الوسائط الحية المسرح والتقنيات التفاعلية(2-2)

الوسائط الحية المسرح والتقنيات التفاعلية(2-2)

العدد 769 صدر بتاريخ 23مايو2022

التقاط الحركة في الوقت الفعلي: عرض «العاصفة» 
 ما جذبي إلى مسرحية “العاصفة”، التي أخرجتها في ربيع عام 2000 هو تحدي تصوير سحر المسرحية، ولاسيما التجسيد النهائي لشخصية “أريل “ . اذ تركز العديد من التفسيرات علي تجاور أريل وكاليبان، مفسرين أن هاتين الشخصيتين متناقضتين ومتكاملتين . وهذا التأكيد منطقي لكنه يتجاهل حقيقة أن أريل يوجد علي مستوى آخر من والواقع مختلف عن الشخصيات الأخرى، ومن ضمنها كاليبان . فأريل ليس كائنا من لحم ودم: فهو روح شفافة بلا شكل محدد، خفي بالنسبة للجميع فيما عدا بروسبيرو، الشخصية الوحيدة الواعية بوجوده . ولديه القدرة علي الظهور والاختفاء في ومضة ويحول نفسه إلى أي شكل يريده . فكيف يستطيع ممثل بشري أن يمثل الطبيعة الأثيرية لهذه الشخصية ؟ وقد كانت التكنولوجيا دائما العنصر الأساسي في هذه المسرحية: والارشادات المسرحية في نسخة 1623تدعو إلى حيل غريبة لانجاز مآثر أريل . وحيل العصر الحديث التقنية التفاعلية ملائمة لمواجهة تحديات هذه المسرحية . 
 ولم يكن استخدام الوسائط الرقمية في عرض مختبر الأداء التفاعلي مجرد حيلة تقنية لابتكار عرض علي خشبة المسرح . الأهم من ذلك أنها ساعدت في اظهار رؤيتي بأن نوع السحر الخاص ببروسبيرو متأصل في التحكم بالعقل: يتلاعب بروسبيرو، من خلال أريل بمفاهيم الواقع عند الشخصيات الأخرى . اذ يقدم السحري في المسرحية استعارة مرتبطة بعالمنا بعد الحداثي، حيث يعاد تشكيل الواقع وتغذيته باستمرار من خلال استخدام آلة الوسائط الضخمة . فالوسائط الرقمية بوجه خاص تصبح أدوات فعالة وتقدم هالة صدق خارقة للطبيعة للصور المتغيرة أو المنتجة بكاملها من القماش . 
 هيمنت شاشة عرض ضخمة بطول 32x 18 علي المشهد في عرض مختبر الأداء التفاعلي، صممها ألين بارتريدج . أحاطت الشاشة صخرتين كبيرتين . وفي ظل إحدى الصخرتين راقب بروسبيرو الجزيرة من خلال جهاز تليسكوب كبير . وأعلى الصخرة الأخرى قفص كبير يحمل أريل، ويستخدم كتذكرة دائمة لعبودية أريل الطوعية لبروسبيرو . والمنطقة الوسطي الواسعة من خشبة المسرح، والتي نسميها « صوت خشبة المسرح «، كانت خالية الا من صخرتين صغيرتين . وقد حدثت الغالبية العظمى من مشاهد المسرحية، ولاسيما كل المشاهد التي تجسد زوار السفينة الغارقة في الجزيرة، في هذا الفراغ . 
