فوزي فهمي ورؤية العالم

فوزي فهمي ورؤية العالم

العدد 739 صدر بتاريخ 25أكتوبر2021

على غرار طريقة سقراط في تناول القضايا والمفاهيم الكلية، من خلال طرح الأسئلة والتساؤلات، كان الدكتور فوزي فهمي ينتهج معنا في قاعات المحاضرات أسلوبا نقديا في التفكير، شكّل الدعائم الأساسية لمنهجه النقدي ورؤيته للعالم، فكان يضيق صدرا بذلك الأسلوب الأكاديمي التقليدي الكمي، الذي يرتبط بمجرد حشو الأدمغة بالكثير من المعلومات، وتوجيه الطلبة فكريا نحو آراء معينة، حتى يتم يتفريغها في ورقة الإجابة، كما يريد هو -أي الأستاذ- فيغدو الطالب كالإناء الذي ما أن يفرغ من الماء يصبح فارغا. بل كان معلما بالمعنى الفلسفي وفقا لما أسماه إريك فروم “نمط الكينونة” الكيفي، فلا يفرض آراء معينة، أو يلقن معلومات، ولكن يتيح لنا عبر التحاور والنقاش وطرح الأسئلة، كافة السبل التي تعلمنا كيف نفكر، ونصل إلى النتائج وفقا لما يمليه عقل كل فرد منا على حدة، باختلاف الميول والثقافات. لذلك لم يكن ينهر أحدا منا أو يذمه لمجرد أنه توصل إلى نتيجة مغايرة لآرائه، بل كان صدره رحبا تجاه كل الاختلافات الفكرية، ويسعى لإثارتنا واستفزازنا فكريا حتى نتناقش ونتحاور معه ويعمل عقلنا على التفكير. وهذا هو جوهر التفكير النقدي كما علمنا وغرس في وجداننا. ولذلك كانت علاقتنا به تتجاوز جدران قاعات المحاضرات، إلى مشارف الحياة العامة. فهو لم يكن مجرد أستاذ، بل كان معلما فاضلا، وأبا عطوفا، وإنسانا يفيض في الوجدان بالمودة والعطاء غير المادي، فدائما ما كان يقول لي إن المرء الذي يسائله ضميره كل يوم عما أتم من واجبه الإنساني المكلف به على أكمل وجه، يخلد إلى فراشه مطمئنا هانئا ولا يمكن أن يخشى الموت البتة. فالإنسان روح وجسد ووجدان. وعندما يدرك أحدا الموت، فالروح تدلف إلى عوالم السماء فتعود إلى بارئها، والجسد يفنى ويتحول إلى رفات، أما الوجدان فلا يدركه الفناء ولا تمسسه أنياب التلاشي والانزواء فتبقى ذكراه أبد الآباد، بما قدمه من عطاء زاخر غير مادي لا ينضب معينه، لأن الوجدان، الشيء المشترك الذي يصلنا بالإنسانية جمعاء. لذلك علمني ألا أخشى الموت أبدا لأنه مجرد رحيل جزئي، وانتقال إلى خلود أبدي بقدر ما بقي من أثر المرء في الوجدان. رحمك الله أستاذي العزيز الغالي، وأبي الفاضل العظيم، الذي أفقدني برحيله ضلعا من أضلع صدري، وأكلم قلبي، وأدمي جوانحي. أستاذي الذي علمني كيف أصبح إنسانا، فأثرى وجداني بما لا يقدر بكنوز الدنيا. لا أقول إني سأفتقدك، لأنك دائما ما تمثل أمامي في كل اختبار تحيكه لي شراك الحياة فانحاز لإنسانيتي فوق كل شيء، وفي كل كلمة وحرف وكتاب أقرأه، وفي كل نبضة قلب بين أضلعي تنبض بالمودة والعطاء. ولكني سأشتاق إلى صوتك وأنت تقول لي كلما تحادثنا “أوحشتني جدا”. فليس كل أستاذ معلم، ولا كل معلم مثل الأب، والأستاذ، والقدوة، والمثل الأعلى، دكتور فوزي فهمي، ستظل حيا في الوجدان.


بلال الجمل