فرقة الحركة .. المسرح وإيقاظ الوعي

فرقة الحركة .. المسرح وإيقاظ الوعي

العدد 709 صدر بتاريخ 29مارس2021

“لا أكتب في المسرح إلا ما يثيرني” عبارة قالها المسرحي العالمي الشهير يونيسكو وقد أراد من خلالها أن يؤكد على أن العمل المسرحي محاولة لتحريك الواقع والخروج من دائرة الثبات إلى دائرة التحفز والمواجهة.
ولعل “فرقة الحركة” بداية بما يطرحه اسمها من دلالات، ومرورا بعروضها تأتي لتحقق مكاشفة جادة وصريحة في مواجهة خطر الرأسمالية التي يتغذى بعضها على بعض إلى أن تصل إلى درجة من الشراسة الإمبريالية التي تؤسس لمفهوم السلطة الواحدة المهيمنة والقاهرة في ظل تراجع المفاهيم الجماعية والتي أدى إليها وجود ما يمكن أن أسميه بالثقافة التبريرية التي تقوم على النفعية وترى الأمور بنظرة أحادية تؤله الفرد وتنفي القدرة عن الإطار الجمعي.
وقد تأسست الفرقة عام 1989 وقدمت عدة عروض كان أولها مسرحية “المزاد” ثم “الدبلة” عام 1990 وحفلة المجانين عام 1992 ثم “الميلاد” 1998 و”اللعب في الدماغ” 2004.
كما قدمت الفرقة تجربة فريدة من نوعها وهي المزج بين المسرح والسينما فقدمت فيلمين أولها “وادي الملح” وهو عبارة عن فيلم سينمائي قصير والثاني “الحب مسرحية في 3 فصول” والاثنان من تأليف وإخراج خالد الصاوي ـ مدير الفرقة ومؤسسها ومؤلفها ومخرجها في نفس الوقت.
ونظرة سريعة إلى العروض التي حاولت من خلالها الفرقة تقديم رؤية مغايرة تتسم بالجسارة والاقتحام فنرى أن مسرحية “حفلة للمجانين” جاءت لتطرح مراجعة لثورة يوليو والكشف عن أسباب انحسارها وتقلص دورها ومناقشة هذا الدور بلغة مسرحية حادة بها قدر كبير من التوازن مغلفة بسخرية لاذعة.
أما في “الدبلة” فقد حاكم الصاوي الخطاب الثقافي الآني الذي وقع في فخ الشعور بالاضطهاد نتيجة هيمنة القيم الرأسمالية وتناسى مهمته في إعداد كوادر تكون قادرة على خلق رؤية جديدة تتحلى بالتصدي والمواجهة والخروج من أسر الإحساس بالقهر والتخلف.
وناقشت مسرحية “الميلاد” فكرة القهر المتكررة والضاغطة على الإنسان البسيط، ومنها القهر الإعلامي الذي يساهم فيه الإعلام الزائف بتهميش القيم الإنسانية في مقابل الترويج للأفكار التجارية والمادية.
واعتمدت الرؤية في هذا العرض على طرح وعي مغاير على المستويين الفني والاجتماعي من خلال الاتكاء على ما يمكن أن يسمى بـ”الفكر الثائر في المسرح” خاصة في عنصري التأليف المسرحي الذي خرج من إطار المواضعات الإخراجية التقليدية وهي حالة تؤكد الجدلية القائمة بين خشبة المسرح كأداة للعرض وكأداة للتنوير وبين ساحة الجمهور كأفق مصاحب للتلقي والحوار، وهي نوعية تتماس بشكل أو بآخر من المسرح الملحمي البريختي في كونه وسيلة من وسائل التربية والتوجيه وإن جاء بصورة رمزية، وتفارقها في كونها تعتمد في كثير من الأحيان على الخداع البصري والتحديث في السينوغرافيا وتبادل الأدوار على خشبة المسرح والاعتماد على الرؤية المشهدية التي تقدم في صورة “لوحات” منفصلة بديلا عن الشكل التقليدي للعرض المكون من مشاهد وفصول، وهذه اللوحات وإن جاءت كل منها تعبر بصورة جزئية عن حدث، إلا أنه من شظاياها تتكون رؤية عامة باستطاعتها خلق علاقات جديدة بين الممثل والمتفرج فكلاهما يكون في حالة استعداد مستمر للبحث والاكتشاف عن أدوات تنقب في التاريخ الشخصي والجماعي.
