خالد حسونة: وكأن الدنيا تطبطب على

خالد حسونة: وكأن الدنيا تطبطب على

العدد 756 صدر بتاريخ 21فبراير2022

أعلنت الهيئة العربية للمسرح عن الفائزين بالمراكز الثلاث في مسابقة تأليف النص المسرحي الموجه للأطفال (- 18) النسخة الرابعة عشرة ضمن احتفالها باليوم العربي للمسرح الذي وافق العاشر من يناير 2022، وتحت عنوان (نصوص تشتبك مع التحولات الراهنة ثقافياً وفنياً واجتماعياً) فاز المؤلف والمخرج المصري خالد حسونة بالمركز الثالث عن نص «رحلة في مجرة الخيال». 
خالد حسونة مؤلف وممثل ومخرج مسرحي ألف العديد من المسرحيات وأخرج أكثر من 25 عرضا مسرحيا ما بين عروض الثقافة الجماهيرية والجامعة و مسارح الدولة ومنها « بالعربي الفصيح»، «النار والزيتون»، «الواغش»، «توراندوت»، «سهره مع أبي خليل القباني»، «سهرة ملوكي» ومسرحيات مثل «النسر الأحمر»، «حلم ليلة صيف» كما قدم مسرحية «النخيل» على مسرح الشباب وهي إحدى المسرحيات الكوميدية لموليير، أما على مستوى الكتابة فله العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، وصلت إحدى نصوصه المسرحية للقائمة القصيرة في جائزة ساويرس وهي «وداعا نوتردام»، وفازت «رحلة في مجرة الخيال» بالمركز الثالث في مسابقة التأليف الموجهة للأطفال بالهيئة العربية للمسرح. بهذه المناسبة أجرت جريدة مسرحنا هذا الحوار مع حسونة. 

 أعطنا نبذة عن النص الفائز «رحلة في مجرة الخيال» وفكرته؟ 
«رحلة في مجرة الخيال» نص للأطفال في الفئة العمرية من 12 لـ 15 سنة، وهي التي تدخل ضمن المرحلة الإعدادية في مصر، في هذه المرحلة الانتقالية بين مرحلتين، يكون لدى الأطفال شغف كبير للمعرفة واستيعاب شديد لكل ما يدور حولهم، ومن ثم فالكتابة في هذه المرحلة تحتاج للحذر والوعي، خصوصا أنها تشبه الدخول على المراهقة، فيجب إدراك أننا نتحدث مع فئة ناضجة ومختلفة ذهنيا، وكان تركيزي أن اعمل نصا يتفق مع شروط المسابقة لأن الهيئة العربية للمسرح تحدد كل عام محورا معينا، وفي هذا العام تتحدث عن طرح نص يشتبك مع الواقع وفي نفس الوقت ينظر إلى المستقبل، ومن ثم كان اتجاهي للكتابة بشكل واقعي بمسحة من الخيال، فكان نص» رحله في مجرة الخيال» وقصدت بالتحديد» في» وليس «إلى» حتى لا يكون النص خياليا، وقصدت أن عقل الطفل في هذه المرحلة العمرية هو نفسه مجرة الخيال التي تأخذنا بعيدا حيث عوالم لم نكن نراها من قبل، ويدور النص حول مجموعة من الأطفال في فئات عمرية متنوعة يحبون ماده العلوم وعندهم خيال واسع ورغبة في اختراق عوالم أخرى و أن تطأ أقدامهم عوالم لم يطأها أحد قبلهم، فكان تفكيرهم أن يصنعوا مركبه فضائية بإمكانيات بسيطة ومتاحة من بعض المواد المستهلكة تكون بشكل علمي، فقرأوا في العلوم والثقوب السوداء وكيف يمكنهم الانتقال من مكان لأخر في الفضاء بشكل سريع، فالرحلة التي قد تستغرق سنين ضوئية تستغرق أقل من خلال الثقوب البيضاء، وبالفعل يتوصلون إلى صنع المركبة ويحاولون أن يقنعوا أهلهم فلا يصدقونهم، ولكن معلمهم أدهم هو الوحيد الذي يستمع لهم ويصدقهم ويدخل معهم في نقاش .. فكرة النص تقوم على فرضيات علمية استندت فيها على مجموعة كبيرة من المراجع والكتب. 
