الغضب والعنف في مسرحية لير لإدوارد بوند

الغضب والعنف في مسرحية لير لإدوارد بوند

العدد 765 صدر بتاريخ 25أبريل2022

جاءت الحرب العالمية الثانية فامتلأ العالم رعبا وخوفا فلم يعد الناس يصدقون ما يقوله الساسة الكبار، وكان لذلك انعكاسا علي المسرح بطبيعة الحال حيث انتشرت مسرحيات اللامعقول لكل من بيكيت ويونسكو وأداموف لتتزامن مع تغيرات المجتمع الإنجليزي بعد الحرب العالمية الثانية، مع ما انتشر من رفض لكل ماهو منطقي، وهو ما تمثل في ظهور الكاتب الإنجليزي جون أوزبورن* ليكتب أعمالا تتناسب مع تلك الحالة العامة بما لم يألفه المجتمع الإنجليزي .
لقد رفض جون أوزبورن المألوف من القيم والأعراف والتقاليد والأخلاقيات والتي لم تمنع قيام الحروب العالمية بل ونتج عنها ملايين الجرحي والقتلي بعد الحرب .
من هنا كانت الثورة علي التقاليد في الكتابة والتمثيل وكل عناصر العمل الفني وهو الأمر الذي دعي شركة المسرح الإنجليزي أن تنشر إعلانا في (جريدة المسرح) عام 1955 تعلن فيه عن طلب مسرحيات جديدة وغير مألوفة، وجاءها بالفعل أعدادا هائلة من النصوص المسرحية حيث استقبلت مالا يقل عن سبعمائة وخمسون نصا مسرحيا، ورغم ذلك كانت هذه النصوص دون المستوي اذ كانت تحوي نصوصا مبتذلة أونثر تافه كما وصفها القائمين علي عملية القراءة .
ومن بين هذه النصوص برز نص جون أوزبورن* ( انظر وراءك في غضب ) مما دعي الشركة للاهتمام بهذا الشاب الذي لم يكن معروفا تماما في ذلك الوقت لا كممثل ولا ككاتب بل كان يعاني حياة صعبة جدا ويبلغ من العمر 26 عاما  وهو الأمر الذي نتج عنه عرض المسرحية بالفعل في الموسم الأول للمسرح الملكي عام 1956، من هنا بدأ المسرح الإنجليزي يبتعد عن المناظر التي تدل علي الإفراط في التفاصيل الباذخة والفخامة ليحل محلها البساطة والدعوة إلى نبذ الأفكار الزائفة والقيم المتخلفة في حالة من الغضب والثورة علي كل ماهو موروث مزيف .
ورغم أن المسرحية لم تنجح إلا أنها كانت بداية لحركة درامية واسعة النطاق كانت لها الفضل في تشكيل الدراما الإنجليزية الحديثة والتي أسفرت عن كتاب لهم نفس الرغبة في البحث عن الجديد ورفض القديم ومنهم الكاتب الإنجليزي إدوارد بوند *
يري إدوارد بوند أن التكنولوجيا والعلم تركت في يد أفراد غير أكفاء، وهو يمارس العنف في مسرحياته لكنه عنفا غير أساسي فيها باستثناء مسرحية الصباح الباكر ولكن الحقيقة أن مسرحياته بالفعل تنحو إلى العنف ومشاهد القتل التي تظهر علي خشبة المسرح كما يتضح من مسرحية لير في هذا البحث .
وهذا العنف لا ينفصل في قوته وطرحه عن العنف الذي نراه في مجتمعنا من خلال الحروب والأسلحة النووية والقهر قهر الأفراد والشعوب والفزع الذي يعاني منه الإنسان في تجسيد لمدي بشاعة المجتمع وسلبه للحريات أي أنه يعرض علي المسرح ماهو موجود بالفعل علي الأرض في مواجهة للإنسان بأفعاله وما يقوم به من ظلم (1)
تحليل مسرحية لير لادروارد بوند (2)    
تبدأ مسرحية لير لإدوارد بوند والتي تنقسم إلى ثلاث فصول وقد التف الجنود حول لير وابنتاه معه لإتمام بناء سور حول المملكة حتي لا يستطيع ولدي أعداءه الذين قتلهم فيما مضي محاولة الانتقام . وفي أثناء ذلك نعلم ان ابنتيه بوديس وفونتينيل تحبان هذين الولدين اللذين في حالة حرب مع والديهما بل وقد تزوجاهما ويبلغان أبيهما بذلك فيعلن رفضه لهذا الزواج، وعندما يأمر لير بقتل أحد العمال اللذين يعملون في بناء السور لأنه قتل زميل له تحاول البنتان السيطرة علي أبيهما من خلال قائد الجيش الذي يأمرانه بأن يدخله القصر لكن دون جدوي ؛ اذ يسيطر لير علي الموقف وتنسحب البنتان من المشهد حتي يدبران الأمر مع زوجيهما .
