«الأناركية في كتابات لويجي براندللو- فريدريش دورنمات- داريو فو

«الأناركية في كتابات لويجي براندللو- فريدريش دورنمات- داريو فو

العدد 734 صدر بتاريخ 20سبتمبر2021

تم مناقشة رسالة الدكتوراة بعنوان «الأناركية في كتابات لويجي براندللو- فريدريش دورنمات- داريو فو/ مقارنات ومقاربات تفكيكية لنماذج مختارة من القرن العشرين» مقدمة من الباحث ياسر إبراهيم عبد الفتاح علام، بأكاديمية الفنون، وتضم لجنة المناقشة الدكتور جلال علي حافظ، الأستاذ المتفرغ والعميد الأسبق للمعهد العالي للفنون المسرحية (مشرفًا ومناقشًا)، الدكتور محمد إبراهيم أحمد شيحة، الأستاذ المتفرغ بقسم الدراما والنقد (مشرفًا ومناقشًا)، الدكتور عصام عبد العزيز عبد الله، الأستاذ المتفرغ والوكيل الأسبق للمعهد العالي للفنون المسرحية (مناقشًا من الداخل)، والدكتورة نادية كامل صليب، الأستاذ المتفرغ بكلية الآداب جامعة المنيا (مناقشًا من الخارج). والتي منحت الباحث من بعد حوارات نقاشية انتظمت وفق شروط ومعايير أكاديمية درجة الدكتوراة.
وجاءت رسالة الدكتوراة الخاصة بالباحث كالتالي:
حاول البحث تقصي طبيعة حضور الأناركية في كتابات الكتاب موضع البحث، حيث أنه في ضوء هذا التقصي يمكن تفسير صعوبة موضعة كتابات أولئك الكتاب ضمن طوية التصنيفات على أسس إيديولوجية اعتيادية، ويتبني البحث فهمًا للأناركية قوامه كونها؛ أحد العقائد الفكرية الإنسانية تقوم بالأساس على تصور يتبنى إمكانية الوصول مجتمعياً إلى شكل بنائي تنظيمي على أسس غير سلطوية بالمرة، وهي مشتقة من اليونانية «ANARKIA» والتي تعني ضمن ما تعنيه ضد السلطة أو دونما مسيطر، وقد نادي كثير من مفكريها بضرورة وقوع  ملكية الأرض والموارد لطبيعية وكافة أدوات الإنتاج تحت السيطرة المشتركة للمجتمعات المحلية، لتختلف بذلك جذرياً مع إي اشتراكية دعمت وجود سلطة مركزية.
أن يتجاوز السعي الأناركي حدود فكرة تقويض الأسس المرجعية الإيديولوجية القائم عليها الجهاز المؤسسي لدولة ما، ويتعداها لمسائلة منطق بناء المؤسسة ذاته، يرتفع نتيجة ذلك سؤالًا كيف؛ سواء عبر أنسجة وسيط درامي أو حتى في بنيات سردية بحتة يمكن لكاتب أن يفكك مشروع مؤسسة السلطة القائم؟! ومن ثم ما مدى وخصوصية السعي الأناركي الذي تبديه أو تضمره كتابات كل من؛ لويجي برانديللو،  ودورينمات من جانب،  ودرينمات، وداريفو من جانب آخر؟! هذا من زاوية التقسيم الزمني إلى نتاجات إبداعية تنتمي للنصف الأول والنصف الثاني من القرن العشرين، ثم ماذا عن المقارنة في ضوء وجود ناتج إبداعي ينتمي للكتابة المسرحية، وغيره ينتمي للكتابة السردية لنفس الكُتاب؟! ثم تقصى خصوصية السعي الأناركي الذي تبديه أو تضمره كتابات كل منهم سواء في تفكيك ذلك المشروع القائم عبر نصوصهم الإبداعية؟! واستلزمت محاولة الإجابة على سؤال من هذا القبيل أسئلة فرعية تنسل عن هذا السؤال حول؛ استراتيجيات الأناركية في تفكيك مؤسسة السلطة لدى الكتاب موضع الدراسة بشكل عام؟! ثم عن مدى تبني كل منهم لتلك الاستراتيجيات؟! وعن المقارنة بين تكتيكات كل منهم في فضاءاته الدرامية لتفكيك المشروع وتقويضه؟!
