نظريات التمثيل المتنافسة (3)

نظريات التمثيل المتنافسة (3)

العدد 751 صدر بتاريخ 17يناير2022

 عندما يبحث ستروسون Strawson أفكار أوستن حول «قوة الخطاب illouctionary force» و«فعل الخطاب Illocutinary act»، يلاحظ أنهما مرتبطان بشكل وثيق لدرجة أن معرفة الأول (مثل معرفة أن النطق له قوة التحذير) تخبرنا مباشرة عن الفعل الذي تم تنفيذه (بإصدار هذا التحذير). وأنه في ضوء تلك الحقيقة، يبحث ستروسون زعم أوستن بأنه لكي يكتسب النطق قوة خطاب معينة فإنها مسألة تقاليد. 
 ولمزيد من المساعدة في بحثه لهذا الادعاء، يعدل ستروسون وصف جريس H.P. Grice « معنى النطق غير الطبيعي « لكي يحوله إلى وصف ملائم لتحليل فهم معنى الناطق من خلال المشاهد لذلك النطق. وبهذه الوسيلة، يمكننا الوصول إلى فكرة «الاستيعاب الآمن securing uptake» – التي بدونها، وفقا لأوستن، لا يمكن أن تأتي قوة الفعل. 
 وبالتالي، يبحث ستروسون كيف يكون الاستيعاب آمنا بواسطة الأفعال فقط، كما هو الحال في التحذير، غير التقليدية علي نحو قياسي ولكنها الأفعال التي تظل حالات فعل شيء فيما نقول. ولتفعيل هذا، يجب أن يكون هناك وسيلة ينقل بها المتحدث ما قال انه تحذير (ويمكنني أضيف، وسيلة يعرف بها السامع أنه تحذير عندما يكون كذلك). يفهم ستروسون الآلية في حالات مثل «التعليقات». ولذلك، يعلق المتحدث مثلا بقوله – «ذلك كان تحذيرا» – في إشارة إلى ما قاله آنفا. نتيجة لهذا، يلاحظ ستروسون أنها ليست سوى خطوة صغيرة في الطريق إلى الصيغة الأدائية بشكل صريح حيث يكون لدينا نطق واحد فضلا عن نطقين. فهناك تقاليد للنطق الأدائي الصريح. 
 بهذه الوسيلة يتمكن ستروسون من شرح تقاليد النطق الأدائي المنسوبة إلى أوستن. وما يهمنا في هذه المقالة هو: أن في شرح الاستيعاب الخطابي بهذه الطريقة، تتحول حقيقة الاصطلاح أو النطق الأدائي الصريح ظاهرة ثانوية في أفضل الأحوال. لأنه، علي الرغم من صحة أن يكون الفشل في الاستيعاب في الحالتين مختلفا، فان ما يؤسس فشل الفعل الخطابي في كلتا الحالتين يُفسر من خلال حالات التعليق وليس التقاليد. وفي حالتي النطق، ربما أصاب بالإحباط إذا لم تأخذ التحذير علي محمل الجد. وفي الحالة الأخيرة، هناك نوع من تقاليد الانتهاك. ولكن لاحظ أن سبب إحباطك ليس هو أنك فشلت في فهم التقاليد كتقاليد، فمازلت تفشل في فهم هذه النقطة. 
 وهذه خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. وكما سنرى، فإنها سوف تطرح مشكلة خطيرة في تحليل تقاليد التظاهر لكيفية اعتبار بعض الأفعال أفعال آخرين في حالة العروض المسرحية. 
 دعونا الآن نعود الفكرة الأساسية. من الصواب أن نعتقد أننا يجب أن نحدد الشروط التي تجعل قول شيء أو فعله شيئا آخر في العروض المسرحية. وألوراد علي حق في الاعتقاد بأن نظرية التظاهر غير المدعمة لن تؤدي المهمة. علاوة علي ذلك، فانه علي صواب في الاعتقاد أن هذا له علاقة أحيانا بالتقاليد. ولكن، الكلام عن التقاليد المسرحية يعني الكلام عن شيء مثل ما يلي. تخيل امتدادا في العرض الذي تسمع فيه التالي:
«وقالت، لقد أسأت الى أبيك بشدة يا هاملت»
يليها: «وعندئذ قال، لقد أسأت الى أبي كثيرا يا أمي» 
علي أساس نظرية التظاهر، يقول الممثل الذي يؤدي دور هاملت كلمات سطر التظاهر فيقول ما يقوله هاملت بالطريقة التي يمكن أن يقولها هاملت إذا كان يقلد جرترود أو يسخر منها. ويقول أيضا ما تقوله جرترود، ولكنه لا يتظاهر أنه جرترود .
