العدد 764 صدر بتاريخ 18أبريل2022
أقيم الأسبوع الماضي بأتيلييه القاهرة ندوة لتأبين الناقد الراحل عز بدوى بحضور مجموعة من أصدقائه منهم والناقد أحمد خميس الحكيم والناقد عبد الناصر حنفي والمخرج أكرم مصطفى والشاعر والناقد أحمد زيدان والفنانة نفين أغا ونفين رفعت والفنان جو رزق وقدم الندوة الكاتب أحمد راضى الذي استهل الندوة بالإشارة إلى اهتمام الناقد الراحل عز بدوى ا بقراءة تاريخ الكوميديا، وكتابته أكثر من دراسة عن «نجيب الريحانى» وأهميته في الكوميديا، في المسرح والسينما وقرأ جزءا من إحدى تلك الدراسات يكشف فيه بدوي عن مفهوم الريحاني للمسرح الجاد والكوميديا ويكشف من خلال مذكراته عن تفضيل الريحاني للتمثيل الجاد وخوفه من تقديم الكوميديا، في بدايته التمثيلية.
الناقد أحمد خميس الحكيم أكد تميز بدوي وتطوره. وأضاف: من أبناء جيلي لم أر مثل عز بدوى وهشام إبراهيم، فقد نشأنا معا منذ التحاقنا بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وهو يعد من الأشخاص المجتهدين، الذين يبذلون قصارى جهدهم و لا ينتظر المساعدة من أحد. أضاف: عندما كنا طلابا بالفرقة الأولى من المعهد العالي للفنون المسرحية كان أكثرنا قربا من دور النقد، تعلمت الكثير من أفكاره في الكثير من اتجاهات الدراما والنقد التي لم أكن أعيها جيدا فى السنوات الأولى من المعهد، لم يكن لديه معرفة كاملة بها فقط ولكنه كان قادرا على أن يطرح وجهة نظر خاصة به، وقد تعلمت منه كيف أقرا «السيموطيقا» ولمن أقرا وكان هو يعيها و يقوم بالنشر فى مجلات متخصصة عنها. تابع: كان إذا أحب عز بدوى شيئا أخلص له، وقد كان مخلصا للنقد المسرحى وأنواعه الجديدة التي لم نكن نعرفها ونحن طلابا فيما كان يقف هو على محطاتها الأساسية، وبمساعدة الدكتور محمد بدوى تعرف على أساتذة النقد الأدبي في مصر والوطن العربي، وكان ويقرأ ويستوعب ويناقش، وفى الفترة التي كنا نخطو فيها خطواتنا الأولى في كيفية عمل بحث فى نوع من أنواع الدراما أو عن كاتب كان عز بدوى وهشام إبراهيم من الطلاب المتفردين فى طرح أفكار جديدة في أبحاثهم قد لا يمتلكها أستاذ المادة نفسه، وهو أمر ليس بهين.
وتابع : كان لدينا أستاذ يدرس لنا «السيمولوجيا» وهو د. مصطفى يوسف، يطرح علينا الأفكار الأولى للسيمولوجيا وأعلامها، فقام عز بناقشته في أفكار ابرز أعلامها وكان الدكتور لا يكاد يصدق أن أحد طلابه بالفرقة الثانية لديه معرفة كاملة بهذا الاتجاه الذي يعد من أصعب وأكثر الاتجاهات تعقيدا. كان شغفه بالمعرفة لا ينتهي فمن الممكن أن يجلس لقراءة رواية أو نص مسرحي لأكثر من 20 ساعة ، كما كان أحد أبناء هذا الجيل الذين اخلصوا للنقد المسرحى التطبيقي وأتصور أن جيلنا عمل نقله في فهم العرض المسرحى، وكان عز بدوى رائدا فيه. وكانت عروض الثقافة الجماهيرية بمثابة المعلم العظيم في هذا، حيث لعبت دورا هاما فى جعل الناقد ممتلكا لأدواته قادرا على مواجهة الجمهور بعد انتهاء مباشرة ، مناقشا ومحللا العرض وعناصره فنيا وهى معضلة كبيرة لكثيرين، وكان عز مخلصا لعمله مع زملائه بالثقافة الجماهيرية، وأظن أن ذلك ساعد فى تطور شخصيته الفنية وذلك لوجوده فى لجان تحكيم وندوات عروض الثقافة الجماهيرية. أضاف: لم يكن يكذب فى الفن و لا يخشى سواء كان على المنصة أو عندما يكتب عن عرض، كما قام ببناء نفسه أيضا في مجال الإخراج المسرحى، وقد بدأ عز بنصوص صعبه على غير عادة الكثير من المخرجين فقدم «النحيف والبدين « وهو نص في غاية الصعوبة يقوم على شخصيتين و يحدث تطور غريب للدرجة التي تصل لالتهام أحدهما للأخر .
كما أخرج عرض «اللص الفاضل لداريفو وكنت قد اقترحته عليه فقدم واحدا من العروض المهمة لفرقة مسرح الشباب. وختم خميس بقوله: عرف عز بدوى كناقد بعد مهرجان المسرح الحر الأول حيث كان سكرتير تحرير مجلة المسرح، وكان المهرجان التجريبي قد ألغى في هذه الفترة بسبب حرب العراق والكويت وقررت وزارة الثقافة إقامة مهرجان المسرح الحر فى نفس توقيت التجريبي، واقترحوا عمل نشرة يومية مصاحبة للمهرجان وكان عز بدوى وهشام إبراهيم مسئولين عنها، وكان عز يبلغ 22 عاما ويقوم بأكثر من مهمة بشكل إحترافى، وكان عز يمتلك أدواته، لديه جملة سهلة طيعة ويختار كلمات مناسبة وتبدو جديدة، ويظهر ذلك فى كتابته للمقال النقدي وكيفية تعامله مع خشبة المسرح وعناصر العرض المسرحى .