في محاولة تمثل وإعادة إنتاج مشروع مؤسسة السلطة طرح سؤال تشكلت على أثره الفرضية البحثية إلا يمكن التعامل مع المؤسسة من قبل هؤلاء الكتاب بوصفها هي ذاتها إيديولوجية؟! أنطلق هذا البحث من تلك الفرضية النظرية، فبغض النظر –إجرائياً- عن النسق الإيديولوجي الذي ينتمي له نظام ما، وما يطرحه كنسق مرجعي تتبناه المؤسسة الذي يمثلها؟! وفي تلك الحالة –بغض النظر عن الخلفية الإيديولوجية للكاتب ومناهضته لدولة سيتلاقي الكتاب المتعارضون ايدولوجيا على أرضية فرضية «الدولة» كإيديولوجيا وليس إيديولوجيا الدولة فحسب. وبهذه الفرضية يحاول البحث أن يقدم تفسيرًا لسؤال بحثه المعقد، ثمة حاجة عند هذا الموضع الافتراضي لاستحضار «دولة» الايدولوجيا درامياً ومسرحياً، واقترح الباحث في خطته المبدئية أنه سيتم اختزال فيض الخطابات المسكون بها الجسد الإيديولوجي للـــ»دولة» إلى فضاء رمزي! كنائي! استعاري! استبدالي! لغوي دائماً! ومن ثم ميتافيزيقي في أغلب الأحوال. وهو ما سعى الباحث للتدليل عليه عبر التحليل وتكشفه.
استلزمت المهمة البحثية تقسيم العمل إلى محورين؛ محور مباحث تمهيدية أحتاج الباحث إلى إجرائها لعدم توافرها في المكتبة العربية على النحو الذي يمكن أن تؤدي بالباحث لتفحص مادة البحث، وهي مباحث لا تقع بالضرورة ضمن التخصص البحت لباحث في الدراما، وقد آثر الباحث تضمينها كملحقات بالبحث، وهي ثلاث مباحث:-
 تولد أولها من الرغبة في فهم منطق كثافة استخدام تعبير «فوضوية» كترجمة لأناركية رغم أنه ليس أقدم اصطلاح عربي ولا هو الأدق حسب تقدير الباحث، وقد عرض الباحث لبواكير الأدبيات العربية في التعامل مع المصطلح منذ دعت الحاجة لاستخدامه تحريريًا في إصدارات صحفية تنتمي للقرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وحاول الباحث تفسير هذا الاستخدام في سياقه التاريخي.
وتولد المبحث الثاني من وجود بون شاسع بين الرواد المؤسسين والمنظرين للأناركية بين من يعتبرها تيار ينتمي للنصف الثاني من القرن التاسع عشر وبين من يراها مفهوم أسبق على نظم الحكم التاريخي برمتها وأن تلك النظم مساس بقانون أعرق بل ويعتبرها البعض قانون فيزيائي وكوني، وأمام خطابين مختلفين إلى هذا المدى شرع الباحث في بناء نموذج شارح/paradigm  مستلهم من قاموس الاصطلاح الدرامي لثنائية التعرف/التحول بحيث كان الخطاب الذي يجعل الأناركية قانون قبل تاريخي هو بيان للتعرف الذي كشفه فحسب البحث الذي تناما حتى وصل للقرن التاسع عشر واسماه الباحث بـ»خطاب التعرف»، وأما الخطاب الذي ارتكز إلى حداثية وليس قدم الاناركية كمفهوم وممارسة فقد أسماه الباحث بـ»خطاب التحول»، وقد ساعدت نظم تحليل الخطاب عن الكشف عن ضرورة كلا الخطابين والذي تأسسًا وفق أطار معرفي خاص بزمن النشأة قوامه ثنائية الاكتشاف/الاختراع.
تولد المبحث الثالث من أرضية حضور لافت للاناركية كفكر وكفعل في إيطاليا منذ خواتيم القرن التاسع عشر، ومحاولة فهم طبيعة هذا الحضور ومبرراته، بمقارنته بحضور آخر يبزغ في خواتيم القرن العشرين، ومن ثم يكون من الضروري فهم طبيعة تلك العودة ومنطقها ومبرراتها. مع أنه من ذات الموضع تظهر أفكار مناقضة تماما للفكر التحرري بشكل عام مثل الفاشية والتيارات اليمينية الأشد تعصبًا وتعرف رواج قوى على نفس الأرض؟!.السعي لمحاولة الإجابة على هذا التساؤل البحثي خلال هذا المبحث استدعت مداخل تحليلية ماثيولوجية وجغرافية وتاريخية محاولة تحليل بنيتها ضمن هذا السياق.