 - متى جاءت فكرة النص وكم من الوقت استغرقت في كتابته؟ 
اكتب للطفل منذ فتره طويلة، وهذا هو النص الثامن لي للطفل، واستغرقت في كتابة النص حوالي شهرين أو ثلاثة لأنه احتاج إلى مجموعة من المراجع والدوريات العلمية، لزوم الدقة والبحث، حتى يتم تشكيل خيال ووعي الطفل من خلال كتابتي. 
- ماذا تعني الجائزة لخالد حسونة بالتحديد؟ 
الجائزة بالنسبة لي كانت مفاجأة وفي نفس الوقت مكافأة للمجهود الذي بذل لأني أكتب للطفل منذ فترة طويلة واشتركت في أكثر من مسابقه ولم أوفق، وتأتي المفارقة، كنت في هذا العام تحديدا و قبل ظهور النتيجة بيوم، قد وصلت للقائمة القصيرة في جائزة ساويرس للكبار ولم يحدث نصيب فكان لدي أمل الحصول عليها، و عوضني الله في اليوم الثاني مباشره بجائزة الهيئة العربية للمسرح، هذه الجائزة كانت هدية لي وكأن الدنيا تطبطب علي في هذه اللحظة.
- وماذا تعني الجائزة للمؤلفين والمخرجين عموما؟
 بالنسبة للكاتب عموما فالجائزة شكل من أشكال التتويج والمكافآت والدافع والحافز والاستمرارية في نفس الوقت، الكاتب أو المخرج أو المبدع عموما يحتاج كل فترة لمن يصفق له ويدعمه في الاستمرار، أضف إلى ذلك أن المؤمن بموهبته لا يعنيه فكرة الجوائز والتسابقات، ولكن جائزة في كل فترة تعد دافعا وحافزا للاستمرارية و القول أن لديه الجديد، مع اقتناع الآخرين . والكاتب المؤمن بأفكاره وأعماله قد لا تشغله المسابقات خاصة أن الجوائز يدخل فيها اعتبارات كثيرة .
- هل للبيئة التي تعيش فيها تأثير في كتاباتك؟ 
بالتأكيد الكاتب أو المبدع عامة لا ينفصل عن الواقع الذي يعيشه، فالبيئة من حوله لها تأثير قوي جدا فنحن لا نكتب منفصلين عن الواقع الذي نعيشه ونحاول ترجمة ذلك في أعمالنا، أما بالنسبة للطفل تحديدا أرى أن الواقع بالنسبة للطفل هو الاهتمام بالخيال؛ لأنه الذي يصنع المستقبل ويصنع العلم وينشئ الأطفال ويصقلهم ويدعهم يتحركون للأمام مع اتجاهات الدولة لفكرة المستقبل، وهذا ما يحدث من خلال إعمال خيال الطفل للوصول إلى عوالم أخرى، فواقع الأطفال يجب أن يختلف عن واقعنا ليتحرر إلى مشاكله الخاصة وطموحاته والتي يجب أن ينغمس فيها ليصل إلى المستقبل و يحقق ما يريده .
- ماذا يعني المسرح بالنسبة لك ؟ 
 هو الحياة، وهو الشغف الأكبر الذي يحيا الإنسان من أجله، وهو الأمل والحلم الذي من الممكن أن يتحقق للإنسان عبر تاريخه، فالمسرح نقطة الالتقاء بين الإنسان وذاته.
- متى يلتقي الكاتب مع الإنسان ؟ 
هذه اللحظة خاصة جدا، فالكتابة لها خصوصية شديدة عند المبدع وأنا خضت غمار العملية الفنية في مختلف المجالات، في الإعداد و الإخراج والتمثيل والكتابة، والكتابة تحديدا لها حالة خاصة عندي، فأنا أكتب منذ الصف السادس الابتدائي وكانت لدي مكتبة كبيرة، وكنت نهما في القراءة واستمر هذا النهم في كل مراحل الدراسة، فتشكلت الكتابة بداخلي وشكلت جزءا كبيرا من تكويني كإنسان حتى وصلت إلى مرحلة الجامعة فتم صقلها وخاصة عندما التحقت بفريق المسرح و بدأت أولى خطواتي كممثل، وأخذت الجوائز في التمثيل وفي نفس الوقت استمرت الكتابة معي حتى استكملت دراستي بعد الحقوق في المعهد العالي قسم الدراما والنقد المسرحي، وبدأ هنا المزج بين الموهبة والدراسة ودائما كنت احتاج أن أصقل الكتابة لدي ولذلك دخلت قسم النقد والدراما وخاصة أن رحلة الكتابة رحلة طويلة وشاقة، وأنا كنت موفقا، خاصة أن أول مسرحية من تأليفي عرضت على مسرح البالون وهي «كفر الأراجوزات» للأطفال وكنت لم ألتحق بعد بالمعهد، وبعد أن دخلت المعهد كان لي مسلسل درامي اسمه «حكم عيال» ومسلسل «أحلام» وبه مساحات كبيره للطفل بعدها كتبت للكبار وألفت وأخرجت العديد من المسرحيات. 
