العدد 778 صدر بتاريخ 25يوليو2022
أقام المركز الدولي للكتاب للهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة الدكتور هيثم الحاج علي الأحد الموافق 17 يوليو، احتفالية بكتاب مسرحيات محمد أبو السعود « أفريقيا أمي» ، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .
شارك في النقاش كل من الكاتب والشاعر سيد محمود والمخرج طارق الدويري ومايسة ذكي، وأدار الندوة الدكتور رضا عطية.
المخرج المسرحي محمد أبو السعود احد مخرجي المسرح المستقل، الذي قدم الكثير من العروض المسرحية الهامة على مسرح الهناجر ومن أهم مسرحياته» الملك اير، احلام شقية، ومسرحية في المحرقة وأيضا مسرحية ماما أفريقيا»، وتوفى السبت 2 فبراير 2019.
والكتاب صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن سلسلة “إبداع مسرحي”، ويضم عدة مسرحيات هي “خيانات صغيرة على يسار القمر ، فيدرا سيدة الأسرار ، ستة أشباح تبحث عن شبه ظل ، إيزيس حبيبتي، والخروج من الموت نهارا ، الطعنة ، باسم الأب ، أنتيجون في رام الله.. أنتيجون في بيروت، أفريقيا أمي”.
د. رضا عطية: محمد ابو السعود صوت قوي معبر عن رؤى وثقافة جيل التسعينات
وبدأت الاحتفالية بكلمة د. رضا عطية قائلا:
نحن بصدد التحدث عن فنان مهموم بالمسرح ، وفنان صاحب رؤية في المسرح وهذه الرؤية كان يوظفها ويستفيد منها سواء في الإخراج أو الكتابة أي مخرج صاحب وعي مجدد في المسرح و صاحب مشوار او انتاج به قدر كبير جدا من التوازن أي استيعاب الأعمال العظيمة في تاريخ المسرح، وتقديم رؤية جديدة لها فكان ملمح مهم في تجربة محمد ابو السعود وايضا تقديم اعمال مسرحية اخراجا وكتابة لها بصمة مميزة و تعتبر محطه مهمة في تاريخ المسرح العقدين السابقين على مدى تجربة امتدت حوالي ربع قرن أو أكثر.
وأوضح عطية : أن أبو السعود ينتمي إلى التسعينيات، وجيل التسعينيات تحديدا في الثقافة المصرية هو جيل مختلف، ففي التسعينات كان هناك تأثرا بالحركة التي كان لها تطلع تجديدي في المسرح، على مستوى الشعر و الرواية وأيضا على مستوى المسرح، فكان جيل التسعينات في الشعر مثل ايمان مرسال وجيهان عمر وأحمد يماني وغيرهم هو جيل خارج المؤسسة من ناحية لم يكن هو المركز ولكن استطاع في ما طرحه وما قدمه أن يكون مركز الابداع والثقافة الطليعية. أي أن تجربة محمد ابو السعود من تجربة جيل التسعينات ، ذلك الجيل الذي جاء بعد أحداث مهمة في الثقافة المصرية والعربية، سواء على المستوى السياسي والأيدلوجي في ما يمكن أن نسميه إحباط المشروع اليساري في الثمانينات والسبعينات بكل ما طرحه من ايدلوجيات، فكان جيل التسعينات هو الجيل الذي جاء بعد صدمات كثيرة في العقدين السابقين وكان جيل في نفس الوقت صاحب تطلع ان يقدم صياغات جديدة في الأدب وفي الإبداع.
واستكمل: محمد أبو السعود هو صوت قوي معبر عن رؤى وثقافة هذا الجيل، كان في مسرحه قدر كبير من استيعاب قواعد المسرح من ناحية، وأيضا التجاوز والإضافة من ناحية أخرى، قدم مسرح تقنية الصور، ومسرح له أبعاد سيكودرامية مهمة وفكرة الاتساع التقني في المسرح بين الحركة والمؤثرات السينوغرافية. واشار عطية إلى أن أبو السعود استطاع أن يمسرح لنصوص هامة للأجيال المختلفة في المسرح بالإضافة لاسهاماته في الكتابة للمسرح وتقديم نصوص شديدة الأهمية والتكثيف في اللغة اي نصوص ذات نفس شعري.
