لمن ينتمي المسرح؟ الكورالية القديمة مقابل الدراما الحديثة (2-3)

لمن ينتمي المسرح؟    الكورالية القديمة مقابل الدراما الحديثة (2-3)

العدد 714 صدر بتاريخ 3مايو2021

 وقد كان النشاط الكورالي في النهاية مشاركا . فالرقص choreuein هو شيء تفعله، ولا تشاهده : فالجمهور اليوم الذي يلعب كرة القدم من أجل المتعة ربما يذهب لمشاهدة مباراة كرة قدم احترافية، ويقول بعض العلماء ان جميع الذين كانوا يشاهدون الدراما الأثينية كانوا أنفسهم يرقصون ويغنون مع الكوراس الدرامي . وحتى الأكثر تحفظا يشيرون الى أن ما لا يقل عن 10 في المائة كان يمكن أن يشارك في الكوراس في وقت ما أو آخر، وقد شارك الكثيرون في أنواع أخرى من عروض الكورال في أوقات أخرى من العام . وقد كان الرقص الكورالي الموسمي صورة متضمنة في العادات المحلية في الريف الأثيني، والذي تدفق سكانه الى أثينا من أجل ديونيسيا الكبرى : لذلك كان من الممكن أن تكون هذه الجوقات أبناء وأحفاد راقصين أو مغنين أو أجداد أو أجداد في المستقبل . ويبدو أن الترتيل الكورالية التي بدأ بها المهرجان كانت فرصة لضمان مشاركة واسعة : يقوم خمسون صبي وخمسون رجل من المقاطعات الأثينية العشرة بأداء الأغاني والرقصات التقليدية المرتبطة باستقبال ديونيسيوس في المدينة . يومين من الكوميديات المتنافسة، كل منها بكوراس مختلف مكون من 24 شخص، يليهما ثلاثة أيام من بجوقات تراجيدية . وبالنسبة لهؤلاء المشاهدين –المشاركين كانت الرياضة أومنافسة فريق لعبة الكورال الدرامي عبارة عن مساحة عبر تاريخية تربط بين الماضي والمستقبل، وتقدم هوية اجتماعية من خلال تكرار الطقوس وليس فقط تكرار النص، بل أيضا من خلال العمل المتجسد ( الرقص والغناء والأغاني الكورالية من نوع Melpein ) في المواعيد الموسمية . وعلي هذا النحو، لم تكن الجوقات الأثينية رمزا للأداء الجماعي فحسب، بل كانت أيضا شعارا لتعددها المثير، وقدرتها علي توسيع ذلك الجماعي، أو بالأحرى طرح سؤال امتدادها في الزمان والمكان . وكما جادل أخير رينو جانيه وماريان هوبمان، فان الكوراس قد استكشف مجازيا التوترات، ليس فقط بين الفرد والجماعة، ولكن بين الحاضرين بدنيا وما يتم تمثيله، وبين التفرد والتكرارية، وبين المحلي وتجاوزه كما تشير غالبا كلمات الأغاني . وكما يقول كلود كلاميه : 
 لقد كانت مجموعات أغاني ورقصات العذارى، والرجال
 النساء، احداثا اجتماعية أساسا، وجزء لا يتجزأ من نظام 
 متطور لتقديم الذات والتواصل والتمركز حول المدينة ....
 وتتجـلى أغنيتهـم في الوقـت المحــدد للأداء وفي التوقيــت 
 الدوري للطقوس ... وتعدد الأصوات الكورالية ليس فقـط
 القـدرة علي أن تعني أكـثر من شـيء واحـد في وقت واحد
 ولكن أن تعني من جوانب مختلفة تماما . 
