«ديجافو» يؤكد أنه لا توجد حقيقة مطلقة

«ديجافو»   يؤكد أنه لا توجد حقيقة مطلقة

العدد 736 صدر بتاريخ 4أكتوبر2021

حين استيقظ الفيلسوف الفرنسي لينيه ديكارت بعد أن كان يحلم التبس الأمر لديه، لأنه عاش الحُلم وكان يعلم وقته أنه واقعًا، فباستيقاظه يتحول الواقع إلى حُلم، فتساءل هل ما يحياه الآن سوف يشعر فيما بعد أنه كان حُلم، وكيف يفرق بين الواقع والحُلم، من هذا الشك انتقل إلى اليقين الذي توصل إليه من تفسير بأن هذا الشك ما هو إلا تفكير فكانت نظريته المعرفية الشهيرة «أنا أفكر إذن أنا موجود»، ثم انتقل منها إلى اكتشاف الكون ثم خالق هذا الكون، ربما كانت هذه هي الفكرة التي اعتمد عليها الكاتب السويسري أوليفيرا شياتشياري في كتابة نصه إثبات العكس الذي أعده المخرج أحمد فؤاد تحت عنوان «ديجافو»، وهي كلمة فرنسية تعني شوهد من قبل، وهو ما يدعم تأويلي لهذا العرض، خاصة أن أحداث العرض تبدأ بنوم بطل العرض وهو رجل يعيش بمفرده، ثم يجد أشخاصًا مقنعون يحاوطونه ويبحثون عن صديقه آدم، ثم يستيقظ فجأة مقتنعًا بأن ما حدث ما هو إلا كابوسًا، ثم يقرع الباب ليدخل منه جارييه وهما يهرولان لأن مقنعين يبحثون عن آدم، يُطفئ النور فجأة فيختفيان، ثم يتكرر الموقف ثانية ويدخل جارتاه وهما زوجتا جارييه بقصة أخرى، ويظل الموقف يتكرر بهذا الشكل معه ففي المرة الثالثة الزوجان الأوائل وهما الأثرياء حيث يمثلون الطبقة المستغلة التي تسعى لامتلاك كل شئ وتستفيد من كل المواقف، والرابعة الزوجان الاخران الفقراء الذين يتخذون من فقرهم مبررًا لتحقيق أغراضهم، ثم الزوجة الأولى وحدها وهي سيدة جميلة وتستغل جمالها في التأثير على جميع من حولها لتحقيق ما تطلبه، والتي اعترفت له بعلاقتها بآدم، رغم اعتقاده أنه على علاقة بها، وهكذا وفي كل مرة برواية جديدة مختلفة عن التي قبلها، ففي الرواية الأولى آدم اغتصب بنت الصيدلي، وفي الثانية الصيدلي دبر له التهمة لأنه رفض أن يبيع له منزله، أما الثالثة فهي أن البنت ادعت على آدم بذلك لأنه رفضها، والرابعة أن الجيران الأغنياء دبروا كل ذلك لأنهم يريدون أن  يشتروا منزله، والخامسة أن آدم مذنب والشهادة التي برأته كاذبة وقد فعلت جارته ذلك بالاتفاق مع زوجها لأنهم طمعا في المنزل، أما الرواية السادسة فهي أن الجيران يريدون أن  يشتروا كل منازل المنطقة، وتستمر الروايات حتى يتضح أن الزوجة الفقيرة وهي تعمل ممرضة قتلت والد آدم، والتي أثبتت له أنه على علاقة بها، رغم اعتقاده أنه على علاقة بالجارة الأخرى، ثم يكتشف أن أحد الجيران قد أصيب بمرض معد وقد نقله لزوجته التي نقلته لآدم الذي نقله للسيدة الأخرى وقد نقلته لباقي سكان المنطقة وذلك لسوء سلوك الجميع، ومع هذه الأحداث يجد المتلقي نفسه حائرًا ويتساءل: ما هي حقيقة المقنعين؟ ما هي حقيقة الحدث؟ وكيف يتغير موقف هذا الشخص مع كل رواية؟ وهل هذه الأحداث حقيقية أم مجرد كوابيس يتعرض لها هذا الشخص الذي يتضح في النهاية أنه آدم، ومن هنا يتبين الخيط الذي يربط هذه التفاصيل ويوضحها، فجميعهم آدم وجميعهن حواء -خاصة أن جميع الشخصيات بدون اسم- وهذه الجرائم ما هي جرائم البشرية منذ وجودها على الأرض التي تنوعت بين الكذب والسرقة والخيانة والقتل، وهي بالفعل حدثت من قبل وما زالت تحدث، وعلى الرغم من ذلك فلا توجد حقيقة مطلقة، وربما كان هذا ما قصده المؤلف.
 هو عرض ملغز ويحتمل عدة تفسيرات منطقية ولذا من الذكاء أن اعتمد المعد والمخرج على الكوميديا والبساطة في تقديمه وإلا ما كان لاقى هذا النجاح والإقبال الجماهيري.
وتمثلت البساطة أيضًا في الديكور الذي صممه الفنان أحمد أمين فهو عبارة عن غرفة معيشة بسيطة توجد في كل البيوت على اختلاف مستوياتها الاجتماعية والمادية، بها تليفزيون صغير ومطبخ، وباب كبير هو البيت الرئيسي للشقة مستعينًا بألوان بسيطة ومبهجة، وفي إضاءة أحمد الدبيكي التي تمثل العنصر الأهم في الأحداث، كذلك موسيقى محمد عبد الله التي عبرت عن سياق الأحداث الملغزة وكذلك الكوميديا، ولم تخرج الملابس التي صممتها مروة عودة عن السياق نفسة، فهي تتسم بالبساطة وملائمتها لطبيعة الشخصيات والواقع. 
بالطبع الفنان حمزة العيلي بذل جهدًا جبارًا في تجسيد شخصية آدم ذلك الحائر المتوتر الخائف الذي لا يعي شيئًا عما يدور حوله، كذلك الفنانان محمد يوسف وأحمد السلكاوي اللذان، والفنانتان رشا جابر ورحمة أحمد، الجميع متميز وكل منهم متوحد مع الشخصية التي يؤديها. 
 «ديجافو» عن نص إثبات العكس للكاتب السويسري أوليفيرا شياتشياري إعداد وإخراج أحمد فؤاد، إنتاج مسرح الهناجر وهو عرض قابل للمشاهدة عدة مرات وهو من العروض المميزة لما يخلقه من تفاعل مع المتلقي الذي لا يستمتع بمشاهدة عرض مسرحي كوميدي فحسب، لكنه يعيش فيه ويعمل عقله كي يصل إلى الحقيقة التي يراها كل متلق برؤية مختلفة، ليتفق الجميع أنه لا توجد حقيقة مطلقة.


نور الهدى عبد المنعم