وعن لغة مسرح محمد ابو السعود أضاف عطية: هي لغة متجاوزة المباشرة، وتعبر عن وعي سريالي لشخوص هذا المسرح، وهو ما يتماس في بعضه مع مسرح العبث لان هناك بنية لها منطق ما ولكن التميز يكون في اللغة المسرحية وهي اللغة الشعرية وهو اختلف في لغته المسرحية والتي تتعالى على التحديد الدلالي المباشر، ومسرح محمد ابو السعود ينطلق من هذه المنطقة الثرية.
سيد محمود: اتسم أبو السعود بتكوين اما منسجم جدا مع الجماعة او منطوي جدا مع الداخل
وبدأ الكاتب والشاعر» سيد محمود» كلمته بشكر الأستاذة مروة حرز الله زوجه محمد أبو السعود لإصرارها ان تجدد ذكره في منابر مختلفة، موضحا أنها لا تترك مناسبة الا والتذكير بدوره وذلك لإيمانها الكبير بموهبة أبو السعود وأسرارها.
وعن بداياته قال سيد : التقيت بأبو السعود في الجامعة فكنا من جيل محظوظ ومتميز جدا داخل كلية الآداب، والذي كان يضم اسماء أصبحت مهمة في الإبداع الثقافي على الصعيد المصري والعربي، ومعظم المجموعة كانوا من كتاب الأدب وممارسي الفن.
واستكمل: عندما دخل قسم الفلسفة بكلية الآداب وجد مجموعة من المبدعين والتي ضمت أحمد يماني ومحمد متولي وياسر عبد اللطيف وهدى حسين وغيرهم، وكان يوجد مسرح قوي في كلية الحقوق ومنه خالد الصاوي ومحمد هنيدي وغيرهم، وفي التجارة المخرج خالد جلال وآخرين، وفي كلية الآداب كان يوجد مسرح قوي جدا فيه محمد رضوان ونورا امين.... وغيرهم، وكان أبو السعود لديه تكوين ثقافي جيد لأنه كان من عابدين. وكان بيته على بعد خطوات من سور الأزبكية ودار الكتب.
كان ينتمي للجماعة وفي ممارساته الاجتماعية كان يعزز هذا الانتماء للجماعة وفي نفس الوقت كان يعزز انتماؤه لصوت الفرد، وكانت الجماعة التي ينتمي إليها في ذلك الوقت» الجامعة» مكتملة في اصواتها من القصة والشعر والنصوص، فوجد أن المسرح هو أقرب وسائل التعبير التي ينتمي إليه ، وهو لم يكن راضيا عن المسرح داخل الجامعة على الإطلاق؛ لأنه كان يعتقد أن المسرح الطلابي هو مساحة لتفريغ الطاقات وبالعكس فكان وقتها يعتبر انه إهدار لطاقات كبيرة داخل المسرح.
وأشار إلى تفوقه في تكثيف النصوص وقال: ترجع تكثيفه للنصوص وأهميتها لأنه في الأصل قارئ، ولأن تكوينه الأدبي كان مكتملا، وبالتالي هو يفكر في أن يكون لديه رؤية للمشهد المسرحي اكثر من ان يكون لديه وجهة نظر او رؤية مساندة الي نقد، ولذلك مغامرته الحقيقية في الجانب المسرحي.
وعن تجربتهم معا قال سيد محمود: استطاع ابو السعود اقناعي بخوض تجربة الكتابة معه في أول مسرحية لنا، ففي اللحظة التي قرر فيها ابو السعود ان يخلص في تفكيره للمسرح اكثر من اي فن إبداعي اخر، كان المسرح المصري يشهد تطورات جذرية مهمة منها ظهور المسرح التجريبي، وكانت الدورة الأولى للمسرح التجريبي هي دورة فارقة بالنسبة لنا، فضم ذلك الوقت حركة نقدية واسعة، وهو ما كان يطرحه الإعلام الثقافي في ذلك الوقت، فكان لنا رأي وكنا أصحاب أدوار في ذلك.
وأوضح: أن وجود المسرح التجريبي كان مسألة مهمة جدا وفارقة في نقل وعي هذا الجيل، وكان في نمو لمسألتين لمسرح الثقافة الجماهيرية الذي لم يكن بعد تعرض للحصار ومسرح السامر فكان وقتها مهرجان تعرفنا فيه على نجوم مسرحيين مثل حسن الوزير وصالح سعد وأحمد عبد الجليل وناصر ع المنعم فكان مهرجان كبير بعروض مسرح الأقاليم، إلى جانب ذلك كان يوجد بداية ظهور الفرق المستقلة وبالتحديد فرقة الورشة لحسن الجريتلي التي عاشت ازدهار استثنائي في ذلك الوقت.
