يحدث، ويجب أن تتاح الفرص وتتوفر للشباب أكتر من ذلك، بالإضافة إلى النزاهة في اختيار العروض التي تشارك في المهرجانات المحلية والدولية، والقضاء على الشللية و المحسوبية، و ايضا يجب الاهتمام بالتجارب المتميزة في المسرح الجامعي، المسرح الجامعي و خاصة عين شمس  أهم مؤسسة تقدم المسرح في مصر حاليا و التجارب خير دليل على كلامي.
ماذا لديكم من خطط ومشروعات قريبة أو مستقبلية؟
أخطط حاليا لإعادة عرض «الرجل الذى أكله الورق» وبالتوازي اعمل على تجربة جروتيسكية جديدة ستخرج للنور قريبا.


سامية سيد