 الفكرة هنا لا تتعلق بالتظاهر المكرر. بل إنها تتعلق بالكيفية التي نشرح بها ما يفعله المتفرجين عندما يفهمون الأداء. وتأمل: من هم الذين يتظاهر الممثلون بأنهم هم، عندما يقولون هذه السطور، وهم يقفون علي جانب بينما يتلاعب المؤدون الآخرون بدمية علي شكل هاملت ودمية علي شكل جرترود؟ أعني، أفعال كلام من التي يعتقد المتفرجين أو الممثلين أن الممثلين يتظاهرون بالالتزام بها؟. وهل يمكننا أن نقول نفس الشيء لو كان الممثلون البشر يقفون بلا حراك، وهم ينظرون عبر خشبة المسرح لكل منهم الآخر، وهم يضغطون بهدوء علي أزرار في الآت في التتابع المنظم الذي أدى إلى سماعنا لهذه الكلمات من مشهد الغرفة ؟. 
 هذه ليست أسئلة بلاغية ؟. إذ كيف يعرف المتفرجون ما يقال وما يجري فعله، ومن يقول القول ويفعل الفعل ؟. إن الإشارة إلى التقاليد المسرحية العاملة في العرض، كما قلت، مطلوبة لتفسير كيف يفهم المتفرجون ما يحدث في المشهد. ولكن هل يجب أن نشير الى مجموعة ثانية من التقاليد، مثل تقاليد التظاهر، لكي نشرح كيف يفهم المتفرجون المشهد ؟. من الواضح أننا لا نحتاج لذلك. 
 لا يحتاج المتفرجون أن يفهموا التقاليد لكي يفهموا المشهد. وهذا درس تعريجنا علي ستروسون. وها هي فكرة أخرى: تُعد بعض العروض لكي تعمل بشكل متقلب. ومن الممكن تحديد فكرتهم وفعاليتهم وكأنهم يُفهمون من خلال آلية فهم القصد المنسوبة إلى جريس. تناقض جدا هذه الحقائق حول ما يفهمه المتفرجون من مشهد ما مع حقيقة أننا بحاجة إلى الرجوع إلى التقاليد لتفسير كيف يفهم المتفرجون ما يفهمونه وما قد فهموه فعلا. وها هي الفكرة، تؤدي الإشارة إلى التقاليد نفسها المهمة بشكل رائع جدا. 
 في ضوء هذه الحقيقة، يبدو أن الإشارة إلى تقاليد تظاهر خاصة لا يخدم أي هدف عملي. ولكن لتجنب هذه النتيجة، نعود إلى فكرة أن التظاهر بالقيام بفعل واحد يتعلق بالضرورة بتنفيذ جزء أساسي من شيء ما شبيه بهذا الفعل، فسوف نقع في لغز أن التقاليد قد استُدعيت لحله. فلن يوضح تحليل سيرل ولا تعديل ألوارد، عن طريق الإضافة المشروطة إلى هذا التحليل، كيف يفعل الممثل ما تفعله الشخصية ويقول ما تقوله، ولماذا ؟ 

نظريات اظهار التمثيل: 
 تأصلت نظرية إظهار ما يفعله الممثلون في نظرية الأداء في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين التي تأملت البحوث الأنثروبولوجية والأخلاقية لظواهر الأداء الأعم. فقد ركز علماء الأنثروبولوجيا المؤثرين في الأداء ( تيرنر، وجوفمان، وجريتز ) علي الطقوس ذات الطبيعة الجماعية، وربطوها بالمعتقدات الخارقة للطبيعة، وبحثوها كأنها صيغ منتقاة بشكل تطوري من السلوك الإنساني. وبالمقارنة، ركز علماء الأخلاق ( لورينز، وهاكسلي، وجودال ) علي إظهار سلوك الأفراد الذين كانوا، بشكل رئيس، من الحيوانات غير بشريين، حيث كان يُعتقد أن آليات توصيل المعلومات لها مؤثرات اختيار علي المستوى العام، وحيث أن بعض تلك الآليات قد أصبحت نمطية بالقدر الكافي حتى أن علماء الأخلاق أشاروا إليها بأنها « طقوسية «. 
