وداعا دكتور حسين عبد القادر الأستاذ و معلم الأجيال

وداعا دكتور حسين عبد القادر الأستاذ و معلم الأجيال

العدد 707 صدر بتاريخ 15مارس2021

رحل عن عالمنا الأسبوع الماضي الدكتور حسين عبد القادر، عن عمر يناهز 85 عاما، .. ولد عام 1936 وقدم عطاء كبيرا على عدة مستويات، فقد تولى رئاسة الجمعية المصرية للتحليل النفسي ورئاسة جمعية النفسيين العرب، وكان أستاذا لمادة علم النفس وأثرها على الدراما، وهو من مؤسسي فرقة مسرح الغد وتولى إداراتها، كما  قدم كممثل عدة عروض مسرحية منها «عطيل « ، «هاملت « ، «البرجوازي الصغير « وغيرها، وعمل مع كبار مخرجي المسرح نور الدمرداش، عبد الرحمن الشرقاوي ، كرم مطاوع، سعد أردش وغيرهم. رسالته في الماجستير عن علاج الفصام «الشيزوفرينيا « بالتمثيل، وكانت أول رسالة عربية فى هذا الميدان. حول مسيرته  حصلت مسرحنا على بعض الشهادات من تلامذته وزملائه

قال الناقد أحمد هاشم: ليس من اليسير كتابة شهادة عن الراحل الدكتور «حسين عبد القادر» فهل نتناوله كمخرج وممثل قدير له إسهامات متميزة في المجالين، أم من زاوية كونه أستاذ الجامعة المتخصص في علم النفس «المدرسة التحليلية» على وجه الخصوص، وربطه العبقري بين التحليل النفسي والتحليل الدرامي، أم من زاوية أستاذ الجامعة الواعي بدوره الذي لا ينتهي فى قاعات الدرس وإعطاء المادة العلمية فقط؛ بل يمتد إلى بناء تلامذته علميا وثقافيا، وبث الروح الوطنية فيهم، وتوعيتهم بقضاياهم العربية لاسيما القضية الفلسطينية، وقضايا التحرر بشكل عام، أم نتناول الجانب الإداري لديه الذي يستند إلى التخطيط الجيد والالتزام الصارم في تنفيذ ما تم التخطيط له مهما تضاءلت الإمكانيات المادية، وقد كان البشر لديه هم الأساس، وقد انعكس ذلك جليا حين كلف بإنشاء فرقة «الغد المسرحية» عام 1993فقدم مشروعا لعروض الفرقة في عامها الأول تتضمن سبعة عشر عرضا مسرحيا، قدم منها ستة عروض في الشهور الستة الأولى بينما تجري البروفات في الوقت ذاته لأربع عروض أخرى، وشملت العروض مسرحيات من التراث الفرعوني والإغريقي وعصر النهضة والعصر الحديث ومسرحيات عربية ومصرية، شارك بها العديد من شباب الفنانين حينها في كافة العناصر المسرحية، وتم تقديم تلك العروض بالإضافة للقاهرة في كل من «طنطا، المحلة، الزقازيق، شبرا الخيمة، الإسماعيلية، بور سعيد، بنها وشبين الكوم،”
ولم يقتصر دور مسرح الغد - حينها - على تقديم العروض المسرحية فقط بل تضمنت خطة الدكتور «حسين عبد القادر» أن يتحول إلى مركز إشعاع ثقافي بطباعة الكتيبات التثقيفية، ونسخ من النصوص التي يقدمها مجانا على من يرغب من جمهور المتفرجين، وفى يوم إجازة الفرقة يتحول مسرح الغد إلى قاعة محاضرات فى التخصصات المختلفة لشباب الفنانين الذين يقوم عليهم قوام الفرقة، وكذلك قاعة تدريبات في فن الممثل ويقوم بالتدريب وإلقاء المحاضرات بها كبار الأساتذة في التخصصات المختلفة فى المسرح.
أضاف هاشم : هذا هو الدكتور «حسين عبد القادر»  وإلى ذلك نضيف أيضا دوره الفاعل فى أزمة نقابة الفنانين مع الحكومة، التي اعتصم فيها الفنانون بنقابتهم، و قد عمل مع «على بدر خان، وتحية كاريوكا» على تفويت الفرصة على الفنانين من المتعاونين مع السلطة من حضور الاجتماعات المهمة، دون أن يشعروا بذلك، حتى رضخت الحكومة لطلبات الفنانين.
تابع : إنه الفنان المؤمن بقيمة المسرح وما يقدمه لجمهوره، وقد اختار أن يعمل ممثلا بالمسرح القومي على أن يكون معيدا بقسم علم النفس بجامعة الإسكندرية حين كان يرأس القسم الدكتور «سامي علي « المقيم بباريس حاليا ويعد أهم محلل نفسي بأوربا، بعد وفاة العالم المصري بباريس «مصطفى صفوان».
احمد هاشم قال أيضا: وإذا تحدثنا عن رقة مشاعره وعذوبة لسانه ومخاطبته لطلابه بـ» صديقي/ صديقتي» وابتسامته الودودة التى لا تفارق شفتيه، فلن ننتهي،  إنه الأستاذ الحريص حتى أواخر أيامه على السفر إلى باريس كل عام وقضاء شهرين أو ثلاثة للإطلاع والإلمام بكل ما هو جديد فى علم النفس والتحليل النفسي، وهو الأستاذ الذي أغرى بعضنا - بحلاوة أسلوبه  في نقل المعلومة وتبسيطها بعد أن اكتشفنا على يديه أهمية علم النفس لدارس الدراما - أن يتجه إلى دراسة علم النفس بآداب عين شمس بعد إنهاء دراسة الفنون المسرحية.
علامة فارقة                                                                                                           
