الجمعيات المسرحية في طنطا

الجمعيات المسرحية في طنطا

العدد 777 صدر بتاريخ 18يوليو2022

تحدثنا فيما سبق عن الفرق المسرحية الكبرى التي زارت طنطا وعرضت فيها عدة مسرحيات، وكذلك الفرق المسرحية الصغرى. وفي مقالتنا هذه سنتحدث عن الجمعيات المسرحية التي ظهرت في طنطا، أو الجمعيات الخيرية التي عرضت في لياليها بعض المسرحيات! وهذه الجمعيات بدأت في الظهور في أواخر القرن التاسع عشر، وتحديداً في أكتوبر 1896 عندما نشر مراسل جريدة «الأهالي» في طنطا خبراً، قال فيه: تألفت لجنة من الشبان الوطنيين، فأسست جمعية تحت عنوان «ثمرة الائتلاف» غرض مباحثها تمثيل الروايات الأدبية في المدن، وتخصيص دخلها للتلامذة المعوذين من الذين أصابهم الدهر بوفاة والديهم. وهم تحت رياسة الشاب الأديب «إسكندر أفندي سعد». وستمثل عندنا رواية أدبية تسمى «حسن الغاية»، فنحث الجمهور لمشاهدتها من جهة، ومن أخرى لتعضيد مشروعهم الأدبي.
هذا الخبر يؤكد أن هناك جمعيات نجحت في تمثيل مسرحيات! ولكن هناك جمعيات كانت تؤجر بعض الفرق الشهيرة لتعرض مسرحياتها في لياليها الخيرية! ومثال على ذلك جمعية المقاصد التي نشرت عنها جريدة «مصر» خبراً في فبراير 1900، قالت فيه: «تحيي جمعية المقاصد الخيرية الإسرائيلية في طنطا ليلتين إحداهما غداً والثانية في 4 مارس المقبل، يمثل فيهما جوق حضرة الأديب «إسكندر فرح» روايتين من أجمل رواياته، يقوم بأهم أدوارهما المطرب المشهور والممثل البارع الشيخ «سلامة حجازي». وقد تفضل حضرة الوجيه الخواجا «لويجي» قنصل إيطاليا في طنطا فجعل هاتين الليلتين تحت رعايته وسيخصص دخلهما لفقراء الطائفة الإسرائيلية».
في هذا الخبر نلاحظ أمرين: الأول كلمة «إسرائيل»، والآخر عبارة «قنصل إيطاليا في طنطا»!! وبالنسبة للأمر الأول، ربما يعتقد القارئ وجود خطأ في اسم الجمعية كونها جمعية «إسرائيلية»، ويسأل: هل توجد إسرائيل في عام 1900؟! وتوضيحاً لذلك أقول: إن كلمة «إسرائيلي» في ذلك الوقت - بل وقبل ذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر – كانت تُطلق على «اليهودي»، وبالتالي فإن جمعية المقاصد الخيرية الإسرائيلية، المقصود بها «جمعية المقاصد الخيرية اليهودية»! وبالنسبة للأمر الآخر، أقول: إن حسب القوانين المعمول بها بالنسبة لوجود الأجانب في مصر في ظل الانتداب البريطاني على مصر، كان يلزم وجود قنصل في كل مديرية أو مدينة بها جالية أجنبية! لذلك نقرأ في صحف هذه الفترة عن وجود قنصل إيطاليا في طنطا، وقنصل إيطاليا في أسيوط، وقنصل إيطاليا في الإسكندرية وهكذا.
وإذا تتبعنا نشاط الجمعيات والفرق المسرحية التي تعرض مسرحياتها لصالح هذه الجمعيات، سنجد كلمة لمراسل جريدة «مصر» في طنطا، نشرها في أوائل مارس 1900، قال فيها: «مثلت أمس الجمعية الإسرائيلية في ليلتها الأخيرة رواية «البرج الهائل» بواسطة جوق حضرة الأديب إسكندر فرح. وقد أبدى المطرب المشهور والمشخص البارع الشيخ سلامة حجازي من البراعة في التشخيص ما أذهل جميع الذين كانوا حاضرين في تلك الليلة، وكان السرور عظيماً. وقد كان أعضاء الجمعية في استقبال الشرفيين وحضرة الخواجا موسى مسعود في ملاحظة نظام المرسح. وسينقد دخل الليلة المذكورة والليلة التي قبلها على فقراء الطائفة الإسرائيلية. هذا وسيمثل الجوق المذكور بدعوة من «جمعية الروم الكاثوليك» هنا آخر ليلة من الليالي التي عينتها هذه الجمعية يوم 13 الجاري رواية «روميو جوليت»، فنحث أولي البر على إحياء هذه الليلة براً بالفقراء وترويحاً للنفوس».