السيناريست احمد راضى قال: كان عز بدوى مهتما بتاريخ الغناء والموسيقى المصرية منذ القرن الثامن عشر حتى أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، كما كان مهتما بتاريخ الموسيقى الشرقية ، ويرى ان هناك موسيقيين لهم أثر كبير فى تاريخ الموسيقى مثل سيد درويش وزكريا أحمد ومحمد عبد الوهاب، وأرى أن حبه وشغفه الكبير للغناء والموسيقى اضفى على لغته إيقاعا وجرسا موسيقيا مميزا، كذلك قراءته للشعر وكتابته له، فقد كتب شعرا ونشره فى مجلة القاهرة، وهو يمتلك لغة جزلة جدا وإيقاعا جميلا، وكان من شعرائه المفضلين سركون بولص ومحمود درويش و أمل دنقل، وقد أضفى على لغة الحوار فى المسرحيتين اللتين قدمهما لمسرح الدولة جلالا. أضاف: تميز عز بدوى أيضا عندما كام محكما فى نوادي المسرح وعروض قصور الثقافة بالموضوعية، حيث كان يضع فى الاعتبار الظروف التي قدم فيها العرض وجهد فريق العمل ويحكم من خلالها .
فيما أشار المخرج أكرم مصطفى إلى أن بدايته كممثل كانت مع عز بدوى فقال: قدمت مسرحية «النحيف والبدين « فى 2001 وكان معي الفنان أحمد عبد الحميد رحمه الله، وكان النص صعبا للغاية، وكنت أتعلم من عز بدوى رغم انه كان العرض الأول له، ومع ذلك لم أصادف مخرجا مثله قادرا بشكل نظري على أن يشرح الشخصية للممثل، فعرفت معنى أن يكون المخرج ناقدا، وتعملنا منه كفريق عمل ( أنا واحمد عبد الحميد وأحمد السيد إيمان عزت) كيف يستطيع الممثل أن يتراجع بشخصيته الأساسية لتتمكن منه الشخصية التي يلعبها ، وهذا الأمر كان مفاجأة بالنسبة لي وخاصة أننا كنا أصدقاء منذ سنوات طويلة ، وعلى الرغم من أنها كانت الممارسة الأولى له فى الإخراج؛ فقد تعملت منه وأعتقد أن ما ساعده فى ذلك هو امتلاكه لأدواته كناقد، و قد كان ناقدا موسوعيا، و أعد تجربتى معه فى «النحيف والبدين» من أمتع التجارب التي ممرت بها فى حياتي.
فيما قال الناقد عبد الناصر حنفي: عندما نفقد أحد الأشخاص المقربين يتهدم جزء من حياتنا، وهو ما أشعر به الآن مع رحيل عز بدوي الذي بدأت علاقتي به فى التسعينيات، واقتربنا بشكل كبير فى الألفية مع مجموعة من الأصدقاء. وكما نعلم يواجه الشخص فى حياته العديد من المشاكل، تضعه أمام خيارين: إما أن يقوم بحلها ليكمل طريقة، وإما يتصادم بها ويتوقف، وفي هذا تعلمت من عز بدوى شيئا مختلفا وجديدا، ليس «التعايش» فهذا أمر مطروح بالنسبة لي، كان عز يتعامل مع الحياة بطريقة لم أكن أستوعبها إلا حين اقتربت منه كصديق، فقد كان لديه مبدأ أسميه أنا «استلطاف الحياة « يواجه به المشكلات التي يصعب على الكثيرين مواجهتها، وقد رأيت كيف يتعامل مع المشاكل بالبحث عن الجانب المشرق واللطيف الذي يستطيع التعايش معه فيها، بغض النظر عن إيجاد حلول لتلك المشكلات. وكان دائما وأبدا لديه القدرة على إيجاد هذا الجانب المشرق سواء عن طريق السخرية أو عن طريق الحب والاستمتاع، ، وهذا ينطبق أيضا على الأزمات الكبرى فى حياته وكان طوال الوقت يمتلك هذا الآلية فى البحث عن شىء ممتع ولطيف، والتمسك به ومع اكتشافي لهذه الآلية أصبحت أؤمن ان هذه الممارسة تجعل الحياة أكثر لطفا، وأعتقد انه ظل متمسكا بها حتى فى لحظاته الأخيرة وقد استوعبت هذا الأمر مؤخرا فكل الشكر له.
ووصفه الكاتب والناشر جو رزق بأنه شخص شديد الحساسية فقال : كان رد فعله وكما ذكر الناقد عبد الناصر حنفي تجاه الأمور يعتمد على آلية استلطاف الحياة نتيجة ما كان يراه حوله من قبح و عصيبة على كل المستويات، فقد كان خارج الزمن يعيش بجوارحه في فترة الثلاثينات والأربعينيات، وكان يرى ما وراء الأشياء، فعندما كنا نسير فى منطقة «وسط البلد» كان يشير إلى بعض الأشياء الجديدة التي لم نكن نعرفها و عند ذهابنا الى مسرح معين يحدثنا عن تاريخ هذا المسرح، كان شغوفا بكل شىء جميل .