العدد 772 صدر بتاريخ 13يونيو2022
تم مناقشة رسالة الماجستير بعنوان «توظيف التراث في مسرح ممدوح عدوان» مقدمة من الباحث طارق عبد الله ورد، وذلك بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة البعث، وتضم لجنة المناقشة الدكتور مروان غصب، اختصاص الآدب الحديث - مسرح بجامعة البعث (رئيسًا وعضوًا)، والدكتورة رشا العلي، اختصاص الأدب الحديث - نثر بجامعة البعث (مشرفًا)، والدكتورة وفاء استانبولي، اختصاص الأدب المقارن بجامعة البعث (عضوًا). والتي منحت الباحث من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الماجستير.
وجاءت رسالة الماجستير الخاصة بالباحث طارق ورد:
قضية التراث من أكثر القضايا التي تعرّض لها الباحثون والمنظِّرونَ العرب في الفنّ المسرحيّ، وقد تطوّرَ استخدام التراث تطوُّراً كبيراً، فأصبح سمةً يتّسمُ بها معظم الإنتاج المسرحي العربي.
ومن أهم مَن وظف التراث في أعماله المسرحية الكاتب ممدوح عدوان الذي يمم وجهه شطرَ التّراث العربي والإنسانيّ، فنهل منه وعالج به قضايا تهم الإنسان العربي؛ لذا جاء هذا البحث ليكشف الستار عن مسرحه وليستجلي مفهوم التراث، موضحاًكيفية توظيفه ودوافعه ومستوياته وأنواعه في أعماله المسرحية.
وبناءً عليهِ جاء عنوان هذه الدراسة (توظيف التّراث في مسرح ممدوح عدوان)
وإضافةً إلى دراسة المضمونات التراثية سيقف البحث على بعض التقنيات الفنية في مسرحه.
وأهمية البحث تكْمُنُ في:
1. دراسة عَلَمٍ من أعلام المسرح لم توفِّه الدّراساتُ حقّه في توضيح مدى إسهامه في تطوير العمل المسرحي، وهو يحتاج إلى أكثر من عمل ليغطّي جوانبه كاملةً.
2. التّوجُّه نحو الجانبِ التّطبيقيّ في التّعامل مع مسرح عدوان.
3. محاولة الكشف عن كيفية تعامل عدوان مع البنيات التراثية المختلفة التي أغنت موضوعاته.
ومن الأسباب التي دعتني لاختيار هذا البحث:
1. القيمة الثقافية لعدوان وأثره في الحركة المسرحيّة والنّقديّة.
2. غنى مسرحه على الأصعدة جميعها الفنّيّة والثّقافيّة والمضمون الجدّي الذي يحمل رسالةً إنسانيّة.
ومن الصّعوبات التي واجهت البحث:
1.ضخامةُ الإنتاجِ المسرحيّ للكاتب، إذْ إنّها تقع في ثلاثة مجلّدات.
2.المسرح أقلّ الأجناس الأدبيّة دراسة مقارنة بالشّعر وفنون النّثر الأخرى.
3.صعوبات تتعلق بطبيعة مسرح عدوان، ولجوئه في بعض الأحيان إلى الرّمز والغموض.
4.قلّة الدّراسات التي تناولت مسرح ممدوح عدوان، ونذكر منها:
1.مسرحيات ممدوح عدوان الشخصية- الفضاء، رسالة دكتوراه، زيدون جميل الشوفي.
2.مجلّة الحياة المسرحيّة، العدد /56/ 2005 م الذي خصّصتْهُ لدراسة حياة ممدوح عدوان وأعماله.
3.الدراسة التي قدمها د.غسان غنيم في كتابه المسرح السّياسيّ في سوريا.
4.الدراسة التي قدمها الدكتور علي الراعي في كتابه المسرح في الوطن العربي وقد تحدث عن بعض المسرحيات لعدوان.
5.إضافةً إلى مجموعة من المقالات التي نُشِرَت في الدّوريات والصُّحف المحليّة والعربيّة.
وقد استعان البحث في هذه الدِّراسة بالمنهج الوصفيّ التَّحليليّ، والمنهج التّاريخي،وهما الأقدر على تتبّع جزئيّات البحث.