وعندما عرضت المسرحية، نشرت الجريدة الخبر قائلة: «أحيت جمعية الروم الكاثوليك أمس ليلة تشخيصية بجوق إسكندر فرح فشخصت رواية «روميو وجوليت» الشهيرة «بشهداء الغرام» فأجاد الممثلون للغاية خصوصاً حضرة المطرب البارع الشيخ سلامة حجازي، وكان الحضور عديدين بين أجانب ووطنين، وكان أعضاء الجمعية يقابلون الوفود بكل حفاوة وإكرام».
وفي سبتمبر 1905 مثلت «جمعية النشأة العصرية» في التياترو المصري بجوار ديوان مديرية الغربية بطنطا رواية «خيانة الوزراء وشرف بنات الأمراء». وهي من الروايات الجميلة ذات المشاهد الحسنة. وسيقدم أحد الممثلين الأجانب ألعاباً مدهشة غريبة بواسطة الفانوس السحري!! هكذا قالت الصحف. أما جريدة «الوطن» فنشرت خبراً في سبتمبر 1906، قالت فيه: ستمثل «جمعية الناشئة العصرية» في بندر طنطا يوم السبت 8 سبتمبر أي ليلة الأحد رواية «من صبر ظفر» وهي رواية طلية الموضوع سلسة العبارة، وهي ذات خمسة فصول. وأن الجمعية التي ستقوم بإحيائها جمعت خيرة الشبان علماً وذكاء، وقد استحضرت لها من أفخر الملبوسات. فنحث أدباء الشبيبة وأهالي طنطا إلى سماعها تعضيداً للآداب.
وفي يوليو 1907 أعلنت جريدة «مصر» قائلة: إن «جمعية آداب التمثيل» في طنطا، ستمثل رواية «الصفا بعد العنا» يوم الاثنين المقبل، وهي مؤلفة من خيرة الشبان الأدباء. فنأمل أن تلاقى ما تستحقه من الإقبال والتعضيد. وفي أكتوبر 1910 قالت جريدة «المؤيد» إن «جمعية التمثيل العصري» بالقاهرة ستمثل في التياترو المصري بطنطا رواية «الداء الدفين» مساء يوم الخميس 20 أكتوبر الجاري، وسيلقي أحد الشعراء في تلك الليلة قصيدة عنوانها «العلم والوفاق الحي».
إذا كنا أشرنا من قبل عن وجود جالية إيطالية في طنطا لها قنصل، فهناك أيضاً جاليات عربية لها جمعيات وطوائف وأنشطة مسرحية، ومنها الطائفة السورية التي نشرت جريدة «مصر» خبراً عنها في يوليو 1928، قالت فيه تحت عنوان «حفلة تمثيلية تحت رعاية الطائفة السورية»: في طنطا احتفل فريق من شباب الأمة السورية الكريمة الأرثوذكسية بتمثيل رواية «شقاء الخائن»، فأقاموا سرادقاً فخماً في فضاء الكنيسة السورية الأرثوذكسية. وكانت الحفلة تحت رعاية جمعية الطائفة والكنيسة السورية الأرثوذكسية، وعندما افتتح الاحتفال عزف حضرة الشاب المهذب المسيو «مجيد عبد النور» السلام الملكي على الكمنجة، ثم ألقى حضرة الشاب المهذب «يعقوب أفندي» وكيل الشريعة الأرثوذكسية السورية المسيحية خطاباً، ضمنه الترحيب بالحضور، وشكر الذين عضدوا القائمين بحفلة التمثيل، وقد نال خطابه استحسان الجميع. ثم ألقى حضرة الخواجة «إسكندر خربون» خطاباً ضمنه تشجيع حضرات الطلبة، وحثهم على التمسك بالفضيلة، وطلب من الأمة السورية الأخذ بناصر الطلبة، الذين أرادوا إحياء فن التمثيل بطنطا، فنال خطابه ارتياحاً عظيماً. ثم ألقى الشاب المهذب «أمين أفندي سعادة» طبيب الأسنان خطاباً بهذا المعنى، نال استحسان الجميع. ثم مثل الطلبة الرواية المذكورة، فكان يتخلل كل فصل نغمات على الكمنجة يقوم بها حضرة المسيو «مجيد عبد النور»، وانتهت الحفلة بكل سرور، وخرج الكل يشكر هؤلاء الطلبة ويرجو لهم كل تقدم ونجاح.

