دوارة والسلاموني بندوة ثقافية عن «تاريخ المسرح المصري» بصالون الأوبرا الثقافي

دوارة والسلاموني بندوة ثقافية عن «تاريخ المسرح المصري» بصالون الأوبرا الثقافي

العدد 769 صدر بتاريخ 23مايو2022

 عقد صالون الأوبرا الثقافي – برعاية الدكتور مجدي صابر رئيس دار الأوبرا المصرية، وإشراف الفنان أمين الصيرفي، بالمسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية، الأربعاء 18 مايو في السابعة مساءً ، ندوة ثقافية بعنوان « تاريخ المسرح المصري» والذي نظمته الإدارة العامة للنشاط الثقافي والفكري بدار الأوبرا المصرية، وباستضافة كلا من الناقد والمخرج المسرحي الدكتور عمرو دوارة، والكاتب المسرحي الكبير محمد أبو العلا السلاموني، وأدارت اللقاء الكاتبة شاهيناز الفقي.
 تأتي هذه الندوة احتفاء بميلاد المؤرخ المسرحي الدكتور عمرو دوارة، السابع والستين و التي حلت الأحد الموافق 10 مايو الجاري.         
                     
معظم المسرحيات لم تسجل ولم يتم توثيقها
في بداية حديثه، تحدث الدكتور عمرو دوارة عن مسرح أبو العلا السلاموني وأشاد بإسهاماته الإبداعية ومقالاته النقدية ودراساته الأدبية وقيمة مسرحه الذي وصفه أنه مسرح غزير جدا، مسرح المقاومة، مسرح ضد التطرف، والمسرح التنموي والتوعوي والشعبي، فالسلاموني - كما قال دوارة - هو مكسب كبير للثقافة المصرية.

دوارة: كنت حريصا على تجميع أجزاء الصورة الممزقة.
وبسؤاله عن بدايات المسرح قال دوارة : معظم المسرحيات لم تُسجل ولم يتم توثيقها، فالمسرح بدأ منذ عام1870 أي قبل السينما بما يقرب من نصف قرن  ولم يوجد ما يوثق تلك الأعمال، وأوضح أن رجال المسرح هم من شاركوا في صناعة السينما والمسرح والدراما، وأنه حريص جدا على تجميع أجزاء الصورة الممزقة، فالموسوعات المصورة قليلة جدا على مستوى العالم، ولم نجد من استطاع أن يحدد بداية المسرح. 
ثم تحدث عن الموسوعة المصورة قائلا:
أنها بدأت عندما كنت أجهز للماجستير والدكتوراه في فلسفة الفنون واكتشفت أن المركز القومي للمسرح منوط به التوثيق ، ومكتبة المسرح القومي في نفس المبنى، لكن ما بين الاثنين لا يوجد تعاون ، لذلك غير مسموح للمركز أن يحتفظ بالكتب أو الصور الموجودة في المسرح القومي والعكس.

 النصوص التي لم تقدم على خشبة المسرح المحترف لم تدخل في الموسوعة
وأوضح دوارة : أن الموسوعة المصورة تحتوي على 7500 عرضا مسرحيا وهي العروض الاحترافية منذ بداية المسرح المصري عام 1870 وحتى نهاية عام 2015 وهي كل ما أُنتج في القطاع الخاص والعام موثقا  بثلاث  صور لكل عرض مع البيانات الكاملة» سنة الإنتاج، و الفرقة، و التأليف، والإخراج، والديكور، والممثلين والموسيقى» فكل عرض موثق بمعلومات كاملة على مدى 7500 مسرحية في 18 جزء،    مرتب أبجديا، والجزء الأخير فهارس توضح كيفية الوصول لما يريده المسرحي، وعلى حد قوله : تستطيع البحث عن ما تريد بعدة طرق كأن تدخل على اسم المؤلف او الفرقة او السنة أو اسم العرض...... الخ
وأكد دوارة أن النصوص التي لم تقدم على خشبة المسرح المحترف ، لم تدخل في الموسوعة، كما تضمنت الموسوعة توثيقا للمسرحيات المصورة، كما أنها لا تتضمن عروض فرق الأوبرا أو فرق الرقص الحديث أو الفنون الشعبية. 
كما أشار دوارة: أن أبو العلا السلاموني ظُلم في تلك الموسوعة؛ لأن إنتاجه غزير جدا فمسرحياته في القطاع الخاص مسجلة أما في الهواة  لم تسجل في الموسوعة فالموسوعة للعروض الاحترافية. 
وبسؤاله عن مصادر المعلومات لهذه الموسوعة قال:
دائما ما تخذلنا الذاكرة الشخصية وأحيانا يتم عن تعمد، فهناك بعض المخرجين والفنانين نسوا بعض أعمالهم.
وقال دوارة: اعتمدت في مصادري على أرشيف الصحافة والمجلات والجرائد والمركز القومي للمسرح.
وعن تبويب الموسوعة وترتيبها قال دوارة:
الموسوعة مرتبة في 18 جزء ويضم الجزئيين ال 17 وال 18 الفهارس والمراجع الكاملة بالتواريخ من جريدة ومجلة ومذكرات شخصية وأيضا يوجد جزء للمقالات.
ونوه دوارة إلى أن الميزة في المسرح المصري «الجمهور»،
فإذا أحببنا أن نتحدث عن المسرح المصري في تواريخ سنجد أن المسرح بدأ عام 1840 في لبنان، ولم تستمر التجربة إلا شهورا، بعدها بدأت التجربة في سوريا وأجهضت أيضا ، لأن التعصب أوقف المسرح.
وعندما جاء يعقوب صنوع عام 1870 كان المسرح به جمهور وبالتالي استمر المسرح المصري، وبمجيء سليم النقاش 1876 استمر المسرح من وقتها إلى الآن ولم يتوقف المسرح المصري،وأصبح هناك عروض تعرض ل 8 سنوات في القطاع الخاص والدولة، في حين أن أكبر فرقة عربية كانت الرحبانية» فيروز وعاصي....»  لم يستطيعوا عمل عروض أكثر من 15 يوم نظرا لعدم وجود الجمهور.

