أجمعوا على وجود مشكلة في المسرح المدرسي.. وحددوا احتياجاته

أجمعوا على وجود مشكلة في المسرح المدرسي.. وحددوا احتياجاته

العدد 722 صدر بتاريخ 28يونيو2021

«أعطني مسرحًا أعطك أمة» مقولة تُعبر عن مدى أهمية المسرح ، وبالتأكيد الأنشطة المدرسية لها تأثير فعّال فى تربية وتنشئة الطفل، ويُعد المسرح دُعامة أساسية من دُعامات الأنشطة المدرسية، وعلى الرغم من أهمية هذا النشاط المهم والأساسي، ورغم أن رائد المسرح المدرسي فى الوطن العربي هو الفنان المصري الكبير زكى طليمات، فإن المسرح المدرسي فى مصر يكاد يكون مهملا، أو يتم التعامل معه كحصص فارغة.. أسئلة كثيرة تدور في الأذهان بمجرد طرح اسم «المسرح المدرسي» ما بين مشكلاته واحتياجاته وكيفية تطويره لاكتشاف فنانين ومواهب حقيقية من خلاله، من هنا تعيد مسرحنا فتح هذا الملف مع مجموعة من المسرحيين المهتمين بتاريخ و طبيعة المسرح المدرسي .

البداية كانت مع الناقد والمؤرخ د.عمرو دوارة حيث قال: ساهم المسرح المدرسي في مرحلة بدايات المسرح المصري المعاصر خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر بمساهمة فعالة في غرس الفن المسرحي بالتربة المصرية، كما شارك بدور كبير في نشره وتطويره واجتذاب جمهور جديد وتشجيعه على عادة الفرجة المسرحية، فبجانب المحاولات الرائدة للرائد يعقوب صنوع على مستوى الاحتراف كانت هناك تجارب مهمة بمسارح الهواة وفي مقدمتها تلك التجارب المهمة بالمدارس التابعة للجمعيات القبطية أو للجمعيات الخيرية الإسلامية، ويكفي أن نذكر خلال تلك الفترة جهود كل من عبد الله النديم ومن بعده الرائد عبد الرحيم المدرس بالمدرسة السعيدية الذي سار على دربه.
وتابع «دوارة»: وتجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بالمسرح المدرسي وتأسيسه بصورة أكاديمية قد تم بفضل دعوة الرائد زكي طليمات في نهاية عشرينيات القرن العشرين، والذي وفق في وضع خطة منهجية تتضمن كثير من التصورات والطموحات وكيفية تنفيذها، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلي أنه لم يكن يهدف فقط إلى اكتشاف بعض المواهب الشابة وصقلها للمشاركة في الحركة المسرحية بقدر ما ما كان يهدف إلى اكتساب جمهور جديد قادر على تذوق الفنون الرفيعة وغرس حب المسرح والشغف بعروضه.تابع : بمصر الآن تتكامل جهود ثلاثة فرق احترافية تهتم بمسارح الأطفال وتابعة لوزارة الثقافة وهي طبقا لتتابع تأسيسها: مسرح القاهرة للعرائس، المسرح القومي للطفل (بالبيت الفني للمسرح)، فرقة تحت 18 (بالبيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية)، ومع ذلك للأسف يتراجع المسرح المدرسي بصورة مؤسفة.
وأضاف «دوارة»: ويجب التنويه في هذا الصدد إلى أن عددا كبيرا من النجوم قد بدأت هوايتهم وتعلقهم بالمسرح وممارستهم لفنونه من خلال المسرح المدرسي، ويكفي أن أذكر على سبيل المثال القديرتين سميحة أيوب (بمحافظة القاهرة)، وسناء جميل (بمدارس الراهبات بمحافظة المنيا)، ويوسف شاهين ومحمود مرسي (بمحافظة الإسكندرية)، ومحمود الحديني (بمحافظة البحيرة).
 تابع دواره : كانت الفترة الذهبية للمسرح المدرسي أثناء فترة المد الثوري في الستينيات حيث شارك عدد كبير من نجوم المسرح في الإشراف على عروضه وتنظيم المسابقات السنوية بين المدارس والمناطق والمحافظات منهم الأساتذة: صلاح منصور، أحمد شوقي، سيد الملاح، وفيق فهمي، فاطمة مظهر.