الجالية الفرنسية
كان للجالية الفرنسية في طنطا نشاط مسرحي، أشارت إليه الصحف، مثل جريدة الضحوك التي قالت يوم الثامن من مارس 1929 تحت عنوان «حفلة خيرية للجرحى الفرنساويين»: اعتزم حضرة صاحب العزة توفيق بك خليل قنصل فرنسا في طنطا إقامة حفلة خيرية ساهرة للجرحى الفرنساويين بتياترو بلدية طنطا تحت رعاية حضرة صاحب السعادة الأستاذ الجليل «صادق يونس باشا» مدير الغربية، وذلك في مساء 20 الجاري. وستحيي هذه الحفلة جوقة من الأوبرا الملكية ولا شك أن سيكون لهذه الحفلة عظمها وجلالها، وسيكون لها شأنها واعتبارها، إذ للمرة الأولى تنتقل جوقة من الأوبرا إلى مدينة طنطا. ونحن نرجو أن يكون لهذه الحفلة الخيرية العظيمة ما تستحقه من التشجيع والإقبال، ولحضرات القائمين بأمرها كل سداد ونجاح فيما ينشدونه من الأغراض الشريفة الطيبة والعواطف الكريمة النبيلة».
أما جريدة «البلاغ» فقالت يوم 22 مارس تحت عنوان «حفلة فرنسية بطنطا»: «أقامت الجالية الفرنسية بطنطا تحت رياسة حضرة «توفيق خليل بك» القنصل الفرنسي هناك حفلة ساهرة في مسرح البلدية، مثلت فيها فرقة الأوبرا الملكية رواية «حلاق إشبيلية». وقد تبرع القنصل للأعمال الخيرية التي تقوم بها الجالية، والتي أقامت من أجلها هذه الحفلة بخمسين جنيهاً، وأعلنت البلدية هنا تبرعها بمائة جنيه أيضاً».
أما جريدة «المقطم» فقد سخرت من الفرق المصرية بعد الحفلة الخيرية، والتي أحيتها فرقة الأوبرا الملكية! وللعلم فرقة الأوبرا هي فرقة أجنبية، وبمعنى أوضح أن الأوبرا الملكية أغلب أوقاتها كانت الفرق الأجنبية تمثل فيها، وكل فرقة تكون موجودة في الأوبرا يُطلق عليها فرقة الأوبرا الملكية المصرية، فيظن القارئ أنها فرقة مصرية!! أقول هذا حتى يستوعب القارئ الخبر المنشور في جريدة المقطم، والتي قالت فيه: «مثلت فرقة الأوبرا الملكية بمصر رواية «حلاق إشبيلية» في مسرح البلدية بطنطا تحت رعاية السيد مدير الغربية لمساعدة الفقراء والمحتاجين. وكان النظام تاماً والهدوء سائداً في أثناء التمثيل، وهذا يخالف ما اعتدنا عليه عندما تكون الفرقة التمثيلية مصرية».