 وفي تفسيري، فان كل ما رأته الشخصيات أثناء وجوهم علي الجزيرة كان خياليا صنعه بروسبيرو بدقة . إذ كانت بيئة الجيرة إيهاما مبتكرا بواسطة صور الفيديو التي ملئت شاشة العرض الضخمة . ولم تكن هذه الشاهد الافتراضية جامدة، بل تضمنت حركات دقيقة: أمواج دارت ببطء للداخل والخارج، أشجار و عشب تمايلا برقة مع الريح، وفراشات رفرفت لإضفاء لحظات رومانسية . وبينما تحركت الشخصيات خلال الجزيرة (أو علي الأقل ظنوا أنهم يتحركون خلالها) عكس المنظر تغيرات في الموقع والطقس والزمن علاوة علي ذلك . وقد تحفزت هذه التغيرات الافتراضية والحركات باستخدام لوحة مفاتيح من خارج خشبة المسرح، مثل عرض « الشعر « بالتحديد . واستخدمنا نفس التقنية للمؤثرات الخاصة خلال العرض . فمثلا ظهرت المأدبة المليئة بالطعام لاثارة النبلاء في الفصل الثالث، وأدت كائنات خرافية من حفل الزفاف من خلال أقنعة في الفصل الرابع، وظهرت صورة فيديو لميراندا وفيردناند يلعبان الشطرنج داخل قمر كبير الحجم في الفصل الخامس . 
 ورغم ذلك، كان الجانب الأكثر فعالية في هذا العرض هو استخدامه لتقنية التقاط الحركة في زمنها الفعلي، وقد كان هذا هو أول استخدام لهذا النوع من التكنولوجيا في العرض الدرامية، علي حد علمي . فقد قمنا بتجنيد الصور المتحركة لحل مشكلة تمثيل الطبيعة غير الجسدية لأريل وقدراتها السحرية . فقد سمحت لنا تقنية التقاط الحركة أن نقدم أريل كرسم متحرك علي الكمبيوتر وكممثلة حية في نفس الوقت (واستخدمنا امرأة لأداء الدور) . وقد وضعت هذه التقنية الممثلة تحت سيطرة مباشرة لكلام وحركات الصورة المرسومة بالتحريك، وحافظت علي قدرة أريل علي الاستجابة للأحداث علي خشبة المسرح بشكل دينامي. 
 وقد أدت الممثلة الحية أمام الجمهور مع مجسات مربوطة في رأسها، ورسغها وكوعها ووسطها وركبتيها وساقيها. ونقلت هذه المجسات معلومات مفصلة عن حركات الممثلة للكمبيوتر الذي أنتج رسوما متحركة ثلاثية الأبعاد لأريل. وقد عرضت هذه الرسوم المتحركة إما علي شاشة كبيرة خلف منطقة الصوت أو علي شاشة أصغر داخل زنزانة بروسبيرو . وقد سمح إدراك برنامج الصوت بالمقارن مع صوتيات الممثلة في الوقت الفعلي لشفاه الرسم المتحرك أن يتحرك تلقائيا في تزامن مع صوت الممثلة . ولم يكن الجانب الوحيد لأداء أريل في الرسم المتحرك تحت السيطرة المباشرة للممثلة هو تعبيراته الوجهية، الذي كان يسيطر عليه مشغل من خارج خشبة المسرح . 
 لن يعترف الممثلون الأحياء بأريل الحية في صورة التقاط الحركة . وعندما تفاعلوا مع أريل، كان تفاعلهم مع الرسم المتحركة الذي وجهته. وكان الاستثناء الوحيد في نهاية المسرحية عندما يحرر بروسبيرو أريل بفتح القفص وإزالة المجسات من جسمها، وعند هذه النقطة هرعت الممثلة بين المشاهدين خارج المسرح، وتركت بروسبيرو وحده في عالم الوسائط الخالي وقد بطل سحره . 