وبدون فهم المسرحيات كأغنيات، أي مسرح مشارك يؤدي فيه الجمهور والمؤدين والمؤلفين والمخرجين طقسيا تعدديتهم وجماعيتهم التاريخية، فمن السهل اغفال المدى الذي وصلت اليه الدراما الأثينية، التي ازدهرت في نفس الوقت الذي كانت فيه تجربة المدينة القصيرة مع الديمقراطية بمثابة تجسيد ورمز لتحدي صنع القرار الجماعي تحديدا . والاهتمام المميز للتراجيديا الأثينية بقوة الكلام غير الموثوق فيه، وفي التفكير في طرق بديلة للنظر في شأن ما، هو اعتراف بصوبة اتخاذ القرار الجماعي، وهي صعوبة يمكن أن يكونوا فخورين بها وخائفين منها علي حد سواء. ومنذ ذلك الحين، كانت الديمقراطية، التي لم تكن تتمتع بمكانة خاصة لخصائصها المختلفة في هذه الظروف الجديدة فكرة بديهية . فعمليات الديموقراطية التي كان لكل مواطن أثيني صوتا، ليست الا أغلبية عددية حكمت،ضمنت الخلاف الدائم : من المهم أن قوى الاقناع والطبيعة غير المعصومة للأدلة الحجج المنطقية هي سمات مركزية لا توجد فقط في التراجيديا الأثينية بل في الفلسفة الأثينية أيضا . وليس من السهل قبول نظام يضع فيه الجميع حصاة واحدة وتشترك الأغلبية تقريبا في نفس الرأي، ولكن يُطلب من الجميع التخلي عن قضيتهم وقبول قرار يثير غضبهم لأن شخصا أو شخصين مضللين يختارون غير ذلك . في مثل هذه الظروف، من المفيد توضيح أنه مهما كانت وجهة النظر، فهناك دائما وجهة نظر أخرى؛ أو أنه لا يوجد موقف واحد صحيح أو خاطئ تماما، أو أنه لا يمكن لأحد أن يعرف يقينا مسار أحداث المستقبل أو التصرف الصحيح في ذلك الوقت: مع الادراك المتأخر. وبالنسبة لاديث هول، فان صعوبة اتخاذ القرار، أو المداولات، وايجاد المشورة أو النصيحة المناسبة، أو مسار الفعل، تقود التراجيديا الأثينية الى الوجود ويمنحها خصائصها الرئيسية، وبالنسبة لسيمون جودهيل، بالتفكير عبر خطوط متشابهة حول قدرة اللغة علي الاقناع بطريقة أو بأخرى، فان جوهر التراجيديا هو الصراع أو الألم مع الأزمة أو الحاجة الى اتخاذ قرار، أو الحكم والتأمل . وتحديد سمات التراجيديا اليونانية، مثل اهتمامها بقوة الكلام غير الموثوق به، وعدم تحديد المعنى، أو خطر اتخاذ مواقف أخلاقية أحادية الجانب أو أحادية التفكير، أو الطبيعة المنظورية للحقيقة أو العدالة التي لا يمكن تعديلها، تعكس هذه الأمور المتضمنة في صعوبة اتخاذ القرار الجماعي والدراما المتأصلة في أن الفائز يأخذ كل شيء في التصويت . وقد وقفت الجوقة كرمز، وضخمت كلامها وأغانيها، والتفاوض المشحون بالضرورة حول وجهات النظر التي لا يمكن التوفيق بينها . 
الدراما واتخاذ القرار الجماعي 
في كثر من التراجيديا الأثينية، فان الفعل، أو الشيء الذي يتم القيام به (dra-ma) هو فعل الكلام . وقد ارتبط الظهور التاريخي لكلمة دراما Drama ( وهي صيغة النعت من الفعل اليوناني “يصنع dra-ein” ) بقرار الممثل الفرد بتجسيد احدى الشخصيات بشكل منفصل في سرد القصص التقليدية، والذي بدلا من أن يتكلم كجزء من الكوراس يتحرر للتفاعل معه . ويفضل آخرين أن يحددوا بداية الدراما في اللحظة التي أضاف فيها اسخيلوس (525-456 ق م) الممثل الثاني، وجعل التفاعل بين شخصيتين مجسدتين : والمثال المفضل في مسرحية اسخيلوس «أجاممنون Agamemnon” (458 ق.م ) عندما يصل أجاممنون الى الوطن بعد الحرب الطروادية، يرفض أن ينزل من عربته علي الأقمشة الثمينة باعتباره عملا متغطرسا، فتقنعه كليتمنسترابفعل ما أعلن قبل لحظات أنه لن يفعله . ويقودنا فعل الكلام ( الاقناع) مباشرة الى فعل من نوع آخر، وكلاهما يجسدان الشهود الموجودين، مما يثير إشكالية التمييز بين الأقوال والأفعال، أو يوحي بقوة الكلمات كأفعال . 