فترة الستينيات هي فترة نهضة حقيقية
وعن أكثر فترات المسرح ازدهارا أكد دوارة:  أن المسرح المصري شهد ظروف ازدهار ومراحل انحدار وهبوط، لكن أفضل فترتين للمسرح هما  فترة العشرينيات إلى الثلاثينات، وفترة الستينات التي بدأت من أواخر الخمسينات إلى أوائل السبعينات، ففي العشرينيات ظهرت فرق كبيرة مثل (الكسار والريحاني وفرقة جورج ابيض ومنيرة المهدية ثم تأسست فرقة رمسيس عام 23، وايضا فرقة (فاطمه رشدي ) والتي تأسست عام 27، ثم فترة الستينيات  وأواخر الخمسينيات فظهر كمال ياسين وكرم مطاوع وحمدي غيث ونبيل الألفي وسعد أردش وعدد كثير من المخرجين، وبدأنا في المسرح المصري ترجمة ثم تعريب ثم تمصير ثم اقتباس، ثم في الخمسينات إعداد  نأخذ أعمال وروايات  وقصص من كبار الكُتاب ونعدها مسرحيا.
ثم مرحلة التأليف وأصبح عندنا كُتابا راسخين في الخمسينات، وبدأ (سعد الدين وهبة ونعمان عاشور ومحمود دياب ونجيب سرور وصلاح عبد الصبور وعبد الرحمن الشرقاوي) أسماء مهمة بدأت في الظهور في الستينيات، وظهر مسرح الدولة ثم مسرح التلفزيون وظهرت  فرق مهمة  مثل السلام والنهضة والحرية، ولكن تطور المسرح وأصبح مسرح كوميدي والمسرح الحديث والمسرح العالمي والمسرح الحكيم بجانب المسرح الذي أسسته الدولة وبجانب فرقتين اندمجوا في المسرح الغنائي الذي كان من ضمن مسرح  الدولة والفرقة الاستعراضية الذي كان ضمن مسرح التلفزيون وهو قطاع الفنون الشعبية الاستعراضية اذن فتره الستينيات هي فترة نهضة حقيقية. للأسف إلى الآن لم نصل لها. لكن في السبعينيات كان هناك المسرح القومي برغم نكسة 67 برغم الظروف الاقتصادية والانفتاح، و بدأ المسرح القومي يقدم انطونيو وكليوباترا في رموز في المسرح القومي الذي كان له دور مهم جدا. 
وتعد فرقة المسرح القومي هي أطول الفرق بشكل عام سواء مسرح دولة أو مسرح قطاع خاص عمرا وغزارة إنتاج وقدمت العديد من  الأعمال، و فرقة نجيب الريحاني هي أقوى الفرق عمرا  كقطاع خاص، وفرقه يوسف وهبي أطول فرقة في الإنتاج  وأكبر عددا كمخرج. 

