إبراهيم السمان يحصل على الماجستير في «توظيف الأداء الطقسي»

إبراهيم السمان يحصل على الماجستير في «توظيف الأداء الطقسي»

العدد 653 صدر بتاريخ 2مارس2020

أقيمت الثلاثاء 18 فبراير الجاري بالمعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون، قسم التمثيل والإخراج، مناقشة رسالة الماجستير المقدمة من الباحث إبراهيم السمان والتي حملت عنوان “ توظيف الأداء الطقسي في المسرح الغربي المعاصر “ ريتشارد شيكنر ـــ نموذجا ـــ دراسة تحليلية”. لجنة المناقشة تشكلت من أ.د أشرف ذكي “ رئيس الأكاديمية مناقشا ومقررا، أ.د مصطفى جاد عميد المعهد العالي للفنون الشعبية، أ.د مدحت الكاشف مشرفًا ومناقشًا.
وفي عرضه لموضوع الرسالة قال الباحث وهو الممثل المعروف إبراهيم السمان: إن علاقة الطقس بالمسرح قديمة وممتدة منذ عبادة ديونيسوس وخفوت صوتها على يد المسيحية، ثم عودتها مرة أخرى من الكنيسة التي استخدمتها كأداة ترويجية فى ظل تعالى أصوات المعارضة ضدها، وعلى جانب آخر نجد أن مسارح الشرق كافة مازالت تتميز إلى يومنا هذا بارتباطها بالعنصر الديني والطقسي كمسارح الهند والصين واليابان، بل إن تلك العروض التي لم تتطور لتصبح مسرحا كاملا عند الفراعنة كان منشأها المعبد وظلت حبيسة قدس الأقداس والطقوس المتعلقة به، وخفت صوت الطقس في المسرح الغربي، زمنا طويلا حتى منتصف القرن العشرين وعقب الأزمة الروحية التي اجتاحت الغرب وأمريكا مع الحرب العالمية الثانية، وقد مات الملايين في هذه الحرب، فضلا عن تشريد ملايين أخرى بعد تدمير منازلهم وقراهم دون سبب واضح. أضاف: اليأس وإحساس الإنسان بالخزي من كونه إنسانا دفع العديد من المخرجين إلى بث روح الطقوس، ذلك العمل الشعري المقدس، و التعبير المنظم عن تقاليد راسخة تتعلق بالمعتقد الديني أوالسلوك الأجتماعى، وذلك لإثارة المجتمع الغربي تجاه الروح تلك التي طغت عليها ماديات العالم.
وتابع الباحث: يعد المخرج الأمريكى ريتشارد شكنر من أهم المخرجين المعاصرين الذين قاموا بتوظيف الطقس على مستوى البناء الشكلي للعرض المسرحى ومن ثم على مستوى إنتاج المعنى المرغوب في توصيله للمتلقي المعاصر، وقد بدأ اهتمام شكنر بالطقس المسرحى من خلال الطقس اليونانى القديم، وقد أحدث ضجة كبيرة هو وفرقته “مجموعة العرض” فى نيويورك أثناء تقديمهم عرض ديونسيوس 69 عن مسرحية “عابدات باخوس” ليوريبيديس، والتى وضعها شكنر كدراما عبثية، وقد رأى أن ديونسيوس يعبرعن نسق كوني يصعب تصديقه وإستيعابه، فكان العرض صادما للمؤسسة السلطوية، يقول بالحرية والتحرر الجنسي الذى نادى به الهيبيز وثورة الطلاب.
وأوضح الباحث أن هذا العرض يعد من أكثر محاولات شكنر لصياغة دراما طقسية تعتمد على المراسم البدائية، وقد رأى أن الصلة الحقيقية بين المسرح الطليعي والمراسم البدائية تكمن في مفهوم الجماعة وهو مفهوم أدى به إلى وصف الثقافة القبلية باعتبارها ثقافة تشاركيه أكثر منها ثقافة بدائية، ولعل هذا يفسر تأكيده على فكرة توريط الجمهور وإشراكه