 وفي نفس هذه المسرحية يسخر أسخيلوس صراحة من اتخاذ القرار الجماعي عندما «تتداول» أغنية «الرجل العجوز» حو كيفية الرد علي صوت صرخات أجاممنون أثناء طعنه في القصر. ويستغرق التبادل الكورالي التالي عدة مئات من السطور (ما يقرب من سدس المسرحية) بداية من كاسندرا التي تنبأت بأنها وأجاممنون علي وشك الموت : يظل نفس الكوراس في ذاتيته المتغيرة باعتبارهم من المغنين غير المميزين للقصائد قد تنبأوا بالفعل بهذا الانتقام في الأغنية . ويؤطر كلا الموقفين السابقين بوضوح عدم القدرة المفاجئة ( والمضحكة) علي تقرير ما يجب فعله، عندما يسمعون صرخة أجاممنون داخل القصر : 
أجاممنون: لقد تعرضت للضرب، والطعن – ضربة أصابت الهدف حقا. الكوراس: (أصوات منفصلة) سكوت! اسمعوا! من الذي يصرخ هل أصابهم جرح مميت؟ 
أجاممنون : آه ! كلا ! مرة أخرى ! ضربة ثانية، طعنة ثانية – 
الكوراس: انه الملك : لقد حدث الفعل، من خلال صوته . نحتاج الى العمل معا لمعرفة أفضل السبل لحماية أنفسنا .
أرى أننا يجب أن نرسل دعوة لكل المواطنين ليتجمعوا عند القصر الآن . 
لا .. في وقت كهذا يجب أن نتصرف فورا – يمكننا أن نضبطه أثناء الفعل – والسيف الدامي في يده 
أوافق . أرى أن نفعل شيئا . لا يمكننا اهدار الوقت بينما يحدث شيء في هذه اللحظة، ونحن نتحدث . 
كلنا نعرف ماذا يحدث: أجيستيوس وكليتمنسترا يقبضون علي السلطة بأسلوب الطاغية النموذجي . 
أجل، لأننا نضيع وقتنا في مناقشة ما سنفعله ! فبينما نتحدث يعملون علي هدم حياتنا الآمنة للأبد !
من يمكنه أن يعرف ما هو القرار الصحيح؟ قبل أن تقوم بأي نوع من الفعل يجب أن تتأمل صوابه . 
أوافق – ولكن لا يمكنك أن تخطط لاعادة الموتى الى الحياة 
يجب عليكم جميعا أن تخجلوا من أنفسكم – هل تتركون هؤلاء المغتصبين يدمرون الأسرة الملكية لأنهم تخافون من الأذى –
لن يكون الموت أسوأ من الاستبداد، أفضل الموت ! هيا ! 
انتظر – الدليل الوحيد الذي نملكه هو أننا سمعنا صراخ – فكيف نعرف أن هذه الأصوات تعني أنه كان يُقتل؟ 
أجل، نريد أن نعرف بالضبط ما نتحدث عنه أولا. فالتخمين ليس مثل المعرفة علي وجه اليقين، مثل امتلاك الحقائق. 
أوافق علي ماقاله الجميع – نحن بحاجة الى التأكد من كل هذه التكهنات ومعرفة ما حدث لأجاممنون بدقة شديدة. 
كليتمنسترا : ( تخرج من القصر ) لن أخجل من أنني تحدثت بما هو مناسب في وقت سابق . ولكني الآن أقول عكس ذلك. والا كيف يفُترض أن الأعداء الذين يفترض أنهم أصدقاء؟ لقد أمسكت به في شبكة كلماتي، فامسكته بسرعة . 
ففي التراجيديا الأثينية، يظل السكين المغروس في الجسم أمرا قابلا للنقاس مهما كانت عواقبه الحاسمة. وبالمثل، فان الحقيقة التي لا جدال فيها لا تتحدث بصوت أعلي من الكلمات في مسرحية يوربيدس «هيبوليتس Hippolytus، عندما اختار ثيسيوس عدم تصديق ابنه، الذي يقول الحقيقة بالكلمات، علي الدليل الواضح من جثة زوجته فيدرا (التي تركت رسالة انتحار تتهم فيها هيبوليتس) . وفيما بعد، تغفل التعريفات المعيارية للتراجيديا، باعتبارها معنية بالروايات العنيفة حول الشخصية ومعاناتها، هذا الأصل الحاسم والاهتمام المميز بانزلاق المعنى النهائي، والتناقض، ووجهات النظر المتعددة . ومع ذلك يمكن اعتبار أن التطرف الرهيب مستمد علي وجه التحديد من جداول الأعمال هذه، حيث يخدم الغرض من اثبات أنه حتى في أكثر المواقف الأحادية الجانب، مثل قتل الأم لأطفالها، أو قتل الطفل لأمه، هناك دائما وجهة نظر أخرى، هي أن الأشياء ليست منفردة أو بسيطة، أو واضحة تماما . 
