قضية يعقوب صنوع .. ما زالت مستمرة (9) العلاقة بين صنوع وطرّازي

قضية يعقوب صنوع .. ما زالت مستمرة (9) العلاقة بين صنوع وطرّازي

العدد 707 صدر بتاريخ 15مارس2021

هل توجد علاقة بين «فيليب طرازي» صاحب كتاب «تاريخ الصحافة العربية» الذي صدر عام 1913 - بوصفه أول مرجع عربي يكتب عن تاريخ «يعقوب صنوع» - وبين صنوع الذي توفى عام 1912؟! الحقيقة أن هناك علاقة بينهما بدأت قبل وفاة صنوع عام 1911، حيث قال طرازي في مقدمة الجزء الأول من كتابه «تاريخ الصحافة العربية»: «منذ سنتين أَذعتُ نشرة مُعلناً فيها عزمي على تأليف كتاب شامل لتاريخ الصحافة العربية في مشارق الأرض ومغاربها. فصادف مشروعي ارتياحاً لدى روّام المسائل التاريخية الذين أتحفوني برسائل التنشيط واستحثوني على إبراز هذا الفكر إلى حيز العمل»! وفي موضع آخر قال: «لما كان بعض الأدباء والأديبات قد مدّوا لي يد المساعدة في إرسال ما لديهم من الصحف القديمة والحديثة تعزيزاً لمشروعي وخدمة للصحافة تحتم عليّ هنا أن أسرد أسماءهم: الشيخ يعقوب صنوع المصري المُلقب بأبي نظارة وصاحب الجريدة الهزلية المعروفة باسمه في باريز. فإنه أرسل لي المجموعة الوحيدة الموجودة لديه من كل جرائده الكثيرة».
هذه الأقوال تؤكد أن صنوعاً أرسل إلى طرازي صحفه وأشياء أخرى، بدليل قول طرازي في ترجمته لصنوع: «وقد أتحف بها قبل وفاته مؤلف هذا التاريخ على سبيل الهدية والتذكار. وهي مجموعة أدبية ثمينة يندر وجود نظيرها عند أحد الشرقيين الذين لا يكترثون عادة لصيانة الآثار القديمة أو النفيسة». ومن المؤكد أن يعقوب صنوع أرسل لطرازي ضمن ما أرسله – من آثاره القديمة والنفيسة - مخطوطة مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه»، فقام طرازي بنشرها في بيروت عام 1912، والتي تحكي قصة مسرح صنوع في مصر! وهكذا تم نشر نشاط صنوع المسرحي المصري في العالم العربي عام 1912، قبل وفاة صنوع وقبل أن يكتب طرازي ما كتبه عن صنوع في كتابه عام 1913. وهناك دليل آخر يؤكد علاقة الصداقة بين صنوع وطرازي، ويتمثل في أن مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه» عندما نُشرت في عام وفاة صنوع، كانت تحمل إهداء «منشوراً» من صنوع إلى طرازي، قال فيه:
«أهدى كُتيبي ده لأعز الأحباب ولألطف وأجل الكُتّاب. من بأقواله البديعة وأفكاره الرفيعة وعباراته الجميلة وتصوراته الجليلة، يُسليني في الغربة على الهموم والأكدار. ويحببني في الرياض والأزهار. ويصبرني على تقلبات الزمان. يحفظهُ ويحرسهُ الرحمن. وهو جناب الكونت فيليب طرازي الشهير، النجيب الأديب اللبيب النحرير. أبو قلب ملوكاني وروح ملائكية. ما يخرج من عنده الفقير إلا وحامل عطية. يسر عين الناظر برؤية وجهه اللي يتلألأ بالكرم والإحسان. ويطرب أذن السامع بحلاوة وفصاحة اللسان. أهديه روايتي يا سادة. وأتمنى له طول العمر والإقبال والسعادة. ده يا ناس أشهرني في سورية. وكتب ترجمة حالي الحقيرة وجعلها بثنائه غالية غنية».
وهذا الإهداء بألفاظه وكلماته ومعانيه، يؤكد الصداقة القوية بين صنوع وطرازي! ولكن هناك عبارة غريبة، لا أظن أنها ستمرّ على ذهن الباحث الجاد مرور الكرام، عندما قال صنوع في الإهداء عن طرازي: «ده يا ناس أشهرني في سورية. وكتب ترجمة حالي»!! والسؤال الآن: كيف عرف صنوع قبل وفاته بسنة أن فيليب طرازي سيكتب ترجمته وينشرها في كتاب «تاريخ الصحافة العربية» الصادر في عام 1913، أي بعد وفاة صنوع بعام؟! والإجابة المنطقية، تقول: هناك احتمال كبير بأن يعقوب صنوع اطلع على مخطوطة ترجمته المنشورة في كتاب طرازي قبل وفاته، وقبل أن ينشر طرازي كتابه!!