وتابع: بهذا وصل المسرح الطليعي إلى نتيجة مفادها إقناع المتفرجين بالمشاركة فى العرض وفق وضعية الطقس، ومن جانب آخر ينظر للمشاركة كفعل سياسي يعبر عن تغييرات راديكالية للنظام الإجتماعى، وهو ما ينطبق على فعل الرأي فى عرض ديونسيوس 69، الذى يمثل نبذ الوضعيات الاجتماعية .
واصل الباحث إبراهيم السمان عرضه لموضوع الرسالة فقال : يعرف الأنثربولوجين الطقس
بأنه أى تنظيم مركب لنشاط إنساني ليست له طبيعة فنية تقنية، أى ترويجية بارزة، ويتضمن استخدامه أساليب السلوك التي تتسم بقدراتها على التعبير عن العلاقات الاجتماعية، وهذا التنظيم يستلزم بالضرورة تفعيله داخل حدود زمنية ومكانية بعيدة، كطقوس التلقين والانتقال التي تتم عقب وصول الشاب إلى سن البلوغ بحيث يمكنه حمل قيم الجماعة. لذلك فإن احتفالات ديونسيوس كانت تتم فى فصل الربيعـ وطقوس الشعيرة الدينية تتم في أماكن العبادة الخاصة بالآلهة.
وأضاف أن الطقس يرتبط دائما بمشاركة تقوم بين أفراد الجماعة بحيث تكون هناك أفعال يؤديها مؤدون على علم واسع بجمهور معين، يعرف مجموعة أفعال يشارك بها، و استجابة لهذا الأداء تكون المشاركة واجبة من قبل جميع أفراد الجماعة.
ويرى الباحث من خلال التعريفات التي قدمها للطقس أن معنى الأداء الطقسي هو مجموعة الأفعال والإيماءات التي يقوم بها المؤدون داخل طقس بعنيه ويقدمونها بشكل طقسي داخل العرض المسرحى.
وعن أهمية البحث قال : تتجلى أهمية دارسة الأداء الطقسي فى أعمال شكنر المسرحية من خلال محورين أساسيين، الأول هو إلقاء الضوء بشكل علمي ومنهجي على أحد المخرجين المعاصرين فتكون الدراسة إسهاما ولو ضئيلا فى مجال البحث فى العلوم المسرحية، أما المحور الثاني فمن خلال دراسة الأداء الطقسي في أعمال شكنر يلقى الباحث الضوء على أحد التقنيات الهامة فى المسرح الطليعي التي كان لها انتشار واسع، وكانت سببا فى فتح مجالات واسعة فى نظريات العرض المسرحى لمناهج الإخراج الحديثة، بداية من أرتو، وجروتوفيكسى وبروك، ووصولا إلى شكنر .
 أما عن مشكلة البحث فأشار السمان إلى أن السؤال الاساسى الذي ينطلق منه هو طبيعة الأداء الطقسي فى أعمال شكنر المسرحية، وأنه يحاول الإجابة عن مجموعة من الأسئلة الفرعية مثل : ما التقنيات الطقسية التي استفاد منها شكنر فى عروضه المسرحية، و كيف كان للطقس دور فى بلورة الشكل المسرحى لدى شكنر، و ما طبيعة العوامل التي يقوم عليها الطقس، وما حدود التلاقي بينه وبين العرض المسرحى المكتمل، و ما طبيعة الدور الذي لعبه الطقس كشكل من أشكال المسرح الطليعي، و كيف ساهم الطقس في صياغة الخطاب الفكري في أعمال شكنر المسرحية، و ما الدور الذي لعبه الطقس فى صياغة الفضاء المسرحى، و ما طبيعة التلقي التي تتطلبها أعمال ريتشارد شكنر،وكيف ساهم الطقس في عملية حوار الثقافات التي كان يسعى إليها شكنر،وقد اعتمد الباحث في الوصول إلى الإجابات على تحليل عدة نماذج من أعمال شكنر التي تعتمد على الأسطورة ومنها عرض ديونسيوس69 عن “عابدات باخوس ليوربيدس، وعودة جيوكستا هن، مسرحية أوديب للشاعر سينيكا 1970،عرض عن مسرحية فاوست لكريستوفر مارلو1975، هاملت لوليم شكسبير2004، و مسرحيات: أنتيجون و