 تاريخ المسرح لا يكتبه إلا المسرحيون الوطنيون والمخلصون
وأكد دوارة أن في مصر يوجد المسرح الموازي، فما كان يعرض في عماد الدين يعرض بعدها في روض الفرج للفقراء.
وأشار دوارة إلى ملك، أطلق عليها مطربة العواطف، أول سيدة مصرية تؤسس دار عرض مسرحي أسست أوبرا ملك برمسيس وحملت راية المسرح الغنائي بعد سيد درويش منذ 1940 وحتى عام 1952، وقدمت 36 أوبريت غنائي، وكان يكتب لها زكي طليمات وسيد زيادة ويخرج لها بيرم التونسي وأمين صدقي وغيرهم
وأكد دوارة: إن تاريخ المسرح لا يكتبه إلا المسرحيون الوطنيون والمخلصون؛ لأن هناك من المسرحيين من يريدون تغيير تاريخ المسرح ونسبه لدول أخرى لم يكن لديها تاريخ مسرحي ، وهو ما يعد تدليس للتاريخ وإخفاء للحقائق، كما أكد على أن المؤرخ مسئولية يجب عليه التأكد من معلوماته ومصادره ومدى توثيقها.

 السلاموني: أطالب بالاهتمام بالبرديات التي توجد بالملايين في جامعات أوروبا وأمريكا
فيما أشاد الكاتب المسرحي أبو العلا السلاموني في بداية حديثه عن دكتور عمرو دوارة والذي اعتبره راهب المسرح المصري، مؤكدا أنه بذل جهدا كبيرا على مدار حياته للحفاظ على ذاكرة المسرح ووصف هذا  الجهد بالأسطوري الذي لا تقوم به إلا مؤسسة، وذلك من أجل الحفاظ على ذاكرة المسرح المصري ل 150 عاما منذ عام 1870 وحتى 2015، وأشار السلاموني إلى أن هذا الجهد ناتج عن حب دوارة للمسرح وهو الحرص الذي ورثه عن والده الدكتور فؤاد دوارة، مشيرا إلى أن  الدكتور دوارة مؤلف ومخرج ومؤسس فرق ومؤسس مهرجانات فهو متعدد المواهب والأنشطة الثقافية
على الباحثين المصريين البحث عن الدراسات التي تخص المسرح والتي من المتعمد اخفائها.
أما عن تاريخ المسرح قال أبو العلا السلاموني:
إن تاريخ المسرح ظلم ظلما كبيرا؛ لأنهم يعتقدون أن المسرح بدأ عام 1870 وأكد أن المسرح له جذور في مصر الفرعونية والقبطية والعربية والإسلامية.
وتساءل السلاموني : ما مشكلة اختفاء المسرح المصري قبل 1870؟
وقد دلل السلاموني على جذور المسرح المصري  بالوقائع:
الأولى منذ 7000 سنة حيث اكتشفوا حجر من الجرانيت الأسود، وكان أحد الفلاحين يستخدمه لطحن الحبوب، هذا الحجر كان به أقدم وثيقة مسرحية بالتاريخ لقصة إيزيس وأوزوريس من الدولة القديمة، موضحًا أن الحجر الأسود هذا كان فيه فجر الضمير الأخلاقي المصري، وقال أن تاريخ المسرح مليون سنة منذ العصور الوحشية، فالمليون سنة كلها عنف ووحشية فيما عدا ال 7000 سنة من عمر الحضارة المصرية الفرعونية التي ظهر فيها أخلاقيات الإنسان.
الواقعة الثانية، رجل اسمه  نوخر الذي كان أمين الدولة في عصر سنوسرت السادس، حيث اكتشفنا من خلال البرديات أن هناك أوراق لمسرحيات تتم من خلال مخرجين وممثلين ولا يوجد نص  ولكن توجد ورقة لكل ممثل بدوره، لأن التاريخ لازال يخبئ نصوص هذا التاريخ في قلب النسيان.
لذلك طالب السلاموني بضرورة الاهتمام بالبرديات التي توجد بالملايين في جامعات أوروبا وأمريكا، لاكتشاف الحقيقة الموجودة في هذه البرديات، وهذه البرديات مخفية في قلب النفوس الضعيفة في هذه الدول، ودلل على ذلك أن هناك أستاذ تاريخ في الجامعة الأمريكية يسمى ويليام حيث اكتشف أن هناك بردية تقول انه يوجد تاريخ للمسرح المصري الشعبي وليس مسرح الطقوس فقط وإنما مسرحيات تنفذ في الشوارع وكل مكان في مصر، ودرس هذا الرجل تلك البردية مدة عشرة سنوات، ودرسوا هذه البرديات التي تثبت تاريخ المسرح الفرعوني الشعبي وليس الطقسي،
وأثبت أن هذا التاريخ أسبق من المسرح الإغريقي، وهو ما أجهض ما يعترفون به من أن التاريخ الإغريقي أسبق من الفرعوني كبدايات للمسرح.