وبالفعل يدبران الأمر حيث يخبران الزوجين بخطة أبيهم القتالية التي كثيرا ما استخدمها في حروبه وفي أثناء ذلك أيضا يصل لقائد أبيهم رسالتان من كل منهما يطلبان علي حدة خيانة أبيهم وقتل زوج كل منهم في مقابل الزواج منه فيخبر القائد لير بذلك، بعد ذلك ينتصر الزوجان علي لير الذي يهرب ويؤسر القائد ونعلم أنه لم يقتل الزوجان مما يدفع البنتان إلى قطع لسانه حتي لا يخبر زوجيهما بأمر خيانتهما ونعلم من خلال الحديث الجانبي أن كل واحدة منهما تقوم بالمؤامرة منفردة ون علم الأخري.
بعدها يصل لير ومستشاره حيث احدي القري البعيدة فيجد أدوات للطعام ويتعرف علي الفتي ابن حفار القبور وزوجته كورديليا التي تتوجس خيفة من لير، في حين يظهر ورينجتون قائد لير متعكزا ووجهه مشوها فيخيف زوجة الفتي حيث كانوا جميعا نائمين، بعد أن حاول أن يقتل لير .
يأتي النجار حاملا مهدا للطفل حيث أن زوجة الفتي حامل، والتي بدورها تكره أن يظل لير معهم بعد أن اتفق الفتي مع لير أن يبقي الأخير ليرعي خنازيره، ويدخل الجنود بعدها والزوجة توزع الغسيل علي الحبل حيث يخرج الفتي وورنجتون من البئر فيقتلوه علي المسرح ويقتلون الفتي ابن حفار القبور ويأخذ أحدهم الزوجة لاغتصابها داخل المنزل، وعندما يدخل النجار يقتل بإزميله أحد الجنود وتنطلق ثلاث طلقات رصاص وينتهي المشهد في حين يصرخ لير بأن عليهم أن يحرقوا المنزل حيث أن كل شيء قد انتهي .
يقدم الملك للمحاكمة السياسية - التي تم التآمر فيها بين  القاضي وابنتا لير- حيث يعلن لير أمام القاضي انهما ليسوا ابنتاه ويحاول المستشار والبحار العجوز تذكيره لكنه ينكر ذلك بشدة فهذه القسوة لا يعرفها وعندما تعطيه روديس مرآه يري نفسه الملك المسجون وراء قفص من حديد أو زجاج متوسلا بالشفقة دون جدوي، ونعلم من البنتين في النهاية أن هناك حربا أهلية علي وشك أن تبدأ حيث تقودها كورديليا زوجة الفتي ابن حفار القبور .
يدخل لير السجن وهناك يلتقي بشبح الفتي ابن حفار القبور وشبحا ابنتاه حيث يصف نفسه مرة أخري بحيوان في قفص يريد الانطلاق بعيدا في حين ابنتاه تتجسدان طفلتان يضعان رأسيهما علي ركبتيه كما يطلب منه الفتي أن يبقي حيث هو ؛ لأنه يجد الأمان معه، ويشعر لير بالندم علي كل من قتلهم .
بعدها تقرر روديس أن تقتل أباها بعد أن هرب زوجها وزوج أختها في حين يتم قيادة السجناء جميعا من قبل الجنود للتنفيذ علي حين يظهر جنود كورديليا ويقبضون عليهم ويظن الجميع من السجناء أنه مفرج عنهم لكن  الأوامر تأتي تباعا، بعدها يتم القبض علي فونتينل وقتلها واستخراج أعضائها والقبض علي بوديس وقتلها هي الأخرى علي خشبة المسرح، ويأتي دور لير الذي يرافقه شبح الفتي فيقررون فقأ عينيه وبالفعل يفعلون ذلك ويتألم ويصطحبه الشبح حيث منزله، بعد أن أصبح غير ذي خطر علي أحد .