وقد سعيت في هذه الدراسة، فسرت على نهج لم أكن فيه بأول، وأدرت الدراسة على أربعة فصول اشتمل كل منها على عدد من المحاور، ومقدمة وتمهيد وخاتمة.
المقدمة ذكرت فيها أسباب اختياري لموضوع البحث وأهميته ومسوغاته والصعوبات التي واجهتني في أثناء إعداد البحث.
أما التّمهيد: فقد عرّج فيه البحث بعجالة على بدايات المسرح العربيّ، وذكر بعض الآراء المتناقضة حول مسألة: هل عرف العرب الفن المسرحي في تاريخهم قبل منتصف القرن التاسع عشر أم لم يعرفوه؟ ومن ثم ذكر قضية التأصيل لمسرح عربي له هويته ومرتكزاته ومقوماته انطلاقا من واقع المجتمع العربي،وتناول بشيء من التفصيل مسألة التراث وعلاقته بالمسرح العربي، ووقف على بعض التعريفات والرؤى حول مفهوم التراث وطريقة توظيفه في الأعمال المسرحية. ومن ثم عرج البحث على المراحل التي مر بها المسرح السوري ابتداءً من أبي خليل القباني حتى وقتنا الراهن. ومن ثم عرّف البحث بالكاتب ممدوح عدوان وتحدث عن تجربته مع الفن والإبداع.
ومن ثم جاء الفصل الأوّل: تحت عنوان(توظيف التراث التاريخي في مسرح ممدوح عدوان)، فبدأ البحث بمدخل نظري مبيناً الفرق بين نظرة المؤرخ ونظرة الأديب للأحداث والشخصيات التاريخية، وقام البحث بتحليل ثلاث مسرحيات لعدوان اعتمد فيها على التراث التاريخي. وهي:
1.مسرحية (ليل العبيد) التي قام عدوان فيها بتسليط الضّوء على أهم الأحداث الّتي وقعت في عصر النّبيّ محمد صلى الله عليه وسلَّم،والتّغيّرات المجتمعيّة والعقائدية التي حدثت في تلك الحقبة المهمّة من حياة المجتمع العربيّ،والحدث الرئيس في المسرحية هو فتح مكة على يد المسلمين، وقد قدم عدوان تلك الأحداث من وجهة نظر ثلاث شخصيات محورية تمثل تيار العبيد وهي: وحشي بن حرب، والشاعر الحطيئة، والصحابي بلال بن رباح الحبشي، وقد وقف البحث على تحليل هذه الشخصيات مستظهراً أبعادها النفسية ونظرتها لما وقع في تلك الحقبة.
2. والمسرحية الثانية (كيف تركت السيف؟) التي تناول فيها عدوان موضوع الصِّراعِ بينَ الحاكم والمحكوم، والقولِ والفعل، ولترسيخ هذه القضية استدعى شخصيّة أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، والسبب لاختيارِ عدوان أبا ذرّ هو أنَّهُ كان صوتَ الإسلامِ النّقي أمامَ من فرّغوا الدِّين من جوهرِهِ الأساسيّ، وحوّلوه لمصلحتهم.
وقد نقل عدوان فيها تصوُّراتِه عن تلكَ الأحداث، وانعكاسها على واقع الإنسان العربيّ المهزوم في عصرنا.
3. مسرحية (محاكمة الرجل الذي لم يحارب)التي وصف فيها عدوان معاناة الفقراءِ الذين يطلبُ منهم أسيادهم الدِّفاعَ عن أوطانهم، والحدث الرّئيس فيها هو سقوط بغداد في يد التّتار بقيادة (هولاكو)، فتُقامُ محكمةٌ لمحاكمة رجل من عوام الشّعب؛ توجَّهُ له تهمة عدم محاربة الأعداء والتهاون في الدفاع عن وطنه.
وأما الفصل الثاني فقد جاء تحت عنوان (توظيف التراث الأدبي في مسرح ممدوح عدوان) واشتمل على محورين:
أولهما توظيف الأدب الشعبي الذي وظف فيه عدوان كتاب ألف ليلة وليلة في مسرحية (حكايات الملوك) التي أعاد فيها الكاتب صياغة شخصية شهرزاد، ومن ثم جعلها نسيجًا مِن كل شخصية من شخصيات المسرحية.