أما مجلة المسرح فنشرت في إبريل 1929 معلومات أخرى عن هذه الحفلة، وكانت المعلومات المنشورة بغرض الانتقاد والتلميح إلى الفساد المالي الموجود، وما يحدث من تجاوز في مثل هذه الحفلات! كما أن كاتب الموضوع تطرق إلى قضيتين مهمتين: الأولى الإنفاق المبالغ فيه لاستحضار الفرق الأجنبية إلى مصر، والدفع بسخاء لإحيائها الحفلات في الأقاليم! والقضية الأخرى تتعلق بالمقارنة بين الفرق المصرية والأجنبية وأيهما الأحق بأن يُحيي مثل هذه الحفلات! ولأهمية هذه الكلمة، سأنقلها من مجلة المسرح، التي نشرتها تحت عنوان «بلدية طنطا وفرقة الأوبرا»، قالت فيها: 
«دعت الجالية الفرنسية بطنطا فرقة الأوبرا الملكية لتمثل رواية «حلاق إشبيلية» على مسرح بلدية طنطا، وكانت الحفلة برئاسة توفيق بك خليل نائب قنصل فرنسا في هذه المدينة، وتحت رعاية حضرة صاحب السعادة محمود صادق يونس باشا مدير الغربية لتخصيص إيراد هذه الحفلة لإعانة أيتام الحرب. وقد تبرعت هذه البلدية بمبلغ 100 جنيه مصري للقائمين بهذه الحفلة عدا أجرة التياترو والنور، ودفعت الجالية الفرنسية لفرقة الأوبرا مبلغ 375 ثلثمائة وخمسة وسبعين جنيهاً مصرياً نظير إحياء هذه الليلة. أما دعوة الجالية الفرنسية بطنطا فرقة الأوبرا الملكية، فهذا لا شأن لنا به فلكل جالية أن تختار ما يحلو لها! وكل ما نتساءل عنه هو ذلك السخاء! سخاء بلدية طنطا في تبرعها بالمائة جنيه عدا أجرة التياترو والنور! ربما نغتفر للحكومة سخاءها نحو الفرق الأجنبية التي تجئ إلى مصر للعمل على مسرح الأوبرا وحجتها في ذلك تشجيع حركة السياح! ولكن لا يمكنا أن نغفر بأي حال من الأحوال ذلك السخاء الذي ظهرت به بلدية طنطا لتشجيع إحدى الجاليات الأجنبية لاستقدام فرقة أجنبية بأجر باهظ في بلد لا يوجد به من السكان الأجانب ما يكفى لسد مصاريف مثل هذه الحفلة!! وأنتم يا أيتام الحرب: هل يمكنكم أن تذكروا لي مقدار ما وصل جيوبكم من جراء هذه الليلة المباركة؟ أم هل اكتفيتم بمشاهدة «حلاق إشبيلية» على مسرح البلدية؟ والآن ... همسة في أذن نابغة مصر الأستاذ «يوسف وهبي» والممثلة المعروفة السيدة «فاطمة رشدي»: ما هو الأجر الذي يتقاضاه كل منكما في مثل هذه الحفلات؟».

الرابطة الأدبية
آخر خبر وفقاً للفترة المحددة لهذه المقالات، كان متعلقاً بالرابطة الأدبية في طنطا، ونشره «محمد يوسف المدرك» الناقد الفني لجريدة «المرشد» في يوليو 1930 ضمن الجزء الخاص بالمسارح والملاهي في الجريدة، وتحت عنوان «رحماك أنا أهواك»، قالت الجريدة: على مسرح الفودفيل لناقد المرشد الفني: لقد كان لتمثيل رواية «رحماك أنا أهواك» تلك المأساة الغنائية المفجعة، التي دبجها يراع الأستاذ محمود أفندي حسن السيد رئيس الرابطة الأدبية بطنطا، رنة عالية في الأوساط المسرحية، وتناولتها الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية بالنقد والتقريظ، وأخص بالذكر منها جريدة المقطم، إذ قالت في عددها الصادر مساء الأربعاء 8 يونية: «إن هذه اللغة الحية التي يعالج بها الأستاذ محمود حسن السيد مآسيه ورواياته لترفعه إلى مستوى كبار أدبائنا وعظماء كتابنا». وأنه ليسرنا جداً أن نرى هذا الشاب الصغير في تقدم مستمر وأن تكون رواياته وكتبه مثاراً للجدل والاهتمام من الصحف الكبرى. وهو لم يعد بعد العشرين من عمره، فبمثل هذا الشاب الناهض تفتخر مصر وترفع رأسها عالياً. ونحن نسجل إعجابنا بهذا الأديب ونكرر ثناءنا له. وقد فاتنا أن نذكر أنه قد انتهى الآن من تأليف رواية سينمائية مصرية أسماها «على صخرة الحب»، وأطلعنا عليها فأعجبنا موضوعها جداً وسيقدمها للسيدة «عزيزة أمير» قريباً فندعو له بالتوفيق والنجاح. [توقيع] محمد يوسف المدرك».
إذا كنا بدأنا هذه المقالة بالحديث عن أنشطة الجمعيات في مجال العروض المسرحية عام 1896، فهذا التاريخ لا يُعد الأقدم، لأن أقدم إشارة عن عروض مسرحية في طنطا، كانت عام 1881 من خلال عروض مسرحية مدرسية، وهذا موضوع المقالتين القادمتين.


سيد علي إسماعيل