 المناقشات التي احتدمت منذ ذلك الحين في علم الأحياء بشأن حجم الوحدة التطورية، تلك التي يبدأ فيها الانتقاء الطبيعي، ليست ذات صلة بموضوعنا. كما أننا لا نهتم بالاختلافات بين هذه الرموز في استخدامهم لمصطلحي « إظهار التمثيل display» و« الطقوس ritual «. ويمكننا أن نتجاهل أيضا صلة الطقوس بالخارق للطبيعة الذي كان له تأثير مؤسف علي نظرية الأداء المبكرة. ولا يحتاج أي من هذه القضايا إلى ارث دائم في دراسة الأداء. 
 ورغم ذلك، فالعديد من الأشياء ذات اهتمام مستمر. وقد قدمت نظرية الأداء أول أمثلة تفسيرات الأداء الإنساني الطبيعية بشكل واع بذاته، باعتباره درجة من السلوك الإنساني المتغاير والواسع، وتفسيره بأنه مماثل لسلوك الحيوانات الأخرى أو مناظر له. وبالنسبة للجزء الأكبر، فقد فكرت هذه الرموز المؤثرة في اظهار التمثيل والطقوس كعناصر في انساق نقل المعلومات. علاوة علي ذلك، فقد تميزت صورة نقل المعلومات التي تبنوها بسمتين أساسيتين. أولا، جادل هؤلاء المنظرون بأن الطقوس وإظهار التمثيل ( ولاسيما الأخيرة ) قادرة علي نقل معلومات عن الصفات غير السلوكية للأفراد المنخرطين في سلوك إظهار التمثيل، ومن ضمنها أشياء مثل الموقع والهوية. ثانيا، جادلوا بأن الحالات التحفيزية للمؤدين أقل أهمية من أنواع المعلومات التي يجعلها إظهار التمثيل متاحة للأفراد الذين يتفاعلون مع القائم بالتواصل. 
 وتضخم دراسة كيندون Kindon للسلوك الإنساني أحد تطبيقات هؤلاء المنظرين الأساسيين علي النشاط البشري بالتحديد. فقد بحث كيندون سلوك أناس يجهزون لحوار رسمي. وأظهرت الدراسة أن سلوك الإعداد للحوار أمر دقيق للغاية، ويحدث عادة تحت مستوى الانتباه الواعي، وأحيانا يضع المتحدثين والمستمعين في نوع من التزامن البدني المتبادل قبل الحوار الذي يستمر أثناءه أيضا. وهذه معلومات مفيدة لأي تحليل للكيفية التي يعمل من خلالها الأداء، ليس فقط لأنها تبحث البدنية شبه التخمينية sub-doxastic physicality في العلاقة بين المؤدين والمتفرجين في معظم العروض المسرحية. 
 أخذت العقبة الرئيسية التي واجهت نظرية الأداء في الثمانينيات والتسعينيات شكل القيود المفروضة ذاتيا علي تفسيرات الأداء. وتطورت القيود من فكرة أنه، لأنه المسرح وأشكال الأداء التقليدي الأخرى هي ظواهر تنشأ من ظواهر اجتماعية أخرى، فقد كانت تفسيرات المسرح وأشكال الأداء التي يمكن أن تكفي هي أنواع التفسير المميزة في الأنثروبولوجيا وعلم الأخلاق وعلم الاجتماع. وقد أدى ذلك الى قيد يقول إن تفسيرات الأداء المسرحي لها طابع اجتماعي أحادي، حيث فسرت السمات الاجتماعية للمسرح ما فعله الأفراد وأنه لم تتدفق أي فعالية سببية من الأفراد أو من حالاتهم ، ولاسيما حالتهم الذهنية. وهذا ساعدنا أن نفسر لماذا واجهت نظرية الإظهار قيودا لا يمكن التغلب عليها. 
 ولا يزال بإمكاننا التعلم من هذه النظريات. فمثلا، يقدم تحليل تيرنر للمحددات الاجتماعية في المسرح الأوروبي رؤية أصيلة فيما يتعلق بالمغزى الاجتماعي لظهور المسرح الحديث. إذ يمكن القول جدلا أن بعض الدراسات الأثروبولوجية للمسرح لم تكن لتجرى علي الإطلاق لولا ظهور نظرية الأداء. 
