فرقة السرادق ومسرح الاحتفالية الشعبية (1-3)

فرقة السرادق  ومسرح الاحتفالية الشعبية (1-3)

العدد 742 صدر بتاريخ 15نوفمبر2021


صالح سعد فنان عاش اللحظة الإبداعية بتجلياتها المختلفة مستمدا من الروح الشعبي أفقا مغايرا لرؤيته، فجاءت حياته تجسيدا واضحا لمعاني الإخلاص للفن ولحب الحياة، ولذلك جاء خطابه المسرحي متوجها للطبقة المهمشة في ريف مصر، وليس أدل على ذلك من إنشائه لفرقة “السرادق” والتي قدمت عروضا في قرى الفيوم في بداية الثمانينيات من القرن الماضي.
تقديم تجربة مسرحية تعتمد على التجديد في آليات الفرجة الشعبية كان الهم الرئيسي لفرقة “السرادق” التي تأسست عام (1983) على يد كل من د. صالح سعد “مدير ومخرج الفرقة” ومحمد الفيل “المؤلف والمعد الدرامي” ومحمد عزت “الملحن والممثل” ومصطفى الجارحي “ممثل”.
وقد قدمت عبر مشوارها الفني ما بين أعوام (1983) و(1988) عدة عروض مسرحية كان أولها “يحدث في قريتنا الآن” (1983)، و”احتفال الدراويش بإعلان جمهورية زفتى” (1985)، و”كنوز قارون” (1986) و”زفة العروسة” (1988).
وتم تقديم هذه العروض في قرى ومراكز مختلفة من محافظات مصر بداية من قرية “شكشوك” التابعة لمركز أبشواي بمحافظة الفيوم والقرى المجاورة لها، ثم في بني سويف وأسيوط، وشبرا، وقها، وأبو صير.
قد جاءت الرؤية الفنية التي انطلقت منها الفرقة معتمدة على ما أسماه صالح سعد في مقاله المنشور بمجلة المسرح ـ عدد يوليو (1984) ـ تحت عنوان بعنوان “نحو احتفالية مصرية” وهو بمثابة البيان التأسيسي للفرقة بـ”عناصر الفن التشكيلي الشعبي” مؤكدا أن أعضاء الفرقة يسعون إلى الفرح الإنساني العام بما يحمل من مضامين شعبية خاصة في صورة احتفال شعبي تتباين حالاته حسب المواقف المختلفة من عرض إلى آخر، ومن ثم اعتمد مسرح “السرادق” على مكان معماري أشبه بالسرادق الشعبي كي يتلاءم ـ على حد تعبير مؤسس الفرقة ـ مع مظاهر التعبير الجمعي في الواقع الشعبي وهي تسمية خاصة بنا لها ميزتها الإقليمية في الفصل بين ما يقدم في بلاد أخرى من مناهج احتفالية وبين حالة الاحتفال بنا كمصريين على أن يتم تصميم السرادق المعتمد الآن في احتفالات الناس بحيث يخضع لفرشاة وألوان وتيمات الفنان الشعبي وكأنه يرسم عددا من الجدران بخطوط تلقائية جماعية، يشترك في رسمها أهالي القرية أو الحي الذي يقدم فيه العرض المسرحي.
ومن ناحية الأداء كان للممثل الركن الركين نظرا لأن المسرح الاحتفالي يعتمد ـ في الأساس ـ على الممثل باعتباره ناقلا لوعي الجماعة، من خلال الإشارات والإيماءات الحركية والصوتية.
وقد قامت الفرقة بعمل عدة ورش تدريبية في هذا المجال بداية من تدريبات اللياقة البدنية للممثل “تدريبات الجري ـ المشي ـ الليونة ـ الرقص” واللياقة الصوتية “الإنشاد الديني ـ إلقاء الشعر ـ تقليد الأصوات ـ الغناء” بالإضافة إلى التدريب على أشكال متنوعة الأداء مثل “تدريبات على مسرح الجماعة ـ ومسرح القسوة ـ وستوديو الممثل ـ والمسرح الياباني ـ وتدريبات لي استر زبيرج”.
وكان الهدف من وراء تلك التدريبات هو حصول الممثل على أكبر قدر من الثقافة المسرحية قبل الخوض في غمار التجربة.
