بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (10) إن مع العسر يسرا

بدايات جمعية أنصار التمثيل والسينما (10) إن مع العسر يسرا

العدد 727 صدر بتاريخ 2أغسطس2021

في مارس 1935، أقامت جمعية أنصار التمثيل والسينما احتفالاً في مقرّها تكريماً للدكتور «فؤاد رشيد» رئيس الجمعية بسبب سفره إلى أوروبا لإجراء دراسات علمية، مما يعني تركه لرئاسة الجمعية بعد أن قدّم لها خدمات جليلة. وحضر هذا الاحتفال: منيرة المهدية، فاطمة رشدي، زينب صدقي، لطيفة نظمي، فتحية محمود، زوزو حمدي الحكيم، حكمت فهمي، عزيز عيد، محمد عبد العزيز، محمد كريم، توفيق المردنلي، عبد الوارث عسر، عبد القادر المسيري، محمد عبد القدوس. والقيت منولوجات من فتحية محمود، وفتحية شريف، وحكمت كامل، وكريمة أحمد.
بعد سفر الدكتور فؤاد رشيد، تولى سليمان نجيب رئاسة الجمعية، وأول عرض مسرحي قدمته الجمعية في دار الأوبرا الملكية، كان «إنقاذ ما يمكن إنقاذه»، من اقتباس سليمان نجيب وعبد الوارث عسر، وقام بالتمثيل معهما: محمد عبد القدوس، وأمين وهبة، وعبد القادر المسيري، وعباس رحمي، وتوفيق المردنلي، وأمينة وزوزو شكيب، وزوزو حمدي الحكيم، وفردوس محمد، وحكمت فهمي. وقالت مجلة «المصور»: «وفي هذه الحفلة رأينا الجمعية تسن سُنة جديدة فقد برز قبل رفع الستار عن الفصل الأول سكرتير الجمعية «توفيق المردنلي» فألقى كلمة عن الأغراض التي ترمي إليها الجمعية بالظهور على المسرح بين آونة وأخرى، ثم تحدث عن رواية الليلة وموضوعها والعبرة التي تستخلص منها. وقد كان ذلك مدعاة لتنبيه الجمهور إلى دقائق الرواية وتفهمه لأشخاصها ومتابعة ما يفوهون به كلمة كلمة. وبالجملة فإن «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» نجحت نجاحاً لم تبلغه رواية قبلها وهو ما نهنئ من أجله الجمعية ونرجو لها إطراد التقدم نحو الغاية السامية التي وضعتها نصب عينها منذ تأليفها».
هذه المسرحية أعادت الجمعية عرضها في الأوبرا الملكية في نوفمبر 1935، ونشرت جريدة «البلاغ» موضوعها الذي يدور حول «المدنية الأوروبية التي أثرت في المرأة المصرية وفي عاداتها وتقاليدها الموروثة فهددتها في صميمها وكادت تعود على المجتمع المصري بالضرر البليغ. فهي لم تستفد مما جاءت به هذه المدنية من فوائد ولم تبعد عنها الزائف منها فأصيبت بالحرية المتطرفة وأندس ذوو الأغراض من الرجال بين الصالونات المصرية التي فتحت على مصراعيها طلباً لهذه الحرية المنقولة وأراد هؤلاء الرجال الاستفادة منها لتحقيق أغراضهم السيئة ونصبوا الحبائل للسيدات الفضليات باسم هذه الحرية وبمعاونة فريق من السيدات الساقطات يغشى هذه المجتمعات تحت ستار الوجاهة والمدنية واختلط الحابل بالنابل واستغنى عدد كبير من الشبان والرجال عن الزواج وعن التقيد بقيود الزوجية الشريفة وأصبحت الأخلاق المصرية والمجتمع المصري وخاصة في الطبقة الراقية على وشك الانحلال».