وأوضح «دوارة» أنه : بصفة عامة، يمكن إجمال أهداف المسرح المدرسي في النقاط التالية: ينمي حاسة التذوق الفني والجمالي لدى التلاميذ والطلاب، كما يغرس مشاعر الانتماء إلى الوطن ويقدم لهم بعض نماذج القدوة ويؤكد على القيم النبيلة السامية، وذلك بالإضافة إلى إمكانية توظيفه لمساعدتهم على التعلم وفهم الدروس بصورة ممتعة من خلال توظيفه في «مسرحة المناهج» ما يزيد قابليتهم لتلقي الدروس. كما أن «المسرح المدرسي» يمنح التلاميذ المشاركين في عروضه فرصة اكتساب الثقة بالنفس والشجاعة الأدبية، و يغرس فيهم روح العمل الجماعي والتعاون مع الآخرين، كما يمنحهم فرصة تنشيط حواسهم السمعية والبصرية، وتربيتهم على الانضباط والنظام وحسن التصرف، مع إكسابهم بعض مهارات التواصل اللغوية وفي مقدمتها فنون الخطابة والإلقاء، وذلك بالإضافة إلى توجيه طاقاتهم توجيها سليما في هوايات مفيدة بدلا من وقوعهم تحت دائرة الفراغ وعدم إدراكهم لقيمة الوقت.
وأشار دواره إلى أنه «كانت المسابقات تعقد خلال الستينيات بين جميع المدارس ثم يتم عقد مسابقات بين كل المدارس الفائزة بكل منطقة تعليمية ثم يتم تنظيم مسابقة كبرى على مستوى كل محافظة، وذلك حينما كان بكل مدرسة فريق تمثيل ومسرح وحجرة للموسيقى وغرفة للرسم والأشغال، ولكن للأسف تحولت المسارح بأغلب المدارس إلى مخازن أو فصول دراسية وتم الغاء فرق التمثيل وأصبحت المسابقات تعقد بين المديريات فقط، أي كل منطقة تعليمية تركز جهودها في انتاج عرض واحد تتنافس به مع المناطق الأخرى!! وللأسف يعرض فقط ليلة واحدة أمام لجنة التحكيم وبعيدا عن جمهورهم الحقيقي من الزملاء والأهالي، ونظرا لضعف المكافآت المادية للجان التحكيم أصبح الاعتماد في تشكيلها على بعض هواة المسرح وبعض الأساتذة الموجهين!!
تابع : ولإيضاح الصورة كاملة أشرف بأن مدرستي في المرحلة الابتدائية (قصر الدوبارة) كانت تؤجر في الحفل السنوي الختامي المسرح القومي - يوم الأربعاء موعد أجازته الأسبوعية - لنقدم عليه عرضا مسرحيا، ومن خلال تلك المشاركات صقلت موهبتي، كذلك كان لي شرف التحكيم خلال ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي ببعض مسابقات المسرح المدرسي مع نخبة من كبار النقاد ومن بينهم الأساتذة مختار العزبي، أحمد عبد الرازق أبو العلا، مؤمن خليفة. ولإيماني العميق بأهمية المسرح المدرسي بصفة خاصة ومسارح الأطفال بصفة عامة شرفت بتقديم خمسة عروض للأطفال حصل اثنان منها على جوائز كبرى بأكبر مهرجان لمسارح الأطفال بالعام وهو مهرجان توياما العالمي  باليابان، ومع ذلك كنت أصر على تقديمه بأكبر عدد ممكن من المدارس وخاصة المدارس الحكومية التي لمست عن قرب مدى تعطش تلاميذها للعروض المسرحية وللفنون الراقية بصفة عامة، حيث في عصر الانترنت لم يعد التلاميذ ينجذبون لحركات واستظراف المهرج ولا لفقرات الساحر الساذجة التي تتكرر منذ سنوات طويلة من قبل بعض أنصاف الموهوبين!!.