هذا ملخص ما وصلت إليه في هذا الموضوع، ونشرته عام 2001 في كتابي «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»، واكتفيت بإثبات صداقة طرازي لصنوع، مما جعلني أشك في مصرية صنوع وريادته المسرحية كما ذكر طرازي عن صنوع في كتابه «تاريخ الصحافة العربية»! وهكذا التزمت بمنهجي القائم على عدم تصديق كتابات أصدقاء صنوع، حتى أجد ما يثبت صحتها من مصادر أخرى! ورغم منطقية أن صنوعاً اطلع على ترجمته قبل وفاته وقبل نشر كتاب طرازي، إلا أنني تمنيت أن أجد الدليل على ذلك عام 2001!!
الدليل المفقود
أول باحث فكّر بجدية وبعقلية نقدية فيما طرحته في كتابي «محاكمة مسرح يعقوب صنوع»، كان المرحوم الدكتور محسن مصيلحي؛ حيث كتب كتابه الأخير – قبل وفاته عام 2005 – تحت عنوان «من كتب مسرحيات يعقوب صنوع؟». وهذا الكتاب أنصح جميع الباحثين بقراءته لما فيه من أفكار وأسئلة ستلهب حماسكم في أبحاثكم! فهذا الكتاب اعتمد فيه الدكتور محسن على مرجع إنجليزي مهم منشور في لندن، يشتمل على خطابين مؤرخين في عام 1911: أحدهما من طرازي إلى صنوع، والآخر رد صنوع على خطاب طرازي، مما يؤكد صداقة الاثنين قبل نشر مسرحية «موليير مصر وما يقاسيه»، وقبل أن ينشر طرازي ترجمة صنوع!! بحثت عن هذا المرجع عدة سنوات، حتى وجدته عام 2008، فوجدته منشوراً في لندن عام 1987، وعنوانه «يهود مصر The Jews in Egypt»، وبه مجموعة من الدراسات، منها دراسة «شمويل موريه Shmuel Moreh» عنوانها «يعقوب صنوع: صفاته الدينية وعمله في المسرح والصحافة وفقاً لأرشيف العائلة Ya’qub Sanu’: His Religious Identity and Work in the Theater and Journalism, According to the Family Archive».
وهذه الدراسة تشتمل على الخطابين المذكورين! وهما دليلان دامغان على أن فيليب طرازي كتب ترجمة صنوع من كتابات صنوع عن نفسه، ومن مقالة «الحاضرة التونسية» التي أشرنا إليها من قبل! والغريب أن فيليب طرازي أضاف أموراً لا علاقة لها بصنوع «مجاملة له»!! أما المفاجأة الكبرى فتمثلت في أن فيليب طرازي أرسل «مسوّدة» ترجمته عن صنوع إلى صنوع نفسه، ليراجعها ويضيف إليها، ويحذف منها، ويعدّل فيها كما يشاء!! لذلك سأقوم بنشر كل ما جاء في الخطابين متعلقاً بموضوع الترجمة، حيث اكتفيت – من قبل – بذكر ملخص لهما فقط عام 2008، عندما تعرضت للموضوع في كتاب «ألبوم أبو نظارة»!