أما المباحث الرئيسة في البحث فانقسمت إلى ثلاث مباحث:-
الفصل الأول وعنوانه: حضور الوعي الأناركي في بعض قضايا النصف الأول من القرن العشرين/مبحث مقارن ما بين مسرحيات «بيراندللو» و «دورينمات»: تولد هذا المبحث من تعدد الآراء النقدية والبحوث العلمية التي تجد بعضها أسانيد وقرائن تضع نصوص «برانديللو» «دورينمات» في حوزة الاتجاهات الفاشية والنازية، على حين ما يصعب إنكار أن أعمال الكاتبين تكافح الاستبدادية والسلطوية وأحادية المنظور بشكل عام، وبالمثل تتعدد الآراء والأسانيد التي تجد ملامح عدمية إن لم نقل عبثية في تلك النصوص وأسانيد تناقضها بالمثل؛ وأمام استفهام إشكالي من هذا النوع تولدت ضرورة هذا المبحث، الذي استهدف التحقق من فرضية مبدئية للبحث ككل، وهي أن كلا الكاتبين قد أنتجا نصوص يمكن ضمها فكريًا على نحو ما وبدرجات متفاوتة للفكر الأناركي، الذي يسعى لإزالة وتفنيد وخلخلة السلطة القائمة دون أن يبشر ببديل محدد ومتفق عليه من قبل أنصار هذا الفكر كبديل حتمي لما هو قائم، ليكون تكتيك هدم أكثر منه ايدولوجيا بناء، ومن ثم يصعب أن يبشر كاتب وفقًا له بما هو جامع محدد، على حين ما لا يحول هذا الفكر دون امتلاك قوى وأدوات هائلة لتقويض القائم أيًا ما كان.
الفصل الثاني وعنوانه:حضور الوعي الأناركي في بعض قضايا النصف الثاني من القرن العشرين/ مبحث مقارن ما بين مسرحيات « داريو فو» و «دورينمات»: تولدت ضرورة هذا المبحث تحديدًا كمحاولة للإجابة على سؤال؛ إلى أي مدى اندرجت كتابات كاتب عرف مشروعه الإبداعي التصاعد منذ بدايات الحرب الباردة مثل «دورينمات» مقارنة بكاتب ازدهرت كتاباته في خواتيم تلك الحرب على وجه التحديد مثل «داريوفو»؟! إلى أي مدى اندرجت أو انخرطت كتابات أي منهما في آتون تلك الحرب؟! وإلى أي مدى أفلتت تلك الكتابات من استقطاب حاد وضروري زامن صدور تلك الأعمال؟! وما الذي يمكن أن تمثله مقولة «نهاية الايدولوجيا» -الأكثر ترويجًا والمتناقضة مع حدية الاستقطاب- بالنسبة لكتابات الكاتبين؟! ومن ثم؛ مدى توافر إمكانية درامية للإفلات من سندان «الحرب الباردة» ومن مطرقة «نهاية الايدولوجيا» قدمتها كتاباتهما؟!
الفصل الثالث وعنوانه: أناركية الخداع المضاد للخداع المؤسسي/ مقاربات مقارنة ما بين السرد والمسرح:وانقسم هذا الفصل إلى ثلاثة عناوين فرعية هي؛
[1] تفكيك ثنائية الموت والحياة أنركيًا في مسرحية «الشهاب» ورواية «الراحل ماتيا بسكال».
[2] الأناركية بين ثنائيات «الفوضى والنظام»، «الاعتراف والإنكار»، «العدالة والقانون» في قصة»العطل» ومسرحية «موت فوضوي صدفة».
[3] الاعتزال/الاصطفاف في راوية «الوعد» ومسرحية «الأبواق والتوت البري».
وقد حاول الباحث خلال هذا الفصل الكشف عن فاعلية المصادفة كطاقة تفكيك للثنائيات في الأبنية السردية والمسرحية موضع المقارنة.
وقد توصل الباحث عبر الممارسة البحثية لما يريد عن 30 نتيجة علمية من بينها :
• يفتقر إلى الدقة ويقود للتحيز توصيف كاتب درامي بالأناركي لاتساع وتنوع هذا المفهوم على حين ما يكون الأجدر بمثل هذا التوصيف هو الكتابات ذاتها حتى ضمن هذا النطاق يفضل أن يقتصر التوصيف على محتوى بنيات أو معمار تلك البنيات في المدى المتوسط بحيث لا تشمل نصًا بأكمله، أو شخصية  إلا بحذر و على سبيل أجرائي.
• تتشابه الكتابات الأناركية مع الوجودية، من عدم اشتراطها لنظام اعتقادي واحد ومحدد من الخطاب الديني، حيث لا تعدم أيًا منهما إمكانية تسمح بتوصيف مؤديات هذا الخطاب لما هو إلحادي، وكذلك ما يمكن توصيفه بمحتوى أو منتهى إيماني.
• في رصد العلاقة ما بين النظام والفوضى من زاويا الفهم الأناركي لا تتماثل استجابات الكتابات تجاه المباحث الفلسفية الكبرى «الحق والخير والجمال»، بما يستلزم تفريق أجرائي؛ إلى مسار كوني واجتماعي وفردي، وهو ما يسمح بآفاق للدرس المقارن بين تلك الكتابات.
• يمكن رصد تبني وحدة الزمان والمكان والحدث في أبنية كثير من أعمال تحوى إنحيازات أناركية وهو الأمر الذي تتشابه فيه تلك الكتابات مع الواقعية من حيث استلهامها لما يعتبر بناء كلاسيكي، وعلى حين ما تتشابه دلالة هذا الخيار البنائي ما بين الكلاسيكية والواقعية من كون الكون مؤسس على نظام وليس فوضى، ويكون الخروج على مثل هذا الانتظام رهين العدالة الشعرية التي تعيد الانتظام بعد الخلل المأسوي في الكلاسيكية، أو يكون بغرض عرض وتكثيف لا-عدالة الواقع أو ضرورة تغييره حسب الواقعية، فإن منطلقات الاناركية في تبني هذا النظام البنائي ذاته تتعدد.
• تفتقر كتابة ترى الفوضى هو الماثل والمتحقق كونيًا واجتماعيًا وفرديًا مثل تيار مسرح العبث والعدمية إلى التماسك المنطقي مقارنة بكتابة تحمل وعي أناركي ما دامت الكتابة تتوجه برسالة ما لمتلقي ما، حتى لو كانت العمل الفني نفسه كمنتهي، إلا أن يكون الموقف الأخلاقي للكاتب ينبع من أرضية كشفه لهذه الحقيقة بتضمين يجعل الجدوى إمكانية، وإن لم تكن متحققة بعد.
• كتابة يمكن توصيفها بالأناركية ترى أن الفوضى وإن شملت النظام الكوني والاجتماعي والفردي فإن الموقف الأخلاقي للكاتب تجاه الكوني والاجتماعي هو محاولة الكشف لكنه على المستوى الفردي في محاولة تنظيم هذا اللا-نظام في نظام، غالبًا ما يكون  النظام الفني نفسه.
• يكشف التحليل أن نصوصًا ذات نزوع أناركي في محاولة تمثل وإعادة إنتاج مشروع مؤسسة السلطة تتعامل مع المؤسسة من قبل الكاتب بوصفها هي ذاتها إيديولوجية؛ وليست مجرد أداة لإنفاذ ايدولوجيا، ويفسر هذا أنه على أرضية إيديولوجيا/عقيدة الدولة يتلاقي كتاب مختلفون إيديولوجيا لكن يجمعهم موقف مناهض للدولة التي تتحول إلى معتقد إيديولوجي على نحو ما، وميتافيزيقي على نحو قريب.
• تتولد الحاجة من الافتراض السابق لاستحضار «دولة» الايدولوجيا درامياً ومسرحياً، وأثبت البحث طرق متعددة لهذا الاستحضار منها اختزال فيض الخطابات المسكون بها الجسد الإيديولوجي للـــ»دولة» إلى فضاء رمزي على ألا يسمح بموضعة النص في إطار الرمزية، أو إلى فضاء عبثي ولكنه لا يسمح بالمثل بموضعه النص في إطار مسرح العبث، أو إلى فضاء تعبيري لكنه لا يسمح بموضعه النص في إطار لتعبيرية، إنها ليست إلا عمليات استبدالية لاختزال الخطابات المسكون بها الجسد الإيديولوجي للدولة إلى نسق لغوي و نصي و من ثم ميتافيزيقي في أغلب الأحوال.
