نظريات التمثيل المتنافسة (1)

نظريات التمثيل المتنافسة (1)

العدد 749 صدر بتاريخ 3يناير2022

نبذة مختصرة: 
في هذه المقالة أقدم نظريتين متنافستين في التمثيل، هما نظرية «التظاهر في التمثيل Pretense Theory» ونظرية «إظهار التمثيل Display theory». وأهدف إلى توضيح أننا لا يجب أن نثق كثيرا في نظرية التظاهر في التمثيل كما نميل إلى ذلك. وأتمنى أن أوضح لماذا يمكن أن تكون نظرية إظهار التمثيل أكثر جاذبية من نظرية التظاهر في التمثيل، مهما كانت المزايا التي تحظى بها دراسة التظاهر بشكل مستقل لفهم الآليات الذهنية الكامنة وراء تفاعلنا مع بعضنا البعض. 
 (لا أقترح أن الفرق بين الاستخدامين العادي والجاد للكلام والاستخدامات الثانوية لما يسميه «أوستن» الاستخدامات المميتة أو الطفيلية واضحــة جدا لدرجة أنها تستدعي المزيد من التفسير)
«ستروسون (1964-439)
 السؤال الذي نريد أن نتأمله هو «ماذا يفعل الممثلون الذين يجسدون الشخصيات في العروض المسرحية القصصية؟» وبمناقشة ما يفعله الممثلون، نركز فقط علي ما يفعله المؤدون في العروض المسرحية. فمحتويات مثل هذه العروض هي القصص. والقصص هي تمثيل لتتابع الأحداث التي توضح في حالة حركة من خلال وسطاء. وإذا لم نلتزم برؤية أن كل تمثيل هو تمثيل خيالي، فيجب أن نتبنى وجهة النظر التأملية السابقة بأن القصص ربما تكون خيالية أو حقيقية. 
 بالطبع مثل هذه العروض مألوفة، ولكن يمكن أن تكون ألفتها مضللة. وهذا النوع من ممارسة الأداء ليس محددا أو حتى نموذجا للأداء المسرحي عموما. فلا يزال التمثيل مرتبطا بالظاهرة الأعم في الأداء المسرحي، وكأنه نوع مرتبط بجنسه. وهذه الحقيقة وحدها تجعل أي محاولة لتقديم وصفا ملائما نلتزم به. 
 وعائلتا النظريات الرئيسية التي زكت نفسها لنا هي تلك التي تنظر إلى التمثيل كنوع من التظاهر pretense، وتلك التي تنظر إلى التمثيل كشكل من إظهار السلوك display behavior. وعائلة التظاهر – التي سوف أشير إليها بشكل شامل بأنها «نظرية التظاهر» – لها تاريخ طويل، ولها أتباع جدد مهمين ( مثل سيرل 1975، ولويس 1978، وأوستن 1979، وكوري 1990 )، ومُنحت حياة جديدة في أعمال فلسفة العقل والعلوم الإدراكية علي مدى العقود الأربعة الماضية. وهذه الأعمال الأخيرة تحدد الروابط المهمة بين التظاهر ولعبة التظاهر والتخيل الإدراكي. وعائلة نظريات إظهار التمثيل – التي سوف أشير إليها بشكل شامل بأنها «نظرية إظهار التمثيل» – مستمدة من أعمال منظري الأداء في الثمانينات والتسعينيات (مثل شيشنر 1988، وشيشنر وتيرنر 1985، وكريشنبلات وجيمبليت 1976) والذين تأثروا بعمق بخيوط معينة في الأنثروبولوجيا والاثنولوجيا التي ركزت علي طبيعة الطقوس وسلوك العرض في الثقافات الإنسانية وبين الحيوانات، بهدف الوصول إلى أساس تطوري لهذا السلوك ونموذج تفسيري لثراء تلك السلوكيات في البشر. 
 ولن أحاول، في هذه المقالة، حل جميع القضايا التي يجب معالجتها للوصول إلى نظرة شاملة لهذه المسائل، علي الرغم من أنني أشك في أن تكون البراهين الخاصة بنظرية إظهار الأداء سوف تكون مقنعة. وفي الوقت الحالي، أنا راض تماما عن البدائل التي سوف أطرحها، وتعدد نقاط قوتها، وتقديم تقييم مؤقت لكيفية معالجة التحديات التي تواجهها نظرية للتمثيل. 
 قبل أن ننتقل إلى العرض التقديمي للنظريات المرشحة ومناقشة قدراتها ونقاط ضعفها، يجدر بنا أن نتوقف لحظة لكي نتخلى عن الافتراض المغري بأن نجاح نظريات التظاهر في تفسير تلقي السرديات، ولاسيما السرديات القصصية، يمنحها ميزة في التفكير في كيفية تقديم تلك السرديات، ولاسيما في حالة التمثيل. وقد تبدو الفكرة واضحة، ولكنها لا تزال تستحق أن نعمل عليها بوضوح. 
 تخيل أن هناك متفرجا أدرك أن ما يُعرض هو سرد، وتخيل أنه يعرف أنها سرد قصصي. وافترض أن إدراك هاتين الحقيقتين يفسر بشكل أفضل بافتراض أنه يشارك في التظاهر أو يتظاهر بأشياء لكي يدعم السرد القصصي. فهل يستتبع هذا أن يكون المؤدي متظاهرا أو منخرطا في التظاهر لجذب رد فعل ذلك المتفرج أو استمالته ؟. 
 يعتقد كوري أنه لا بد من وجود قصد قصصي قابل للإدراك لتحفيز الوعي بحضور القص والدعوة للمشاركة في ألعاب التظاهر التي تجعلهم يتظاهرون بتصديق تلك القصة. ولكن لا شيء في هذه الفكرة يحتاج إشارة التحفيز المنفذة بواسطة فعل التظاهر . 