من طرّازي إلى صنوع
من بيروت بتاريخ 25 كانون الثاني 1911 أرسل فيليب طرازي هذا الخطاب إلى صنوع، قائلاً: «حضرة الشيخ المُكرم: أهديك سلامي مع شوقي واحترامي والآن قياماً بالوعد مُرسل لك صورة الترجمة التي نظمتها وهي تتضمن مختصر تاريخ حياتك الطافحة بكل لذيذ ومفيد وهي عشر صفحات ما عدا مقالة جريدة الحاضرة التونسية التي تبلغ أكثر من صفحتين. ويلزم أن تُضاف هذه المقالة إلى الترجمة في المكان المعد لها نقلاً عن كتاب «حُسن الإشارة في مسامرات أبي نظارة». أظن يا حضرة الشيخ المهذب أن الترجمة توافق ذوقك وتعجب خاطرك ولا سيما أنها حوت أشياءً كثيرة مجهولة عند العموم مثل قصة أصحاب الحمير واختيار اسم أبي نظارة الزرقاء لعنوان الجريدة وغير ذلك مُعمّا فيه. إذا رأيتم إني قصّرت في أشياء أو أخطأت في سواها فالرجا أن تنبهوني كي أجري اللازم قبل طبع كتابي. واعلموا إني حتى الآن ما كتبت لأحد الصحافيين ترجمة نظير ترجمتك حتى لأحمد فارس نفسه ورفاعة بك الطهطاوي ورزق الله حسون وعبد الله نديم وغيرهم مثل جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وبشارة تقلا والكونت دحداح وبعض المشاهير. ومن ذلك تتأكد عظيم اعتباري لشخصك ومحبتي لآدابك وكمالك. ومع الترجمة أرسلت مكتوباً رسمياً لحضرتك حتى إذا شاء خاطرك أن تطبع الترجمة في كرَّاس مخصوص فيلزم أن تصدرها بالمكتوب المذكور الذي مدحتك فيه أيضاً بعبارة موافقة للحال. كذلك أرسلت لك رسمي [أي صورتي الفوتوغرافية] لتجعله تذكراً لديك كما أني حفظت رسمك عندي كذخيرة ثمينة. من جهة طبع الكراس لا حاجة إلى إفادتك بوجوب الاعتناء ليكون طبعه نظيفاً كسائر مطبوعاتك في باريس وليس مثل كتاب «حُسن الإشارة» الذي حصل تقصير كبير في طبعة .... الآن صارت الساعة واحدة بعد نصف الليل وقد تعبت عيناي من الكتابة وفي المرة القادمة أخبركم إن شاء الله عن أمور تهمكم ودمتم».
من صنوع إلى طرّازي
من باريس في 18 فبراير 1911، كتب صنوع رداً على طرازي، قال فيه: «ولدي النبيل، وصديقي الجليل، الكونت فيليب الغالي اللي مدحه صبح رأسمالي. بارك الله فيه، وأعطاه من العزّ ما يكفيه. جاني رسمك العال، المنوّر بالحُسن والكمال طي مكتوب ظريف المعاني لطيف المقال. فشرفت عيوني بمنظر صورتك البديعة. وشنفت أوداني بسمع أقوالك الرفيعة، وحمدت الباري على الصورة الحلوة اللي شفتها. وعلى الأخبار المفرحة اللي سمعتها. أما ترجمة حالي يا أعز الإخوان، يصعب على وصف حُسنها أفصح لسان. لمّا قراؤها لي أصحابي، هرمي برّطع وعاد لي شبابي، فقمت واثباً ونطيت، وتشخلعت ورقصت وغنيت. وسألت نفسي وقلت يا هل تره يا واد، إيش عملت في زمانك من الخير لفيليب محبوب الفؤاد. دا كتب لك ترجمة حال، ما لها مثيل، ما تطلع من يد كاتب من بني موسى وعيسى وإسماعيل، مِرسي يا كونت يا مونشير، جزاك المولى عني كل خير: ده حضرتك رفعتني فوق السبع سموات وألحقتني بأحسن الأقوال وأظرف العبارات. حفظك المولى لسعادة والديك. وجعل السعد خدامك كلما طلبته منه يقول لبيك. هذا ما أتمناه لك من صميم فؤادي يا كونت فيليب يا أعز أولادي. عزيزي أهدي سلامي وشوقي واقراء ثلاثا أو رابعا الترجمة لأعرض لجنابك كلما أرجوك تصحيحه. أول كل شيء أقول إن رسم الترجمة عال العال عافارم عليك يا سي فيليب. قلت في ابتداء الصفحة الثانية «فتبع الفتى حينئذ دين الإسلام» المرجو حذف هذا لأني لم أغيّر اعتقاد والديَّ ولو إني أحترم الثلاثة أديان وأمانتي الوحيدة هي القدر الا لاهية والشاهد ما جرى بيني وبين المرحوم مظفر الدين شاه من الحديث حينما كنت عنده في «كونتر كسفيل» منذ عشر سنوات سألني إن كنت مسلم أو شيعي فجاوبته بإني من بني إسرائيل فقال من حيث إنك تحب أمتنا وتدافع عن حقوقها وتحترم شريعتها وتمدح سلوكها وأمرائها وتمدح علمائها فلماذا لا تسلم وتصبح من الرجال العظام. فقلت له إذا فعلت ذلك يقول الناس: «من لا له خير في دينه فلا يكون له خير في دين آخر اعتنقه لكسب الرتب والأموال». أما الآن فاحترام ومحبة الإسلام في العبد الفقير فهو لكونهم يرون إسرائيلياً رافع لواء الإسلام ومحبتهم عند الجميع وجاعل الألفة بينهم وبين المسيحيين وعمره ما حاكى عن ديانته الأصلية. الحاصل من لطفك محي الأربعة أو الخمسة ألفاظ المذكورة وتجعلني ممنوناً خصوصاً اليوم الأمم تخاوت وصار اليهودي يحب النصراني والنصراني يحب المسلم وترى مراراً الثلاثة على مائدة واحدة في قهوة أو ريستوران يتناولون الطعام ووجوهم عليها علامات الفرح والسرور وكأنهم ثلاثة إخوة من أب واحد وأم واحدة ولا شك أن رجل متمدن ومتهذب ومتقدم في العلوم والفنون مثل جنابك تشاركني في هذه الأفكار العصرية إلخ. قبل انتهاء الصفحة الثانية قلت في ذكر التياترو بمصر بإني كتبت اثنتين وثلاثين رواية هزلية فالمرجو من لطفك تضيف على ذلك «وغرامية» لكوني كتبت روايات بفصل واحد وبخمسة فصول. السيد جمال الدين والشيخ محمد عبده كانا تلاميذي يدرسون عندي اللغة الإفرنسية فقط فالأصوب محي لفظة «تلاميذه». وقلت «إنهم قرّ رأيهم على أن يتولى إدارتها صاحب الترجمة ويحررها العالمان المذكوران» [يقصد جريدته في مصر] أعلم بأن في الخمسة عشر عدد التي صدرت في مصر ما كتب فيها جمال الدين والشيخ عبده وإبراهيم بك المويلحي إلا ثلاث مقالات فقط وأنا تقريباً كتبت كل الباقي بعربيتي المصرية وكنت أول واحد استعمل القلم الدارج الاصطلاحي وكنت مؤسسه فتبعوني كثيرون من الكتباء واليوم في مصر جملة جرانيل بهذا القلم فالمرجو من لطفك تزيد فقط هذه الكلمة «معه» أعني «ويحررها العالمان المذكوران معه». وفي نصف الصفحة الرابعة تجد «ثم أعطاه شيئاً من الدراهم لنفقة سفره» هذا لا أصل له وهو كذب لأن إسماعيل [يقصد الخديوي] ليس فقط لم يعطني شيئاً بل إنه حرّج على الأمراء الذين كنت مدرساً لأنجالهم بأن لا يعطوني ما كانوا مديونين لي به وعند نزولي بالإسكندرية في قارب للتوجه إلى الوابور مرّ من هناك بعربيته ليراني خارجاً من بلاده ورأى الألوف الذين كانوا معي للوداع فصاح الكثير وقال لي انظر يا أبا نظارة الزرقا كيف شيخ الحارة «هذا هو اللقب الذي لقبت به إسماعيل» كيف شيخ الحارة جاء يشفي غليله فيك ويراك بعينه تارك دياره فقلت لهم بعد سنة ينفوه مثلي من مصر وفي الواقع بعد خروجي بسنة تمام حصل الاتفاق بين دولتي فرنسا وإنجلترا ونزلوه من عرش الخديوية وانطلق إلى نابولي وهذه صدفة جعلت المصريين يظنون إني والي أعني قديس وأرى الغيب».
لا أظن أن الباحث الجاد الآن في احتياج إلى دليل ليقتنع أن ما كتبه طرازي عن يعقوب صنوع، هو تاريخ صنوع المنشور في صحف صنوع، بالإضافة إلى أمور أخرى أضافها صنوع بنفسه وبقلمه عن نفسه، مما يعني أن صنوعاً هو كاتب ترجمته المنشورة في كتاب طرازي، مما يخرجها من نطاق البحث إلا إذا وجدنا مصادر أو مراجع أخرى تؤكد معلوماتها، شريطة أن تكون خارج كتابات صنوع وأصدقائه!! ولا أظن أن الباحث سيُخدع بعد ذلك، ويصدق بوجود كتابات عن صنوع خارج كتابات صنوع!! فيعقوب صنوع هو «المصدر الوحيد» لكل ما هو منشور عنه في «جميع» الدراسات!! هكذا قلت وأقول وسأقول، إلا إذا اجتهد الباحثون وأثبتوا العكس، وهذا ما أتمناه لتظهر الحقيقة أمام الجميع من خلال البحث العلمي!