 وقد كانت أغلب التفاعلات الممتدة بين أريل وبروسبيرو . ولعرض هذه المشاهد الحاسمة، تبنيت استراتيجية مختلفة عن تلك التي استخدمتها في عرض «كاسبار « . فأثناء عرض «كاسبار « استخدمت التكنولوجيا التفاعلية في التدريبات من بداية العملية، وفي عرض «العاصفة» أجلت بشكل متعمد التدريبات الطويلة باستخدام التكنولوجيا حتى آخر بروفة . والسبب في هذا الفرق هو أن التفاعل الأساسي عرض «كاسبار « كان بين الممثل والوسائط، بينما في عرض «العاصفة» كان التفاعل الأساسي بين ممثلين فعليين . وقد عملت جينفر سنو التي لعبت دور أريل مع نظام التقاط الحركة في المختبر لعدة ساعات في عملية التدريبات لكي تشعر بالقيود البدنية التي فرضها المجسات علي حركتها . والأهم من ذلك أنها استكشفت كيف بدت طريقة حركتها عندما رسمناها برسوم الجسم ثلاثية الأبعاد استخدام التحريك وطورنا مفردات الحركة التي وافقت جسمها الافتراضي بشكل مريح وعبرت عن نوايا الشخصية وتوجهاتها وحركاتها . وكانت تعود إلى المعمل بشكل دوري بعد هذه الجلسات المبكرة لمواصلة التدرب مع المجسات . 
 ورغم ذلك، كانت الغالبية العظمى لتدريباتها في مساحة خالية من التكنولوجيا، حيث عملت مع الممثل الذي يلعب بروسبيرو . وفي هذه التدريبات وقفت في الموضع الذي يمكن أن يشغله عرض الرسوم المتحركة في النهاية فضلا عن الجانب الآخر من خشبة المسرح، أي في قفص أريل الذي يُفترض أنها تشغله أثناء الأداء . وفي العروض الفعلية، لم تكن سنو قادرة علي النظر في اتجاه بروسبيرو، لأنها يمكن أن أن تسيطر علي كل حركة وإيماءة في الرسوم المتحركة، اذ كان يمكنها افتراض أوضاع ملائمة للرسوم المتحركة المعروضة عبر خشبة المسرح . ولذلك يمكن أن تحتاج صورة واضحة لكل حركة في كل مشهد من منظور الرسوم المتحركة . فمثلا، عندما كان بروسبيرو علي يسار خشبة المسرح وفي خلفية المسرح بالقرب من الرسوم المعروضة، كانت سنو نفسها في أقصى يسار خشبة المسرح وأقرب قليلا من بروبسبيرو في أعلى المسرح: فإذا نظرت إلى بروسبيرو فعلا، فتبدو الرسوم المتحركة وكأنها بعيدة . علاوة علي ذلك، احتاجت أن تكون حساسة جدا تجاه الممثل الذي يلعب دور بروسبيرو حتى يمكنها موائمة أدائها تلقائيا مع التنويعات الدقيقة في الأداء كل ليلة، معتمدة تقريبا علي صوته للإشارة إلي استجاباتها . وتطلبت إستراتيجية تدريباتنا قفزة كبيرة في الإيمان من جانبي ومن جانب الممثلة . وقد حققت الإستراتيجية نجاحا أكبر مما كنت آمل . استوعبت سنو بشكل فعال ساعات التدريبات المباشرة وتواءمت مع السهولة الملحوظة لنقطة وقوفها بالنسبة لبروسبيرو . 
 وفي المشاهد بين أريل وبروسبيرو، رُسمت حركات الممثلة الحية صراحة علي حركات الرسوم المتحركة . بمعنى أنه، عندما ترفع الممثلة ذراعها الأيسر يرفع الرسم ذراعه الأيسر . ورغم ذلك في بعض المشاهد الأخرى، عالجنا مدخلات المجسات بوضوح أقل . فمثلا أثناء حفل الزفاف في الفصل الرابع، رقصت أريل، وهي علي هيئة الالهة سيرس، مع ميراندا وفيردناند . وانقسم الرسم المتحرك لسيرس إلى جزءين، ثم اندمجت الصورتان فيما بعد في صورة الالهة جونو لكي ترقص الرسوم المتحركة الأربعة علي الشاشة، وقد سيطرت سنو عليهم في الوقت الفعلي . وعندما اتخذت أريل شكل هاربي المتوحشة، التي ملء وجهها الشاشة، تحولت حركات الممثلة الجانبية وحركات الرأس إلى رسوم متحركة ومن ناحية أخرى ارتبطت حركة الرأس للأمام والخلف بصوت الممثلة: إذ تحركت الرأس تلقائيا أكثر بينما يرتفع الصوت . 