يتنقل لير بين المزارع إلى أن يلتقي بالمزارع وزوجته وابنه ويحاول أن يتسول منهم لكنهم يخبرونه أنهم فقراء ولا مال لديهم، وانهم يهربون بعد أن أخذت الحكومة أرضهم وحتي ابنهم بعثوا به كي يكون جندي، أما النساء والرجال فقد أخذوهم كي يبنوا السور مرة أخري، ويعلن لير أنه لم يقابل فقيرا من قبل وان عليه أن يكتب لكورديليا.
بعدها يأتي الرجل النحيل يبحث عن لير الذي عاد إلى منزل الفتي ابن حفار القبور ومعه سوزان وجون وتوماس يقومون برعايته، ويأتي الناس لسماع حكاياته والاستئناس به ونعلم من الرجل الضعيف الذي جاء يسأل عن لير طول الطريق أنه اقتيد للعمل في بناء السور وانه مريض ويحتاج للمساعدة، فيتعاطف معه لير ويطلب منه البقاء ويفعل ذلك أيضا مع بن .
وعندما يأتي جنود كورديليا يأتي معهم المستشار العجوز حيث يخبره أنه بصدد إعدام الرجل الضئيل، ورغم محاولات لير لإنقاذ الرجل إلا أنها جميعها تبوء بالفشل فلا أحد يستمع للير رغم أنه يتكلم بالعدل والمنطق والحكمة، وعندما ينصرفون ومعهم الرجل الضئيل الذي بتوسل للير أن يساعده يخبره لير أنه لا يستطيع ويطلب لير من الجميع الانصراف وعدم المجيء للاستماع إليه مرة أخري .
ويأتي الشبح الذي يخبره أن كورديليا ستأتي في الغد وبالفعل تأتي مع النجار زوجها وتخبره أن المجلس العسكري سيتخذ إجراءات بشأنه غدا ويحاول أن يقنعها أن بناء السور حماقة دون جدوي وأنه السبب في ارتكاب هذه الحماقة، بعدها يقرر لير أن يترك المنزل ويجعل سوزان تصحبه إلى السور حيث يزيح الرمال فيراه ابن المزارع ويطلق عليه الرصاصة بعد الرصاصة إلى أن يموت ويقع وتنتهي المسرحية بذلك .
و المسرحية التي كتبها إدوارد بوند بهذا الشكل تتشابك مع مسرحية الملك لير في بعض التفاصيل وتختلف عنها في تفاصيل أخرى كثيرة . فهي تتشابه مع أن أبا تخونه ابنتاه جونريل وريجان لكن إدوارد بوند يضع اسمين آخرين لهما . وتصل هذه الخيانة إلى حد التخلص منه بفقأ عينيه ثم يموت رميا بالرصاص من أحد عمال بناء السور . أن إدوارد بوند يجعل للير ابنتين فقط بينما نجده عند شكسبير لديه ابنة ثالثة هي كورديليا الرقيقة الصادقة و يجعل بوند كورديليا شخصية ضمن شخصيات المسرحية لكنها ليست ابنة لير .
و إذا كانت مهمة الملك لير عند شكسبير هي توزيع مملكته الكبيرة على بناته الثلاثة فإنه عند بوند تكون مهمته هي بناء سور حول مدينته ليدفع الشر عنها .
و اذا كانت ابنتا الملك لير عند شكسبير مبعثها طمع البنتين في الاستحواذ على أرض المملكة فإن دافعهما الدرامي هو إرضاء حبيبيهما و محاولة مساعدتهما عند إدوارد بوند .
و اذا كانت كورديليا في الملك لير لشكسبير فتاة وديعة تحب أباها فإنها عند إدوارد بوند هي زوجة حفار القبور و هي تكرهه منذ اللحظة الأولى .
وتتفق مسرحيتا لير و الملك لير في موت الملك لير على خشبة المسرح في نهاية المسرحيتين .
و يختلف ادوارد مع مسرح شكسبير بشكل عام و ليس مسرحية الملك لير في أن مسرحية إدوارد بوند قد جسدت العنف على خشبة المسرح مثل فقأ عيني لير على خشبة المسرح وقتل ابنتي لير على خشبة المسرح و قتل ابن حفار القبور و قائد الجيش على خشبة المسرح .
