«كاندي كراش» ذوي الهمم يمتلكون الذاكرة والجذور

«كاندي كراش»  ذوي الهمم يمتلكون الذاكرة والجذور

العدد 773 صدر بتاريخ 20يونيو2022

تأتي مسرحية كاندي كراش، التي يقدمها مسرح الشمس لذوي الاحتياجات الخاصة، تأتي كقضية إنسانية ثقافية، تتصدى لتيارات الردة والغياب، تكرس للهوية المصرية والذاكرة الفنية والجذور الإبداعية، تواجه أخطار الجهل والسقوط والعذاب، تنطلق رسائلها الحارة ببساطة مدهشة مبهرة، اللحظات تمضي مثيرة دافئة، والحالة الفنية استثنائية نادرة، مسرح الشمس يمنح مشاهديه سحرا وسعادة وجمالا بعد الجمال، الوجود الشرس يصبح حنونا يموج بالعطر والمعنى وامتلاك الذات، وفي هذا السياق تكشف  التجربة  عن الدور العبقري الذي تتبناه مديرة مسرح الشمس -، الفنانة الجميلة المثقفة وفاء الحكيم،  صاحبة الوعي العارم بقداسة الروح الإنسانية ، التي يتخطى دورها الحدود التقليدية للإدارة ويمتد إلى التفاعل الخلاب مع ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال الورش والتدريبات العلمية المختلفة على التمثيل، الرقص الإيقاعي، الغناء، العزف، الرسم، وصولا إلى مرحلة الاحتراف، ومن المؤكد أن هذه الإمكانات لم تأت من فراغ، لكنها نتاج للبحث والعلم والمعرفة والدورات التدريبية واستشارة الأطباء، ويذكر أن هذه التجربة تنتمي إلى عروض الدمج بين الممثلين المحترفين والشباب من ذوي الهمم، الذين رأيناهم في حالة مدهشة من الجمال والاكتمال، بحيث لا نتصور أبدا أنهم يعانون من التوحد، فرط الحركة، التشتت، سمات التوحد، الشلل الدماغي، الشلل الحركي، الرهاث ويعني الخوف والهلع، تلك الحالات التي أمكن علاجها بالمسرح وأصبح ذوي الاحتياجات الخاصة أعضاء فاعلين في المجتمع، يمتلكون ذاكرة الأمس واليوم والغد، ويصنعون وجودا من البهجة والفرح والاكتمال . 
مؤلف المسرحية هو الكاتب الكبير سعيد حجاج  الذي رسم أبعاد مغامرة إبداعية تنتمي إلى الفانتازيا والعجائب والأحلام، تمتلك مقدرة هائلة على كسر الواقع والمنطق ومعانقة أقصى درجات الخيال، الرسائل المطروحة تتجه نحو عقول وقلوب الأطفال والشباب والكبار، تبحث عن الحق والخير والجمال، تواجه اللصوص والكاذبين في كل مكان، تدافع عن الفن والمسرح والصدق والحرية والحياة، الدلالات تبدو ثورية تقدمية مدهشة، وردود الفعل تبعث أصداء عالية . 
مخرج المسرحية هو الفنان المتميز محمد متولي، الذي بعث حالة فنية شديدة الإبهار، أخاذة الجمال، منظور الإخراج يتميز بالسحر والبراءة والرشاقة ونعومة الانتقالات، والتوظيف الدقيق لتقنيات المسرح والحركة والتشكيلات السينوغرافية، الملابس والألوان والأحلام والخيال، تتضافر مع الضوء والحركة لتبعث احتفالا ثريا بالحياة والإنسان، ويذكر أن فعل إبداع هذه التجربة يفرض أن يكون المخرج على معرفة واسعة بالفلسفة الرومانسية وطبيعتها الجمالية، وأن يكون مدركا لأسرار الفانتازيا وأهدافها، تلك الحالة التي تحققت بالفعل مع تجربة كاندي كراش، التي سيظل أثرها باقيا في أعماق المشاهدين . 
تتخذ الأحداث مسارها في إطار تشكيل سينوغرافي متميز لمسرح مهجور، عاشت فيه الحشرات والحيوانات، فأصبح هو وطنهم ومملكتهم الأثيرة، إنها مملكة الكراكيب العظيمة التي يتزعمها الثعبان الطيب حنوش، التشكيل الجمالي للحيوانات يبدو خلابا ومثيرا للخيال، والأداء الدرامي للشباب والشابات من ذوي الهمم يأتي بهيا لامعا ولافتا، كاندي المهرجة الجميلة ابنة هذا المسرح، وزميلها المهرج كراش يعيشان شوقا عارما للعودة إلى عملهما في المسرح، معذبان بابتعاد الأطفال عن الفن الحقيقي واندفاعهم إلى ألعاب البوب جي وغيرها على الإنترنت، الأحداث السريعة الدالة تقود إلى اللقاء الأول بين البشر والحيوانات، اتفقا معا على ضرورة عودة الحياة للمسرح، كاندي وكراش يمتلكان إرادة عارمة، العرائس الجميلة الضخمة تملأ خشبة المسرح بالحياة، وحين يأتي بلومان يعلم الجميع أنه هو المستثمر، الذي سيشتري المسرح ليهدمه ويحوله إلى أبراج وعقارات، مدير المسرح متواطيء معه، إرادة الخير والجمال في مواجهة الشر تبعث صراعا متوهجا يتبلور عبر الضوء والحركة والغناء، أبعاد المؤامرة تتكشف ، ويدرك الجميع أنهم أمام نصاب محترف، وقرروا أن تنتهي الصفقة المشبوهة . 
يأتي زعيم مملكة الكراكيب ويخطف عقد البيع المزور، المدير والمستثمر يدركان أنهما وقعا في إثم مخيف، فيقررا أن يعيدا الحياة إلى المسرح، وهكذا نعايش عبقرية الجمال المدهش مع الافتتاح الذي يكاد يأخذنا إلى جماليات مسارح برودواي وسحر ديزني، وإرادة الفن والحياة .
شارك في المسرحية الفنانون الكبار أشرف عبد الفضيل، محمد دياب، والجميل محمود أمين هنيدي، شيماء عبد الناصر، مع الشابات والشباب من ذوي الهمم . 
كان الديكور لحازم شبل، والإضاءة لإبراهيم الفرن، والاستعراضات لضياء شفيق، والألحان لحازم الكفراوي . 


وفاء كمالو