د. مدحت الكاشف عميد المعهد العالي للفنون المسرحية قال:الدكتور الجليل حسين عبد القادر علامة فارقة في حياتي وحياة جيلي من المسرحيين ممن تعلموا ونهلوا من علمه الموسوعي في المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث علمنا كيف نربط بين علم النفس والإبداع، وكان يتمتع بجاذبية عالية كمعلم، حتى أستطيع القول دون مبالغة إن تكويننا العلمي والإبداعي يدين بالفضل لأستاذنا الراحل وسنفتقده كثيرا، الله يرحمه قدر ما تركه لنا من إرث علمي ينتفع به.                                 
معلم وصديق ..
وروى المخرج هشام جمعه بداية لقائه به فقال « كان د. حسين عبد القادر سببا فى حبنا للمسرح ، قبل التحاقي بالمعهد العالي للفنون المسرحية،  فقد كنت طالبا بكلية الفنون الجميلة فى الفترة من 1975 وحتى 1980 وكانت بالكلية فرقة مسرحية وهى فرقة «أتيليه المسرح»  وكان يتناوب عليها كبار المسرحيين مثل سمير العصفوري و شاكر عبد اللطيف ومجدي إمام، وعندما توليت مسؤولية الفرقة كان هو من يخرج العرض المسرحي لنا، وقد عرفنا  التحليل النفسي للشخصية حيث كان  أستاذا  لعلم النفس في جامعة عين شمس، وعندما بدأ د. فوزي فهمي تطوير المناهج وجد ان علم النفس مادة مهمة لجميع التخصصات في المعهد فأضافها للمناهج المقررة.                                            
وتابع جمعة « كنا نستمتع بحضور بروفات د. حسين عبد القادر مع فريق كلية التجارة الخارجية الذي كان يعج بنجوم التحقوا بالمعهد العالي للفنون المسرحية عندما تخرجوا مثل الفنان عبد الرحيم حسن ومحمد عبد الجواد وعبد الفتاح شبانه. و علاوة على أن دكتور حسين عبد القادر كان صديقا  لوالدي فقد فقدت أبا وصديقا وأخا.. رحمه .                                                                                                            
منهج التحليل النفسي والسيكودراما
ونعاه د. مصطفى سليم،  بذكر فضله على جيل كامل من دارسي علوم الدراما والمسرح، وكونه  أحد مصادر المعرفة لعدد من الأجيال، وأشار إلى فضله عليه شخصيا كأول من قدمه كمؤلف مسرحي في عالم الاحتراف عام 1996 بمسرحية «بانوراما فرعونية « وقد اختار اسمها بنفسه، بعد إطلاعه على النص ، فترة إدارته لمسرح الغد، وهى فترة هامة استطاع فيها أن يقدم جيلا كاملا من المسرحيين ، علاوة على أنه أحد أهم أساتذة علم النفس الإبداعي على الإطلاق وله الكثير من المؤلفات ، وهو يتميز بشخصية راقية للغاية مؤمنة باللغة الأم وقدرتها على التعبير بطريقة شعرية، وأحد أبرز المؤمنين بمدرسة التحليل النفسي و أحد القلائل الذين يدركون منهج التحليل النفسي والسيكودراما.                                                                                   
العلم والفن
وقال د. عصام أبو العلا : « درس لنا دكتور حسين عبد القادر مادة علم النفس، في الفرقة الأولى درس لنا مادتي علم النفس العام والسلوكي،  وفى العام الثاني درسنا مدرسة التحليل النفسي بشكل مفصل، و كان الاهتمام ينصب بشكل كبير على توظيف المادة في إطار الشخصية وكيفية تحليلها و تشخيصها، وقد تدربنا على يدي الدكتور على تحليل بعض شخصيات ديستوفيسكى ومها «الأخوة الأعداء» بالإضافة  إلى « هاملت» ، « اوديب ملكا « ، وعلى مستوى الشخصيات الواقعية شخصية «دورا « التي كان يعالجها سيجموند فرويد وتم معالجتها مسرحيا بعد مرور خمسين عاما في الغرب .
وأضاف « وقد أفادنا الراحل الكبير إفادة عظيمة فيما يختص بهذه المادة وتوظيفها فى تخصصنا الدقيق، سواء فى مجال الدراما أو التمثيل او حتى في مجال الديكور المسرحى، وقد كان من السهل أن يمزج بين عملية التشخيص والجانب السيكولوجي للمريض، كما استفاد منه علماء كثيرين من الغرب فى مجال السيكودراما فى علاج حالات كثيرة ، ولأنه  امتلك ناصيتي الفن والعلم كان متفردا عن أي طبيب نفسي.
   جيل الرواد                                                                                          
وببالغ الأسى نعى الفنان إسماعيل مختار رئيس البيت الفني للمسرح الراحل الكبير ذاكرا أنه ينتمي إلى جيل الرواد في المسرح،  وأنه كان عضوا بفرقة المسرح القومي ومن مؤسسي فرقة الغد وأنه تولى إداراتها، وكان له التفرد الكبير في استخدام المسرح فى العلاج النفسي والعقلي باستخدام السيكودراما.   
                                                                             