كما تختلف مسرحية لير لإدوارد بوند مع مسرح شكسبير في أن مسرحية لير إدوارد بوند ذات ثلاثة فصول بينما مسرحية الملك لير لشكسبير خمسة فصول .
وهكذا يكشف الكاتب الإنجليزي الحديث إدوارد بوند خلال مسرحيته لير عن بعض صفات مسرحه و أهمها إظهار العنف على خشبة المسرح في أنه يستعير بعض تفاصيل مسرحية الملك لير لشكسبير مثل عنوانها و موقف ابنتيه منه ومحاربتهما له و موته في نهاية المسرحية . إلا أن مسرحية إدوارد بوند تعتبر مسرحية مختلفة تماما من حيث موضوعها بتفاصيله و تفرعاته .
ان صفة التزمت و عمل شيئ مخالف للعقل في بداية المسرحيتين يؤديان في النهاية الى أن يلقى  لير حتفه بعد أن عاش حياة صعبة بسبب اختياراته و سوء تفكيره . فالملك لير عند شكسبير يخطئ في تقسيم مملكته على بناته الثلاثة و يضع معيار التعبير عن حبهم له بالكلمات و هو مقياس خاطئ حتى أن من تكرهانه تجيدان التعبير عن حبهما الزائف لأبيهما طمعا في الملك بينما لا تستطيع كورديليا الابنة الصغرى أن تعبر عن حبها الحقيقي بالكلمات مخالفة الواقع فهي تقول : أحبك كما ينبغي أن تحب البنت أباها . و هو رد أضعف من أن يوزن في معيار الملك لير أمام الكلمات الرنانة الجوفاء التي تقولها ابنتاه جونريل و ريجان .
و في مسرحية لير إدوارد بوند يخطئ لير حين يفكر في بناء سور حول المدينة . و في المسرحيتين لا يدرك لير خطأه إلا في نهاية المسرحية .
 و هذا يكشف إلى أي مدى تصبح مسرحية لير إدوارد بوند مسرحية أصيلة لها موضوعها و شخصياتها المختلفة عن مسرحية الملك لير لشكسبير، و أنها رؤية حديثة لعقوق و خيانة البنت لأبيها دون أن تتماس معها في الحبكة أو الشخصيات أو غيرها من عناصر المسرحية .
2 - ادوارد بوند : لير . ترجمة و تقديم  خالد عباس . سلسلة المسرح العالمي الكويت . العددان 306 و 307 .
 
الهوامش :
*جون أوزبورن: ( 1929 – 1994 ) كاتب مسرحي انجليزي طبقت شهرته الآفاق عندما قدمت فرقة المسرح الإنجليزي مسرحيته انظر خلفك في غضب لأول مرة علي مسرح الرويال كورت، ويعتبر تاريخ تقديم هذه المسرحية 8 مايو 1956 علامة مميزة من علامات الطريق في الدراما الحديثة، كتب عددا من المسرحيات من بينها المهرج عام 1957 التي لعب بطولتها سير لورنس أوليفييه حيث مثل دور فنان الميوزيك هو لآرشي رايس وأبدع في أدائه، وكتب أوزبورن أيضا مرثية لجورج ديلون عام 1958، وعالم بول سليكي عام 1959 وغيرها من المسرحيات الهامة .المرجع د. فاطمة يوسف : قاموس المسرح، القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1996، ص 200 .
**إدوارد بوند: ( 1935 - ) كاتب مسرحية انجليزي أثارت مسرحياته جدلا عنيفا، أول مسرحياته زواج البابا عام 1962 مثلت علي مسرح رويال كورت، أما مسرحيته المنقذ 1965 فقد أثارت حولها الأقاويل بسبب مشهد طفل رضيع يقتل رجما وهو في مهده، تدور أحداث المسرحيتين في إنجلترا المعاصرة والشخصيات غالبا عاجزة عن الكلام، منعت الرقابة مسرحيته الصباح الباكر 1968 في بادئ الأمر وهي مسرحية سيريالية واحدي شخصياتها هي الملكة فيكتوريا، كما كتب أيضا الطريق الضيق لأقصي الشمال وإعادة الملكية والصيف ومسرحية لير عام 1971 .المرجع السابق ص 360 .
1- https://faisalkareem.com/2016/12/16/anger/ 


أحمد عصام الدين