وفي المحور الثاني تناول البحث فيه توظيف الأدب العالمي الذي استلهم منه عدوان مسرحية (هاملت) لوليم شكسبير في مسرحية (هاملت يستيقظ متأخرًا).
وأما الفصل الثالث فقد جاء تحت عنوان (توظيف التراث الشعبي في مسرح ممدوح عدوان) وقد ذكر البحث أربعة أشكال لهذا التراث.
الحكاية الشعبية وقد وقف البحث على تحليل مسرحية (سفر برلك) التي اعتمد فيها عدوان على مرويات الناس عن تلك الأيام وما لاقوه من جوع وقهر.
وتناول صورة البطل الشعبي موضحا مفهومه وقام البحث بتحليل صورة بطل شعبي ذكره عدوان في مسرحية (المخاض) التي كرسها للتحدث عن شخصية (شاهين) ذلك المتمرد على حكم الفرنسيين أيام الانتداب الفرنسي على سوريا.
ومن ثم درس البحث توظيف المثل في مسرح عدوان، فتناول بالدراسة بعض الأمثال العامية والفصيحة التي استدعاها الكاتب في مسرحيته.
ومن ثم درس البحث توظيف الأغنية وذكر بعضاً من الميادين التي وظف فيها عدوان الأغنية.
وأما الفصل الرابع فقد جاء تحت عنوان (التقنيات الفنّية في مسرح ممدوح عدوان)
وذكر البحث عدداً من هذه التقنيات منها:
الشخصية: ووقف البحث على تحليل بعض من الشخصيات التي ذكرها عدوان في مسرحياته، مبينا أنواعها ومستوياتها وأنماطها، ومن ثم تناول البحث تقنية الراوي وآليات توظيفه وأدواره المتعددة التي برع عدوان في تقديمها، ومن ثم درس تقنية الجوقة وحلل البحث عدداً من صورها والطرقَ التي قدم عدوان فيها هذه التقنية، ومن ثم تناول بالدراسة تقنية الحوار واستظهر البحث عدداً من الحوارات في أعمال الكاتب.
ومن أهم التقنيات الفنية التي درسها البحث: المونودراما؛ لأنها أخذت حيزاً كبيراً في نتاج عدوان؛ فله أربع مسرحيات تقوم على المونودراما، وهي: القيامة وحال الدنيا والزبال وأكلة لحوم البشر.
وقام البحث بتحليل شخصياتها ودراسة أبعادها النفسية والأخلاقية والجسدية.
وأما الخاتمة فقد ذكر البحث فيها أهم النتائج التي توصل إليها، ومنها:
1. أنّ علاقةَ المسرحِ العربي بالتَّراث علاقة متجذرة، فهما مترابطانِ ومتشابكان، ولا يمكن الفصل بينهما؛ لأنّ توظيف التُّراثِ بدأ مع المسرحِ العربيّ، وظلَّ مرافقاً له في مراحله كلِّها حتّى عصرنا، وعلى الرّغم من تطوُّر الأدواتِ الفنّيّة للكُتّاب المسرحيين العرب، لكنّهم لم يخرجوا من عباءة التُّراث، بل إنّ المسرح السوري اكتسب هويّته وريادته بوساطة هذا التراث، ومن ثم تعددت مصادر التراث في أعمال الكتاب المسرحيين.
2. وفي مضمار توظيف التّراث التّاريخيّ، وظّف عدوان الحوادث والشخصيات من التّاريخ العربيّ والإسلاميّ في عصوره المختلفة،وكان الهدف المباشر من توظيف هذا التّراث عنده: هو تحقيق عمليّة التّواصل بين العرض المسرحيّ والمتلقي ومخاطبة الجمهور عبر تعلّقه بالماضي، وكان ذلك خطوة أوّلية لمناقشة بعض الأفكار التي تحوّلت إلى بدهيّات، فكان لابدّ من إعادة النّظر فيها.