ارفعوا أيديكم
فيما قال مدير عام المسرح القومي للأطفال الفنان محمود حسن: نحن لا نخترع العجلة، فنحن خريجي المسرح المدرسي، وأقول لغير المتخصصين: ارفعوا أيديكم عن المسرح المدرسي» هذا شعار أرغب أن يُرفع، وبالتحديد من مرحلة رياض الأطفال وحتى المرحلة الثانوية، لأن تلك المرحلة تُعتبر مرحلة الطفولة. لدي في المسرح القومي للأطفال «مواهب مصر» من سن 7 سنوات وحتى 18 سنة، ومعالي وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدائم حضرت حفل تخرجهم، أطفال مبدعين ربما أفضل من فنانين كثيرين حاليّا على الساحة، يتقدم لي ما يقرب من 400 و500 طفل وطفلة، و قبولي لا يتعدى الـ70، ومع ذلك أخذت 80 طفلا وطفلة، وبعد «الكورونا» تخرج 51 طفلا فقط لا غير، بسبب تخوف البعض من الحضور بسبب .
أضاف:  المسرح المدرسي تكلفته الوحيدة أن يوجد به متخصص، قديمًا من كان يتخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية وليس لديه جيش كان يقوم بعمل الخدمة العامة فى المسرح المدرسي، المسألة بسيطة، نحن لا نخترع العجلة!!.
وأضاف «حسن»: المسرح المدرسي من الممكن أن يكون على صورة ورش، يشرف عليها متخصص ويضم النشاط مسابقات مسرحية آخر السنة ويأخذ الطلبة درجات عليها، يجب أن نُشجع ذلك في الموسيقى والمسرح. فى المسرح القومي للأطفال كُنا قد قمنا بالعمل على «مسرحة المناهج»، نحن من الممكن أن نساعد وزارة التربية والتعليم «أون لاين» والمشروع جاهز عندي و متكامل، ولكننا نحتاج إلى من يتحمس لذلك المشروع، ومن خلالكم أطرح ذلك وأتمنى أن يتم تفعيل ذلك المشروع إن شاء الله، كذلك يجب أن نستغل مسارح الثقافة الجماهيرية، نقدم العروض عليها وكذلك ملاعب وزارة الشباب والرياضة، ومن الممكن أن تقوم كل محافظة بعمل مسابقة ويكون بها تصعيد على مستوى مدارس الجمهورية، سيخرج ذلك مواهب حقيقية، يجب أن نقدم لهم أنشطة حقيقية بدلًا من أن نعطيهم الدرجات النهائية فى الأنشطة دون أن تحدث من الأساس.
وتابع «حسن»: كما يجب أن نستغل مخازن المدارس وهى تتحمل كثافة 30 أو 40 كرسيا، بدلًا من تخزين الكتب فيها و من الممكن أن نقدم فيها حفلات ومسرحيات، ويُطلق عليها قاعات الموسيقى والمسرح، . الأطفال تتخرج من الورش لاتي نقيمها لهم لا تعرف إلى أين تذهب، الأفضل أن يتعلم الطالب الفنون في مدرسته، ويستطيع أن يمارس النشاط فى مدرسته بدايةً من 7 إلى 18 سنة، ولكن مع رفع مدرسي التربية الرياضية ومدرسي اللغة العربية والإنجليزية، الذين يحبون الفن أيديهم عن المسرح المدرسي، هناك متخصصين لهذا النشاط، أكاديمية الفنون بها معهد الطفل، يتخرج منه أساتذة ، الأكاديمية يتخرج من قسم التمثيل والإخراج كل سنة ما يقرب من 20 أو 30 فردا ، لماذا لا يتم توزيعهم لمدة سنة واحدة كخدمة عامة في المدارس، ويكون ذلك النشاط بدرجات للخريج وللطالب، حتى يشعر الاثنين أنهم فى حاجة إلى بعضهم البعض.