وأتمنى أن يجتهد الباحثون أيضاً في الحصول على كتاب «حُسن الإشارة في مسامرات أبي نظارة» الذي أشار إليه طرازي في خطابه؛ حيث إنه كُتيب صغير، أصدره صنوع في فرنسا عام 1910، ومن الواضح من خطاب طرازي أن هذا الكتيب عن صنوع وتاريخه، مثلما فعل طرازي، مما يعني أن صنوعاً هو كاتب الكتيب، أو تدخل فيه! ومن المحتمل أن صنوعاً أصدره باسم آخر وهو «محمد أمين دربال» - كما أشار موقع جوجل للكتب - وهذا الاسم تونسي، وربما يكون هو من كتب مقالة جريدة «الحاضرة التونسية» التي نشرت ترجمة عن صنوع معتمدة على ما كتبه صنوع عن نفسه في صحفه!! كل هذه المعلومات، يجب أن يتحقق منها الباحث الجاد، ليتأكد بأن صنوعاً كان وراء «كل» ما كُتب عنه وعن حياته في مصر!!
ومما يؤكد هذا الأمر أنني وجدت كتيباً صغيراً مطبوعاً عنوانه «الكواكب السيارة في ترجمة حال الشيخ أبو نظارة» يقع في 64 صفحة. وهذا الكتيب لا يوجد اسم لمؤلفه، بل توجد هذه العبارة «لمصري وطني»! ولا يوجد أي توثيق آخر، فلا نعرف سنة تأليفه أو سنة طباعته، أو مكان الطباعة أو توزيعه أو بيعه .. إلخ! ورغم ذلك نستطيع أن نقول إن هذا الكتيب طُبع بعد عام 1894 لأن هذا التاريخ هو أحدث تاريخ مذكور في أحداث الكتاب، عندما تحدث المؤلف عن صحف صنوع في فرنسا! أما الشيء المؤكد فإن هذا الكتيب لا جديد فيه؛ لأنه مؤلف من خلال صحف صنوع وما كتبه صنوع عنه نفسه في صحفه، وما كتبه أصدقاؤه عنه .. كما هي العادة!! والدليل على ذلك أن مؤلف الكتيب «المصري الوطني»، قال في مقدمة كتيبه عن صنوع: «خالج فكري القاصر تأليف كتاب في ترجمة حاله وذكر محاسن صفاته، فراجعت ما لدي من الصحف القديمة والحديثة التي ذكرت لمحات قليلة من ترجمة حاله فأخذت منها ما راق لي. وأضفت على ذلك ما علمته من أمره وتحققته بالخبر، ووضعت هذا الكتاب». وفي الخاتمة قال: «هذا جُلّ ما أمكن إثباته من ترجمة حال الشيخ الهمام الفاضل – حفظه الله تعالى – التقاطاً من بعض الصحف القديمة والحديثة ومكاتبات الإخوان وما هو لدينا من مجاميع جرائده القديمة والحمد لله على التمام».
ومما سبق يتضح لنا أن صنوعاً كتب قصة حياته بنفسه ونشرها في صحفه بفرنسا، فنقل بعض أصدقائه أجزاءً منها، وكتبوا منها مقالات، قام صنوع بنشرها في صحفه من أجل تعدد مصادر معلومات حياته. كما قام البعض – بإيعاز من صنوع أو بالاتفاق معه – على إصدار كتيبات تتحدث عن حياة صنوع منقولة من مذكرات صنوع وكتابات أصدقائه المنشورة في صحف صنوع، فخرجت هذه الكتيبات وكأنها مؤلفات جديدة تتحدث عن حياة صنوع، ومن هنا ظهر كتيب «الكواكب السيارة في ترجمة حال الشيخ أبو نظارة» بعد عام 1894، وظهر في فرنسا كتيب «حسن الإشارة في مسامرات أبو نظارة» عام 1910؛ وبالرغم من صدور هذين الكُتيبين فإن تأثيرهما كان معدوماً في الكتابات الحديث، التي كُتبت عن صنوع، بعكس تأثير ترجمة طرازي بسبب شهرة كتابه «تاريخ الصحافة العربية»؛ بوصفه أهم مرجع عن الصحافة العربية منذ صدوره وحتى الآن، وهذه الأهمية أثرت كثيراً في ترسيخ مصرية صنوع وريادته المسرحية في الكتابات الحديثة، وحققت غرضاً لجهة معينة، يهمها إدخال صنوع ومصريته وتاريخه وريادته المسرحية في تاريخ الثقافة العربية عامة، والمصرية خاصة!!


سيد علي إسماعيل