• من ذلك استخدام تجريد بنيوي يكون بمثابة هيكل عظمي مباشر لمهمة دون أي غطاء إيديولوجي. حيث يعمد التجريد إلى إفراغ الخطاب من مسوغاته مثال ذلك؛ يكون القاضي مثلًا مُحرض على القتل، يكون طبيب السمنة والحمية الغذائي هو هادم اللذات، يكون الأثري هو نابش القبور، يكون المحارب قاتل متميز.
• تفكك الكتابات الدرامية ذات النزوع الأناركي ثنائيات «الدين» و»الوطن» بوصفها خطابات تعمل على صيانة «الحدود» لتكشف عن تشابهات وتقاطعات نظم الهيمنة والإخضاع التي تنبثق عن تلك المهام مهما بدا أنها تمثل جبهتين متعارضتين، وقد أثبت التحليل أن المسافة ما بين مؤسسات حماية «الحدود» دينيًا ووطنيًا أقرب مما يتم تصديره عادة.
• تشغل المصادفة مكانة هامة على المستوى التقني في النصوص الدرامية ذات النزوع الأناركي سواء السردية منها أو المسرحية حيث تملك تفكيك ثنائية النظام/الفوضى، فلا ينظر للمصادفة بوصفها فوضى وذلك من حيث  كونها تلاقي لمكونات/ضرورات، ولا يمكن اعتبارها نظام لافتقارها لإمكانية البناء عليها، وهو ما يثبت لا-امتلاء هذه الثنائية في حد ذاتها مفاهيميًا وبالدرجة الأولى.
على المسار اللغوي:
• يفتقر استخدام مفردة «فوضوي» و»فوضوية» كترجمة لمصطلح «أناركي»، و»أناركية» في اللغة العربية إلى الدقة حيث يربطها بمفهوم «الفوضى» وهو الأمر الذي لا يوجد له سند على المستوى الاشتقاقي، حيث أنه اشتقاق يستدعي شحنات دلالية أقرب للوصم منها للتوصيف، وثمة شواهد وقرائن تاريخية حاول البحث إثباتها عبر التحليل للمحررات المبكرة التي تعرضت لهذا المصطلح عربيًا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ليكشف البحث أن هذا الاستخدام لم يخل من رغبة في التأثيم، أو انحياز مُسبق على أبسط تقدير.
على مستوى التأصيل للفكر الأنركي:
• تنقسم الخطابات إلى نقطتي ارتكاز تتمثل في خطابين؛ أولهما خطاب ينسب «الأناركية» إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكشف التحليل ضرورته كإثبات لحداثية هذا الفكر، ثانيهما خطاب يذهب إلى قدم «الأناركية» حتى يضعها كمفهوم وظاهرة تسبق التاريخ المدون، من خلال ربطها ببعض نظريات الفيزياء الكونية لتعتبر الفوضى/الحرية؛ قانون كوني وليس مجرد نبت لتجمعات بشرية مبكرة،.وضرورته؛ إثبات قدم و «أسبقية» هذا الفهم الأناركي و»أصليته» وفقًا لمقتضيات هذا الخطاب.
• توصل البحث بتفكيك الخطابين عبر -نموذج شارح مستلهم من القاموس الدرامي قائم على ثنائية «التعرف/التحول»- إلى كون الخطابين ينتميا إلى إطار معرفي شائع لحظة تأسيسهما قائم على ثنائية الاكتشاف/الاختراع بوصف احدهما إضافة بشرية والثاني معطى قبلي، وهو ما تتأسس عليه ثنائية خطابا التحول/التعرف والكشف عن ضروراتهما السابق الإشارة إليها.
إن تكن الدراسة قد سعت لتناول كتابات الكُتاب محل البحث من منظور الأناركية كنسق للفكر والفعل سعيًا لتقديم إضاءة مغامرة ومغايرة لقراءة أعمالهم توافقًا مع منحى المعارف والعلوم البينية فقد أوصي الباحث  بالتوجه لإجراء بحوث علمية في الاتجاه المقابل قادرة على أثراء الفكر المنهجي في البحث الدرامي، حيث أوصى بدراسات لتقصى درامية نصوص التأسيس لمفكري الأناركية عبر مختلف العصور.
 


ياسمين عباس