اعادة العرض، والتمييز، والموضوع المسرحي 
أبرزت الحياة الثانية للكوميديا الأثينية وظيفتها كانعكاس وتعبير ومعارضة للظروف التاريخية المحددة بشدة للديموقراطية. ولكن المصير اللاحق للدخول في المسابقات التراجيدية في أثينا كان مختلفا تماما. وقد تم تقديم طلب الى الأركون (رئيس المدينة) ام 456 ق.م للحصول علي اذن لاعادة عرض مسرحية «الثلاثية الأورستية Oresteia” لأحياء ذكرى وفاة أسخيلوس. تلى ذلك تطورات مهمة، مثل الموجودة في نقوش عام 444 ق.م (أصبحت راسخة كما هو متوقع، وأصبحت كيفية أدائها محط اهتمام) ونشاء مهرجان لينايا Lenaia الاضافي عام 440 ق.م كفرصة لأداء الأعمال الدرامية تحديدا (مما يشير الى أنه تم الاعتراف بها علي أنها شكل فني منفصل يستحق تركيزا خاصا) واضافة اسم المؤلف الى اسم قائد الجوقة كفائز مشترك بالجائزة . ويمكن اعتبار هذه الحركات، وليس الأداء الأصلي فحسب، هي لحظات نشأة ما يمكن أن يسمي فيما بعد «المسرحيات اليونانية» . 
 ان اعادة الأداء هي اشارة مميزة الى تقديم عمل أصيل يعلن عن نفسه. ويسرع من ترسيخ التوقعات العامة. وتقدم امكانية التعرف علي العناصر في العمل، وتدور حول من لديه القدرة علي التعرف أو التذكر، وفقا لمصطلحات بول كونرتون . فلطالما كان يرى النص والعرض متعارضين مع بعضهما الآخر، وهو ما يعكس، كما أقترح، الاطار الدرامي الحديث في القرن التاسع عشر، الذي اعتدنا من خلاله علي مشاهدة الدراما اليونانية . وقد يكون التعارض الأكثر أهمية هي اعادة الأداء القابلة للتمييز والأداء الأصيل (أي حول التوقعات غير الواضحة أو المجهولة). ويجب توقع أن تشارك النصوص والعروض بشكل مبتكر داخل بعضها البعض بطرق مختلفة في أي سياق توجد فيه الكتابة : انه التحول الجذري في سياق التوقعات الجماعية التي تميز الاختلاف التاريخي بين العمل المبتكر بوعي ذاتي وضغط التوصيف المتواطئ، سواء تم التعبير عنه في شكل نصي من عدمه. لا تحدد النصوص سبب أو طبيعة اعادة الأداء، أو تؤثر فيها بالضرورة: الشرط الذي لا غنى عنه للعمل المعاد عرضه هو أنه يمكن أن تتعرف عليه جماعة أو أخرى: تدوين التوقعات التي يعبر عنها مفهوم النوع . 
 ومع ذلك، بينما لا تؤدي النصوص بالضرورة الى اعادة الأداء، فانها تساعد بالتأكيد في اتاحتها وقابليتها للنقل علي نطاق واسع . وهناك دليل علي أن النصوص المكتوبة للمسرحيات الأثينية، في سياق النشر الشعبي لنصوص من أنواع أخرى (مثل الأطروحات الفلسفية للسوفسطائيين)، قد لعبت دورا رئيسيا في انتشارها علي نطاق واسع في الحياة الأخرى خارج أثينا. وأول اشارة تفصيلية الى التراجيديات التي انتشرت كنصوص في مسرحية اريستوفانيس «الضفادغ Frogs” (405 ق.م) حيث يقول ديونيسيوس أن قراءة “أندروميدا“ قي قارب (أي عدم عرضها في المسرح أمام عدد كبير من الجمهور في يوم المهرجان) قد تسبب في أزمة رغبة ليوربيديس . وعندما تم القبض علي طاقم اثيني وهم يهاجمون سيرقسطة عام 407 ق.م، قيل انهم نجوا من عقوبة الاعدام لأنهم أنشدوا لأهالي سيرقسطة مقاطع من أشعار يوربيدس . 
