العباسة تدق ناقوس الإبداع

العباسة تدق ناقوس الإبداع

العدد 754 صدر بتاريخ 7فبراير2022

العباسة الشاعرة أخت هارون الرشيد ونكبة البرامكة من القصص الدرامية التاريخية، أثارت شهية عزيز أباظة ليكتبها عام 1947، ويحصل بسبب عرضها على الباشاوية، ثم تمر الأيام والشهور والأعوام الطوال حتى يأتي الكاتب المسرحي والشاعر محمود حسن ليكتب لنا مرة أخرى عن العباسة وعن نكبة البرامكة، ولكن من خلال وجهة نظره هو ورؤيته للعباسة ولنكبة البرامكة، في مسرحية شعرية استلهم فيها التراث من حيث وجود الحادثة بالفعل والأشخاص، ومن ثم قدم لنا نصا، مسرحيا، مبدعا، وعصريا، يتماشى مع متطلبات العصر الحديث.
ركز عزيز أباظة في مسرحية العباسة على تفاصيل تاريخية خاصة بحادثة نكبة البرامكة، هنا كان البطل هو الحدث الفعلي وهو نكبة البرامكة، أما محمود حسن فقد ركز في مسرحيته العباسة على العباسة نفسها وما وقع عليها من ظلم من هارون الرشيد هي وزوجها جعفر، هنا عند محمود حسن كانت العباسة هي البطل الرئيسي للمسرحية الشعرية «العباسة».  «العباسة» ملحمة شعرية أهدانا إياها الشاعر الكبير محمود حسن في ليلة ساحرة من ليالى قاهرة المعز، حيث التاريخ والتراث حالة درامية فريدة من نوعها جمعت بين الفن والأدب والجمال لتحلق بنا فى سماء الإبداع لنرى حدثا فنيا جمع بين الرقي والأصالة والمعاصرة، أثناء المشاهدة تذكرت مقولة مهمة هي إذا أردت أن تعرف ثقافة شعب فاطلع على مسرحه.. فعلا، في العباسة تحقق المعنى وتحققت العبارة.
كما ظهر من خلال قراءة النص المسرحي الشعري «العباسة» عمق ثقافة الكاتب المسرحي الكبير الشاعر محمود حسن التي تنوعت مجالاتها في عدة اتجاهات منها التاريخ والتراث وعلم النفس وغيرها من المجالات العلمية والأدبية. اعتمدت «العباسة» على حبكة قوية جمعت كل مواقفها في عقد  من اللؤلؤ الثمين، أما الصراع فكان متعدد الأشكال، حيث وجدنا صراعا داخل النفس، وصراعا داخل الأسرة، وصراعا على الملك، وصراعا مع القيم والأخلاق العريقة الخالدة، ظهر ذلك في صراعات هارون والعباسة وجعفر وصاحب السيف المسنون السياف.
حالة درامية فريدة من نوعها جمعت بين الرقي والعراقة والأصالة، تعددت المشاهد والصور في نسيج من الحرير حاكه الكاتب والشاعر الكبير محمود حسن بذكاء يسبح في عقل وقلب القارئ أو المشاهد ليحقق نظرية التطهير التي حكى لنا عنها أرسطو حيث قال إن المسرح يطهر القلب والعقل والروح.
العباسة جمعت بين الشرق والغرب قديم الزمان وحديث اليوم لتقدم لنا مجموعة من القيم والمبادئ الأخلاقية التي نرغب أن تعود بها الحياة إلى سابق عهدها، حيث الأخلاق هي المعيار لنجاح كل العلاقات، علاقة الأخ باخته؛ هارون والعباسة، علاقة الصاحب بصاحبه؛ هارون وجعفر.
كما أشارت العباسة أن البعد عن القيم والمبادئ الأخلاقية هو السبب الرئيسي في هدم كل العلاقات. كان الصراع النفسي لدى هارون على رغبته في الاحتفاظ بالملك، شديدا جدا لدرجة أنه خسر أخته العباسة وخسر صديقه، ولكنه لم يستطع أن يضع الملك على المحك فاختار أن يخسر كل شيء حتى يحتفظ بالملك. 
ظهر ذلك في كلماته لجعفر: أبكيك، نعم.. والله نعم، فأكون القاتل والنائح، لكن لا أملك أن أعفو، لا يمكن يا جعفر أن يغفر عرشي أو أن يتصالح.
غلبة هارون شهوة الملك فخسر كل عزيز، ظهر من خلال النص المسرحي الشعري «العباسة» تمكن الشاعر والكاتب المسرحي الكبير محمود حسن من لغته العربية القوية التي كانت في نفس الوقت أداة لينة طيعة في يده، فنسج القالب الدرامي بكلمات تجمع بين البساطة والرقي، وتحمل من شدة جمالها موسيقى هادئة تخترق أذن السامع أو المشاهد أو القارئ، فتصل إلى القلب والعقل مباشرة.
«العباسة» مسرحية شعرية يعود بنا بها الشاعر والكاتب المسرحي الكبير محمود حسن إلى المسرح الشعري العريق، حيث جمال اللفظ ورقي الهدف وروعة المشهد المسرحي.
تمّ تقديم القراءة للنص المسرحي الشعري «العباسة» على مسرح المؤسسة القومية لتنمية المجتمع بالعجوزة، اعتمد العرض المسرحي على تقنية المنظر الواحد، حيث تمّ وضع صورة كبيرة لوجه العباسة تضع اليشمك على وجهها فلا يظهر منه غير عينيها الساحرتين اللتين تحملان القوة والجمال، وأعطى اليشمك الذي أخفى ملامحها عامل جذب لكل من تقع عيناه على هاتين العينين اللتين يملؤهما السحر والجمال.
تعتبر العباسة الشاعرة العباسية الجميلة أخت هارون الرشيد هي البطلة الحقيقية التي تدور حولها المسرحية الشعرية، من عندها تبدأ الملهاة بحب هارون لها وللوزير جعفر، فيزوجهما ثم يحرمهما اللقاء، فتتحرك العباسة وتعصي أمر هارون الرشيد الأخ والملك، وتلتقي بزوجها وتنجب طفلا، متحدية في ذلك كل القواعد الملكية، ثم تتحول الملهاة لمأساة عندما يعلم هارون الرشيد فيقتل جعفر زوجها، وهنا تبدأ المأساة. التزم المخرج والكاتب المسرحي بكل ما جاء بالنص المسرحي، وصحب العمل موسيقى هادئة على العود وأغنيات تمّ نظمها من خلال كلمات النص الشعري «العباسة».
حضر العرض المسرحي الشعري عدد كبير من المتخصصين في الأدب والشعر والمسرح من داخل مصر وخارجها.
وفي النهاية اختتمت القراءة بندوة عن النص المسرحي «العباسة»، وعن الكاتب المسرحي والشاعر محمود حسن، تحدث فيها عدد كبير من المتخصصين والنقاد الذين أشادوا بتميز النص المسرحي الشعري «العباسة».


روحية محمد عبدالباسط