نسج الصورة الدرامية
فيما ذكر المخرج إيمان الصيرفي اللقاء الأول الذي جمعه بدكتور حسين عبد القادر فقال « كان ذلك فى مسابقات الجامعة وكنا نستمع إليه فيما يخص السيكودراما وهو خريج كلية الآداب قسم علم النفس، الذي أخضع كل ما تعلمه لعلم النفس والسيكودراما، وكتب فى ذلك الكثير من الأبحاث والمقالات وتميز بالدقة الشديدة عند تصديه للإخراج، فكان يهتم بأدق تفاصيل الصورة الدرامية وكذلك التفاصيل الخاصة بالحركة، وهو الأسلوب نفسه الذي كان يتبعه أستاذنا الكبير عبد الرحيم الزرقانى.
أضاف : « في فترة تولى المخرج عبد الغفار عودة البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية استعان بالدكتور حسين عبد القادر لإدارة فرقة الغد، وبالفعل أنتج عبد القادر 22 عرضا مسرحيا في زمن قليل،  وكان مشهورا بمشروع المسرح المتجول، و أختلف وقتها مع  المخرج عبد الغفار عودة بسبب أن اختياراته جميعها كانت تنتمى للمسرح العالمي، وكان عودة يود تقديم عروضا مصرية.
تابع : الجميع يشهد له بإخلاصه وتفانيه في أعماله، وقد أسهم فى إضافة البعد النفسي إلى ورشة إعداد الممثل.
بيوت مسرحية
أما المخرج شاكر عبد اللطيف فقال: « صاحب اللغة الخاصة وكان يسمى «حسين حضارة « لأن هذه اللفظة كان دائما يرددها عندما يقابل إى شخص لمدة فكانت الحضارة بداخله وصبغها على الآخرين بالمسمى وكان متعدد الثقافات وكان ممثل محب لفن التمثيل وإن كان فن التمثيل عنده فن كلاسيكى بشكل كبير وفقا للمساقى والمشارب التى تعلم منها وذلك لان الجيل كان جيل قائم على فن التمثيل المبالغ فيه فكان فن التمثيل عنده فن صادق ومبالغ أما سعة الأفق بعد حب المسرح وزمالة العمر فى المسرح القومى كان يهتم بقضايا العاملين والفنانين وكان يهتم بالقوانين المنظمة للممثلين وللدرجات الوظيفية ومسميات البيوت المسرحية وكل هذه الأشياء كانت إهتمام رئيسى عنده فكان شبه نقابى دون ان يكون نقابيا حبا فى المهنة وزملائه وحبا فى العدل وقيمة فن الممثل
وتابع قائلا « كان لا يحدث إجتماع فى المسرح القومى أو على مستوى الهيئة بحثا عن مصالح الفنانين إلا وينتظر الجيمع حسين عبد القادر حتى يقول كلمته الصائبة والصادقة فكان محبا للناس وللمهنة ومدافعا عنها بصدق دون مواربه ، وكان يسعى لتكون المسارح جميعها بيوتا مسرحية كل مسرحا يكون بيت مسرحى قائم بذاته، من حيث الميزانية وإختيار الأعمال ومن حيث النجاح ، الإ انهم تلاعبوا بالمسمى آنذاك وأطلقوا كلمة «بيوت مسرحية «التى كان يجب ان تطلق كل بيت مسرحى مثل القومى والحديث والكوميدى وقاموا بعمل «البيت الفنى للمسرح                                                       
فكأنهم لم يقدموا او يأخروا وبدلا من  الإستقلالية للبيوت المسرحية ميزانية وتصورا وفعل قاموا بعمل بيت فنى واحد لايختلف عما كان قائما وهى «هئية المسرح « وهو مكان يحارب من أجله دكتور حسين عبد القادر وكان معركته خلال أكثر من عشرين عاما وقام بعمل العديد من الدراسات فى علم النفس فقد كان خريج كلية الآداب قسم على النفس ، وأهتم بالدراسة وعمل ماجستير فى علم النفس والتحليل النفسى وكان عميق الثقافة وفى مكتبة الآف الكتب فكان بيته مكتبة كبيرة يتردد عليها جميع الفنانين والمسرحيين .                                                                 


روفيدة خليفة - رنا رأفت