 ومن الجدير بالملاحظة أيضا أن نظريات الأداء لم تقبل كل نتائج علم الأخلاق والأنثروبولوجيا بشكل غير نقدي. فمثلا انتقد شيشنر وصف لورينز بأن المسرح للتركيز علي العمل الفني النهائي في الثقافة الإنسانية، لذلك فشل في رؤية مدى أهمية عملية التدريبات في تفسير أي عرض مسرحي. 
 ولكن قيود أن التفسيرات هي دائما اجتماعية هو الذي يحرك الكثير من تحليلات شيشنر الايجابية. فمثلا، يبدأ تحليله بالتركيز، بشكل واعد، علي الطرق التي يختلف من خلالها سلوك الإنسان الطقسي عن سلوك الحيوانات الأخرى وعلي أساس عملية المؤدي واستجابة المتفرج. ولكن الدافع الرئيس لا يزال إيجاد تفسير اجتماعي بشكل تام لهذه الظواهر. وفي رأيه أن الأداء الفني يحدث: 
عندما تتأثر استجابة إظهار التمثيل الطبيعية ولكن يتم منعها من التعبير الكامل.
عندما يتحول إلى خيال – والذي نادرا ما يكون ترجمة حرفية للعرض المحظور. 
عندما يعاد توجيهه. 
عندما يعاود الظهور كعرض وأداء، وطريقة عامة لعرض أشياء خاصة. 
وتوفر مناقشة شيشنر للنكات – والتي يصبح السؤال الأساسي فيها « ما هي وظيفتها الاجتماعية ؟ « علاقة للنكات بالتهديد والتعهد، ولكنها لا توفر تحليلا لما يتكون منه التهديد والتعهد أو كيف تنجح النكات في أن يكون لها أي وظيفة اجتماعية على الإطلاق. ومن المفيد أن نقارن هذا بتحليل تيد كوهين Ted Cohen للنكات. وهو تحليل يهتم بالوظيفة الاجتماعية للنكات، ولكن ما يفعله تحليله والذي لم يحاول أن يفعله تحليل شيشنر، هو أنه يربط المسألة الاجتماعية ببحث المعتقدات والرغبات المتعلقة بها عندما يفهم الفرد أو يفشل في فهم النكتة وعندما يجدها الفرد مضحكة أو يفشل في ذلك. وعن طريق مناقشة ما يحتاج أن يعرفه الأفراد، ويعتقدون فيه ويأملون فيه ويخافون منه .. وما إلى ذلك – أي، عن طريق الإشارة إلى الحالات الذهنية للأفراد في مثل هذه التفاعلات – يستطيع كوهين أن يفسر كيف تحقق النكات عدة وظائف اجتماعية. 
 باختصار الشيء المفقود في وصف إظهار التمثيل والطقوس في نظرية الأداء في الثمانينيات والتسعينيات هو ما يتم تجاهله عموما في الدراسات الأنثروبولوجية والأخلاقية التي أثرت فيها. فقد تم طرح التحليلات التي لها علاقة بالحالات الذهنية للمؤدي جانبا عندما كان يُرى أن الحالات التحفيزية لأولئك الذين يشاركون في إظهار التمثيل لم يكونوا ملائمين لفهم السلوك. ولكن الحقيقة هي أن المتفرج المشارك في محاولة فهم ما يقدم له في الأداء المسرحي يدرك أنه قريب من سلوك قصدي، وأن هذا هو الجزء الرئيس من سبب أنه مهتم بالسلوك في المقام الأول. ولا تستجيب بحوث المحددات الاجتماعية وحدها بالاهتمام بما يفعله مؤدين بعينهم. ولا تستجيب للاهتمام النظري بماهية ما يفعله أولئك المؤدون عموما. وإذا فشلنا في تقديم تحليل لإظهار التمثيل الذي يوضح ماهية الحالات الذهنية للمشاركين، فلن يمكننا أن نفهم كيف يعمل العروض المسرحية. وفشل نظرية الأداء في تقديم تحليل هو نتيجة مباشرة لالتزامه غير الواعي عموما بفرضية تفسير سلس. 