ماكبث والشقيقات الثلاثة . وفي الخاتمة قال : أصبح من المسلمات أن المسرح وليد الطقوس الدينية التي ارتبطت بعبادة ديونسيوس و انبثق منها أنواع درامية مثل الملهاة الساتيرية وأن لكل نوع خصائصه المتفردة، واما عن علاقة الطقس بفنون الأداء فأشار علماء الأنثربولوجيا إلى أن الطقوس الاجتماعية بمنزلة مسقط الرأس للعديد من جوانب الأداء الطقسي، حيث تتكون من التكرار النمطي المغلق لنشاط ما، استجلابا لأثر سحري، وأن النمط السلوكي لا يتكرر فقط نتيجة العادة ولكن أيضا لأنه أكتسب دلالة باطنية عميقة، و أن هناك عدة وظائف للطقوس، منها : الاحتفال بالانتصارات والمناسبات الاجتماعية مثل العرس وجلسات تحضير الأرواح ورقصات مثل رقصة استحضار المطر وطقوس الزار المصرية.
كما رأى الباحث أن المخرجين الطليعيين أمثال بريشت وبيتر بروك وشكنر قد تأثروا بمسارح الشرق الأقصى وطبيعة البنية الدرامية للعروض المسرحية التي تعتمد على الرقص والغناء ومشاركة الجمهور.
 الدفاع عن الفن
 وفي تعقيبه قال د. أشرف ذكى إننا كأديمية فنون منوط بنا الدفاع عن الفن الذي يشهد اليوم هجمة شرسة، ونواجه ذلك بما يقدمه أبناء الأكاديمية بأبحاثهم العلمية وبخطواتهم الفنية المميزة، كما أشاد بالقيمة العلمية لأكاديمية الفنون التي تخرج فيها العديد من المبدعين، وأشاد بالباحث إبراهيم السمان كمثال واضح للفنان الذي استطاع أن يحقق التوازن بين فنه وبين دوره الأكاديمي، وهو ليس بالأمر اليسير وسط الزخم الفني الذي يحيط به، ثم أشار إلى عدة ملاحظات خاصة بالبحث ومنها ندرة الدراسات السابقة وقلة المراجع الأجنبية، حيث تكمن أهمية العودة للدراسات السابقة في أن يبدأ الباحث من حيث انتهى السابقون.
وأشار إلى ضرورة الالتفات إلى أن البحث العلمي لا يعتمد على الكلام المطلق، وأنه كان من الضروري عند الاقتباس إيضاح صاحب المصدر المقتبس منه، ووجه نظر الباحث إلى ضرورة الابتعاد عن استخدام مفاهيم ومصطلحات غير علمية .
بينما أشاد د.مدحت الكاشف باجتهاد الباحث منذ أن كان طالبا، حيث حصد الدرجة النهائية بمادته “مناهج الإخراج” بمرحلة البكالوريوس، مشيرا إلى ترحيبه بموضوع البحث الذي يتحدث عن ريتشارد شكنر، لأنه لم يطرح من قبل. أضاف: كنت أشفق عليه من النماذج التي اختارها، وقد أعجبت بطريقة تحليله للعروض وفقا لنقطة محددة وهى كيفية توظيف الطقس والتى قدمها على محورين وهو شىء يحسب له.
أما د. مصطفى جاد فقد أشار إلى أن أكاديمية الفنون كصرح علمي يؤثر بشكل مباشر على الحركة العلمية والفنية والبحثية، كما أشاد باجتهاد الباحث و باللغة التي كتب بها البحث وجماليات الكتابة.
وأكد جاد على عدة توصيات طالب الباحث بمراعاتها ومنها طريقة عرض البحث في نقاط، كما أكد على ضرورة عدم تكرار المصطلح الذي يحتاج إلى مزيد من الصياغة وضرورة مراجعة أسئلة البحث، بالإضافة إلى أهمية توضيح ما توصل إليه الباحث من الدراسات السابقة، مقارنة بالدراسة التي قدمها، كما أوضح معنى الأداء الطقسي المؤسلب، وضرب أمثلة بعدة طقوس مختلفة، كما قام بتعريف معنى طقس المصالحة.
 

 


رنا رأفت - همت مصطفى