وكان ابو السعود بدأ من كل ما حوله ان يفكر كيف يعمل اختراق لمسرح كلية الآداب، وكان المخطط هو التسرب لمسرح الكلية لتغييره، وبدأ التفكير بعد إلغاء المسرح التجريبي في هذا التوقيت، ففكر أبو السعود لعمل أول مسرحية «العميان» وهو نص بلجيكي وبدأنا نكتب فيه، مع اللوحات الشعرية، وبدأنا عمل فريق مسرح موازي، ووافق محمد متولي الشاعر ليمثل وأحمد الطويلة الغناء ونورا أمين وغيرهم .
وأضاف محمود: كان أبو السعود يتصور أن أي فن فيه نوع من التلوث، فكان لديه تصور انك انت من يستطيع تشغيل الممثل، ثم عملنا تجربة العميان في إطار المهرجان التجريبي واخذنا جائزة في وقتها ، مما اكسب ابو السعود ثقة كبيرة جدا واكسبه ايضا تفرد داخل مسرح الجامعة.
أما عن تكوين ابو السعود أوضح محمود: كان يتسم بتكوين اما منسجم جدا مع الجماعة او منطوي جدا مع الداخل ، وهذه مفارقة لا يستطيع بعض الناس لمسها في شخصيته. وابو السعود لم يكن ابدا في انتظار تكريم، وفكرة التكريم كانت بالنسبة له مثيرة للضجر..
ولكن الاقدار تقودنا احيانا للتفكير في ذلك لأنه جزء من تاريخ، والتاريخ فيما معناه ان يصحح ويكتب بفكرة العدل، وللأسف نحن نكرم من استفاد من الفن واستطاعوا صنع ثروات منه.. ولكن هناك آخرون يحرقون من أجل الفن،
ونحن من ورطنا محمد أبو السعود في التكريم، ولكنه ابعد ما يكون عن انتظار تمن ما يقوم به.
الدويري: أبو السعود صاحب شعار نحتل المسرح
وعقب المخرج طارق الدويري قائلا:
تجربتي كانت موازية لتجربة ابو السعود، فأنا اكبره بحوالي أربعة سنوات، وعندما رجعت من سفري تعرفت بفرقة الشظية لمحمد ابو السعود وكان أول عرض « برياسكا» وكنت أراه مختلف وهنا بدأت علاقتي بأبو السعود كمتابع وبدأنا بعدها نلتقي على المستوى الفني والانساني،
واستكمل : محمد ابو السعود بالنسبة لي من أهم المخرجين الموجودين في مصر ولم يأخذ حقه من وزارة الثقافة ولا من الحركة النقدية والمسرحيين، فهو رجل مسرح مفكر معنى طوال الوقت بالفن يهتم بكل ما يخص المسرح سينوغرافيا وفيلم ورسم... الخ
كم التشابهات في الطرق التي يعمل بها ابو السعود وبيني
فتلك التجربة لمستني وفرقت معي.
شرفت بأن ابو السعود عمل معي تجربة على مستوى السينوغرافية والمتابعة والتحريض على استكمال تجربة «المحاكمة» فهو كان صاحب شعار نحتل المسرح.
وأضاف الدويري: علي مستوى اللغة في رأيي هو مخرج موسوعي على مستوي التشكيل والأدب والسينما وهو ما شكل وعيه ولا وعيه، فإذا أراد الكتابة او الإخراج فعليه تفكيك الأشياء ويرى ما بعد الماهيات ويعيد الاسئلة من جديد داخل النص، بالإضافة إلى أنه يستطيع تفكيك المسرح ويستخدم الأبعاد وكل الأدوات.. كوضع فن تشكيلي وعرض شاشة وأشياء مجسمة.... وغيرها
وأوضح الدويري :أن أبو السعود لم يخشى آراء الناس، كان يترك نفسه لحريته وكيف يعبر عن مكنونه .
اما بالنسبة للواقع الثقافي والفكري كان لديه الحزن البسيط لما يراه من الوضع المهترئ في حالة انحطاط فكان دائما مهموما في أعماله بتفجير الطاقة الثورية داخل النصوص، بالإضافة إلى طرح الأسئلة في أعماله .. ودائما مسرح أبو السعود يعيدك للتفكير وللأسئلة.
