جولة فى مسارح العالم

جولة فى مسارح العالم

العدد 746 صدر بتاريخ 13ديسمبر2021

على مسرح اديلفى فى نيويورك بدأ منذ أيام عرض مسرحية “لا يمكن أن يحدث هذا” للكاتب المسرحى  والأديب الأمريكي سنكلير لويس (1885 - 1951) الحائز على جائزة نوبل فى الأدب عام 1930 ليكون أول أديب أمريكي يحصل على  عروس جوائز الأدب فى العالم. وتقدم المسرحية فرقة “بيركلى” المتخصصة فى إعادة العروض.
صدرت المسرحية فى الأصل كقصة عام 1935 تحذر من تنامى التيارات الفاشية فى الولايات المتحدة بعد ظهورها فى أنحاء أخرى من العالم. وتحولت إلى مسرحية فى العام التالى مباشرة حيث حولها لويس بنفسه إلى نص مسرحى  عرض وقتها فى 18 مدينة أمريكية بنجاح كبير. وكان السبب هو اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية  فى وقت تعانى فيه البلاد من أزمة اقتصادية.
وكان الخوف من أن تؤدى الأزمة الاقتصادية إلى ظهور اتجاهات فاشستية تستغل هذه الأزمة للوصول إلى حكم البلاد كما حدث فى أوروبا واليابان مثلا. ووجد  سنكلير لزاما عليه كمواطن أن يكتب عملا أدبيا يؤكد أن الديمقراطية  لها قواعد عميقة فى الولايات المتحدة ولا يمكن القضاء عليها بفضل حرية الرأي والديمقراطية الحقيقية التى تتمتع بها .وهذا هو معنى العنوان. 
وعندما حققت الرواية نجاحا كبيرا قرر تحويلها إلى مسرحية حيث كتب المعالجة المسرحية بالتعاون مع جون موفيت مخرج المسرحية وكان أيضا كاتبا مسرحيا . 
ورغم هذا النجاح تعرضت المسرحية وقتها لهجوم حث اعتبرها البعض دعوة إلى الفوضى . ولحسن الحظ تولى إنتاج المسرحية وقتها  “المشروع الفيدرالى للمسرح” الذى أنشأه الرئيس فرانكلين روزيفلت . 
وبعدها تقرر تحويلها إلى فيلم فى العام التالى مباشرة وبدأ التصوير فعلا ثم توقف بعد إنفاق 200 ألف دولار وهو مبلغ ضخم بأسعار هذا الوقت. وكانت هناك نية لإعادة المحاولة فى العامين الأخيرين لكن تم التراجع عنها لأسباب غير معروفة .

إعادة
من هنا جاءت إعادة العرض المسرحى بعد 85 عاما لتؤكد على أن الديمقراطية الامريكية راسخة رغم المشاكل المتعددة والصراعات وما اقدم عليه أنصار الرئيس السابق ترامب والاتجاهات النازية التى تبرز بشكل يبعث على القلق .
وكان من المفروض أن تقدم المسرحية منذ اكثر من عام لكنها توقفت بفعل إجراءات كورونا. وقد تم افتتاح المسرحية فى موعدها ولكن عن طريق الإنترنت وأتيح وقتها للجمهور مشاهدة المسرحية على الهواء عبر اكثر من 100 مسرح فى أنحاء الولايات المتحدة عبر شاشات. لكن الفرقة أصرت على بدء العرض الجماهيرى فلا مسرح بدون جمهور.
ويقول الناقد الفنى لصحيفة نيوجيرسى أون لاين الإلكترونية أن المسرحية لم تعرض بنفس النص الذى عرضت به عام 1936 بل استرشد به فقط اثنان من كتاب المسرح وهما “تونى تاكون” و”بينيت كوهين”  لصياغة معالجة حديثة تتفق مع روح القرن الواحد  والعشرين وتأخذ المتغيرات فى الاعتبار  . ويريد النص فى شكله الجديد أن يؤكد على أن الحريات فى أمريكا ليست قوية كما يعتقد البعض ،  وأنها فى حاجة إلى أن يدافع عنها “الليبراليون الأقوياء اليقظون”. 
ملخص
أخرجت المسرحية ليزا بيترسون. وتدور أحداث المسرحية فى ولاية فيرمونت المعروفة باسم ولاية الجبل الأخضر فى رمز إلى ازدهار الديمقراطية الامريكية حث يعيش الصحفى “دوريموس جيسوبس “المؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي  الذى يتحول إلى متمرد عندما ينتخب الأمريكيون رئيسا مستبدا هو “برزيليوس ويندريب “ويراقب البلدة التى يعيش فيها (التى ترمز إلى الولايات المتحدة ) وهى تتراجع من جراء سياسات هذا الرئيس الشعبوية وأكاذيبه والوعود غير المنطقية التى بذلها للجمهور خلال حملته الانتخابية وكيف وصل إلى الحكم فى ظروف تشبه  ظروف وصول هتلر إلى الحكم ولم يف بشئ من وعوده.
وهناك لوريندا التى قامت بدور الصحفية الصديقة لجيسوبس المؤمنة بأفكاره ويشارك فى المسرحية 16 ممثلا جسدوا 50 شخصية ينتمون إلى معظم العرقيات المقيمة فى أمريكا. 
وجاءت المسرحية  فى أربعة فصول تناولت كيف تسقط الأمم فى هوة الفاشية والديكتاتورية وكيف يتنكر الحكام لوعودهم والأدوات التى يستعينون بها فى ذلك مثل المجالس النيابية الموالية لهم وكيف يختلقون المشاكل لصرف الأنظار عن فشلهم مثلما حاول ويندريب صرف الأنظار عن فشله بغزو المكسيك. وتتناول المسرحية لجوء قادة الجيش إلى صفوف المعارضة وغيرها.
وقد أشاد النقاد بتصميم الصوت الذى كان متناسبا مع متطلبات العمل. كما ساهم الراوية بصوته المعبر فى التأكيد على الأفكار الرئيسية فى النص المسرحى. كما أشادوا بالنص المسرحى الذى نجح فى تصوير اساليب المرشحين فى خداع ناخبيهم وكيف تسقط الامم فى هوة الدكتاتورية والفاشية .
وتحرص المسرحية على الإشارة فى المقدمة إلى أن أي تشابه بين  الأحداث الحالية وبين أحداث المسرحية هو مجرد مصادفة كما تتم الإشارة فى بدايات الأعمال الدرامية تحاشيا للمسئولية.   
ويقول بعض النقاد أن شارلى شابلن استوحى فيلمه “الديكتاتور العظيم “من هذه القصة . ويرون أن نقطة الضعف الرئيسية فيها أنها  لا تتناول التهديد الرئيسى للديمقراطية الامريكية وهى تجاهل الدولة لبعض المظاهر التى تهدد الديمقراطية فى أمريكا مثل التسامح مع البيض المتطرفين.