عجز يصل لـ96%
الفنان هاني كمال، حينما سألناه عن اللقب المحبب له قال أنه يعتز بلقب»الفنان» لأنه هو اللقب الدائم والمستمر قال: مشاكل المسرح المدرسي تكمن أساسًا وبوضوح في نقص الإمكانات البشرية والمادية، فلدينا عجز شديد جدًا فى المتخصصين في علوم وفنون المسرح، كخريجي أكاديمية الفنون، المعهد العالي للفنون المسرحية أو كليات الآداب قسم مسرح أو كليات التربية النوعية قسم مسرح، لدينا عجز شديد جدًا في جميع المدارس، فيما تم ذكره قد يصل إلى 96%. أضاف:  كليات الآداب والتربية النوعية قسم مسرح، هى كليات حديثة بدأت عام 1994، ليس لها تاريخ طويل، ولكن للأسف أيضا  فالتعيينات فى المدارس متوقفه منذ عام 1998، حتى من تخرج ويرغب أن يعمل لا يوجد تعيينات في الدولة، ومن 2012 حتى العقود توقفت، فأصبحت مغلقة تمامًا، وحتى عندما كانوا يتخرجون من أكاديمية الفنون، كان يتم توزيعهم على مسارح الدولة المختلفة التابعة للبيت الفني للمسرح، نادر جدًا إذا وجدنا أحد لديه الرغبة في أن يعمل في التربية والتعليم، لأن العمل فى المسرح المدرسي لا يُشبع طموحاته، لأن العائد ماديًّا ضعيف جدًا، إلى جانب أن المنتج الفني المقدم يكون غالبًا فى الظل، فمن يُشاهد المسرح المدرسي قلة محدودة، والفنان يرغب أن يُرضى طموحاته، وأن يظهر منتجه أو إبداعه الفني، فالمسرحيون يرون من زاوية أن المسرح المدرسي خال من العائد المادي الحقيقي وكذلك المكسب الأدبي والمعنوي، ومن هنا لم تكن هناك رغبة للعمل فى المسرح المدرسي.
تابع هاني كمال: فى فترة كنت أعمل مديرا عاما للشؤون التنفيذية في وزارة التربية والتعليم بالقاهرة ، تتبعني 32 إدارة، و كنت مسئولا عن جميع الأنشطة من مسرح وتربية فنية ورياضية وغيرها من الأنشطة المختلفة. أذكر مثلًا أن  إدارة مصر الجديدة أو عين شمس التعليمية، كان بها من 120 إلى 150 مدرسة، والحد الأدنى لإخصائى الأنشطة سواء في المسرح أو في نشاط آخر، هو أن يكون فى كل مدرسة إخصائى أنشطة، بمعنى أن يكون بكل مدرسة إخصائى مسرح ومثله تربية فنية وموسيقية ورياضية، ولكن الواقع أن الإدارة التعليمية لا بها غير 6 أو 7 إحصائيين فقط!!، لذلك وصلت نسبة العجز إلى 96% كما ذكرت ذلك سابقًا، فالمدارس التي بها عجز تبحث عن من يهتم بالأنشطة من المدرسين ويقوم بذلك دون أن يكون متخصصا، أو تقوم المدرسة بالتعاقد مع مخرج غير متخصص ليس له هوية حتى يقبل بالماديات الضعيفة التي تقدمها المدرسة مقابل هذا النشاط، لأن المتخصص سيطلب ما يكفيه، والمدرسة ليس لديها ميزانية تكفى لدفع أجر المتخصص وعناصر العرض المسرحى من ديكور وملابس إلى آخره، لدينا كارثة فتصريحات وزارة التربية والتعليم تقول إنهم  يهتمون بالأنشطة اهتمامًا بالغًا، ولكن مع كامل احترامي، كنت متحدثا رسميا مع ثلاثة وزراء وكنت مديرا عاما للأنشطة، و كنت أكثر شخص أُطالب بأن نقوم بسد العجز الخاص بالأنشطة في المدارس، ولكن للأسف لم يسمع لي أحد، وعلى صعيدٍ آخر هناك أنشطة فردية تمارس على استحياء، فعلى سبيل المثال، كنت موجّها عاما للمسرح فى القاهرة، وكنت أقوم بعمل حدث مسرحي، وأتحمل أنا والإحصائيين التكاليف المادية، وأحيانًا كنت أقوم بإحضار رعاة رسميين أو استخدام علاقاتي لظهور الحدث في أفضل صورة، ولكن مدارس الجمهورية ليس بها نفس حماسي أو إيماني بقيمة وأهمية المسرح، وللأسف المسرح المدرسي أصبح خال من المتخصص والماديات التي نستطيع أن نقدم من خلالها منتجا حقيقيا. .. عدم وجود مسرح مدرسي كارثة.. طبعا إلا ما رحم ربى.