 دوارة والسلاموني: هناك ظلم وتزييف لتاريخ المسرح المصري
وهو ما أكد عليه السلاموني ودوارة بأن : هناك ظلما وتزييفا لتاريخ المسرح المصري، فما فعله بعض المغرضين ليعقوب صنوع تم عمله مسبقا، وهو ما طالب به السلاموني  الباحثين المصريين بالبحث عن الدراسات التي تخص المسرح والتي من المتعمد إخفائها.
وقال السلاموني آسفا: للأسف عندنا ضعف أو إهمال شديد في المحافظة على هذا التراث، ومن ضمن هذا التراث لوحة ادفو حيث شخصية فرفور «امحب» وهو دور المساعد أو المتابع للممثل الكبير- كما ف السينما المصرية- فظاهرة الفرفور ظاهرة فرعونية بالأساس.

فن الفرجة كان محتكرا من النخبة
وأكد أيضا أن المسرح الشعبي كان موجودا في تاريخنا كله  لكن   هناك إنكار لهذا المسرح من النخبة، لأنهم يهتمون بثقافة اللغة والقول مثل» الشعر والنثر والحكم والنوادر...الخ»، ولا تهتم بفنون الفرجة المتمثلة في المسرح، فتاريخنا كله بعد الفراعنة لا يهتم بفنون الفرجة، وأوضح السلاموني أن الذي يهتم بفنون الفرجة هو الشعب المصري فهو يشاهد الأراجوز وصندوق الدنيا وخيال الظل و الحاوي...الخ
فإذن فن الفرجة كان محتكرا من النخبة وهذا هو السبب الحقيقي لعدم معرفتنا بالمسرح ،لأن المثقفين المصريين او النخبة حينما بررت اختفاء المسرح بررته بأسباب غير منطقية منها ما تقول ان المسرح يحتاج لمكان بينما ثقافتنا ثقافة صحراوية ، ورأي اخر يقول أننا لم نكن في حاجة إلى المسرح لأن الحاجة هي التي تدفع الانسان لإيجاد هذا الشكل.
وأشار السلاموني أن القرآن مثلا يعتمد على المسرح كقصة قابيل وهابيل، والملك داوود، وامرأة العزيز... وغيرهم
عندما جاء ابن دانيال تحول من ثقافة اللغة والقول إلى المسرح وعمل خيال ظل واستنكر أصدقائه من الشعراء هذا وقالوا له ما تفعله ينتمي للحرافيش وهذا ما لا يليق بك كشاعر.

الجمهور المصري هو العنصر الرئيسي في الحفاظ على المسرح المصري
وأكد أبو العلا على ما قاله د. عمرو دوارة في أن الجمهور المصري هو العنصر الرئيسي في الحفاظ على المسرح المصري.
فالجمهور في مصر عاش على المسرح الشعبي في كل أنحاء مصر  في الشوارع والأزقة والريف والسامر... وغيرها
وأوضح أن المسرح قام على اللعبة الشعبية والفرجة، ويعقوب صنوع لعب اللعبة الشعبية وقدم مسرحه في صورة شعبية وكان يسميها اللعبات التياترية؛ لأن الجمهور المصري كان لديه الاستعداد لمشاهدة هذه الألعاب الشعبية، وهو ما نشأ عند الإغريق لأن المسرح لديهم نشأ من اللعبة ومن الفرجة.
لكن الذكاء عند الإغريق أن النخبة عندهم تختلف عن النخبة في مصر؛ فهم استغلوا اللعبة وانشأوا المسرح ودمجوا الفكر المسرحي والفلسفي والفكر المستنير ووضعوهم في اللعبة الشعبية، أما فنحن فلدينا اللعبة الشعبية والفرجة الشعبية ولكن مثقفينا ونخبتنا تعالوا عليها ورفضوها، والوحيد الذي عملها هو ابن دانيال وكان شاعرا، ولكنها لم تستمر لأن الشعراء من النخبة رفضوها.

النخبة في تاريخنا كله لم تقم بدورها التاريخي للحفاظ على تراث المسرح المصري
و أوضح السلاموني: أن النخبة في تاريخنا كله لم تقم بدورها التاريخي للحفاظ على تراث المسرح المصري للأسف الشديد، لكن الذي حفظ تراث المسرح المصري، هم الطبقات الفقيرة من الفلاحين ومن العمال ومن الذين نسميهم (الدهماء والغوغاء).
لذلك فالمسرح المصري كان موجودا لكن في الطبقات الشعبية ولم يكن موجودا في الطبقات الرسمية؛ لأن الطبقات الرسمية كانت ترعى الشعر والنثر والرسائل و و ..... إلى آخره.
 


سامية سيد