 وبالمثل عندما غنت أريل، اتخذت شكل فقاعة متموجة لدرجة أن الممثلة لفتتها بيدها عبر الشاشة . واستخدمنا برنامج التعرف الصوت في هذه الحالة لتغيير شكل الفقاعة، حيث ينشئ كل صوت شكلا مختلفا ويعدل حجم الصوت . وحدث التطبيق الأكثر غرابة في تقنية التقاط الحركة في الجزء العلوي من اللعبة عندما ابتكرت أريل العاصفة . وقد حدث المشهد علي سطح السفينة . وقد أوضحت الشاشة في خلفية المسرح البحر العاصف من خلف الشخصيات . وقد رفعت سنو ذراعيها في وضع الصليب، وابتكرت خطا موازيا للأفق . ومثل ذراعيها تضحية المحيط، وبينما تمايلت من جانب إلى آخر واندفعت إلى الأمام والى الخلف، تحرك البحر معها . وبهذه الطريقة لعبت الممثلة دور البحر، الذي لم يصبح سوى مشهد غير متحرك لكنهه وسيط فعال . 

العلاقة بين المؤدي والوسائط: التصنيف 
 يستخدم هذا المثال الأخير، في الخلط بين أدوار المشهد والوسيط باعتباره مجازا ملائما لتغير العلاقة بين الوسائط والأداء الحي في المسرح اليوم . وقد تم تفسير الوسائط في المسرح (الوسائط الرقمية وغيرها) كعنصر تصميم، خليط بين الإضاءة وإعداد المشاهد . وفي أعمال الرواد مثل جوزيف سفوبودا، في تصميمات مارك ريني للواقع الافتراضي في جامعة كنساس وتوظيف الوسائط أساسا كمشاهد افتراضية لتحديد البيئة التي يحدث العرض بداخلها . 
 ولاشك أن طريفة فهم العلاقة بين الأداء الحي والوسائط، بينما هي ملائمة تماما، فإنها محدودة . ولأنني أجرب في الوسائط التفاعلية في عروضي وفي فصولى الدراسية أيضا، فقد تأثرت كثيرا بتنوع الأدوار التي يمكن أن يؤدوها داخل حدث العرض . اذ ميزت في عروضي علي الأقل بين اثنتي عشرة طريقة في العلاقة بين الأداء والوسائط . ولاحظ أنني أميز العلاقات في إطار الوسائط عموما، وليس الوسائط التفاعلية فحسب . وأن أي علاقة من علاقات المؤدي /الوسائط يمكن تعزيزها من خلال استخدام التفاعل، ولكن لا تحتاج أي علاقة منهم ذلك . وأقدم هذه القائمة كبداية لتصنيف عام ليس شاملا وليس حصريا . 
 إعداد المشاهد الافتراضي: توفر الوسائط ستارة خلفية توضح البيئة التي يحدث فيها الفعل المقدم علي خشبة المسرح . ويمكن أن يكون هذا المشهد ساكنا أو متحركا . فمشاهد الجزيرة المعروضة في “ العاصفة “ تضخم استخدام الوسائط في العرض . 
 الأزياء التفاعلية: تقلب الأزياء التفاعلية العلاقة الناشئة بين إعداد المشاهد الافتراضية : بينما توفر المشاهد الافتراضية يؤدي الممثلون أمامها، وتستخدم الأزياء الافتراضية جسم الممثل الحي كلوحة للوسائط . رسم مصمم الرقصات ألوين نيكولاس الراقصين بأنماط مختلفة من الإضاءة و وتجرب فرقة جرترود شتاين التذكارية في عرض صور الفيديو علي الأقنعة . وأثناء المشهد الأخير من مسرحية كاسبار دخل إلى خشبة المسرح تسعة أزواج من كاسبار دخلوا إلى خشبة المسرح وتم إعطائهم جميعا كمامات سوداء، بها أنوار ليد، وكانت كلها تومض بنفس النمط المتغير في تزامن مع نوتة موسيقية يولدها الكمبيوتر التي وصلت إلى الذروة حتى اللحظة الأخيرة في المسرحية . 