تابع «هاني كمال»: غياب النشاط آثر بالسلب على سلوكيات الطلبة في المدارس، ممارسة الأنشطة تحمى أولادنا وتحمينا من الوقوع في مشاكل كبيرة جدًا، فإذا نظرنا لمعدل تعاطي المخدرات في آخر 20 سنة، سنجد أنه معدل مخيف ورهيب وكارثى، وجاء ذلك بالتزامن مع غياب ممارسة الأنشطة في المدارس وربما في الجامعات أيضًا، لذلك يجب أن تُعين وزارة التربية والتعليم إحصائيين أنشطة لتسد العجز الذي لديها على قدر المستطاع، وتمنح المدارس ميزانيات تكفى لتنفيذ الأنشطة داخل المدارس.
يقلل من طاقة العنف
وقال المخرج والناقد المسرحى وليد الزرقانى: مادة المسرح يجب أن تكون مادة أساسية وذلك نظرًا لأهمية المسرح المدرسي، التي تكمن في ثلاث جوانب معرفية و مهارية ووجدانية. أضاف: المسرح الدرس يرتبط بأنشطة كثيرة منها عقلية تنمى عقل الطفل وأنشطة بدنية، حركة التمثيل تجعل جسم الطفل  يتحرك ويتفاعل، وأنشطة اجتماعية تعلمه معنى العمل الجماعي، بالإضافة إلى أن المسرح المدرسي يُهذب روح الطفل، وقريبًا ستنشر لي مقالة عن كيفية تعديل السلوك العنيف للطفل من خلال المسرح والفن، وهذا يتم بالفعل من خلال السيكودراما والعلاج بالمسرح والفن، فالمسرح يقلل من طاقة العنف لدى الطفل، كلما قل العنب ارتقى الإنسان أكثر وأكثر، الأطفال هم شباب وشابات المجتمع، وعندما يصبحون أسوياء نفسيًّا سيعود ذلك بالإيجاب على المجتمع، ومن خلال المسرح المدرسي نستطيع أن نعلم أطفالنا الدين بشكل صحيح وحب الوطن وتعزيز قيمة الانتماء، وذلك كان جزءا من رسالة الماجستير الخاصة بى «التعامل مع الأخر والانتماء في مسرح الطفل»، المسرح المدرسي يفيد الطلبة في دراستهم، حينما نقدم لهم على سبيل المثال درس الكيمياء في صورة مسرحية نجعلهم يحبون العلم ويدركون أهميته هو والفن معًا، فهو ينمى الحس الجمالي عند الأطفال ويجعل الطلبة قادرين على اكتشاف مواهبهم.
واستكمل «الزرقانى»: مسرحة المناهج فكرة مهمة جدًا تجعل تحصيل الطفل للمناهج الدراسية أسهل بكثير، ففكرة أن يرى الطفل المعلومات بشكل مصور تجعله يفهم المعلومة بشكل أكبر ويسترجعها دون أدنى صعوبة، وتكمن مشاكل المسرح المدرسي دائمًا في الإنتاج، المدارس يجب أن تهتم أكثر من ذلك بالنشاط المسرحى حتى ولو كانت الإمكانيات المادية ضعيفة، لقد كنت فى فترة عضو لجنة تحكيم فى المدارس، وكنت أُشاهد عروضا مهتمة جدًا بالملابس والديكور ولكن تأهيل الممثل من حيث التمثيل والحركة غير موجود إطلاقًا، المشكلة الإنتاجية ليست مشكلة حقيقية في حال رغبة المدرسة في ممارسة النشاط، والمسرح المدرسي يحتاج وبشدة لمتخصص في المسرح، ومدرس أو إخصائى المسرح يجب أن يكون مُلما بالقواعد الفنية، ويكون قد مارس ذلك بشكل عملي ودرسه بشكل علمي، بالإضافة إلى شئ مهم جدًا يجب أن يتوفر فيه البعض يغفل عنه، يجب أن يكون مطلع على الخصائص والمراحل العمرية ويدرس ذلك بشكل جيد، لأن كل مرحلة عمرية لها احتياجاتها ومتطلباتها وطريقة التعامل معها.