 ورغم ذلك، أعتقد أن نظرية إظهار التمثيل في المسار الصحيح وأنها يمكن أن توصف بالأسلوب الذي يسمح لها أن تفعل ما فشلت أن تحاول أن تفعله الصياغة المبكرة لنظرية إظهار التمثيل. إذ تشبه عناصر نظرية إظهار التمثيل عناصر في عدة تحليلات للتوضيح، وهو التحليل الذي قد تمت صياغته في خدمة نظرية الاقتباس. وأقترح أن نستغل هذه التشابهات لكي نبدأ. ليس من ضمن مشروعي أن أخضع أو أجادل من أجل نظرية معينة في الاقتباس. ولكني سوف أبدأ بتأملات لمجموعة واحدة من هذه النظريات. 
 ولنتأمل حالتين استخدمتا لاقتراح نظرية توضيحية للخطاب غير المباشر في قول ذلك. ونظرية هيل Heal (2001) وهي حالة لتوضيح شخص ما للكيفية التي يسير من خلالها اللحن. ونظرية ريكانيتي Recanati هي حالة توضيح شخص ما للطريقة التي تشرب بها أخته اليزابيث الشاي. وانتشرت أمثلة مماثلة تشرح نظريات توضيح الخطاب المباشر أيضا، عند كلارك – وجريج، وساكا وبيترسون. وتفاصيل هذه المواقف، وأغلب الفروق بينها ليست ذات صلة هنا. فأنا أستخدم هذه البحوث كنقاط قفز لتوضيح كيف أن نظرية اظهر التمثيل يمكن تطويرها وكيف يمكنها أن تتجاوز القيد المفروض ذاتيا والذي عرجت عليه الصياغات المبكرة للنظرية. 
 دعونا نبدأ بالتالي. تخيل أن أنجيلا تخبرك عن الحوار الذي سمعته بين ممثلين (واللذان تصفهما أنجيلا ب هو وهي). وتقل إنجيلا الحوار كالتالي: تقول، «سوف أؤدي دور جرترود« وذهبت (تدور عيناها مصحوبة بتعبير قرقرة)
يزعم باترسون أنه في مثل هذه الحالات لا يوجد فرق بين الإشارات؛ لأنه لم يلاحظ في أي من الحالتين أن هناك إشارة إلى الكلمات. أي أنه يجادل أننا ربما نتجاهل بشكل آمن فكرة ديفيدسون بأن ما يشار إليه يجب أن يكون شيئا لغويا. وبدلا من ذلك فان كلتا الإشارتين يمكن تفسيرهما كإشارتين للسلوك الذي يتم إظهاره علي الفور. وسواء كان بيترسون علي صواب من عدمه فيما يتعلق بالاقتباس، فان زعمه يزودنا بصيغة إرشادية لفهم ما يجري في العروض المسرحية. 
 إذن لدينا نقطة انطلاق خام: ربما نفكر في تقاليد المسرح باعتبارها توظف من قالب الاقتباس، حيث يُفهم الاقتباس ظاهريا وأن الإظهار يُفهم أن متصل بوسيلة عرض سلوكية. فالذين يذهبون إلى المسرح يدركون أنه مكان الإظهار (أو إن شئت التقديم)؛ فالقصص تُقدم هناك غالبا؛ وأن هذا يعني أن مؤدي أو أكثر في عده مناسبات سوف يظهر كيف تدور قصة معينة. 
 فكيف نواصل من تلك النقطة؟ في المرحلة الأولى قد يكون من المفيد أن نتذكر نظرية التظاهر في التمثيل تقدم القصة الصحيحة عن الحالات العقلية والقدرات العقلة للممثلين. فعندما تقول الممثلة التي تجسد جرترود «لقد أسأت إلى أبيك بشدة يا هاملت» لن نفسر أنها تعتقد أن الممثل الذي يؤدي دور هاملت قد أساء إلى أحد. وأنها ليست صادقة في طلب تفسير سواء من هاملت أو من الممثل الذي يؤدي دور هاملت. ولذلك إذا اعتقدنا أن الممثلة تؤدي دور جرترود من خلال التظاهر بأنها جرترود، فان هذه الأوصاف الذهنية سوف تتأكد. 