 المنظور البديل: تصف الوسائط الأحداث المجسدة علي خشبة المسرح من منظور بصري آخر . وفي خلال مشهد من عرض « الشعر «، بينما قفز الممثلون من طائرة عمودية خيالية بأجنحة علي الشاشة رأى المشاهدون صور الرجال كظلال تسقط بالمظلات من الطائرة العمودية لتوضيح الحدث من وجهة نظر أخرى. 
 المنظور الذاتي: تصف الوسائط أفكار أو أوهام أو أحلام بعض الشخصيات علي خشبة المسرح . فقد ضخمت صورة كلود وهو يسقط في الدوامة هذا الاستخدام للوسائط، كما فعل تتابع الكابوس الممتد الذي تخيل فيه كلود سلسلة من أيقونات الثقافة الشعبية (من بينها فرقة الخنافس، وباجز بوني وسوبرمان و مايتي ماوس) يدمرون بعضهم البعض . 
 التوضيح: توضح الوسائط كلمات المؤدي. وهذا الدافع المشترك في استخدام الوسائط يمكن أن يكون فعالا في حالات معينة . ورغم ذلك، غالبا ما يكون متكررا. ولا أشجع الدارسين علي استخدام الوسائط بهذه الطريقة في مشروعاتهم وعادة ما أتجنب استخدامها في عروضي. ومع ذلك، فقد لجئت إلى الوسائط التوضيحية. كما في عرض «الشعر» عندما غنى الممثلون أغنية «جسمي يسبح في الفضاء» بينما شاهد الجمهور صور أجسامهم يفعلون ذلك. وهذا الاستخدام للوسائط له وظيفة ثنائية، رغم ذلك، لا تستخدم فقط كتوضيح صريح لكلمات الأغنية ولكن أيضا كممر تعبيري لهلاوس الشخصيات . 
 التعليق: الوسائط لها علاقة ديالكتيكية مع حدث خشبة المسرح أو تستخدم كتعليق ملحمي علي استخدام اروين بسكاتور للشرائح ولقطات السينما التسجيلية لأن المخرج في العشرينيات من القرن الماضي يوفر نموذج لهذا الاستخدام للوسائط، الذي حاكاه عرض «الجرائد الحية» في الثلاثينيات. وقد وفر عرض «الشعر» مثالا مباشرا للوسائط كتعليق وصفت الصور الفوتوغرافية اثنين من الممثلين يغنيان “ مما صنع الإنسان “ أهوال حرب فيتنام التي ظهرت علي الشاشة وأبرزت سخرية كلمات الأغنية . 
 الوسائط الرقمية: توجد الوسائط الرقمية داخل عالم السرد – مثلا، عندما تشغل إحدى الشخصيات الراديو أو التليفزيون لم يفهم كاسبار صور الأثاث علي الشاشة كقطع أثاث فعلية في الغرفة، ولكن باعتبارها تمثيل ابتكره المحفزون لإرشاداته . وفي عرض العاصفة احتوت زنزانة بروسبيرو الخاصة شاشتي فيديو كررت ما يعرض علي الشاشة الكبيرة . وهدف هاتين الشاشتين هو توضيح المناظر الطبيعية للجزيرة للمشاهدين، التي قبلتها جمع الشخصيات باستثناء بروسبيرو وأريل باعتبارها حقيقية، وهو صور ينتجها بروسبيرو . وبالتالي، لم تكن الصور الموجودة علي الشاشة أمثلة للوسائط الرقمية فقط، بل الأهم، أن الشاشات استخدمت لإبعاد الجمهور عن الصور المعروضة على الشاشة الكبيرة، وتحويل تلك الصور من المشهد الافتراضي إلى الوسائط الرقمية . 