ولم يكن توظيف الأحداث التاريخية مقصوداً لذاته، بل لرمزيته، ومن هنا ركّز عدوان على دور الفكر الإصلاحي في الواقع العربي الراهن،وقد أراد عدوان مِن ذلك توجيه الناس في زماننا إلى تعلم الدرس من الماضي، فيصبحون قادرين على تحقيق النّصر لأفكارهم، ويُنهون الجوع والقهر من حياتِهِم، وهذا الأمر لا يتحقَّقُ إلّا إذا كان القول مقترناً بالعمل.
وقد تميز عدوان بطرحهِ الجريء، الّذي افتقدهُ كثيرٌ من المثقفين والأدباء؛ وقد قدم هذه الأحداث والشخصيات بقالب فنّيٍّ دراميّ إبداعيّ ناضج.
3. وأما توظيف عدوان للتراث الأدبي، فكان الهدف منه تحريض الناس وإخراج الكبت الذي كانت تعيشه الشخصيات، وقد حاول عدوان إخراج كتاب ألف ليلة وليلة من التصور الجامد عنه، وإعادة صياغة حكاياته بما يتلاءم مع الواقع المعاصر للإنسان العربي.
وعدوان لمْ يكتفِ بتوظيف تلك النصوص فحسب، بل أضافَ إليها ليعكسَ بها قضايا وأحداثَ تتوافقُ مع الحالة الراهنة للمجتمع العربيّ.
فشخصيَّاتُها وأحداثُها وصراعاتُها كلُّها تعبِّرُ عن واقعٍ عامّ يعيشُهُ كلُّ مجتمعٍ، ولا سيَّما المجتمع العربيّ.
4. وأما توظيف التراث الشعبي فكان أكثر أنواع التراث حضوراً في مسرحيات عدوان؛ لما له من أثر في حياة الناس وقربه من أنفسهم؛ ولا سيما أن أشكاله التي ذكرها البحث سواء الحكاية الشعبية والبطل الشعبي والأغنية والمثل هي من نتاج الشعب نفسه فكانت تعبيرًا صادقًا عن كل ما يجول في خاطر الشخصيات، لذا كان لها هذا الحضور البارز.
ومما زاد في قوة هذا النوع من التراث كون عدوان له معرفة كبيرة بتلك المرويّات؛لأنّه ابن البيئة الريفية، ويحفظُ في ذهنه ما تناقلته الألسنة، وما حفظته الذّاكرة الجمعيّة للناس.
فهي لم تكن مجرد حالة فنّيّة، بل تحمل في طيّاتها ذاكرةَ الماضي، وروح الواقع.
5.وأما على الصعيد الفني فقد أولى عدوان الجانب الفنّيّ اهتماماً كبيراً في طريقة تقديمه لنتاجه المسرحيّ؛ لأنّ العملَ المسرحي يتكامَل فيه الشّكلُ مع المضمون، وبعد أن توقف البحث على عدد من التقنيات الفنّيّة وجد أن منها ما هو تراثي متواتر (الجوقة، الراوي)، ومنها ما هو جديد (المونودراما) وهي من أكثر التقنيات حضوراً في مسرحيات عدوان فقد عالج بها عدداً من القضايا الاجتماعية والنفسيّة، وقدَّم عدداً من المُشكلات التي تواجه الإنسان العربيّ، وفي العموم كان أبطالها من الرِجال، في حين كان صوتُ المرأة ضعيفاً، وكان تّركيز عدوان فيها على الأفكار الإصلاحيّة التي تبدأ من الأطفال، فهو الحلُّ لإنقاذ المجتمع، عسى أنْ ينشأ جيلٌ تَقِلُّ فيه الفروق الطبقيّة، وتُبعَثُ الإنسانيَّة في الأرواح والقلوب من جديد.
6. وفي العموم كان مسرح ممدوح عدوان مسرحاً ناضجاً فكريّاً وفنّيّاً، وقد اعتمد على التّراث العربي والعالميّ، وقد عالج عدوان مجموعةً من القضايا السّياسيّة والاجتماعيّة بوعي ووضوح وجرأة وبقدرات فنّيّة عالية.