 وبإعادة الأداء، تصبح المعاني الفكرية لمثل هذا التكرار مرتبطا بمعنى العمل: يصبح المسرح تكرارا للشيء المعروف، الشيئ الذي له قيمة بسبب من يعرفه أيضا. في القرن الرابع قبل الميلاد، فان اعادة الأداء الضخمة خارج أثينا لبضعة نصوص درامية أثينية (عرضت بجانب النصوص المكتوبة بشكل جديد والتي لم تستمر) منحت المساحة التي تستحقها والمنتشرة جغرافيا في المدن الناطقة باليونانية التي يمكن أن ترسخ هوية ثقافية مثل الهيلينية. وقد توافق هذا الانتشار مع بناء المسارح الحجرية (مثل مسرح ابيدوراس)؛ بالمقارنة، فان المقاعد، التي كتب لها اسخيلوس مسرحيته «الأورستية» في عام 458 ق.م، كانت عبارة عن حوامل خشبية، ربما بترتيب مستقين لسهولة الفك والتركيب المؤقتين (ونعلم أن المدينة خصصت جزء من نفقاتها لتأجير المدرجات الخشبية لمهرجانات أخرى في أماكن أخرى). وفيما بعد كانت المسارح الحجرية، بالمقارنة، رمزا معماريا للجماعة طوال العام حيث تصور المدينة باعتبارها سكانها أو مواطنيها : السياسة الذكية، كما يوحي التمويل واسع النطاق وبناء المسارح الحجرية من قبل الحكام الهيلينيين المستبدين بالسلطة. لقد ساعدت مباني المسرح الحجري السلطات المستبدة أن تبدو وكأن محورها الناس، بينما المقاعد المميزة خصيصا للكهنة والملوك في الصفوف الأولى تشير الى وظيفتها الاضافية باعتبارها تمثل علاقة الشعب بالسلطة . وقد أضفى الرومان طابعا رسميا علي الجلوس في قاعة المسرح وفيما بعد قاعة المسرح المدرج، باعتباره صورة طبقية مصغرة للعلاقات الاجتماعية . ولم يكن هذا مجرد صورة للوظيفة البنيوية للمسرح القديم باعتباره أماكن جلوس بالضرورة : علي سبيل المثال، تقوم قبيلة المايا في مدينة تشيشن ايتزا بوضع اطار معماري علي مكان لتمييزه، ولكن دون بدون التأكيد علي الجماعية أو المشاركة كمقوم أساسي . وأصبحت النصوص التي كانت في الأصل تعبيرا عن اضطراب أثيني ولحظة ديمقراطية وبالتالي أصبحت وسيلة التعبير الجماعية الثابتة بكل ما في الكلمة من معنى . وليس من المستغرب أن تؤدي اعادة الأداء هذه الى الاحتراف، حيث سرعان ما أصبح الممثلون من المشاهير، وسرعان ما نصب الملوك الهيلينستيون أنفسهم كممثلين . وفي مثل هذه الجغرافيا الامبراطورية المترامية الأطراف، أصبحت الرواية السياسية البطولية – قصة الشخصيات الفردية في الدراما – محور هذه القصص أو المسرحيات المألوفة بشكل متزايد، بدلا من الكورال، القيم التشاركية الجوهرية في أدائها . كما قدمت المسارح الحجرية، بصفوفها الموزعة في شكل نصف دائري نقاط مشاهدة مثالية يمكن من خلالها تقدير الترتيبات الكورالية الهندسية التي كانت احدى سمات اعادة الأداء لاحقا في القرن الرابع قبل الميلاد، والتي كان الانسجام هو الهدف السمعي والبصري الأساسي : كانت هذه المهارة هي الأعجوبة، أو الشيء الجدير بالفرجة – وتختلف تماما عن جوقة الأثني عشرة شابا الذين كانوا يؤدون أربعة أغنيات لأسرهم وأصدقائهم في حدث مارثون واحد هو مركز النميمة في الاستعدادات لنصف العام . 