- ما طبيعة النصوص المسرحية التي يجب تقديمها في المجتمع ؟ 
كل ما يأتي في ذهن المبدع يمكن تقديمه ولا يمكن تحديد نصوص معينة أو أطروحات بعينها، توجد العديد من القضايا التي يجب أن يطرحها المبدعون في كل وقت، ولكن المحور الأساسي في النصوص هو الإنسان، فمتى تهتم بالإنسان تستطيع أن تقدم نصا يلقي بظلاله على الواقع، وهذا ما يجب أن ندركه فالنصوص التي تشتبك مع الناس هي التي تعني الناس، وأنا في نصوصي أهتم بقضايا الإنسان والقضايا الفكرية وهذا ما جعلني أهتم بالجمهور، لذلك عروضي كلها كمخرج تتسم بالجماهيرية وتخاطب الجمهور بكافة طبقاته وفئاته وأعماره.
- هل التقاء الكاتب والمخرج في شخص واحد يخدم العمل المسرحي؟ 
بالطبع، بالنسبة لي العملية الإبداعية خدمت بعضها، فكوني كاتبا منذ الصغر أفادني كثيرا عندما دخلت فريق المسرح بكلية الحقوق كممثل، وشغف القراءة جعلني أقرأ معظم أعمال شكسبير وكبار الكتاب في سن صغيرة، ولم اكتف بالجامعة ولكن التحقت بفرقة الهواة بقصر الثقافة والفرق القومية وكل الفرق التي كانت ترتبط بالمسرح في المنصور، ما اصقل موهبتي ككاتب وكمخرج، وعندما كنت في الفرقة الثالثة من الجامعة أخرجت أول مسرحية لي وهي مسرحية كبيرة للمؤلف أسامة نور الدين و بعدها انطلقت في عالم الإخراج، وعالم الإخراج وعالم الكتابة عالمان يشتركان مع بعضهما البعض، و أضيف عليهما عالما ثالثا وهو عالم التمثيل فكوني ممثلا أخذت العديد من الجوائز و كمخرج يملك أدواته كما قيل لي هذا، ساعدني كثيرا على مستوى الكتابة والعكس صحيح، لأنني حينما أكتب أستطيع أن أضع نفسي مكان الممثل فهذا يساعدني كثيرا في تشكيل الممثلين لأنني أعمل كل الأدوار وكل التركيبات على الورق، وكوني مخرجا يساعدني لوضع بعض الإرشادات المسرحية التي تساعد من يقوم بإخراج الورق من بعدي إذا لم يكن دوري، ولكنه يعطي بعض الخيال لإرشاد الأخر، أو من يقرأ انه هناك إمكانية لتحقيق ما أقوله للوضع على خشبة المسرح، وأنا لا أكتب نصوصا لتقرأ فقط ولكن كي تمثل و تصبح واقعا وتتحقق بشكل عملي أمام الجمهور.
 - أيهما أكثر صعوبة الكتابة أم الإخراج؟ 
كلاهما مخاض صعب، فالكتابة لها مميزاتها وعالمها الخاص، والإخراج كذلك، ولكن الكتابة عالم ساحر ومختلف، فالكاتب ينعزل تماما عن كل ما يحيط بعالمه ولكن يدخل في عوالم أخرى يغوص ويتعمق فيها، ويعيش حيوات كثيرة، فمن هنا متعة الكتابة أكبر بكثير من أي شيء أخر في العملية الفنية سواء الإخراج أو التمثيل أو ما إلى ذلك، فالكتابة أكثر رحابة من أي نوع آخر من أنواع الإبداع.