وقد تحدثت الجريدة عن التمثيل، فقالت: «أما التمثيل فكان موفقاً دل عليه التصفيق الحاد الذي قوبلت به كل مواقف الرواية، ونبدأ بالحديث عن الممثلين كما وردت أسماؤهم في برنامج الحفلة، أو على حسب وقت ظهورهم على المسرح. فأما الآنسة «فردوس حسن» فقد كانت مثال السيدة المصرية الطيبة التي تنتابها الأهواء والعواصف المختلفة، فتنازعها العواطف وتجعلها في مهب الريح. وقد كادت الغواية تجرفها في طريقها وتودي بأسرتها وبشرفها. وأني أرى أن هذه الممثلة تحسن أداء أغلب أدوارها وتنال إعجاب المشاهدين وثناءهم ولا شك أنها من عماد الفرقة الحكومية. وكان الأستاذ «حنا وهبي» مجيداً في دور «شريف بك» فوفق في أداء موقفه الغرامي مع خيرية هانم في أول الأمر حتى يخدعها فتستسلم له، كما كان موفقاً في محاولته الانسحاب أخيراً. وقد أعجبني الأستاذ «عبد القادر المسيري» في دور «عثمان» الخادم كما أعجبتني الآنسة «نجمة إبراهيم» في دور «حسنية» والسيدة «فردوس محمد» في دور «فاطمة هانم» والسيدة «كوثر فريد» في دور «نعمت هانم». وكان الأستاذ «توفيق المردنلي» مجيداً في أكثر الأحوال، غير أنني لاحظت أنه كان لا يندمج في دوره في بعض الأحيان وملاحظاته للأستاذ عبد القدوس كانت ظاهرة الافتعال. أما الأستاذ «محمد عبد القدوس» فكثيراً ما أضحكنا وجعلنا نصفق له فهو ممثل ظريف غاية الظرف ولو أن دوره كان صغيراً وحديثه كان قصيراً لا يظهران موهبته الكوميدية إظهاراً تاماً. وكذلك أجاد الأستاذ «عباس رحمي» ولو أن دوره كان صغيراً جداً. أما الأستاذ «سليمان نجيب» فقد كان بطل الرواية بغير شك، ومثل دوره بإتقان ظاهر وبإجادة شديدة استحقت ثناء الحاضرين وإعجابهم. فقد كنا نعطف على موقفه كل العطف ونحن نشاهد الرواية ونسير معه لنرى كيف ينقذ ما يمكن إنقاذه حتى أصبح التمثيل حقيقة والموقف صحيحاً جديداً. غير أنني ألاحظ أنه ممثل هادئ يصعد إلى القمة إذا كان الموقف يتطلب الهدوء فإذا أراد الموقف حماسة وحرارة قلت إجادة الأستاذ سليمان وقد لاحظت هذا النقص في موقفه أمام هذه الحشرات التي أرادت أن تودي بأسرته فأراد أن يعصمها من الخراب وأظهر كل شخص على حقيقته أمام زوجته ليدلها على فساد النفوس، هؤلاء الأشخاص الذين يتخذهم أصدقاء له وأوفياء فقد كان هذا الموقف يتطلب الحماسة لأنه يدافع عن كيان أسرته ويرجو أن ينتشل زوجته الطيبة مما يراد أن ينحدر إليه. أما الآنسة «فيوليت صيداوي» فقد كانت مجيدة كل الإجادة. وفي النهاية كان الأستاذ «عبد الوارث عسر» مثال الباشا المصري الطيب وكان موفقاً في التوفيق بين فؤاد بك وزوجته».
ظهور الفرقة القومية
نجاح الجمعية في هذا العرض وفي أغلب عروضها السابقة، جعل منها أهم فرقة مسرحية في تلك الفترة؛ ولكن بعد ظهور الفرقة القومية المصرية في ديسمبر 1935، تغيّر الحال تماماً؛ لأن الجمعية كانت تخلو بعض الشيء من العناصر النسائية، لذلك كانت تستعين بالمحترفات! والآن أغلب المحترفات ممثلات في الفرقة القومية، أي موظفات وممنوع العمل خارج نطاق الفرقة القومية! لذلك تقدمت الجمعية بطلب رسمي إلى وزارة المعارف لاستعارة بعض الممثلات والممثلين المحترفين من الفرقة القومية الحكومية، ووافقت الوزارة على ذلك، كما نشرت جريدة «أبو الهول» في يناير 1936.
