حين تمتزج البهجة بالشجن .. قرب قرب.. أنت في عالم السيرك

حين تمتزج البهجة بالشجن .. قرب قرب.. أنت في عالم السيرك

العدد 836 صدر بتاريخ 4سبتمبر2023

ترتهن بنية المكان بالمشاهدة والقياس والتجرد عن المألوف لذلك فنحن كمتلقين نحصل على المعلومة المتعلقة بالمكان من خلال الحواس ، وثمة جوانب فريدة مميزة لمكان ما وهي جوانب يحتفي بها الفنانون والكتاب في حكاياتهم فهي نسيج غير مرئي من الثقافات يظهر في القصص والفنون والذكريات وهذه الجوانب يمكن أن نطلق عليها روح المكان .
وفي العرض المسرحي  “قرب قرب « إخراج شادي سرور، تأليف  وأشعار  أحمد نبيل والذى يقدمه مركز الهناجر للفنون يتم الاعتماد على فكرة المكان المتعدد ، والذى يتبلور في مركز رئيسي للأحداث الدرامية وهو السيرك ، حيث يدور الفعل المسرحي في عدة أماكن داخل السيرك، ويكون الاختلاف فيما بين هذه الأماكن في اعتماد كلى على الديكور والإضاءة والإكسسوار وجميع المكملات المسرحية ، نحن اذا نتابع الأحداث الدرامية من خلال عالم السيرك والذى يتولى الاتفاق الضمني بين الجمهور وصناع العرض فك شفراته ، فكل المعاني في مضمونها تتحول إلى رموز خاصة بعالم السيرك حيث الألعاب البهلوانية والأكروبات والموسيقى والصخب وكل ما يمكن أن يستدعيه الذهن حال ذكر كلمة سيرك.
يستهل المخرج شادي سرور عرضه بأن يزرع بعض المؤديين لأدوار المهرجين بين الجمهور خارج المسرح مما يصنع نوع من الترقب لما هو قادم من أحداث العرض، إلى جوار أن الموسيقى “لأحمد نبيل” في بداية العرض لها طابع الدعائية وتعتمد على ايقاعات راقصة وتعد تنويعا على التيمة الأساسية التي يقدمها المخرج مع كل بداية عرض تشويقي داخل السيرك، هذا إلى جوار أن الموسيقي تتخلل بين ثنايا الأحداث الدرامية لتدعم كل لحظة درامية وتبلور أهميتها.
تبدأ الأحداث الفعلية للعرض من لحظة درامية تؤكد على هنا والآن حيث يجتمع الخال “بهنوس” مع أبناء الأخت “زوبة” ليكشف أن لهم ورث وعليهم استلامه، وذلك الكشف ليس الوحيد في هذه اللحظة الدرامية فالأخان والاخت لا يعرفون أن هذا الشخص خالهم وأن والدتهم كانت تعمل بالسيرك وأن ورثهم هو جزء من هذا السيرك، تلك سلسلة من الاكتشافات تخلخل الإدراك لدي الثلاث شخصيات وهم لهم مكانتهم في المجتمع، وكانت الأم لم تبلغهم بأي شيء من ماضيها فعمل منهم الدكتور والضابط والمحامية وأصبحت اهتماماتهم غير فنية تماما.
ومنذ أن يتم هذا الكشف يبدأ التحول والذي تتبلور فيه التيمة الأساسية للعرض المسرحي «قرب قرب» حيث الوصية بأن يظل الأبناء الثلاث داخل السيرك لمدة ستة أشهر ومن ثم يتم الاستلام وفي خلال تلك المدة يعرفون قيمة السيرك ويقررون البقاء فيه والإبقاء عليه.
في خضم ذلك يرى معهم الجمهور عالم السيرك من زواياه المختلفة والمركبة ، فهو العالم الذى تجد فيه الصدق والغدر والخيانة والكذب والعمل والاستهانة ، انه عالم أشبه بالحياة ذاتها ، تبدأ عائلة زوبة رحلتها داخل السيرك، ويعرفون كيف أن فنانين السيرك مكافحين ولديهم انتماء جاد لعملهم ونري معهم الحبكات الفرعية التي تقدم ضمن الأحداث الدرامية ، فعائلة نوسة التي تتكون من نوسة وزوجها وأختها وزوجها وابنتهم هي عائلة تعد نموذج للخيانة بين الاخوات فلاعبة الترابيز نوسة تخون الأخت مع زوجها -لاعب السكاكين- في لحظة بدى فيها الوعي مغيبا ذلك على الرغم من أن الأخت الكبرى هي التي ربت نوسة، وبذلك فإن المخرج يقدم الذلات الإنسانية بنوع من الترميز الذى يمكن من خلاله أن يتابع الجمهور الحدث دون أن يرى فيه أي اسفاف ، ومن الجدير بالذكر أن زوج نوسة تحايل على الجميع من البداية وافتعل أنه لايري في حين أنه رأى خيانة زوجته من البداية وسكت عنها لتستمر الحياة