 - أيهما أكثر صعوبة الكتابة للأطفال أم للكبار؟ 
الكتابة للأطفال أكثر صعوبة لأن الكبير ناضج وواعي بشكل يستطيع أن يصنع فلاتر خاصة به وينقى ويختار ويقف على الصحيح و الخطأ فيما يقدم له، أما الطفل فهو وعاء كبير يستوعب كل ما يقدم له، ولذلك يجب كمسرحيين وتربويين وكتاب أن نكون حذرين جدا في الكتابة للطفل لأننا نشكل وعى أثناء الكتابة، وأنا ألجأ إلى مراجعات كثيرة أثناء الكتابة للطفل، مراجعة كل التفاصيل من معلومات و قيم وأخلاقيات وألفاظ وشخصيات وبالتالي يجب أن يكون هناك جزء مني تربوي ومعلم، بالإضافة إلى مخرج وممثل و أب، يجب أن أكون حذرا جدا أثناء الكتابة للطفل، ومن هنا تأتي الصعوبة في الكتابة للطفل.
- ما رأيك في الوضع المسرحي في مصر ؟ 
الحركة المسرحية متغيرة ومختلفة ومتقلبة على الدوام لا تسير على وتيرة واحدة بل تعلو و تنخفض، و الوضع المسرحي في مصر عموما جيد جدا يمكن أن نقول أنه من أفضل الأوضاع في الوطن العربي عموما، والحركة المسرحية في مصر حركة دائمة ومتدفقة و متغيرة حركة شديدة التأثر بالمجتمع، تتحرك بشكل دائم متنوع وهناك دائما الجديد، وهناك الكثير من المبدعين الذين يشكلون الحركة المسرحية ويطورونها بشكل دائم، وأنا سعيد جدا بمجموعة الشباب سواء المخرجين أو الممثلين أو الكتاب المتواجدين، فمصر ولادة دائما، تستطيع أن تخرج المبدعين في كافة المجالات، ومن ثم أنا لا اقلق على الحركة المسرحية وان كان يصيبها في بعض الأحيان سبات إلا أنها تنهض بسرعة، فلا يعبر موسم إلا وتجد عملا أو اثنين يجذبان الانتباه ويشدان الأنظار ويؤكدان أن مصر ولادة.
- إلى ما تتجه أكثر: الكتابة للمسابقات والجوائز أم للعرض جماهيريا؟ 
لا اكتب المسابقات أبدا، فالمسابقة بالنسبة لي قد تكون دافعا للكتابة، قد اشترك في المسابقة لفكرة ما بدأت فيها ولم أنهيها وتكون المسابقة تشجيعا لإنهاء ما بدأت مثلا أو حافزا للبداية في عمل جديد، ولكن لا أكتب خصيصا للمسابقات، وكثيرا ما أبدأ في كتابة عمل مسابقة ما ولا تسعفني القريحة وأنهي ما كتبته بعد المسابقة بكثير وأنسى أنني كنت اكتبه من اجل الاشتراك في هذه المسابقة أو تلك، أنا اكتب من أجل ذاتي، ومن أجل أن أظل خالد حسونة الذي سيذكر التاريخ في لحظة من اللحظات أن له هذا العمل المسرحي أو ذاك، فالكتابة فعل يصيب صاحبه بشكل ما من أشكال الخلود، والكتابة هي التي ستخلد اسم صاحبها أكثر من أي شيء أخر.
- هل لديك مشروعات جديدة هذا العام؟ 
أنا الآن بصدد عمل مسرحية للكبار وأخرى للأطفال، ولكن ما انغمس فيه الآن هو الذي للكبار، فأنا أكتب مسرحية أعتقد أنها ستكون مفاجأة، لأنها شائكة جدا تتحدث عن أوضاع كثيرة حولنا سواء في مصر أو المنطقة العربية أو العالم، وتناقش العديد من القضايا، لذلك أعيش في حالة ممتعة هذه الأيام حيث انغمس في كتابتها وأتمنى أن تخرج للنور قريبا، ولكنها تحتاج إلى وقت كثير وجهد؛ إلى كثير من القراءة والإطلاع والوثائق، هي ليست مسرحية تاريخية بالأساس لكنها إنسانية وهذا هو وجه الصعوبة فيها، أما بالنسبة للإخراج فمعظم مشاريع الإخراج مؤجله بسبب السفر.


سامية سيد