 ويعتقد والتون (1990) أن الممثلين أدوات في ألعاب التظاهر. ولكن لا شيء في تلك الفكرة يتطلب أن ينخرطوا في التظاهر. في الحقيقة، الممثلون لديهم قواسم مشتركة مع ما يسميه والتون «المتفرجين» – الأشخاص الذين: يهتمون باللعبة كثيرا ربما يدرسونها وأدواتها بعناية، ويعلمون ما هو القصصي، وما هي الحقائق القصصية التي تشـير إلــى أخــرى، وما هـي مـبادئ الجيـل نافذة المفعـول، والتي تحـلل وتفسر اللعبة، بعدة طرق، وتحدد مغزاها. 
ورغم ذلك، دون أن يفكروا أنهم يخضعون لقواعد اللعبة. إن ما يخضعون له، كما سنرى فيما بعد، هو النظام الذي ينشئونه معا عن طريق نوع من الأنشطة التي ينسبها والتون للمتفرجين. 
 وحتى لو كان فهم القصة، أو فهم أن هذا السرد قصة، يتطلب أن ينخرط المتفرجون في ألعاب التظاهر، فإننا لم نعرف حتى الآن سوى القليل عما يفعله الممثلون. ولاسيما أننا لم نوضح ما نحتاجه من نظرية التظاهر في التمثيل لكي نشرح لماذا يعد ما يقوم به الممثل مثل ما تقوم به الشخصية. 
 وأعتقد أن هذا لن يسبب مشكلة لنظرية التظاهر في التمثيل. فهذه النظرية في التمثيل لها فوائد كثيرة بغض النظر عن أي فائدة ستحققها نتيجة للافتراض الذي احتقرناها من أجله للتو. 
نظريات التظاهر 
 عندما أكدت جرترود «لقد أسأت إلى أبيك كثيرا يا هاملت»، كيف يمكننا وصف ما تفعله الممثلة التي تؤدي دور جرترود؟. إليك بعض الأشياء التي لم تفعلها. ربما تعتقد أن هاملت أساء إلى أبيه، ولكنها عادة لا تعتقد أن الممثل الذي يؤدي دور هاملت قد أساء إلى أحد. وأنها لا تعني أن يفهمها الممثل الذي يؤدي دور هاملت ولا هاملت نفسه ويشرح لها موقفه. فهي ليست جادة في طلبها للتفسير، وليست مضطرة أن تصدق أي من هذه الأشياء أو تعنيها. ولا تعني أن يعتقد الجمهور أنها تصدق ما تقول. 
 لهذه الأسباب، يبدو من الأسهل والأبسط أن نميز أنها تمارس لعبة تتظاهر فيها بأنها جرترود وتقول ما تقوله وتفعل ما تفعله جرترود. وعند هذه النقطة مثلا، يدعو النص جرترود أن تقول «لقد أسأت إلى أبيك كثيرا يا هاملت». وهذه هي الصيغة الأساسية لنظرية التظاهر في التمثيل. 
 هذه النظرية قابلة للتكيف بنفس القدر مع الأفعال باستثناء أفعال الإنذار . ويمكنها التقاط فكرة أن الممثلين لديهم نوع ما من الالتزامات. فمثلا، إذا التزم الممثلون بقصد أن يتخيل المتفرجون ما يفعله ويقوله هؤلاء الممثلون، وأنهم ملتزمون بأن يكونوا صادقين في رغبتهم أن يتخيل الجمهور شخصياتهم وهو يقولون ويفعلون ما يقولون ويفعلون . 
 غالبا ما يعتقد أن تقاليد الأداء المسرحي لها علاقات وثيقة بألعاب التظاهر. ولأنه من الممكن أن يفهم شخص ما ألعاب التظاهر، ولكن لا يكون لديه مفهوم للمسرح أو التحليل المسرحي، فان نظرية تظاهر الممثلين بما يفعلونه تصل إلي اشتراط أن البعض منا (الممثلين) يقومون بألعاب التظاهر أمام الآخرين (المتفرجين). وسوف تكون تلك الألعاب مبنية بشكل أعلى من ألعاب التظاهر العادية. إذ يتم إثراء ألعاب التظاهر تلك، من خلال اكتساب بنيات أكثر كثافة. فكثير من الثقل الفني الذي ننسبه إلى المسرح مشتق من التركيب المكثف للألعاب، وليس التظاهر في حد ذاته؛ ولكن هذا لا يشكل عائقا أمام التظاهر بأهمية الأفعال، بما فيها أفعال الممثلين اللغوية. 
 يبدو أن هناك نوع من المشكلة: تأمل ما حدث عندما طلب مني ابن عمي ديفيد أن نتظاهر بأننا من رعاة البقر، عندئذ صرخنا «الهنود يهاجمون» أو «فرار جماعي!». هذا الأمر مختلف تماما عما يفعله الممثلون، حتى في العروض السردية الارتجالية. لسبب واحد، هو عندما يجسد المؤدي شخصية، فإننا نميل إلى القول إن الشخصية هي يؤكد الأشياء وتصرخ منها. ولكن في لعبة التظاهر، فان ديفيد هو الذي فعل تلك الأشياء. وأنه كان ديفيد باعتباره راعي بقر، وليس راعي بقر معين (مثل روي روجرز)، وجهت إليه سؤالي «أين نحن ؟». 

الهوامش:
• نشرت هذه المقالة عام 2009 في مجلة معهد الفلسفة – العدد رقم 4 . 
• جيمس هاملتون يعمل أستاذا للفلسفة في جامعة ولاية كنساس . وقد سبق أن قدمت له مسرحنا العديد من المقالات. 


ترجمة أحمد عبد الفتاح