 ولكن لماذا تتأكد تلك الأوصاف بالضبط ؟ 
 تأمل ما يحدث في وصف إظهار الاقتباس، عندما أقدم خطبة أبراهام لنكولن في جيتسبرج، «أقول منذ أربعة عقود، وسبع سنوات، أنجب أجدادنا أمة جديدة في هذه القارة ...»، ولكني لا أصدق أن تأسيس الولايات المتحدة قد حدث تقريبا منذ تسعين سنة، ولا أصدق أني أتوجه إلى الناس المعنيين بهذا الكلام. ولذلك، فان نظرية إظهار التمثيل يبدو أنها في المسار الصحيح من أجل الوصول إلى القصة الصحيحة عن الحالات الذهنية للممثلين، كما تفعل نظرية التظاهر في التمثيل بوضوح. 

بعض المقارنات المؤقتة: 
 يوحي هذا بأن هناك علاقة بين إظهار التمثيل والتظاهر بالتمثيل. ويوحي أيضا بحجة للاعتقاد بأن الإظهار يفسر لماذا يفسر لماذا تصل نظرية إظهار التمثيل إلى قصة الحالات الذهنية الصحيحة. ففي تظاهر الممثلة بأنها جرترود فانها تعرض للمشاهدين كيف تبدو جرترود، وكيف تقول جرترود الأشياء وكيف تفعلها. وأن هذا العرض يمكن أن تنفذه الممثلة بدون تأمل لأفكار جرترود، وبدون أن تحمل معتقداتها، فتقصد ما تقصده وتؤكد ما تؤكده. ويبدو أنني، لكي أتظاهر بأنني جرترود أو أقلدها للآخرين، فلا بد أن أعرض لهم جرترود. 
 يجدر بنا أن نقول الآن – لكي امنح نظرية التظاهر مكانا لكي ينجح هذا التقديم في المقام الأول - إنني تجاهلت حقيقة أن التظاهر أمام الآخرين لن ينجح كوصف للعروض المسرحية إذا لم يُفهم «أمام الآخرين» بمعنى «من أجل الآخرين». لأن هناك حالات من التظاهر بأنني شخص آخر ، أو شيئا آخر غير ذلك الشخص الآخر أمام الآخرين، ولا يعد ذلك أداء مسرحيا. إذ يتبادر علي الذهن فورا حالات الخداع والتسامح الذاتي. فعلى الأقل جزء مما يجعلهم غير مؤهلين كأمثلة للأداء المسرحي (ويكسبهم أيضا بعض الرفض الاجتماعي) أنهم لم يحدثوا في خدمة تقديم شيء لآخرين لكي يشاهدوه. ولذلك، يجب أن تضيف نظرية التظاهر في التمثيل تعديلا آخر رغم ذلك. فبالإضافة إلى التأكيد علي أن الممثلين يتظاهرون، يجب التأكيد علي أنهم يتظاهرون أمام آخرين، وأنهم يقيدون تظاهرهم بشرط تقليدي هو أنهم يفعلون ذلك من أجل الآخرين. 
 ولكن إذا حدث التظاهر الذي في أذهاننا من أجل الآخرين، فإننا نحتاج فقط نظرية إظهار التمثيل لتفسير أعزاء الحالة الذهنية الملائمة. إنها في الحقيقة تقوم بذلك بشكل أفضل من نظرية التظاهر في التمثيل. وبالنسبة لهذه الأخيرة، فإنها أقل جودة من نظرية إظهار التمثيل في شرح لماذا يتمنى الممثلون بصدق أن يفهم جمهورهم ما يقدمونه. 
 تأمل وصف والتون للأطفال الذين يمارسون لعبة التظاهر باستخدام رجل خشبية وكأنها دب. فما يحدث هو أنهم يرون الرجل الخشبية وكأنها دب ويتجاهلون الآخرين. عندئذ فان ما يوازي التمثيل هو كالتالي: إذا تظاهرت الممثلة بأنه جرترود، فإنها تنظر إلى نفسها وكأنها جرترود، وتبرز بعضا من ملامحها وتتفاعل معها وتخفي ملامح أخرى. وتفعل ذلك أمام آخرين. وأن ما تفعله من أجل الآخرين هو تقاليد مضافة، أي أنها غريبة عن ما يجعلها مثالا للتظاهر. وبالمقارنة، إذا شارك أحد في سلوك إظهار، فهناك دائما سياق يتكون من أولئك يتم بناء الإظهار من أجلهم. وهي حقيقة أصيلة لنوع السلوك العام الذي يقال أنه نوع في نظرية الإظهار. وأن صدق رغبة الممثل أن يفهم جمهوره محتوى ما يقدمه مقروء مباشرة في حقيقة أن يقصد أن يعرض هذا المضمون. 