 الوسائط المؤثرة: يمكن أن تنتج الوسائط تأثيرا عاطفيا علي الجمهور . والوسائط المؤثرة غير رقمية ؛ وهي لا توجد في عالم الشخصية . والشكل الأكثر شيوعا هو خلفية الموسيقى التي تمنح الميلودراما اسمها، وهي منتشرة الآن في السينما . وبينما تكون الوسائط المؤثرة سمعية، فيمكن استخدام الوسائط البصرية أيضا لهذا الغرض. ففي العاصفة، استخدم بروسبيرو طاقمه السحري لمنح كاليبان بعض التقلصات . وبينما تلوى كاليبان من الألم، نبض وهج أحمر عميق علي المنظر الطبيعي الافتراضي . 
 الحس المركب: الوسائط المركبة مشابهة للوسائط المؤثرة، ولكنها لا تستخدم كثيرا لإخبار المشاهدين عن إحساسهم تجاه الأحداث علي خشبة المسرح فيما يتعلق بانعكاس العرض بشكل آخر. والحس المركب هو الشرط العصبي الذي يحفز فيه أحد الأعضاء الحسية تجربة إحساس آخر؛ فمثلا يمكن أن يسمع شخص الألوان أو يرى درجة الحرارة. والفقاعة المتموجة في عرض العاصفة التي تغيرت تلقائيا في الحجم والشكل استجابة لصوت أريل، كان مثلا كلاسيكيا للوسائط المركبة. إذ توظفت الرسوم المتحركة هنا مثل صورة الصوت، وترجمت إيقاعات الموسيقى والنغمة والكثافة في الصور. 
 الوسائط المفيدة: تستخدم الوسائط التفاعلية لابتكار أنواع جديدة من الوسائل، فمثلا يمكننا تغطية أرضية خشبة المسرح ببلاط حساس للضغط وبرمجة كل بلاطة لإصدار صوت مختلف أو صورة مختلفة عندما يدوسها المؤدي. وهذا الاستخدام للوسائط مماثل للحس المركب في أنه يمكن أن يتابع حركات المؤدي عن كثب. ورغم ذلك، في إطار سيميوطيقي، فان هذا الحس المركب أيقوني، بينما الوسيلة الافتراضية رمزية: العلاقة بين الحدث والتأثير ربما تكون عشوائية تماما، مادامت متوقعة. في الواقع، كل قطعة أثاث معززة بمجس في عرض كاسبار كانت وسيلة أخرى؛ وبمجرد أن عرف كاسبار كيف تعمل دانت له السيطرة عليها تماما عندما تم تشغيل الصوت. هذه الوسائل كانت بسيطة بالطبع، وسمحت لكاسبار فقط لتشغيل الصوت وإيقافه . 
الدمى الافتراضية: تخلق الوسائط مؤدي مضاعف. فمثلا الرسوم المتحركة لأريل في العاصفة كانت دمى افتراضية تتحكم فيها مملة فعلية مع نظام التقاط الحركة. ومثلما ينمحي الحس المركب في الوسائط المفيدة، تنمحي الوسائط المفيدة في الدمى الافتراضية. والفرق هو أنه في حين أن الوسيلة هي امتداد للمؤدي، إذ أنها نوع من الإضافة، توظف الدمية الافتراضية كمؤدي مضاعف. بمعنى أن الوسائل هي شيء يستخدمه المؤدون للتعبير عن أنفسهم (أو الشخصيات التي يؤدونها) ؛ فالدمية مؤدي افتراضي في ذاتها. وهذا الفرق يتضح عندما نتأمل كيف يوظف صوت المؤدي في الحالتين. فعندما يغني المؤدي أثناء اللعب بالأداة، لا يربط الجمهور الصوت بالأداة بل بالمغني. فالأداة تصاحب المغني. وبالمقارنة، لا يمكن القول أن الدمية تصاحب لا عب الدمى. بل أن لاعب الدمى بالأحرى مثل الممثلة التي تؤدي دور أريل تعطي صوتها للعروسة. 