وبالرغم من هذا التعاون، إلا أن ظهور الفرقة القومية أثر سلباً على نشاط الجمعية، بل وأخذت الفرقة من الجمعية أغلب حفلاتها! وأوضحت هذا الأمر جريدة «البلاغ» في شهر أبريل، قائلة: « كانت جمعية أنصار التمثيل والسينما تقيم في شهر أبريل من كل عام حوالي اثنتي عشرة حفلة تمثيلية لبعض النوادي والجمعيات كالنادي الأهلي وجمعية ابن طولون والمواساة والتوفيق القبطية وغيرها. وفي هذا العام طلبت الجمعية من وزارة المعارف السماح لها بإقامة هذه الحفلات فأجابت الوزارة بأنه لا يمكن التصريح لها بإقامة هذه الحفلات، فأجابت الوزارة بأنه لا يمكن التصريح بالتمثيل إلا بعد يوم 5 مايو المقبل. ولما اتصلت جمعية أنصار التمثيل بإدارة الأوبرا تخبرها بأن وزارة المعارف صرحت لها بالتمثيل بعد 5 مايو، وأجابت بأنه لا يمكن إلا بعد يوم 23 مايو. وأخيراً اتصلت جمعية أنصار التمثيل بإدارات الجمعيات الخيرية والنوادي لتأجيل الحفلات لاشتغال الأوبرا رفضت هذا التأجيل واتصلت بالفرقة القومية التي أقامت جميع هذه الحفلات».
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تخطاه إلى ما هو أسوأ! فقد طالبت الجمعية من وزارة المعارف منحها ما يكفي مصاريفها، حيث أصبحت في حالة لا يمكنها من الاستمرار في نشاطها من أجل رفعة شأن التمثيل. فقد كانت تقوم سنوياً بتمثيل عدة حفلات للجمعيات الخيرية التي تمنحها الوزارة بعض الليالي في دار الأوبرا الملكية وأن الجمعية كانت تساهم في إعانة هذه الجمعيات في هذه الليالي. ولكن الوزارة ردت بأن المبالغ التي لديها لتشجيع التمثيل هي خاصة بالفرقة القومية وحدها! وهذا يعني أن الوزارة تريد من الجمعية أن تقوم بعملها دون أية مساعدة من الوزارة! وبعد عناء كبير وافقت الوزارة على منح الجمعية إعانة قدرها 75 جنيهاً .. هكذا علمنا من جريدة «البلاغ».
أمام هذه الأحداث قدّم سليمان نجيب استقالته من منصبه؛ بوصفه رئيساً للجمعية مع احتفاظه بعضويته فيها، وقد اجتمعت الجمعية العمومية للجمعية ووافقت على الاستقالة، وانتخبت «محمد كريم» رئيساً للجمعية، و«محمد عبد القدوس» وكيلاً لها. وبدأت الإشاعات والأقاويل تنتشر حول حلّ الجمعية، فنشرت جريدة «البلاغ» رسالة من سكرتير الجمعية، هذا نصها: «حضرة الأستاذ الفاضل رئيس تحرير جريدة البلاغ الغراء. اطلعت في عدد يوم الأحد الماضي على خبر مضمونه أن مجلس إدارة جمعية أنصار التمثيل والسينما قرر حلّ الجمعية بعد أن عجزت إيراداتها عن السير بها في السبيل الذي كانت تختطه لنفسها فيما مضى. ولما كان التفكير في شيء من ذلك لم يقع إطلاقاً خصوصاً وأن الجمعية جادة الآن في عملها تستعد لبرنامج متسع سواء من وجهة التمثيل أو من ناحية الخدمة الأدبية الثقافية. ولما كان مجلس إدارتها قد قرر في جلسته الأخيرة ضم عناصر جديدة من الشباب المتعلم كل غرضه أن يخدم الفن من جميع فروعه وكافة شعابه، فإننا نرجو من حضرتكم التكرم بنفي ما نُشر. [توقيع] «محمد توفيق المردنلي سكرتير جمعية أنصار التمثيل والسينما»».
في هذه الأجواء العصيبة، قدمت الجمعية عروضاً مسرحية متواضعة في بعض الأقاليم مثل طنطا والمنصورة والإسكندرية، ومثلت فيها مسرحيات، منها: إلى الأبد، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والسكرتير الفني. وأمام هذا المستوى الضعيف، توقع الجميع توقف نشاط الجمعية وإعلان نهايتها فنياً وتاريخياً، لولا أن حدث ما لم يكن في الحسبان!! فقد نشرت جريدة «أبو الهول» في نهاية سبتمبر خبراً، قالت فيه: «ستقيم جمعية أنصار التمثيل والسينما حفلتين يومي 1 و3 أكتوبر على مسرح الهمبرا بالإسكندرية لحساب جمعية المواساة الإسلامية. وقد علمنا أن حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول تنازل فوعد بتشريف إحدى الحفلتين بناء على التماس من جمعية المواساة».