 والنقطة ذات الصلة هي أن نظرية اظهر التمثيل يبدو أنها تنجح بشكل أفضل من نظرية التظاهر بالنظر إلى تفسير النجاح في التصوير المسرحي. لأنه يبدو أننا يمكن أن ننجح في التظاهر مع أننا نفشل في التصوير. إذا فهمنا التصوير كنوع من إظهار التمثيل إذن، لأن إظهار التمثيل يتشكل علي نحو أصيل من أجل المشاهد، فلن نستطيع أن ننجح في أداء الشخصية رغم الفشل في تصويرها. وإذا فشلنا في التصوير، فإننا نفشل في إظهار التمثيل. وتفسر هذه المفارقة لماذا تعطينا نظرية التظاهر الفكرة الخاطئة عن المسرحيات التي يتم أدائها باستخدام ترجمة. ولنفترض أن ممثلا لديه خيار التحدث بالألمانية أو بالانجليزية. ولأغراض التظاهر بأن يكون شخصية بعينها، فان الاعتبارات التي يجب أن يهتم بها الممثل تختص فقط بما إذا كانت الشخصية تتحدث الانجليزية أو الألمانية. وربما كان لدي الممثل مزيد من النوايا التي يحكمها الآخرين الذين يمثلون معه. وبوضوح، إذا لم يتحدثوا الانجليزية، فيمكنه ببساطة أن يتحدث الألمانية، فلا أهمية للغة التي يتحدثها الممثل. ومع ذلك، بقدر نجاحك في التظاهر بأنك الشخصية، فان لغة هذه الشخصية هي الحاسمة. 
 ولكن التصوير المسرحي، مثل الاقتباس، يبدو أنه يفشل – علي الأقل لدرجة ما وفي الغالبية العظمى من الحالات – عندا لا يستطيع المتفرجون أن يفهموا ما يقوله الممثل لأنهم لا يشاركون الشخصية في لغتها. لذا فان تصوير نظرية التظاهر، علي الأقل في هذا الصدد، هو قصد استثنائي أيضا ربما يملكه الممثل بالإضافة إلى قصد التظاهر بأنه الشخصية. والأمر ليس كذلك في نظرية إظهار التمثيل. وسواء قُدمت كنظرية في الاقتباس أو نظرية في التمثيل، فان سبب تحدثنا بالترجمة هو نفس الشيء: إذا أظهرت لشخص ما كيف يحدث شيء، فسوف تأخذ في اعتبارك ما يمكنهم الحصول عليه وتشكيل ما تفعله حتى يتمكنوا بالفعل من الحصول عليه. وإذا لم يتحدثوا اللغة الأصلية للمتحدث أو اللغة الأصلية للمسرحية، فإنهم يترجمون الكلام. 
 النقطة الأخيرة التي أريد أن نتأملها هي: كيف نفسر ما يفعله الممثلون عندما يشاركون في تمثيل غير محاكاتي أو تمثيل غير محاكاتي جزئي ؟ افترض مثلا أن قتلا يقدم بالطريقة التالية: يقدم الممثل (أ) إيماءات تمثيلية تعبر عن التقطيع بالسيف، بينما يقوم الممثل (ب) بإيماءات تمثيلية لكونه أصيب بجرح (وينهار). ورغم ذلك، في نفس الوقت، يصدر الممثل (ج) صوت الإصابة بالجرح، ويصدر الممثل (د) أصوات حفيف السيف في الهواء والإصابة خلال الجسم، بينما يبكي الممثل (ه) بشكل مختصر. وتخيل أنهم يقفون علي بعد ثلاثة أمتار بين كل منهم الآخر، وهم يصطفون علي خشبة المسرح. بوضوح لا يتظاهر أي من هؤلاء الممثلين بأنهم يقتلون كل منهم الآخر ولا يتظاهرون بأنهم قُتلوا بيد كل منهم الآخر. ولكنهم كانوا يصورون القتل. 
 تأمل هذا النوع من التمثيل وكأنه مناظر لما يلي. أنك تسألني «ماذا قال القاضي؟»، وأنا أستمر «إيه (بينما أهز إبهامي بإيماءة رفض القضية). هنا لم أقلد القاضي، فالقاضي لم يقل ما قلته. ولم يفعل ما فعلته. ولذلك ربما يكون قد نقل لكم اقله القاضي وما فعله. 