الوسائط الدرامية: يوظف هذا النوع من الوسائط دراميا بالتفاعل مع المؤدي كشخصية في السرد . وقدم عرض «الشعر « عددا من الأمثلة البسيطة، مثلا عندما يطلق الهنود السهام نحو الرسوم المتحركة للجنود وعندما يطلق بوث المرسوم بالتحريك مسدسه نحو لنكولن الفعلي . وتناول عرض العاصفة استخدام الوسائط إلى أبعد من ذلك . بينما كانت العلاقة بين رسوم الكمبيوتر والممثلة التي تلعب دور أريل هي علاقة الدمية الافتراضية، فقد كانت العلاقة بين نفس الرسوم المتحركة والشخصيات الأخرى في المسرحية علاقة درامية . وأريل المرسومة بالتحريك كانت شخصية كاملة الأهلية في المسرحية . 

الوسائط الحية: 
تقدم عروض المختبر أمثلة لكل علاقات الإثني عشر مؤدي / وسيط التي حددتها كان التركيز الأساسي في تجارب المختبر المسرحية علي أساس نوع العلاقة السابقة. والكأس المقدسة بالنسبة لي كمخرج هو تقديم علاقة درامية بين المؤدي والوسائط، لمنح الوسائط وساطة حقيقية، لوضعهم في دور مساوي للمؤدين الفعليين. وتضع تقنيات الوسائط هذا الهدف في متناوله للمرة الأولى. 
 عندما تتفاعل الوسائط والممثلين الفعليين دراميا، ينشأ سؤالا وجوديا مثيرا: هل الوسائط التفاعلية حية أو لا؟ تأمل صورة أريل بالرسوم المتحركة في عرض العاصفة. هذه الصورة بالتأكيد ليست حية بمعنى الدم اللحم الإنساني. أنها ليست شيئا بدنيا مطلقا. إنها قطعة افتراضية . فصورة أريل بالرسوم المتحركة ليست حية بمعنى الإذاعة التليفزيونية، وليست إشارة فوتوغرافية ولا تليفزيونية لإنسان غائب بل ابتكار لفنان رقمي. وفي نفس الوقت، علي الرغم من أن حضور أريل المادي ليس حيا، فان أفعالها بحكم أنها مسجلة مسبقا. وأريل بالرسوم المتحركة لها قدرة التفاعل، والارتجال، وارتكاب الأخطاء مثل المؤدي الحي. 
ونظرا لأن حيوية أريل مستمدة من حيوية المؤدي الفعلي الذي يتحكم فيها. فكيف تكون أريل مؤثرة إذا لم تعتمد علي متحكم من البشر ؟ وماذا لو كانت أريل برنامجا مستقلا، روبوت بذكاء اصطناعي، قادر علي توليد العروض بذاته؟ مادامت البرمجة بارعة بالقدر الكافي لكي تتوائم بالطرق الجديدة وذات المعنى مع التنويعات غير المتوقعة في أداء الممثلين الفعليين، مثلما يمكن أن تكون أريل حية بنفس طريقة التقاط الحركة التي تسيطر علي أريل . ويقدم ألوكوير ستون وصفا إجباريا للتفاعل كوسيطين في المحاورة، اللذان يطوران بشكل هزلي وتلقائي خطابا متبادلا . لأن الوسائط تصبح تفاعلية بهذا المعنى (بمساعدة التقاط الحركة أو بدونها)، فإنها تقف في تعارض مع الأداء الحي . بل علي العكس، أصبح نوعا من الأداء الحي . فعصر الوسائط الجامدة وصلت إلى نهايتها . ونحن الآن في عصر الوسائط التفاعلية والحية . 
..................................................................................
•ديفيد سولتز : أستاذ مساعد للدراما ومخرج مختبر الأداء التفاعلي في جامعة جورجيا بالولايات المتحدة الأمريكية . 
•نشرت هذه المقالة ضمن منشورات جامعة جون هوبكنز –مجلة theater topics , v. 11 , no 2 , September 2001


ترجمة أحمد عبد الفتاح