نشاط متكامل
فيما قال د. محمد الشافعي أستاذ علوم المسرح بجامعة السادس من أكتوبر: يجب أن نطرح سؤالا في البداية «هل مازال لدينا مسرح مدرسي؟!».. أجاب: هذا النشاط كان له دور مهم جدًا في فترة من تاريخ مصر، ولكن بدايةً من الألفية الجديدة أو ربما قبل ذلك بـ20 عاما، لا يوجد حضور حقيقي للمسرح المدرسي إلا في بعض المدارس الخاصة واللغات، قديمًا كان هًناك مادة تُدرس وهى «التربية المسرحية» كنشاط فني كما تتناول بعض القصص التي يتم تدريسها للطلبة في المراحل التعليمية المختلفة، ذلك الأمر قد تم وقفه أو لم يعد يُفعّل، ربما بسبب إهمال بعض المدارس والإدارات بالمسرح المدرسي، بالإضافة إلى عدم تواجد معلم يقوم بهذا الدور، فكما ذكرت المدارس الخاصة أو اللغات بعضها لديهم هذا النشاط، من حيث توافر الإمكانيات المادية وتواجد مسرح داخل المدرسة، والمؤسف أن هًناك مدارس حكومية كثيرة جدًا بها مسارح ولكن للأسف تم تحويلها لمخازن، وهناك اتجاه جديد فى وزارة التعليم العالي أن يقوموا بإنشاء قسم المسرح التربوي فى بعض كليات التربية، وهو يعتمد على منهجة أو مسرحة المناهج الدراسية، من خلال تحويل المناهج لدراما أو لعبة لتعليم الطلبة بشكل ترفيهي بعيدًا عن الطريقة التلقينية. والمسرح المدرسي يضم حوله مواد الرسم والموسيقى والتربية الرياضية، لأنه فى النهاية نشاط يضم مجموعة من الفنون والأنشطة المختلفة.
أضاف الشافعي:  «التربية المسرحية» عند إعادة تدريسها هى مادة شاملة ستضم عدة مواد أخرى بداخلها، وعدم وجود ذلك أدى إلى أننا أصبحنا بلا ثقافة مسرحية، عندما كانت تُدرس هذه المادة كان لدى الطلبة ثقافة أدبية وتذوقا للمسرح، وغياب ذلك  نتج عنه أن أي نوع من الفنون غير الهادفة التى ليس لها أي رؤية فنية للأسف أصبحت تستهوى البعض، وأصبحنا نتناول مواضيع ركيكة وسخيفة في الدراما. إن عدم وجود المسرح المدرسي أدى لتدهور الثقافة بشكل عام وليست الثقافة الفنية فقط، فهي منظومة متكاملة.
تابع «الشافعي»: من المؤسف أن بعض المدارس لديها بالفعل في الجداول مادة التربية المسرحية ولا يتم تدريسها، فإما ليس لديهم مدرسين متخصصين، وإما لأن من يقوم بذلك الدور هو مدرس التربية الرياضية الذي ليس لديه وعى بالعملية المسرحية فلا يقوم بتدريس المادة، وفى الأغلب يتم تدريس أي مادة أخرى بدلًا من حصص التربية المسرحية، مع أننا نستطيع أن نستغل تلك الحصص وندمجها بتجسيد المواد الدراسية بشكل تشويقي للطلبة، والمؤسف أكثر لنا أن بعض الدول العربية أصبحت مهتمة جدًا بفكرة «مدرس المسرح» وقاموا بعمل إعلانات يطلبون فيها ذلك وبدأوا  في أخذ المدرسين من مصر، و بعد شهرين تقريبًا سيقومون  بأخذ ما يقرب من 40 مدرس مسرح من مصر، وجميعهم من خريجي كليات الفنون والآداب قسم مسرح وجميعهم فنانين وأعضاء نقابة، ولكن للأسف لم يجدوا فرصة حقيقية داخل بلدهم، ومنهم أساتذة فى الجامعة. الدول العربية استغلت الطاقات والمواهب المصرية بشكل صحيح وإيجابي، وكان الأولى أن توفر مصر لهؤلاء الفرصة ونستغل طاقاتنا داخل بلدنا، وكان الأولى أن تنتبه وزارة التربية والتعليم لدور المسرح، فالسلوك المجتمعي العام السائد مبنى على ما نشاهده في التلفاز، وسبب ذلك أن ليس هناك بدائل أخرى، وللعلم في حالة تواجد بدائل أخرى جيدة تنجذب الناس إليها، وأكبر دليل على ذلك انجذاب الجمهور في رمضان الماضي لمسلسلات محددة جيدة على الرغم من كثرة ما تم عرضه ، فقد أهملوا غير الجيد من الدراما وهذا معناه أن الجمهور لديه وعى ، الناس تختار الوجبات الأكثر صحة بمجرد طرحها عليهم.