وبالفعل مثلت الجمعية مسرحية «إلى الأبد» في الليلة الأولى، فلم يحضر الملك! الذي حضر في الليلة الثانية، عندما مثلت الجمعية مسرحية «إنقاذ ما يمكن إنقاذه». وحضور الملك بنفسه إلى المسرح لمشاهدة عرض مسرحي تُقدمه جمعية أنصار التمثيل لهو مجد ما بعده مجد، حيث إن هذا العرض، هو أول عرض مسرحي يشاهده الملك فاروق رسمياً بعد أن تقلد حُكم مصر! لذلك ألقى «سليمان نجيب» كلمة أمام الملك، نشرتها جريدة «البلاغ» يوم 7/10/1936، قال فيها:
«مولاي صاحب الجلالة، شرف عظيم يا مولاي أن تشرق علينا طلعتكم فتشمل المواساة بعظيم رعايتكم. وأما نحن عبيدك المخلصون أعضاء جمعية أنصار التمثيل والسينما الذين يمثلون مجهود الهواة للمسرح المصري، فقد وصلنا إلى نهاية آمالنا بتشريف جلالتكم. حسبنا فخر أن نكون أول من يقدم لجلالة الملك المحبوب ثمرة من ثمار المسرح المصري متبعين في ذلك طريقاً رسمناه لأنفسنا. ومبدأ وضعناه نصب أعيننا ذلك من الإخلاص لهذا الفن سواء كان على المسرح أم فوق الشاشة البيضاء. ولقد وقفنا يا مولاي منذ عشرين عاماً بدار الأوبرا الملكية أمام عظمة المغفور له عمكم السلطان حسين الأول رحمه الله ومثلنا له رواية «عزة بنت الخليفة». وكان لنا بعد ذلك عظيم الشرف وكبير النجاح يوم وقفنا على مسرح سراي عابدين العامرة بين يدي والدكم الكبير تغمده الله بواسع رحمته ومثلنا رواية «ضحية الفن». والآن يا مولاي وقد انتهت مهمتي في نقل صورة المواساة والأدب إلى سدتكم العالية أطلب الأذن لأعود إلى إخواني فأنقل صورة التمثيل في رواية «إنقاذ ما يمكن إنقاذه». ونحن لا نرجو بعد أن ظلت جمعية أنصار التمثيل والسينما تعمل ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً فازت في نهايتها بتشريف جلالتكم إلا أن نفوز برضائكم وعطفكم ورعايتكم».
ووصفت الجريدة بعض أحداث هذه الليلة كإلقاء محمد عبد القوس منولوجاً على نغم المقطوعة الإنجليزية «it is long way»، ثم تم عرض مسرحية «إنقاذ ما يمكن إنقاذه»، «وقد ظهر العطف الملكي على جمعية أنصار التمثيل بأن ظل جلالته إلى نهاية الرواية، وكان يبتسم ويصفق في كثير من مواقف الرواية، وخص الأستاذين سليمان نجيب وأمين وهبة بابتسامة ملكية أكسبتهما شجاعة وقوة. وبعد انتهاء الفصل الثاني تفضل جلالته وطلب أن يشاهد جميع الممثلين والممثلات؛ ولكن قدم إلى جلالته الأساتذة سليمان نجيب ومحمد عبد القدوس ومحمد كريم وتوفيق المردنلي والآنسة أمينة رزق. فلما مثلوا بين يدي جلالته وقبلوا يده الكريمة قال لهم جلالته: «أنتم رفعتم التمثيل وأنا أهنئكم وأعتقد إنكم في هذه الليلة قد أفدتم أناساً كثيرين من وجهتين. أولاً من الوجهة الإنسانية وثانياً من وجهة الفن».
نتج عن هذا الإعجاب إعانة ملكية قدرها «50» جنيهاً، فأرسلت الجمعية برقية إلى القصر، قالت فيها: «حضرة صاحب السعادة ناظر خاصة جلالة الملك. يلتمس أعضاء جمعية أنصار التمثيل والسينما أن تتفضلوا سعادتكم برفع آيات ولائهم وعبوديتهم للأعتاب الملكية بمناسبة المنحة الكريمة التي تفضل جلالته حفظه الله فأمر بها للجمعية. [توقيع] «أعضاء جمعية أنصار التمثيل والسينما»». وبناءً على ذلك منحت وزارة المعارف إعانة أخرى للجمعية قدرها «50» جنيهاً أيضاً تشجيعاً لها على إحيائها لفن التمثيل .. هكذا أخبرتنا مجلة «الصباح»، وجريدة «البلاغ» في أكتوبر 1936.


سيد علي إسماعيل