 وعندما يحاول أرسطو وصف التراجيديا في كتابه « فن الشعر « ( والتي لم تعد تسمى التراجيديا الأثينية بحلول عام 333ق.م ) فقد كان يتوجه الى الجمهور غير الديمقراطي من الرعاة والقراء من خلال ظاهرة اعادة الأداء الانتقائية والمنتشرة . وبالتالي كان من الطبيعي الى حد ما أن يبحث عن تعريف وتفسير عام في السمات غير السياسية للموضوع الأدائي نفسه، باعتبارها منفصلة ( باعتبارها متجاوزة ونصية علي حد سواء ) عن نشأتها وسياقها السياسي المميز . وقد فهم ملوك العصر الهيلينستي، مثل الاسكندر الأكبر، الذي لم يكن أرسطو معلمه فقط، بل كان يدين بقدرته الاقتصادية في تأليف كتاب « فن الشعر « في المقام الأول، أنهم يؤدون أدوارهم في الحياة مثل الممثلين، أو الشخصيات الخيالية في الملاحم والنصوص التراجيدية . وهذا أيضا يجعل من المرجح أن أرسطو نظر الى روايات الممثلين الأفراد لتفسير جاذبية التراجيديا . وقد أوضحت اديث هول الطبيعة غير السياسية الواضحة لتفسيرات أرسطو لما كان في عصره « التراجيديا اليونانية»، ولاحظت أنه يضع ردود فعل الجمهور ( التطهير) في مكانة مركزية، ومع ذلك لم تُذكر المدينة في مكان آخر . ولكننا قد نتساءل الى أي مدى شعر أرسطو أنه قادر في مثل هذا السياق ( مهما كان متحررا من رعاية الاسكندر) علي الاشارة الى خصائص التراجيديا التي كانت تعبيرا ايجابيا عن الديموقراطية الأثينية ؛ أو أن الدراما الأثينية كانت معنية، بشكل مميز، باثارة أسئلة عن حول صعوبات الحكم السليم ؛ أو أن نماذجها الرئيسية لم تكن نماذج لشخصيات معيبة فحسب، بل قادة معيبين أيضا . وفي نفس الوقت، كان يكتب في سياق اهتمام فلسفي مكثف بفكرة التفسير نفسها : لذلك فان تفسيرا ما أو غيره سيكون ضروريا . وهذا، وحقيقة أن مناقشته الموازية للكوميديا التي لم تنجو، قد ساعدت في توجيه الانتباه الى ما يفعله الأفراد في هذه الأعمال، وما يحدث لهم . وقد أخذت القراءات اللاحقة لأرسطو، خلال هذه العدسة، نصوص التراجيديا بعيدا اشكالياتها، فيما يتعلق بالحقيقة والكلام والاثبات، في سياق تطبيقي ( وغالبا ما تتجاهل هذه القراءات المقاطع التي يصف فيها أرسطو التراجيديا بأنها نشأت من الرقص الكورالي) لوضع أراء أرسطو باعتبار أنها لا تحدد التراجيديا فقط، بل المسرح والسرد نفسه رغم ذلك . وقد أدت هذه القراءات الى قراءة دائرية للنصوص التراجيدية – ولاسيما الى خارج السياق – باعتبارها تتعلق في المقام الأول بمصير الأفراد ومعاناتهم ورمزا للمسلمات البشرية . وقد ساعد هذا في دفع مفهوم المسرح لمحتوى لرواياته، مع وجود ممثلين بطوليين (بكلى المعنيين) في المركز . ان صعوبة اتخاذ القرار بالنسبة لهؤلاء الأفراد هي التي تجذب الانتباه من الآن فصاعدا، فضلا عن اهتمام مجتمع الجمهور-المؤدي . وهكذا، بقدر ما يمكن النظر الى تقاليد المسرح الغربي علي أن لها جذور مهمة في الدراما الأثينية الديمقراطية، فان هذه الجذور تنتمي بقدر أقل الى أثينا الديمقراطية في القرن الخامس مما تنتمي الى مرحلة التبلور اللاحقة في القرن الرابع، من خلال اعادة الأداء والاستدلال النصي، اللذان نقلا أصول المسرح بعيدا عن كونه جوهريا في ممارسة الوعي الذاتي السياسي بعيدا عن هروب مسكن من خلال شفقة متخيلة ( أو علم النفس بمصطلحات القرن التاسع عشر ) من شخص آخر . 
.........................................................................................
كلير فوستر تعمل أستاذا بجامعة كمبريدج منذ 2014, وهي الشريك المؤسس لشبكة الأداء متعدد المجالات في مركز بحوث الفنون بنفس الجامعة 
هذه المقالة تمثل الفصل التاسع من كتاب “الأنثروبولوجيا والمسرح والتطور Anthropology, Theater, and Development “ والذي أعده الكاتبان Jones Tinius , Alex Flynn عام 2015.


ترجمة أحمد عبد الفتاح