وتابع «الشافعي»: الفن بشكل عام غريزة ، ونحن نمارس الفنون بشكل مختلف دون أن ندرى ، جميعنا قمنا بعمل محاكاة لما نراه ، كلعب الفتيات بعرائسهم مع تأليف حكاية تخصهن، تلك الفكرة الغريزية في حالة تبنيها وتنميتها، تقوم  بتنمية جزء إنساني بداخلنا قد يساعدنا في الإبداع في أعمالنا المختلفة  حتى وإن كانت ليست مرتبطة بالفن بشكل أساسي، فالفن يهذب الروح ويعطينا طاقة إبداعية حقيقية، بالإضافة إلى اكتشافنا لمواهب فنية وتأهيلها بشكل صحيح منذ الصغر. دراسة الفن فى حد ذاتها مهمة جدًا، معظم الدول الأوربية والأجنبية يهتمون بذلك،على سبيل المثال كلية الشرطة والقانون في إنجلترا يدرسون نصوص شكسبير، لأن بها نوع من الحنكة والخبرة والدهاء والمكر.
أنا مثال حي
اتفق الممثل الشاب مايكل وليم مع كل ما سبق من احتياجات ومشاكل بالمسرح المدرسي، حيث قال: كنت في المسرح المدرسي منذ الصغر، وفى المرحلة الإعدادية كنت مسئولا عن هذا النشاط مع المدرسة المسئولة عن ذلك، إلى أن جاء مخرج محترم اكتشفني وأخذني للفنان الراحل محمد متولي، وقدمت معه وأنا في المرحلة الثانوية مسرحية «الغرباء لا يشربون القهوة» إخراج حمدي أبو العلا وتم عرضه على مسرح الغد، وبعدها التحقت بكلية الآداب قسم مسرح شعبة تمثيل وإخراج، ومن عام 2017 أصبحت ضمن  فرقة الفنان الكبير محمد صبحي، وقدمت معه مسرحية «غزل البنات» و»خيبتنا»، وحاليًّا نعمل على عمل جديد وهو «نجوم الضهر»، أنا مثال حي لأهمية المسرح المدرسي، فإن اهتمت المدارس بتدريس المسرح بشكل احترافى واستعانت بمتخصصين، سوف يتخرج جيل واع بالفن والثقافة، وسنستطيع أن نجد مواهب حقيقية مؤسسة على أسس علمية وأخلاقية سليمة، فالفن الحقيقي يُهذب الأرواح.
ليس مجلة حائط
واتفق المخرج المسرحى ومدرب الأداء التمثيلي محمد نصرت مع كل ما سبق من آراء المسرحيين حول مشكلات واحتياجات وكيفية تطوير المسرح المدرسي، حيث قال: من خلال تجربتي فى المسرح المدرسي حيث أخرجت أكثر من مرة في إدارة حلوان التعليمية ، مسرحية «المهزلة الأرضية» وحصلت من خلالها على أول جمهورية، وفى السنة التي تليها حصلنا على ثاني جمهورية، فإن مشكلة مسرح المدرسة تكمن فى المدرسين أو الإدارات، لأنهم يتعاملون مع مدرس المسرح كموظف. وينظرون الى المسرح كما لو كان مجلة حائط، إلا من رحم ربى، إلى جانب أن المسرح المدرسي محدود في مساحات الإبداع، ومحدود ماديًّا سواء في الإمكانيات أو في أجور المخرجين ومدرسي المسرح بشكل ملحوظ.


إيناس العيسوي