فيما بينهم،  تلك تفصيله غاية في الأهمية فهي تكشف عن التكوين النفسي المستكين للزوج المخدوع والذى ضحى بكرامته مقابل أن تبدو الصورة التي يراها الجميع كما يجب أن تكون ، بل إن الكاتب أحمد نبيل يقدم له مبرره الدرامي من خلال الحوار والذى يصرح فيه أنه غير قادر على البعد عن نوسة رغم خيانتها فهي أول من اهتم به في بداية ضعف بصره وقد أحب هذا الاهتمام وفضل أن يحيا وكأنه لايري في مقابل اهتمام الجميع به ، فقد كان يشعر على المستوى النفسي قبل تمثيل دور فاقد البصر بأنه كم مهمل يواجه على الدوام باللامبالاة.
 تتداخل الأحداث الدرامية وصولا لاكتشاف الجميع كل ما في داخلهم فقد غنت المحامية ابنة زوبة، وأيضا غنى الابن رجل الشرطة وأحب ابنة خاله وهو ما ينطبق على الأخ الأخر فقد أحب ابنة خاله أيضا، وضمن الخال على ذلك بقاء السيرك حتى بعد موته.
في خضم تلك الرحلة الطويلة يزخر العمل المسرحي “قرب قرب” بالعديد من المفارقات الكوميدية ، والاستعراضات ، والألعاب البهلوانية ويتفاعل الجمهور معها بشكل كبير ومن اللافت للنظر استعانة العرض بأدوار يقدمها الأطفال وهو ما يترك أثر وتفاعل لدى المتلقي.. يصوغ المخرج شادي سرور عناصر عرضه المسرحي بنوع من التركيز فالعديد من الممثلين  يواجه الجمهور لأول مرة فالعرض نتاج ورشة فنية أقامها المخرج لمدة عام كان نتاجها هذا العرض الذى يتكون من اثني وثلاثون ممثل وممثلة ،عدد كبير من العناصر البشرية التمثيلة داخل العرض خصوصا وان كانوا يمثلون لأول مرة وهو مالم يلاحظ خلال أدائهم ولم يعرفه الجمهور الا من خلال كلام المخرج في التحية.
الديكور ل « فادي فوكية” غير متكلف وخادم لطبيعة العرض حيث يحتوي على صندوق بعجل يستخدم عند الحاجة للساحر، وقطعة بجانب المسرح يتم الاعتماد عليها في أحد المشاهد ، هذا الى جوار بوابة السيرك التي يضعها في منتصف عمق خشبة المسرح ، وبعض المستويات التي يتم استخدمها عند الحاجة وجميعها تكوينات يسهل تحريكها أو الاستغناء عنها وفق ما يتطلب المشهد ، مما يشير إلى كون الديكور يقدم مهمته بشكل متوافق مع عناصر العرض الأخرى ، والملابس ل « مها عبد الرحمن» وتعد الملابس دالة على طبيعة الشخصيات في هذا العرض وتستمد الشخصيات طبيعتها من أعمالها داخل السيرك ، فالمهرج له مكياجه الضاحك وملابسه أيضاً ، بينما لا يمكن أن تكون حياته بها القدر الكافي من البهجة خصوصا اذا اجتمع الفقر، ومدربة الأسود تعبر ملابسها عن ذلك وهكذا على نفس النهج لباقي الشخصيات، والاستعراضات ل»هانى فارق» عبرت عن البهجة التي تتوافق مع طبيعة اللحظات الدعائية في العرض هذا الى جوار انها اعتمدت على الحركات المتقنة حال حضور المجاميع على خشبة المسرح، والاضاءة ل»محمد عبد المحسن» وظيفتها في هذا العرض التأكيد على اللحظات الدرامية المختلفة وأظهرت التناقض بشكل واضح بين عوالم البهجة ابان القيام بعروض السيرك ، وبين عالم السيرك من داخله والعاملين فيه بوصفه عالم مشابه للحياة ذاتها.
مدرب السيرك «عبد الرحمن كريم» وقد كان دوره غاية في الأهمية في هذا العرض فقد استطاع أن يقدم ممثلين في ثوب فنانين سيرك مما يتطلب خفة الحركة والأداء الجسدي المشابه لفناني السيرك.
الممثلون «اسلام إبراهيم، نهى المصري ، بولا نبيل ذكي، نور شادي، ندى محمد ،شروق عوض ، هاني عاطف، فاتن حسني، أحمد هشام، أحمد بهاء الدين، محمد على، هاجر إبراهيم، سارة ،مصطفى رأفت، كوثر محسن ، عبد الرحمن طارق، محمد السعدني ، حسين طارق، باسم امام، عبد الرحمن عبد الله ،ماريز لحود، أحمد حوين، احمد سوو ، على حميدة، فاطمة فاروق، شيرين طيرة، طارق الشرقاوي أحمد، محمد اشرف إسماعيل، محمد أسامة، طوسون عبد الحميد، هنا معتز».


داليا همام