آفاق تجريبية
وعن آفاق الرؤية لدى مخرج الفرقة الفنان خالد الصاوي فإنه يؤكد أنه استفاد من التجارب المباشرة التي كان له الحظ في الاشتراك فيها مع مخرجين عرب وأجانب من خلال عمله مع اثنين من المخرجين الفرنسيين ومخرجة سويدية ودخوله عددا كبيرا من الورش المسرحية والفنية واطلاعه على أهم التجارب الفنية سواء في المسرح أو في السينما على مدار أكثر من عشرين عاما.
وسألناه عن وصف البعض للتجارب المسرحية الجديدة بأنها خاصة بالنخبة المثقفة فأين الخطاب الشعبي؟
أجاب الصاوي بأن هذا الكلام لا ينطبق على فرقته وعلى جميع عروضها التي تعد أعمالا شعبية تراعي الانفتاح على أكبر عدد ممكن من الجمهور، فقد عرضت مسرحية “الميلاد” أمام الجمهور العادي ولاقت نجاحًا كبيرًا وكان المسرح كامل العدد طوال فترة “العرض وكذلك العرض الأخير “اللعب في الدماغ” ويؤكد هذا الكلام فيلم “الحب مسرحية من 3 فصول” الذي شاهده قطاع كبير من الجمهور أثناء عرضه بالتليفزيون المصري.
الإنسان أولا
..وعن ماهية ما يقدمه من خلال فرقة “الحركة” يؤكد الصاوي أنه يخاطب الإنسان البسيط ـ بشكل أساسي ـ وهو الإنسان الذي يكدح ويعاني رغم أنه شريك أساسي في صناعة الحياة بكل ما فيها من منجزات.
ويضيف الصاوي: أخذنا منذ البداية على أنفسنا أن نناصر المهمشين وأن يكون مسرحنا معاديا للعولمة الرأسمالية وعصرها الظالم العنيف، وأن نحث الجماهير على المقاومة.
وعن جعل المسرح، باعتباره أحد المكونات الرئيسية لوعي الشعب، أداة لدفع حركة المقاومة أشار الصاوي إلى أنه من الفنانين المنتمين إلى اتجاه المقاومة ويرى أن المسرح والسينما أدوات نضال مهمة إذا ما نبع هذا النضال من قلب مخلص ومتحمس ومن عقلية علمية تأخذ كل الأمور في الاعتبار وأهمها “الإيمان بالجماهير الكادحة وبطاقاتها اللانهائية” وأن هذا الاتجاه يستلزم إحدى تغيير في الواقع يعكسه بالطبع الفن بجميع اتجاهاته خاصة أن المثقفين المصريين والعرب لا يطرحون الآن، شيئا موحدا وقد قسمهم الصاوي على ثلاثة اتجاهات:
الأول: اتجاه يرحب بالعولمة الرأسمالية وجيوشها الاستعمارية بمبررات خزعبلية وهو اتجاه “عميل” سواء شاء أو أبى، وهناك اتجاه يحرص على التصدي والمقاومة وبداخله أجنحة سياسية مختلفة وهو اتجاه يفرض عليك احترامه برغم الانقسامات بداخله أجنة سياسية مختلفة وهو اتجاه يفرض عليك احترامه برغم الانقسامات بداخله.
وأما الاتجاه الثالث فهو حائر لا يجب التوقف عنده أساسا..
ومن هذا المنطلق جاء عرض “اللعب في الدماغ” عام 2004، وهو العرض الذي حقق نجاحا ملحوظا على مسرح الهناجر، واتسم بلغة مسرحية متماسكة ـ وإن شابته المباشرة ـ في كثير من المشاهد، وإن انحاز إلى فكرة “مسرح الكباريه السياسي” عبر مجموعة من الاسكتشات المسرحية التي غلب عليها طابع السخرية والمفارقة، والنقد اللاذع للسياسة الأمريكية في المنطقة.
وكان هذا العرض بمثابة قفزة نوعية لبطله ومخرجه “خالد الصاوي. لينطلق بعدها إلى الأدوار الرئيسية في السينما والتليفزيون


عيد عبد الحليم