 ورغم أنه يصح أن أغلب حالات الاقتباس وكثير من العروض المسرحية تتعلق بالإظهار التمثيلي، فالإظهار هو تصنيف أوسع من المحاكاة. وأن ذلك التصنيف الأوسع هو الذي يقدم لنا النوع الطبيعي للسلوك الإنساني الذي يتناسب معه الأداء المسرحي، ولكنه نوع متطور ثقافيا. 
 ولتقديم تحليل لهذا النوع، ربما نفعل أسوأ من ذلك لكي نستعير بعض أدوات نيلسون جودمان في مناقشة التمثيل. لكي تمثل يعني أن تصنع بعض الملامح البارزة لعينة مفترضة وهي ملامح ذات صلة إظهار المعلومات المستهدفة لشخص آخر. وما يحكم اختيار حامل القماش، مثلا، هو حقيقة أن الشخص الآخر مهتم فقط بملامح معينة في الحامل وليس ملامح أخرى – اللون والنسيج في مقابل الحجم – لأن الشخص الآخر مهتم بكيف سيبدو شكل القماش عندما يغطي أريكته. اختيار الملامح إذن هو سياق مستقل بشكل فائق مثل ملامح الأمثلة في الخطاب غير المباشر. وحقيقة تبعية السياق هي أيضا ما يفسر كيف يمكنني أن أنجح في أن أنقل إليك ما قاله القاضي وما فعله عندا قلت إيه (بينما أهز إبهامي بإيماءة رفض القضية). 
 ولا يوجد فرق مهم بين مناشدة المعلومات السياقية ذات الصلة لكي أفسر نقل المعلومات في حالة نقل ما قاله القاضي ومناشدة المعلومات السياقية لشرح كيف نقل المؤدون الخمسة أن هناك قتل يحدث. فكل منهم سوف يختل إذا لم يكن الجمهور غير مستعد للعرض أو ملم بكيفية نقل المعلومات. 
ولتوضيح هذه النقطة أكثر، تخيل أن الفرقة اختارت أن تستخدم هذه الصياغة ثلاثة مرات. وفي المرة الثالثة، سمحوا لصورة المشهد أن تتطور ببطء، وكأنها تنشأ من اتجاه مختلف نحو السرد، ولذلك يتجلى القتل للمشاهد المتوقع وهو يتناول ويختفي داخل اتجاه السرد الواضح في نفس الوقت. فإذا توقع المتفرج، فانه سوف يراه يتطور وبذلك يمكنه تقويم الدقة التي يحدث بها. وهنا بالطبع، سوف يعتمد علي حقيقة أن هذه تقاليد. فقد رأى نموذج خشبة المسرح هذه مرتين من قبل ويعرف ما تقدمه، وأن الممثلين قد نصبوها لكي يتركز انتباههم بطريقة تسمح بذلك. 
 في النهاية. لم أحاول إخفاء كل ما يمكن أن يقال عن نظرية التظاهر. ولم أتظاهر بأني فعّلت نظرية إظهار التمثيل بالتفصيل الكافي لكي أبرر اتفاقك غير القابل للنقاش. ولم أحاول أن أقدم تمييزا صارما بين التظاهر في التمثيل وإظهار التمثيل، اعتمادا فقط علي فهما مبدئيا لبعض الفروق الأساسية. 
 فأنا أهدف إلى شيء مختصر لكل ذلك. وأتمنى أن أكون قد وضعت الرؤيتين علي الطاولة. وأملي أن أكون قد وضحت أننا لا يجب أن نثق كثيرا في نظرية التظاهر. وأتمنى أن أكون قد وضحت لماذا يمكن أن تكون نظرية إظهار التمثيل أكثر جاذبية من نظرية التظاهر في التمثيل، مهما كانت مزايا بحث نظرية التظاهر بشكل مستقل لفهم الآليات الذهنية المتضمنة في تفاعلنا مع العالم ومع بعضنا البعض. 
 
الهوامش:
• نشرت هذه المقالة عام 2009 في مجلة معهد الفلسفة – العدد رقم 4. 
• جيمس هاملتون يعمل أستاذا للفلسفة في جامعة ولاية كنساس . وقد سبق أن قدمت له مسرحنا العديد من المقالات.


ترجمة أحمد عبد الفتاح