رغم المتحور الجديد ... الافتتاح فى موعده
المصاعد أداة مسرحية فى القرن 21 
مع ظهور أوميكرون المتحور الجديد من كورونا تراجعت فرق مسرحية عديدة فى إيطاليا عن استئناف نشاطها للموسم الشتوى. لكن ذلك لم ينطبق على مسرح لاسكالا الشهير فى ميلانو.
أصر المسئولون عن الفرقة على أن يبدأ المسرح موسمه الشتوى فى موعده بالمعالجة الأوبرالية لمسرحية ماكبث لشكسبير التى اعدها الموسيقار الإيطالي جوزيبى فيردى (1813-1901). 
ورفض المسئولون تكرار ما حدث العام الماضى عندما تم افتتاح الموسم بعرض المسرحية والاكتفاء بعرضها تليفزيونيا لتظهر المقاعد خالية خاصة مع ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات فى إيطاليا وقتها  فلا مسرح بغير جمهور يتفاعل معه الممثلون.
ويشتهر فردى بمعالجات موسيقية اوبرالية عديدة  اعدها  عن مسرحيات شاعر الانجليزية الأول مثل عطيل وحلم ليلة صيف .  وكافأ الجمهور الفرقة بالإقبال الجارف على العرض حتى امتلأت المقاعد بالكامل دون مراعاة لقواعد التباعد. وحضر الحفل الرئيس الإيطالي سيرجيو متاريللا باعتباره الحدث الثقافى الرئيسى فى أوروبا. وبالغ الجمهور فى الاحتفاء بالعمل  فكانت الزهور تلقى على الأبطال من نوافذ البناوير خلال العرض.
 
وكانت معظم الزهور من نصيب مغنى  الباريتون  لوكا سالسى الذى جسد شخصية ماكبث والسوبرانو وراقصة الباليه  الروسية انا نوتريبكو التى جسدت شخصية الليدى ماكبث. ونال أيضا الباريتون الروسى البشكيرى ايلدار عبدالرازقوف. أما كاتب النص المسرحى ومخرجه دافيدى ليفرمور الذى قدم العمل برؤية عصرية تتناسب مع القرن 21 فقد كافأه الجمهور بتصفيق حاد  لمدة 11 دقيقة فى نهاية العرض اثناء تحية  الجماهير.

ناطحات سحاب
 وكان ذلك أمرا طبيعيا حيث دارت الأحداث فى مدينة حافلة بناطحات السحاب وليس فى الموقع التقليدى للأحداث. وكان الأبطال يدخلون إلى خشية المسرح ويغادرونها باستخدام مصعد يشبه القفص . وقدم مبررات درامية مقنعة لتحول البطل إلى طاغية. ونال صاحب الإعداد الموسيقى  ريكاردو شيلى قدرا كبيرا من التصفيق. 
وتقول نتريبكو التى أمتعت الجماهير برقصها فى الفصل الثالث أن الرؤية المسرحية الجديدة كانت ممتعة ومقنعة فى وقت واحد .ولم يشعر احد بالتناقض بين الأحداث والرقصات وناطحات السحاب التى جرت فيها الأحداث والموقع الأصلي للمسرحية . وهكذا يجب أن تكون الأوبرا والمسرح الغنائى. وبعبارة أخرى تقول انه تفسير عصرى رائع لعمل أوبرالي قديم. وتذكر انها قبلت المشاركة بمجرد قراءة النص الجديد . 
وقال سالسى أن العرض شكل نجاحا كبيرا فى نقل فن الأوبرا من القرن التاسع عشر إلى القرن 21 مع الحفاظ على ملامحه الأساسية بينما تظل لهذا الفن متعته .
وتدافع صحيفة لاستامبا الإيطالية عن قرار إدارة المسرح بملء المقاعد كاملة رغم قيود كورونا بسبب الإقبال الجارف ورغبة إدارة المسرح فى تحقق إيرادات تفى بمصاريف التشغيل وهى ليست بسيطة. وهى تعوض ذلك بإلزام الجمهور بارتداء الكمامات وإبراز شهادة التطعيم أو شهادة التعافى إذا كان الشخص قد أصيب بكورونا من قبل وتعافى منها.
ويقول دومنيك ماير مدير مسرح سكالا انه يؤمن بانه اشهر مسرح فى العالم ولا يمكن أن يكون الخوف من المتحور الجديد او ميكرون سببا لاستمرار الإغلاق كما حدث مع أوبرا فيينا وأوبرا لايبزج ودريسدن فى ألمانيا وهى من صالات الأوبرا المنافسة. 


ترجمة هشام عبد الرءوف