كذلك تم استخدام أسلوب “الصدمة المسرحية” حتى يستطيع الممثل أن يواجه نفسه كي يندرج بعد ذلك في إطار العمل الجماعي.
أما النص المؤدي فقد أخضعته الفرقة لوسائل التعبير الشعبي، فجاء مضفرا بأساليب الحكاية والتقليد والتشخيص والرقص الشعبي والديني والغناء والمدح والترتيل وغيرها من أدوات البحث الدؤوب في التاريخ الاجتماعي من “عادات يومية ـ وأساطير ـ ومعتقدات دينية ـومواقف إنسانية” مع إفساح قدر كبير للمتفرج كي يغير من آليات الحوار والفرجة.
والأكثر من ذلك أن المتفرج يرى نفسه ـ في كثير من الأحيان ـ بطلا للعرض أو إحدى شخصياته والأساسية في الخروج من دائرة التلقي إلى حيز المشاركة والفعل.
وهذا ما نراه في عرض “يحدث في قريتنا الآن” والذي استمد مادته الأصلية من نص “ياسين وبهية” لنجيب سرور الذي هو، في الأساس، عرض غنائي يعتمد على القصة الشعبية الشهيرة فقد تم تحويله إلى إطار واقعي حيث قام عدد من أعضاء الفرقة بتجميع مادة توثيقية من خلال بحث ميداني عميق عن شخصية حقيقية لأحد الصيادين اسمه “حسن” وتمت المزاوجة والمراوحة بين ذلك البطل الواقعي والبطل الأسطوري، وكذلك استحداث شخصية واقعية أحبها ذلك الصياد مشابهة لبهية بطلة الأسطورة الشعبية.
وتم تقديم الحدث من خلال فكرة الرواي الذي يقف في منتصف خشبة العرض ووفقا لحالة الحكي الشعبي فقد تدخل الجمهور في مسار الحوار المسرحي إما بالتغيير أو الإضافة.
ونظرا لأن “البطل الدرامي” كان شخصية حقيقية وأحد أبناء قرية “شكشوك” التي تم تقديم العرض بها فقد ثار الجمهور نتيجة إحساسهم بالظلم الواقع على هذه الشخصية وقاموا بمظاهرة شعبية، تم على أثرها اعتقال خمسين صيادا شاركوا في أحداث الشغب.
وهذا يدل على شدة التفاعل الجماهيري على اعتبار أن المسرح نوع من أنواع تثوير الوعي وإيقاظ المشاعر ونقطة رئيسية في التحرك من أجل الحرية، وقد توقفت الفرقة بعد هذا العرض لمدة عامين قدمت بعدها “احتفال الدراويش بإعلان جمهورية زفتى” تأليف محمد الفيل، وإخراج صالح سعد، وبطولة محمد عزت ومجدي عبيد.
ورغم أن هذا العرض لم يعتمد على الاستلهام الشعبي إلا أنه استفاد من تقنيات المسرح الاحتفالي والارتجال، فقد دارت أحداثه في إحدى القرى بمحافظة الفيوم حيث يتم إعلان قيام الجمهورية التي على أثرها يتم الإعلان عن انتخاب رئيس لها فيتقدم اثنان أحدهما عامل صناعي “ميكانيكي في ورشة” والثاني تاجر أقطان ثري.
ونظرا لأن الغالبية من الجماهير التي كانت تحضر العرض من البسطاء والطبقة الشعبية الريفية فقد تم التصويت لصالح العامل البسيط، ورغم وقوع التزوير في البداية ـ إلا أن الجماهير طالبت بتعديل النتيجة وفوز ذلك العامل الذي قام بدوره “محمد عزت” والذي ما أن يتسلم مهام وظيفته حتى يطالب الجماهير بالإعلان عن مطالبهم.
وهنا يتحول الفعل المسرحي من الفني إلى التعبير السياسي والدعوة إلى تحرير المواطن، لاسيما وأن الممثلين قد تخطوا حاجز المنصة المسرحية ونزلوا إلى الجمهور فتحولت الحالة المسرحية إلى واقع ملموس.
أما عرض “كنوز قارون” (1986) فقد تم تقديمه بحزب التجمع بالفيوم وقام ببطولته رجب شعبان وأحمد عبدالنور ومحمد محمود الأطشة ومحمد مصطفى وتأليف محمد الفيل وإخراج صالح سعد.


عيد عبد الحليم