مايسة ذكي: أمتن جدا لأبو السعود لأنه عبر بي الأزمنة والأمكنة
وتقبت الناقدة والكاتب مايسة زكي قائلة: أبو السعود يمثل لي شيئا جوهريا خلال الثلاثون عاما الماضية، فهو لم يكن مجرد مخرجا من جيل التسعينيات وأنه مرتبط بالمسرح الحر فقط، ولكنه قدم مسرحا جديدا ومختلفا وكان متميزا،
لدى مشكلة تخص التقييم للأجيال في الازمنة المختلفة، فكرة انه جيل يحكم عليه ويتحجم ويوضع في إطار صغير، فالإنجاز الشخصي يوضع في مكان صغير وضيق، بينما عندما تكون الأمة في حالة انتصار وتيقظ فيتم إلقاء الضوء على كل الفنانين وهو ما حدث في المعادلة الأخيرة لفن الزمن الجميل وفن الزمن الرديء والأيام الحلوة والأيام السوداء .
عندما كنت أرى عروضا لكبار المخرجين في فترة الستينات وعاصرت عروضا للشباب في نفس السن، كنت أتعجب جدا لتلك الطفرة الفنية الكبيرة التي حدثت ومع ذلك يظل هذا الجيل والجيل الصغير
ابو السعود هو مخرج كبير، فنان كبير، عندما قدم « بيرياسكا» فهو بالفعل أشعل ثورة في المسرح، فهو نقلنا جميعا لأنه عمل حالة مسرحية مختلفة عن سابقتها.
في التسعينات كانت هناك مشكلة كبيرة في الخيال، فكنا نتعامل مع مسرح مميت، باستثناء تجارب لمخرجين حقيقين مثال د. هناء عبد الفتاح ومراد منير وسمير العصفوري... وغيرهم، ولكن ان يظهر شاب في تلك الفترة لينقل المسرح بكامله لطريق اخر على المستوى الثقافي والمستوى البصري، فبيرياسكا تداخل مع نص اهل الكهف وتعامل مع فكرة الزمن بعمق غير مسبوق.
وأضافت مايسة زكي: امتن جدا لأبو السعود لأنه عبر بي الازمنة والامكنة الفلسفية والتاريخية والفنية التشكيلية والسمعية الموسيقية، فنقلني نقلة كبيرة من خلال كتابتي عن بيرياسكا، وأبو السعود لم يتوقف عند بيرياسكا فقط ولكنه قدم في كل عرض طرحا جديدا ومعاناته مع اللحظة التاريخية بشكل فني بحت واختيار نصوص عربية غير مسبوقة كأحلام شقية، فأبو السعود فرق مسرحيا وفرق في الثقافة والنظرة السياسية.
هذا الجيل عاصر مقاومة لأن كل الدولة والرؤى السياسية لم تكن معهم،
واختتمت الناقدة مايسة زكي قائلة: اتمنى من المتابعين والدارسين والمقيمين لهذه المرحلة ان يعيدوا تقييم المقياس،. نحن مقصرين في حق مبدعين يستحقون مستوى من التكريم لائقا بهم.
مروة: الفكرة هي التي تظهر وتحرك ابو السعود تجاهها
وفي كلمتها قالت مروة حفظ الله زوجة الراحل محمد أبو السعود:
محمد ابو السعود كان لديه حلم أن يختلف ويجدد في كل مرة ، وكان لديه شغف بنص « أفريقيا أمي» بالتحديد وشخصية القط ماجو، فكان العرض موسيقي راقص وغنائي ....غيره
واشارت : واجهته العديد من المشاكل بسبب التأجيلات والميزانية وعدم وجود أماكن البروفات ، وكاد الفريق أن يتفكك بسبب ذلك، وكان أبو السعود قد أخذ قراره بانعزاله عن المسرح، ولكنه كتب « الطعنة» فلم يكن ابو السعود يفكر في الكتابة ولكن الفكرة هي التي تظهر وتحركه تجاهها بلمعة في عينه وشغفه وحمايه.
واضافت : لم يكن يسعفه الوقت لإخراج عرضه « باسم الأب» ولكنه موجود في كتابه وعلى غلاف الكتاب صورة للعرض حسب ما طلبه ابو السعود.